من الثورة إلى السلطة.. هل يصبح مقاتلو الإيغور شوكة في خاصرة سوريا؟

وصل آلاف الإيغور إلى سوريا قادمين من الصين عبر تركيا
منذ سقوط نظام بشار الأسد أصبح حضور الإيغور أكثر وضوحا في أرجاء العاصمة دمشق، لكن مستقبلهم في سوريا يظل هشا، وقد يشكل تحديا لأي حكومة جديدة تسعى لطمأنة القوى العالمية بقدرتها على منع المقاتلين الأجانب من أن يشكلوا تهديدا خارج حدود البلاد.
واستعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في تقرير لها، أبعاد حضور الإيغور في المشهد السوري بعد مشاركتهم في الثورة وانخراطهم في السلطة، مشيرة إلى التخوفات الصينية من الأمر.

الإيغور في سوريا
وقالت: "على مدار العقد الماضي، وصل آلاف الإيغور إلى سوريا قادمين من الصين عبر تركيا، ويقول قادتهم في دمشق اليوم: إن عدد أفراد الجالية الإيغورية يبلغ نحو 15 ألفا، من بينهم 5 آلاف مقاتل".
يعيش معظمهم في مدينة إدلب، ويُعرفون بين السوريين باسم "التركستانيين"، وقد أسسوا مدارس ويديرون محطات وقود ومطاعم، فيما تقدم أفرانهم المحلية خبزهم التقليدي السميك والمستدير، الذي بدأ بعض السوريين يعتادون على مذاقه.
لا يحمل معظمهم جوازات سفر، لكنهم يمتلكون بطاقات هوية، ويَدرس المئات منهم بجامعة إدلب، التي أعلنت حكومتها المؤقتة سابقا أنهم يستطيعون الدراسة فيها مجانا كغيرهم من السوريين المحليين.
وأدرجت الحكومة السورية المؤقتة الإيغور ضمن هيكلها العسكري الرسمي، في إشارة إلى الدور الذي لعبه مقاتلوهم في إسقاط نظام الأسد، وهي حرب تقول قياداتهم إنها "كلفت المجتمع الإيغوري نحو 1100 شهيد".
وفي يناير/كانون الثاني 2025، اجتمع مئات القادة العسكريين بزيهم الرسمي للاستماع إلى أول خطاب يلقيه قائد الإدارة العسكرية الجديدة وقتها والرئيس الانتقالي حاليا أحمد الشرع منذ سقوط الأسد.
وكان من بينهم عبد العزيز داود هدابيردي -المعروف بلقب "زاهد"- وهو إيغوري ينحدر من قرية قرب مدينة أكسو في الصين.
قدِم هدابيردي إلى سوريا عام 2012 ويقود الفرع المحلي لـ"الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي ينتمي إليه معظم الإيغور السوريين.
وبصفته قائد الفرقة 133 في صفوف الثوار، فقد لعب دورا محوريا في إسقاط النظام، وكُوفئ بتعيينه عميدا في الجيش السوري الجديد، إلى جانب اثنين آخرين من الإيغور رُقّوا إلى رتبة عقيد.
ويُعد هؤلاء من بين قلة من المقاتلين الأجانب الذين حصلوا على مثل هذه الرتب في سوريا الجديدة.
تأثير على سوريا
وبحسب المجلة، فإن لوجود "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا تأثيرا بالغا على مستقبل البلاد، خاصة في ظل مساعيها لرفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
فـ"هيئة تحرير الشام" التي قادت القتال ضد الأسد قبل أن تُحل وتندمج في الحكومة الجديدة، لا تزال مصنفة منظمة إرهابية لدى الأمم المتحدة.
وألمحت الصين إلى أن استمرار وجود مجموعات كـ "الحزب الإسلامي التركستاني" على الأراضي السورية يثنيها عن دعم أي خطوة لتغيير هذا التصنيف.
لكن موقف بكين من الحزب يصطدم بالانتقادات الدولية المتزايدة بشأن سياساتها تجاه الإيغور داخل حدودها، وسط تقارير عن اعتقالات جماعية وجهود ممنهجة لمحو الهوية الدينية والثقافية لهذه الأقلية.
وقد أثارت سياسات الصين في إقليم شينجيانغ -أو تركستان الشرقية كما يسميه الإيغور- تعاطفا متزايدا من الحكومات الغربية، وشجّعت بعض أفراد الشتات الإيغوري على المجاهرة بالمطالبة بالاستقلال عن بكين، حتى إن تطلّب الأمر اللجوء إلى السلاح.
وبالنسبة للشتات الإيغوري حول العالم، يُعد "الحزب الإسلامي التركستاني" أول قوة قتالية ناجحة ترتبط بقضيتهم.
وقالت رقيّة توردش، الأكاديمية الكندية من أصول إيغورية والرئيسة السابقة لاتحاد تركستان الشرقية في كندا: "نحن فخورون بهم".
وأضافت أن مشاهد تحرير الأسرى في سوريا من سجون النظام منحتها أملا في أن الإيغور المعتقلين في الصين، والذين يُقدّر عددهم بمئات الآلاف في السجون ومعسكرات إعادة التأهيل، سيُطلق سراحهم يوما ما.
وتابعت: "قال البعض إنهم حين فتحوا أبواب سجون الأسد، بكوا بشدة؛ لأنهم شعروا وكأنهم يفتحون أبواب السجون الصينية".
ومثل كثير من الإيغور الذين انتهى بهم المطاف في سوريا، قضى "هدابيردي" سنوات يبحث فيها عن ملاذ خارج الصين.

