وجه جديد للحرب.. كارثة إنسانية بالقطاع وغارات خلف "الخط الأصفر" وتصعيد بالضفة

"غزة غرقانة يا حكومات جبانة"
تصعيد ميداني وسياسي إسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تتوالى الغارات الجوية والاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين وسط رفض إسرائيلي رسمي لإقامة دولة فلسطينية ورفض لأي حل سياسي يضمن حقوق الفلسطينيين، وذلك في ظل أوضاع كارثية يعيشها النازحون.
وواصل جيش الاحتلال في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، شن سلسلة غارات جوية على مناطق خلف الخط الأصفر شرقي مدينتي خانيونس ورفح جنوبي القطاع، ما أدى لاستشهاد 3 فلسطينيين، تزامنا مع استمرار الكارثة الإنسانية التي تصاعدت مع دخول موسم الأمطار.
وفي الضفة الغربية، استشهد الشاب الفلسطيني حسن الشركسي (19 عاما) بمخيم عسكر شرقي نابلس وأصيب آخر، برصاص قوات الاحتلال ضمن سلسلة عمليات دهم واقتحام نفذتها في عدد من المدن والبلدات، أسفرت أيضا عن اعتقال ما لا يقل عن 14 فلسطينيا.
وقالت إذاعة "صوت فلسطين": إن قوات جيش الاحتلال اقتحمت قرية دير ابزيع، غرب مدينة رام الله (وسط)، ما تسبب في مواجهات استخدمت قوات الاحتلال خلالها الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.
وأدت اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين معا إلى استشهاد ما لا يقل عن 1072 فلسطينيا، وإصابة نحو 10 آلاف و700 إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألفا و500 آخرين، منذ بدء حرب الإبادة في غزة.
وأغلق جيش الاحتلال من 14 نوفمبر، الحرم الإبراهيمي الشريف أمام الفلسطينيين في الخليل جنوبي الضفة الغربية، وفتحه لمجموعة من المستوطنين لأداء طقوس تلمودية.
وأكدت دائرة الحرم الإبراهيمي، أن إجراءات الاحتلال "هي اعتداء صارخ وتعدٍّ خطير على ممتلكات وقدسية الحرم الإبراهيمي الشريف، واستفزاز لمشاعر المسلمين وتشكل خطورة وتهديدا وسعيا للسيطرة على بقية أجزاء الحرم الإبراهيمي الشريف".
وصاحب التصعيد الميداني على غزة والضفة، إطلاق وزراء في حكومة الاحتلال، تصريحات رافضة لأي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية في الضفة أو القطاع، وذلك عقب بيان دولي مدعوم من الولايات المتحدة يدعو إلى "مسار" يتيح تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية.
وقال وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس: إن "سياسة إسرائيل واضحة: لن تُقام دولة فلسطينية". مضيفا أن غزة "ستجرد من السلاح حتى آخر نفق"، وأن الجيش سيواصل نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) داخل ما يعرف بـ"الخط الأصفر"، بينما ستتولى قوة دولية أو جيش الاحتلال تنفيذ المهمة في "غزة القديمة".
وأوضح كاتس أن "الخط الأصفر" يضم ما يزيد قليلا عن نصف أراضي غزة، وهي المنطقة التي انسحب إليها جيش الاحتلال ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن بين إسرائيل وحماس.
كما أعلن أن قوات الجيش ستبقى متمركزة على قمة جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية داخل سوريا "لحماية الحدود الشمالية" بعد سقوط نظام الأسد أواخر 2024.
بدوره، شدّد وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر على أن إسرائيل "لن توافق على إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل وعلى مسافة صفر من مراكز السكان".
وكانت الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية قد دعت في 14 نوفمبر، مجلس الأمن الدولي إلى "الإسراع" بتبني مشروع قرار أميركي يؤيد خطة السلام التي وضعها الرئيس دونالد ترامب بشأن وقف الحرب على القطاع.
وأعربت الولايات المتحدة وقطر ومصر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، في بيان عن "دعمها المشترك" لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضا لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده "سريعا".
ودفع الرفض الإسرائيلي العلني قوى الائتلاف اليميني الحاكم لمطالبة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بإصدار موقف "صارم" يرفض أي مسار للدولة.
