مشروع قانون يمنع انتقاد نتائج الانتخابات في المغرب.. ما الذي يخشاه أخنوش؟

"التشريع يدل أن الدولة تريد أن تمر انتخابات 2026 دون أي ضجيج أو انتقادات حول استعمال المال القذر"
أثار قانون الانتخابات الجديد بالمغرب موجة انتقادات واسعة، وتحذيرات من خطورتها على نزاهة تشريعيات 2026، والذي أحالته حكومة رجل الأعمال الفاسد عزيز أخنوش على البرلمان للمناقشة والتصويت.
فمنذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، احتدم الجدل بالشارع المغربي بشأن المادة الثانية من مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 27.11، المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب.
وتنص المادة على عقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات حبسا، وغرامة من 50 ألفا (5.5 آلاف دولار) إلى 100 ألف درهم، لكل من قام أو أسهم أو شارك بأي وسيلة من الوسائل (…) في نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات.
يأتي هذا القانون في إطار استعداد المغرب لإجراء انتخابات يرتقب أن تجرى سبتمبر/أيلول 2026، فيما يتحدث محللون عن إمكانية إجرائها قبل يونيو/حزيران، لا سيما في ظل الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده البلاد ضد حكومة أخنوش.

نوايا خبيثة
تعليقا على الحدث، قال وزير الشغل الأسبق والقيادي بحزب العدالة والتنمية المعارض محمد يتيم: إن التشكيك في نتائج الانتخابات ليس جريمة، بل ممارسة لحرية التعبير وقيام الأحزاب بدورها.
وشدد يتيم لـ"الاستقلال" على أن هذا التشكيك يعد أمرا عاديا في ظل قوانين انتخابية فاسدة، من قبيل اعتماد قاسم انتخابي يحتسب المقاعد على أساس المسجلين وليس المصوتين.
وأكّد المسؤول الحكومي السابق أن المطالبة بعدم التشكيك في الانتخابات تتطلب إرسال رسائل واضحة، ومنها محاربة استخدام الأموال ومراجعة القاسم الانتخابي الذي يجعل الكتلة التي لم تشارك في الانتخابات تتحكم في النتائج.
وأردف، كما أن على الداخلية أن تقوم بواجبها في منع رجال السلطة على مختلف مكاتبهم بعدم الضغط على المرشحين أو توجيه الناخبين، كما وقع في ممارسات سابقة.
وبدل منع التشكيك في الانتخابات، يقول يتيم، أكبر رسالة اليوم منتظرة من وزارة الداخلية هي مراجعة القاسم الانتخابي الذي يجعل من لم يشارك في التصويت يتحكم في نتائج العملية، مشددا أن "الداخلية تعرف هذا أكثر من أي جهة أخرى".
يشار إلى أن النظام الانتخابي الذي أجريت في ضوئه انتخابات 2021 يقوم على احتساب أصوات الفائزين بناء على عدد المسجلين؛ حيث يتم قسمة مجموع المسجلين على مقاعد الدائرة للوصول إلى القاسم الانتخابي الذي يعلن على أساسه الفائز بالمقعد، وهو نظام غير معمول به في أي تجارب دولية أخرى.
ومن الناحية القانونية، يرى أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد باسك منار، أن المادة التي أثارت الجدل "صيغت بلغة فضفاضة، بحيث يمكن لأي شخص أن يُعتبر قد "شكك في الانتخابات" بناءً على أدنى فعل أو قول".
وأشار باسك منار لموقع "صوت المغرب"، 27 أكتوبر 2025، إلى أن استعمال مجموعة من الأفعال يجعل تطبيق هذا المقتضى ممكنا على أي شخص، "ليس فقط على من يبث محتوى مشككا، بل أيضا على من نشر أو وزّع أو ساهم أو شارك".
وأضاف، كما أن الأمر قد يشمل حتى من يضع "إعجابا (Like)" على تدوينة في فيسبوك؛ إذ يمكن عدّه "مشاركا" وتُطبق عليه العقوبة نفسها.
وأكد المتحدث ذاته ضرورة توضيح المفاهيم القانونية، متسائلا: “ما المقصود من وراء 'بقصد'؟ وكيف سنعرف إن كان الشخص 'يقصد' أم 'لم يقصد'؟ وما المقصود بـ'التشكيك'؟”
وقال: "ليس مقبولا أن يُقال 'التشكيك' من دون توضيح دقيق للمقصود به، حتى لا يترك المجال مفتوحا أمام التأويلات".
