مكافحة الفساد الإداري المستشري في المغرب.. هل يفي وزير الداخلية بالوعود؟

سلمان الراشدي | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تصريحات جديدة للسلطات المغربية تحذّر من المساس بأملاك الدولة، في وقت تتزايد فيه الانتقادات لغياب إجراءات عملية تُترجم تلك التحذيرات إلى واقع ملموس. 

الموقف الرسمي الذي وُصِف بأنه "الحاد" في لهجته، أعاد إلى الواجهة الجدل حول جدّية حكومة عزيز أخنوش في مواجهة قضايا الفساد واسترجاع المال العام، خصوصا مع تأكيد جمعيات مدنية أن "مافيا الفساد تغوّلت على الدولة والمجتمع، وأصبحت تمتلك مواقع تكاد تكون محصّنة". 

وبين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، يظل السؤال مطروحا حول مدى استعداد الحكومة للانتقال من مرحلة التصريحات إلى مرحلة الأفعال، خاصة أن هناك محاكمات دون استرجاع للأملاك والحقوق.

رسالة معلقة

وقال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت: إن “كل من مدّ يده إلى درهم أو عقار من أملاك الدولة سيُجبر على إرجاعه، طوعا أو قسرا.. أو سنصل معه إلى نقطة سيئة”.

وتحدث لفتيت في ردّه على مداخلات النواب البرلمانيين عن الحكومة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، قائلا: “إذا كانت هناك أرض مخصصة لمشروع ما، فلا ينبغي أن نتهاون في التعامل معه، وسنعود إلى الماضي ونحاسب الناس".

وخاطب المسؤولين المنتخبين قائلا: "من كانت لديه أرض تابعة للجماعة (البلدية) أو درهم ليس من حقه، فمن الأفضل له أن يردها، وقد بدأنا العملية في مدينة الدار البيضاء وسنمضي بها حتى النهاية".

وفي تفاعله مع ذلك تساءل المحلل السياسي، محمد حفيظ: “ألا تعرف وزارة الداخلية المنتخبين الذين استولوا على الأراضي أو اختلسوا المال العام، حتى تلجأ إلى الانتظار إلى أن يتفضل المختلسون والناهبون بإرجاع ما اختلسوه ونهبوه (عن طيب خاطر)، بتعبير الوزير؟!”

وأضاف حفيظ في مقال نشره عبر موقع “سفيركم” المحلي في 7 نوفمبر: “هل على وزارة الداخلية أن تُخَيِّر هؤلاء المختلسين والناهبين بين الخاطر (بالرفق) وبزّزْ (بالقوة): إما أن يُرجعوا ما اختلسوه ونهبوه بالخاطر، وإما أن يتم إرجاعه منهم بْزّزْ؟!”

وأجاب بأن “وزارة الداخلية لها من الوسائل القانونية والإمكانات التقنية والموارد البشرية ما يُمَكِّنها من معرفة كل من استغل مسؤوليته بالجماعات الترابية للنهب والسرقة والاختلاس”.

وتابع: "ولها من الوسائل والإمكانات والموارد ما يجعلها تعرف من يغتني اغتناء غير مشروع، ويتاجر في أموال المغاربة، وفي أمتار المغرب".

وشدد حفيظ على أن "أي تقاعس أو تأخر في التدخل لحماية الأموال العامة والممتلكات العامة واسترجاعها لا يعفيها من تحمل المسؤولية".

وتابع: "في جميع الأحوال، لا نتمنى أن يتحول تعليق السيد وزير الداخلية على ميساجه (رسالته) إلى تعليق له.. ولنا، في التاريخ القريب، سوابق مع مثل هذه الميساجات (الرسائل)".

يأس جماعي

وفي السياق، قالت البرلمانية عن "فدرالية اليسار الديمقراطي"، فاطمة التامني: إن “الوضع الحالي للفساد في بلادنا مقلق إلى حد كبير؛ لأن مظاهره لم تعد استثناءات، بل أصبحت واقعا يوميا يعرقل التنمية، ويقوض ثقة المواطنين في المؤسسات، ويكرس الإحباط واليأس الجماعي”.

وكتبت التامني تدوينة بعنوان "الفساد في المغرب: الخطر الصامت الذي ينخر الثقة والدولة"، أكّدت فيها أنه رغم كل الشعارات المكررة عن "الشفافية" و"ربط المسؤولية بالمحاسبة"، فإن جواب الحكومة وأغلبيتها لا يرقى إلى حجم الخطر.. خطاب بلا فعل، لجان بلا أثر، وهيئات بلا صلاحيات، وشعارات تظل حبيسة الورق.

وأضافت في تدوينتها على فيسبوك في 6 نوفمبر، "الحقيقة أن محاربة الفساد لا تحتاج شعارات جديدة، بل إرادة سياسية حقيقية تضع حدا للإفلات من العقاب، وتفعل آليات الرقابة والمحاسبة، وتفتح ملفات الريع والصفقات العمومية وتضارب المصالح بلا تردد".

وشددت التامني على أنه “عندما يصبح الفساد منظومة تحمي نفسها، وتتحول السلطة إلى أداة للتغطية بدل المحاسبة، فذلك يعني أننا أمام تهديد مباشر لمبدأ العدالة وللدولة نفسها”.

ورأت أن “الرهان اليوم ليس على وعود الحكومة، بل على وعي المجتمع وقواه الحية التي ترفض التطبيع مع الفساد، وتدافع عن دولة القانون والمساواة والشفافية، متسائلة لماذا تم إقبار مشروع قانون الإثراء غير المشروع؟”

من جهته، هاجم رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، ما وصفه بـ"اللصوص ومبيضي الأموال" الذين يتورطون في نهب المال العام والعقار العمومي. مشددا على أنهم “يؤسّسون شركات من الباطن للظفر بالصفقات العمومية، ويحرفون البرامج العمومية لخدمة مصالحهم ومصالح عائلاتهم وأنصارهم”.