وقال وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش: "على رئيس الوزراء أن يوضح للعالم أن الدولة الفلسطينية لن تقام أبدا". منتقدا ما وصفه بـ"الصمت الدبلوماسي" للحكومة خلال الشهرين الماضيين.
فيما جدّد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير رفضه لأي خطوة تفهم كقبول ضمني بالدولة الفلسطينية، وقال في منشور له عبر منصة "إكس": لا وجود لما يُسمى "الشعب الفلسطيني.. إنها فكرةٌ مُضلِّلة، لا أساس لها تاريخيا أو أثريا أو واقعيا".
بدورها، انتقدت حركة "حماس"، تصريحات كاتس، بشأن فلسطين وسوريا، مؤكدة أنها تعكس "النزعة التوسعية لدى الاحتلال" وعزمه على إبقاء حالة الصراع في المنطقة.
وقال متحدث حماس حازم قاسم: إن "تصريحات كاتس عن البقاء على جبال الشيخ في سوريا ومعارضة قيام دولة فلسطينية واستمرار حصار غزة، تؤكد النزعة التوسعية للاحتلال، وعزم إسرائيل على إبقاء حالة الصراع وعدم الاستقرار في كل المنطقة".
وأرجع ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، مواصلة الاحتلال تصعيده على قطاع غزة والضفة الغربية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في شرم الشيخ خلال سبتمبر/أيلول 2025، إلى التواطؤ والخذلان العربي والعالمي لغزة وصمت الوسطاء مما أطلق يد العدو.
وتداولوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #غزة_الفاضحة، #غزة_تغرق، #غزة، وغيرها صورا ومقاطع فيديو توثق الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة بعدما دمرت مياه الأمطار خيامهم وأغرقتها.
كما تداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو لتشييع شهيد نابلس، واستنكروا التصعيد الإسرائيلي على الضفة، معربين عن رفضهم لتصريحات وزراء الاحتلال الرافضة لإقامة دولة فلسطينية وعدوها انتهاكا لحقوق الفلسطينيين وتأكيد نية إسرائيل مواصلة العدوان، ودعوا للردع.
تصعيد مزدوج
وتنديدا بتصعيد الاحتلال استهدافه لمدن القطاع وإعرابا عن الغضب من تصريحات الوزراء الإسرائيليين، قال عزيز المصري: إن وزراء حكومة الاحتلال في مزاد علني للتصريحات ومن يعلي السقف أكثر من الثاني.
وأشار إلى أن "سموترتيش وابن غفير مساء أمس وصباح اليوم كاتس وجدعون ساعر في تصريحات رافضة لمجرد فكرة وجود دولة فلسطينية وضرورة حسم قضية غزة عسكريا وإدراج القوة الدولية تحت البند السابع وتكون مهمتها نزع سلاح غزة".
ولفت المصري إلى أن "إطلاق التصريحات الإسرائيلية جاء بالتزامن مع قرب تصويت مجلس الأمن على مشروع أميركي بخصوص غزة يتضمن بندا حول إيجاد مسار ممكن للدولة الفلسطينية".
وأوضح أنه "حتى المشروع الأميركي لم يتحدث عن دولة فلسطينية، بل عن محاولة إيجاد مسار ممكن لإمكانية الحديث عن دولة فلسطينية". ساخرا بالقول: "في انتظار باقي النهار ومين يرفع السقف أكثر في تصريحاته".
وتساءل عبد الرحمن علي: “أيحتاج موقف بهذا الوضوح إلى معجم سياسي كي نفهمه؟” مشيرا إلى أن محددات إسرائيل الثلاث قبيل اجتماع مجلس الأمن "أولا: لن تكون هناك دولة فلسطينية. ثانيا: إسرائيل ستبقى في جبل الشيخ داخل الأراضي السورية. ثالثا: سنمضي قدما في نزع سلاح حماس وتدمير أنفاق غزة نفقا تلو الآخر".
ونقل تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، متسائلا: “هل نحن مدركون… وجاهزون؟!”
واستنكرت المغردة ضحى شن جيش الاحتلال غارات جوية تستهدف مناطق خلف الخط الأصفر شرق مدينتي خان يونس وغزة، وتنفيذ عملية نسف لمنازل سكنية في مدينة رفح جنوب القطاع بينما تغرق خيام النازحين.
وندد عبدالله أحمد بأن "غزة تعيش بين شتاء قارس وأمطار تغرق الخيام وقصف إسرائيلي".