وحذّر الأستاذ الجامعي من أن "الصياغة الحالية لمشروع القانون التي يغلب عليها الطابع الترهيبي، قد تعكس تخوفا من إشكالات قد ترافق الانتخابات القادمة".
وعليه، دعا إلى "ضرورة استدراك الأمر ومعالجته من قبل النواب البرلمانيين، أو على مستوى المحكمة الدستورية في حال المصادقة البرلمانية عليه، بما يضمن الموازنة الدقيقة والقانونية بين الحفاظ على مصداقية الانتخابات وحرية التعبير".

انتخابات بلا نزاهة
شكل المقترح مادة رئيسة لتفاعلات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تساءل الناشط الحقوقي عزيز غالي، عن جدوى هذه الانتخابات.
وأضاف غالي في تدونية عبر فيسبوك بتاريخ 25 أكتوبر 2025: "ليعلنوا مباشرة عن تشكيلة مجلس النواب حتى لا تكتظ السجون بالمشككين... هذا يتجاوز العبث بسنوات ضوئية".
فيما قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي: إن هناك مافيات ولوبيات فساد تؤسس لدولة داخل الدولة والتي قامت بنقل القانون الجنائي إلى كل القوانين الأخرى لتعميق الفساد والاستبداد، وقتل السياسة وكتم الأنفاس وتكميم الأفواه، وإنهاء ما يسمونه هم "الفوضى".
وأضاف الغلوسي في تدوينة عبر فيسبوك بتاريخ 27 أكتوبر 2025؛ ذلك لأنهم يكرهون الحرية ويمقتون كل من يطالب بها أو يحلم بها، نعم مجرد الحلم.
واسترسل: "إنهم يريدون دولة لهم وحدهم، لأن المال العام هو مالهم هم، ونحن مجرد جمهور، علينا فقط أن نصفق وأن نحمد الله لأنهم لم يقطعوا الأوكسجين".
بدوره، وصف الحقوقي عمر أربيب المقترح الجديد بأنه يمكن أن يدخل تحت عنوان "معاداة التشكيك في نزاهة الانتخابات والمنتخب".
وأضاف أربيب في تدوينة عبر فيسبوك، 25 أكتوبر 2025، "أعتقد أن أول إجراء يجب أن تقوم به الدولة هو حل الأحزاب التي تشكك في نزاهة الانتخابات، ومتابعة كل من يفضح الفساد الانتخابي المستشري في البلاد، ومتابعة كل من ينتقد ما يسمى زورا البرامج الانتخابية والبرنامج الحكومي".
والخلاصة وفق الفاعل الحقوقي، أنه مع كل انتخابات، هناك إبداع سلطوي يعمق أزمة المسلسل المسمى تجاوزا "ديمقراطي".
أما الكاتب الصحفي توفيق بوعشرين، فقال: إن المقترح المثير للجدل يتعارض مع حديث وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مع الأحزاب السياسية خلال الصيف بشأن انتخابات 2026، والذي حمل آمالا كبيرة وعريضة للمواطنين، وأكّد فيها على ضمان كل شروط النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص.
ونبَّه بوعشرين في تحليل نشره عبر قناته على يوتيوب بتاريخ 27 أكتوبر 2025، أن مبرر حماية الحياة الخاصة ليس في محله في هذا المقترح؛ لأن هناك قانونا للصحافة والنشر وهناك القانون الجنائي للتعامل مع هذا الأمر.
ورأى المتحدث ذاته أن الهدف الحقيقي للمقترح هو مواجهة صعود حزب العدالة والتنمية المنتظر في الانتخابات المقبلة، مشددا أن القانون يجب أن يكون عاما ومجردا، لا أن يكون بهدف استهداف حزب أو فئة خاصة.
وشدّد بوعشرين أن من يمس بصدقية الانتخابات ليس الإعلام أو المراقبين بل الداخلية نفسها، بتدخلها ومحاولة التحكم في نتائجها.
وخلص إلى أن الأمور السياسية لا تدار بالقانون الجنائي، وأن التركيز على القانون هو بدعة سيئة جدا، تخفي سعيا للتحكم المطلق في المجتمع، وهذا أمر لا يمكن قبوله.