وقال الغلوسي، في تدوينة على "فيسبوك": إن "هؤلاء يُرهبون الناس ويستقوون بالسلطة، ويحاولون أن يظهروا لها كل الود والولاء، وحين يعتلون منابر مثل البرلمان تراهم يتسابقون للدفاع عن الحكومة أو وزارة الداخلية أو رجال الأمن، في محاولة لإظهار إخلاصهم للدولة والمصلحة العامة".

وأكد  أن "الدولة والمؤسسات ليست بهذا الضعف لتحتاج إلى اللصوص كي يدافعوا عنها وعن السلم والأمن الاجتماعيين، فهؤلاء في الحقيقة أكبر تهديد لهما". مشيرا إلى أن "حقيقة الأمر أن هؤلاء منافقون ودجالون ومشعوذون ومحتالون ومرتشون، ذممهم متسخة، يبحثون فقط عن الاستقواء بالسلطة للإفلات من العقاب وتحصين ما نهبوه من خيرات البلاد".

مؤشرات مقلقة

وفي السياق، قالت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها: إن المؤشرات تؤكد على استمرار الوضع غير المُرْضي لمستوى تفشي الفساد في المغرب؛ حيث يواصل المغرب تقهقره في الترتيبات العالمية ذات الصلة.

وأكدت الهيئة (رسمية) في عرض حول مشروع ميزانية 2026، جرى تقديمه بمجلس النواب، في 5  نوفمبر، أنه وعلى غرار الحكومات السابقة، فإن مؤشر إدراك الفساد واصل تقهقره في ظل حكومة أخنوش؛ حيث تراجع المغرب من الرتبة 87 عالميا في سنة 2021 إلى الرتبة 99 في سنة 2024.

وبخصوص مؤشر سيادة القانون التابع لمشروع العدالة العالمي، فقد توقفت الهيئة على أن تحليل المؤشر الفرعي "غياب الفساد"، يبرز أن المغرب تدهور تصنيفه الدولي في هذا المجال بشكل كبير؛ حيث تراجع من المركز 47 عام 2015 إلى المركز 95 عام 2024، مما يعكس وضعية متزايدة السلبية مقارنة بالدول الأخرى.

ووفق المعطيات الرسمية، فإن ولاية حكومة أخنوش، تُعدّ من أكثر الولايات متابعة وإدانة قضائية في صفوف البرلمانيين في قضايا الفساد بمختلف أنواعه، فضلا عن العدد غير المسبوق من قرارات التجريد أو إلغاء الانتخاب الصادرة في حق أعضاء مجلس النواب.

ويرى متابعون أن الولاية الحالية تؤرّخ لإحدى أسوأ التجارب البرلمانية، التي يُخشى أن تدقّ مسمار انعدام الثقة الأخير في نعش البرلمان المغربي، بالنظر إلى حجم المتابعات القضائية في ملفات الفساد.

وبحسب أرقام وزارة الداخلية للسنة المالية 2025 والذي أحيل على البرلمان مطلع نوفمبر، بلغ عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية (البلديات) 302 حالة، شملت 52 رئيسا، و57 نائبا للرئيس، و124 عضوا، و69 رئيسا سابقا، وذلك خلال عام 2025 فقط.

وحتى 10 اكتوبر/ تشرين الأول 2025، تم إيداع 11 نائبا السجن من أصل 395 نائبا انتُخبوا في 7 سبتمبر/ أيلول 2021 لتمثيل الأمة في المؤسسة التشريعية.

ولا يزال 26 نائبا برلمانيا متابعين في ملفات فساد، منهم من نال البراءة ابتدائيا، ومنهم من أدين ابتدائيا فقط، وآخرون صدرت في حقهم أحكام استئنافية وينتظرون النقض.

وفي رقم غير مسبوق، فقد 63 نائبا برلمانيا مقاعدهم في البرلمان، نصفهم بسبب التورط في قضايا الفساد (مالي، إداري، انتخابي…)، والنصف الآخر لأسباب مختلفة، منها التنافي أو عدم الأهلية أو الاستقالة.

وقال الباحث في العلوم السياسية، أمين الإدريسي: إن "المغرب رغم توفره على قوانين تشريعية ومؤسسة رسمية مخصّصة للنزاهة، وهي  الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فإن ضعف تفعيل هذه الآليات وغياب مستوى كافٍ من المساءلة ما يزالان يشكّلان أحد أهم العوائق أمام جهود مكافحة الفساد". 

وأضاف الإدريسي لـ"الاستقلال" أن "المعطيات المتوفرة تُظهر أن الفساد ليس حالة ظرفية أو طارئة، بل منظومة مترسّخة تتجلى في عدد من القطاعات، من الخدمات العمومية إلى العقار والصفقات، وهو ما يعكسه شعور جزء كبير من المواطنين بانتشار الرشوة داخل المجالس المنتخبةا".

ورأى أن "التصريحات الحكومية وآخرها ما جاء على لسان وزير الداخلية السيد لفتيت لا يثير حماس المواطنين؛ لأن هناك انطباعا راسخا أن الفساد مستمر وأن المسؤولين والمنتخبين لا تردعهم التصريحات".

ولفت إلى أن "هشاشة منظومة الحوكمة والمساءلة تؤثر بشكل مباشر على مناخ الثقة داخل المجتمع، وقد تفتح المجال أمام مزيد من العزوف والتوترات".

وشدد الإدريسي على أن “الصورة السلبية المرتبطة بالفساد تُضعف جاذبية المغرب لدى المستثمرين، وتؤثر على تنافسيته الاقتصادية”.