وأكد همام الزيتونة، أن الطيران الحربي على ارتفاعات منخفضة جدا في سماء القطاع.
واستنكرت مايا رحال، أن "إسرائيل" أصبحت تسيطر على مساحة شاسعة كبيرة من قطاع غزة وتقضم أراضيها خلف حدود صفراء وخضراء رغم أن خطة ترامب واتفاق وقف النار يشترط على إسرائيل الانسحاب الكامل من القطاع مستقبلا.
وتساءلت: “هل هذه السيطرة تمهد لاحتلال غزة مستقبلا من قبل الاحتلال تحت ضوء أخضر من القوات الدولية؟”
أوضاع كارثية
وتنديدا بالأوضاع الكارثية والمأساوية التي تعيشها غزة جراء الحالة الجوية، قال الصحفي يوسف الدموكي: "غزة الآن بين مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، سيول تجرف كل شيء، تجر الخيام وتهلك أعصاب من فيها، فلا يجدون مفرا من أمر الله إلا لأمر الله".
وأشار إلى أن “الغزيين لا يجدون في الوقت ذاته موضع سجود واحد في الأرض، يتوضؤون بدموعهم، يقولون إلى مَن تكلُنا؟”
وشبه أحمد وائل حمدان قطرة المطر التي تسقط على ظهر الخيمة بقذيفة تسقط في صدر ساكنيها، تُربك نومه، وتوقظ خوفه.. وتؤرِّق روحه وتجعله في ترقُّب دائم متى ستنهار عليه خيمته أو متى سيغرق بها.
وعرضت فاطمة التريكي صورة تظهر خيمة غارقة بمياه الأمطار، موضحة أن هذا شتاء ثالث يقبل عليهم ببرقه ورعوده وبرده فتغرقهم أمطاره وترتجف من صقيعه أجسادهم. يغرقون في خيامهم ويغرق العالم في عراء إنسانيته.
مناشدات واستغاثات
ورأى عمر محمد العطل وجوب إعلان حالة الطوارئ القصوى في غزة الآن. مشيرا إلى أن الناس غرقوا في خيامهم، تبللت ملابسهم وفُرُشهم، وخرجوا إلى الطرقات لا يعرفون أين سيقضون ليلتهم.
وناشد قائلا: "يا كرام… لا تتركوا غزة وحدها.. كما نصرتموها في الحرب، انصروها في بردها وليلها ومأواها.. فأهل غزة يقفون اليوم على حافة البرد والجوع والتشرد، ويحتاجون كل بابٍ من أبواب الخير".
ودعا الكاتب براء نزار ريان أحباب غزة إلى أن يملؤوا الدنيا ضجيجا من أجل الخيم الغارقة والصغار المشردين. مؤكدا أن الحرب لم تنته بل اتخذت وجها جديدا.
وأكد عبد الرحمن بن الحسين، أن "من أوجب الواجبات على الأمة مساندة أهلنا في غزة، ماليا ومعنويا، والمساعدة قدر الإمكان، وخاب وخسر من خذلهم ولم ينصرهم أو يساندهم".
ونشر بلال نزار ريان، كل رابط أو تغريدة تهدف لمساعدة أهل غزة، داعيا للتواصل مع المحتاجين مباشرة ودعمهم بما يستطيعون.
وأكد أن جبر الخواطر اليوم من أعظم الأعمال وأقربها إلى الله، راجيا وضع الروابط في التعليقات والمشاركة بلا تردّد وأن يكون الجميع سندا لإخوانهم المخذولين.
إبادة صامتة
وإعرابا عن الاستياء من تجاهل العالم أجمع والأنظمة العربية الحاكمة خاصة للوضع بغزة، عرض السياسي محمد البرادعي مقطع فيديو لطفل يقول "يا الله خذنا"، علق عليه ناشط فلسطيني بالإشارة إلى أن هذه أصعب فصول الإبادة الصامتة، ترك الناس يموتون ويغرقون ويمرضون في خيام ممزقة.
وعقب البرادعي على المقطع بالقول: "هؤلاء أهلنا يا عرب من باب التذكير". مشيرا إلى قول نزار قباني: "رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم.. ولكنني...ما رأيت العرب!!".