مواقف رسمية
التعبير عن مواقف غاضبة أو رافضة للمقترح لم تتوقف عند الفاعلين الحقوقيين والناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب، بل تعداه إلى الحقل الحزبي والحركي.
وفي هذا الصدد، أكد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران أن "تجريم التعبير عن موقف من الانتخابات المقبلة نتائجه ستكون عكسية ويجب أن يُراجع".
ونبه ابن كيران في مقطع فيديو تفاعلي، نشره في 29 أكتوبر 2025، أن وراء كل قانون يجب أن يكون هناك منطق وخلفية قانونية وعاقلة، ولذلك لا يمكن للدولة أن تتصرف بتصرفات طائشة أو غير عاقلة، مما يدفع للتساؤل عن الأساس الذي يَسمح بمعاقبة شخص عبَّر عن موقف بشأن الانتخابات المقبلة.
وشدد الأمين العام للحزب الإسلامي على أنه لا يمكن لوزارة الداخلية أن تَحرم المواطنين من حقهم في الشك، مشيرا إلى أن الشك المبني على غير أساس لن يلتفت له أحد، بخلاف إن كان مبنيا على دلائل وحجج.
ونبه ابن كيران إلى أن الدفع بهذا القانون سيجعل البعض يتساءل إن كانت هناك نية أو تعويل لتزوير الانتخابات المقبلة، وأن هذا التجريم هو لحماية من يقوم بذلك بالقانون.
"لا أرى لهذا القانون وجها في نظري في عهد الملك محمد السادس، لأنه يمس صورة بلادنا"، يؤكد ابن كيران، موضحا أن القرارات والقوانين المشابهة تكون لها نتائج عكسية.
ومن هذه النتائج، يقول الأمين العام لحزب "المصباح": إن أداء خمس سنوات في سبيل تحسين أوضاع البلاد قد يبدو للكثيرين ليس فيه أي إشكال، المهم أن يعبر عن موقف، مما يستدعي ضرورة إعادة النظر في المقترح، يؤكد ابن كيران.
أما الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، جمال العسري، فرأى أن هذا التعديل هو "خطوة إلى الوراء".
وشدد العسري لموقع "هسبريس"، في 27 أكتوبر 2025، أن هذه العقوبة "غريبة وعجيبة، في بلد ليست به ديمقراطية حقيقية، وأيضا ليس نظاما عسكريا"، موردا أن "التعديل يحيل على سعي الحكومة إلى إضفاء صبغة القدسية عليها".
وأردف المتحدث ذاته "هذا النهج ظهر مع مشاريع القوانين التي تم تمريرها بالبرلمان أخيرا؛ إذ لا تقبل الحكومة أي انتقاد لها وتسعى إلى تكميم أفواه أي صوت رافض أو لا يقبل الوضع الحالي ".
واسترسل: "سنتان أو خمس سنوات عقوبة تتجاوز ما خصص لجريمة الرشوة، وهو الموضوع الذي طمسته الحكومة عبر خطوات عديدة”.
وحذر الفاعل السياسي نفسه من "توجه إلى تكميم الأفواه عبر هذا التعديل، بما يمهد للتحول نحو نظام ثيوقراطي مقدس ولا يقبل النقد أبدا".
كما وجّه المكتب السياسي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي انتقادات حادة للحكومة، متهما إياها بتكريس الفساد الانتخابي وغياب أي إرادة سياسية حقيقية للإصلاح الديمقراطي.
وأكد الحزب في بيان صدر بتاريخ 27 أكتوبر 2025، أن مشروع القانون المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، يفتقد لجوهر الإصلاح ويعيد إنتاج نفس الآليات التي أفرغت الانتخابات السابقة من مصداقيتها.
وشدد الحزب أن "المستجدات التي تضمنها المشروع لم تكن محل أي تشاور حقيقي مع الأحزاب السياسية، ما يجعل الحديث عن المقاربة التشاركية مجرّد شعار للاستهلاك السياسي".
وانتقدت فيدرالية اليسار ما وصفته بـ "المقتضيات الترهيبية” التي تضيّق على حرية المواطنين في التبليغ عن الفساد الانتخابي، ويرى أن الحكومة "تسعى من خلال هذه القوانين إلى ضبط المشهد السياسي بدل إصلاحه، وإلى تكميم الأصوات بدل تأهيلها للمشاركة الديمقراطية".
وعلى المستوى الحركي، رأى عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، بوبكر الونخاري أن العملية الانتخابية التي تُطبخ اليوم في المغرب "لا تبشّر بإصلاح ولا بديمقراطية".
وأوضح الونخاري وفق منشور لموقع الجماعة، أن "القوانين الانتخابية الراهنة تُحكم القبضة على المشهد السياسي بدلا من فتح الأبواب أمام المنافسة الحرة وتجديد النخب".
وأكد الفاعل السياسي أن "الديمقراطية لا تُبنى بالعقوبات ولا بالوصاية، بل بإرادة سياسية جريئة تعيد التقدير لصوت المواطن وتمنح المؤسسات المنتخبة استقلاليتها".
وغير ذلك، يقول الونخاري، فهو ليس سوى إعادة تدوير لنفس المنظومة التي "عطّلت الإرادة الشعبية وحوّلت الانتخابات إلى طقس شكلي لتزكية واقع مغلق ومتحكم فيه".
دون أي ضجيج!
في افتتاحيته يوم 27 أكتوبر 2025، أكد موقع "نيشان" أن التشريع يدل أن الدولة تريد أن تمر انتخابات 2026 دون أي ضجيج أو انتقادات حول استعمال المال القذر.
ورأى الموقع أن هذا قانون يهدد بجر كل من يتحدث عن توظيف المال لشراء الأصوات أو من ينشر الغسيل القذر لبعض المرشحين للسجن بعقوبات ثقيلة، في خرق سافر للمقتضيات المتعلقة بحماية المُبلغين عن الفساد.
ورأى أن من زرع هذه المقتضيات الخرقاء في مشروع قانون الانتخابات، ربما مُصاب بفصام جعله ينسى كيف خرجت عشرات التصريحات التي تتحدث عن إغراق السوق الانتخابي بالمال القذر دون أن تتحرك أي جهة للبحث عن المشبوهين أو محاسبة من اتهم.
الأكثر من ذلك، يقول المصدر ذاته، تم دفن شكاية رسمية حول استعمال المال لشراء الأصوات تقدمت بها الجمعية المغربية لحماية المال العام، رغم البحث الذي باشرته الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط، بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.

وأكدت الافتتاحية أن الدولة إذا كانت تريد شراء براءة الانتخابات المقبلة مسبقا عبر التهديد، فهي بذلك كمن يضع على رأسه ريشة؛ لأن ضمان نزاهة العمليات الانتخابية يمر أساسا عبر تحصينها من كل الممارسات المشبوهة التي تحولت إلى جينات تتحكم في سلوك شريحة واسعة من السياسيين.
وشددت أن "الحرص على نظافة الانتخابات لا يتم بمطاردة الساحرات وتكميم الأفواه، بل عبر منع الكائنات الفاسدة من "الترشح"، واعتماد شروط للرفع من مستوى النخب ومن أساسها المستوى التعليمي؛ لأن السماح بترشح برلماني لا يتقن كتابة جملة هو الفساد الحقيقي.
وتابع، "اليوم، ومع سعي الحكومة لفرض انتخابات "مخصية" على الجميع، يمكن القول بكثير من اليقين أننا تجاوزنا الدرجة الصفر من الممارسة السياسية، وأننا وصلنا إلى المحطة الأخيرة من رحلة الإفلاس التي ظل الإعلان عنها مؤجلا".
وشددت الافتتاحية أن "هذا السلوك العبثي لن يزيد إلا في كفر المغاربة بالساسة والسياسيين، كما سيجعل الكثيرين يتراجعون عن تجديد ثقتهم في المؤسسات وفي الخطاب والفعل والنوايا الرسمية، وهو ما ينسف أهم مكتسب يمكن أن نخرج به من الانتخابات".
ورأى الموقع أن قانون "أغلق فمك" أعاد ومن جديد التأكيد على أن الممارسة السياسية والحزبية في هذا البلد صارت بحاجة إلى إعادة تأهيل شامل، وفق قواعد وآليات جديدة، حتى نقطع مع صفحة "الكومبارس" ونخلق نخبا حقيقية ووطنية.
وشدَّد المصدر ذاته على وجود تكتم شديد وجدار من السرية المطلقة حول الجهة التي زرعت مقتضيات "أغلق فمك" داخل قانون الانتخابات، والذي سيجعل جميع المغاربة في حالة سراح مؤقت. مؤكدا أن "هذا كافٍ لوحده لكشف سوء نية الحكومة بأغلبيتها".