وتساءل طلال حمد عبداللطيف: “متى يتحرك العالم ويساند أهل فلسطين في الضفة وغزة؟ ويوقف تعدي الاحتلال على أهالي فلسطين؟ ماذا تنتظرون؟”
وقال عزالدين دويدار: "غزة غرقانة، يا حكومات جبانة". متسائلا: “يا ضامنين أمن إسرائيل، أليس لغزة حقوق تعهدتم بضمانها؟ ألم تضمنوا فتح المعابر؟ ألم تضمنوا إدخال 600 شاحنة باليوم؟”
وتابع تساؤلاته: “ألم تضمنوا إدخال الخيام والكرفانات؟ ألا تمتلكوا نسخة من الاتفاق الذي وقعتم عليه؟ أم أن الأوراق ضاعت منكم بعدما انفضت الحفلة وأخذتم اللقطة؟”
ودعا الباحث المتخصص في النزاعات والاقتصاد السياسي محمود العيلة، لإخبار العالم أن حرب غزة انتهت على الورق ومانشيتات الأخبار فقط، لكنها لم تنتهِ في غزة، وأن أجساد الناس ما زال البرد ينخر عظامها والمطر يجتاح خيامهم كل يوم.
وطالب بإخبار العالم أن هناك الكثير من الشباب يستيقظون كل يوم باحثين عن طعامٍ لأهلهم في مدينة تحولت إلى جبال من الركام، والقلق والخوف وصوت الزنّانة استوطنت قلوب الناس وآذان أطفالهم.
وقال العيلة: "الحرب لم تنتهِ يا عالم، إنها تتبدّل من قنابل تحرق البيوت إلى وجع يحرق القلوب، ومن دمار في الشوارع إلى خرابٍ صامت في الداخل.. هناك حروب كثيرة ما زالت تدور في الرأس وفي كل قلب لم يجد بعد طريقه إلى الراحة.. غزة تحولت إلى بيت عزاء وحزن كبير".
الضفة تستباح
وتحت عنوان "عن الضفة الغربية.. ما يخيف الغُزاة وما يطمئنهم!"، قال المحلل السياسي ياسر الزعاترة: إن ما يمنح الغُزاة بعض الطمأنينة التي تشجّع مداهماتهم وجرائمهم اليومية (بجانب مستوطنيهم)، هو أن في الضفة الغربية سُلطة "فتحاوية" لديها قرار حاسم بمنع الانتفاضة.
وتساءل: "كيف سيتخلّى رموزها عن مكاسبهم الشخصية، ويخوضون غمار التضحيات.. لا سيما أن من ورائهم جيل شاخ، وآخر لم يعرف من النضال شيئا غير "ازرع ليمون، ازرع تفاح"!".
وأشار مصطفى صقر إلى أن إذاعة جيش الاحتلال كشفت أن الجيش أعدَّ بنك أهداف واسعا داخل عمق التجمعات السكنية في الضفة الغربية، وفي المناطق الأردنية المحاذية للحدود، محذرا من أن الأمر جد خطير.
وتساءل: "هل نحن على استعداد للمرحلة القادمة؟"، مشيرا إلى أن الإجراء الذي اتخذه الاحتلال يأتي في إطار استعدادات عسكرية لاحتمال انهيار منظومة القيادة والسيطرة في الجيش، بما يتيح تنفيذ ضربات جوية سريعة ومنسقة للتجمعات السكانية الفلسطينية والأردنية، في حال فقدان الاتصال أو تعطل مراكز القيادة الميدانية.
وعرضت ريم العلوي مقطع فيديو يوثق اقتحام مستوطنين متطرفين ملثمين قرى في الضفة وإحراق السيارات والمنازل وإصابة أربعة فلسطينيين، في حين تدخلت القوات الإسرائيلية فقط بعد وقوع الضرر، مستنكرة تزايد اعتداءات المستوطنين الإرهابيين دون رادع.
وفي نعي ورثاء شهيد نابلس، قال محمد جبارة: "وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين.. صدق الله العظيم.. الشهيد البطل ابن الخال حسن أحمد جميل موسى قمر جديد يلتحق بكوكبة شهداء فلسطين ألف رحمة ونور لروحك الطاهرة".
واستنكر طلال إبراهيم إغلاق جيش الاحتلال الحرم الإبراهيمي أمام المواطنين الفلسطينيين في الخليل، وفتحه للمستوطنين الصهاينة لأداء طقوس تلمودية وتدkيسه، قائلا: "الحرم يُستباح".