تأسيس التنظيم
ففي أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، تنقل الرجل البالغ من العمر 48 عاما بين السجون الصينية. وفي عام 2010، حصل على جواز سفر مزوّر وغادر إلى ماليزيا، ومنها إلى إيران ثم أفغانستان.
وهناك التحق بجماعات إيغورية مسلّحة ناشئة، كانت تحاول تثبيت وجودها وسط ضربات الطائرات الأميركية المسيّرة في أفغانستان والعمليات العسكرية الباكستانية في وزيرستان المجاورة.
وأفادت المجلة بأن "المهاجرين الإيغور الذين وصلوا إلى أفغانستان في التسعينيات حصلوا على إذن بالإقامة من حركة طالبان.
وبحلول عام 1998، أسس حسن محسوم أحد قادتهم، معسكرات تدريب وأطلق "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية" (ETIM).
وبعد عام 2001، نجحت الصين في الضغط لتصنيف الحركة كتنظيم إرهابي من قبل الولايات المتحدة، مما دفع قيادتها إلى الفرار نحو منطقة وزيرستان الباكستانية؛ حيث نسجت علاقات أوثق مع تنظيم القاعدة.
وقُتل "محسوم" في غارة للجيش الباكستاني على قاعدة تابعة لتنظيم القاعدة عام 2003.
وخلفه عبد الحق التركستاني، الذي عُيِّن في مجلس قيادة تنظيم القاعدة عام 2005، ونجا من عدة ضربات بطائرات مسيّرة أميركية.
لكن تضاءل عدد أفراد الجماعة إلى حد دفع الولايات المتحدة إلى رفع اسمها من قائمة الإرهاب عام 2020، مشيرة إلى أنه "لا توجد أدلة موثوقة على استمرار وجود الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية".
غير أن بكين تصرّ على أن "الحزب الإسلامي التركستاني" ليس سوى الاسم الجديد للحركة نفسها، وتؤكد أنه لا يزال مرتبطا بتنظيم القاعدة، وتحمّله مسؤولية سلسلة من العمليات داخل الصين.
شمل ذلك اغتيال أئمة موالين للحكومة، وهجمات بالسكاكين، إضافة إلى "تفجير انتحاري" استهدف السفارة الصينية في العاصمة القرغيزية بيشكيك عام 2016، وفق المجلة.
ويؤكد أستاذ دراسات الإيغور في جامعة جورج واشنطن، شون روبرتس، أن أيا من هذه الهجمات لا يمكن نسبته بشكل واضح إلى "الحزب الإسلامي التركستاني" أو "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية".
كما نفى المتحدث باسم الحزب في سوريا مسؤولية التنظيم عن تلك العمليات، مشددا على أن الحزب لا يسعى لشنّ حملات على مستوى دولي.
إذ يعدها عائقا أمام هدفه الأكثر أهمية المتمثل في كسب التأييد السياسي العالمي لقضيته، مضيفا أن الحزب لم يعد يحتفظ بأي صلات بتنظيم القاعدة.

البحث عن الاستقرار
ويقول "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا: إن أعضاءه انجذبوا إلى سوريا بحثا عن مكان للاستقرار، لكن الكثيرين انضموا إلى القتال ضد الأسد؛ لأنه ذكّرهم بالقمع المستخدم ضدهم في الصين.
وأوضح متحدث باسم الحزب أن "الإيغور رأوا تشابها بين النظام القمعي للأسد ونظام الحزب الشيوعي الصيني، ومن ثم انضموا للقتال إلى جانب السوريين".
وفي السنوات التالية، شارك مقاتلو الحزب في الحملات الثورية في جسر الشغور، وحلب، وإدلب، واللاذقية. وفقد "هدابيردي" أفرادا من عائلته في غارات جوية للنظام، بما في ذلك زوجته واثنان من أبنائه.
وفي عام 2021، تخرج في أكاديمية القوات العسكرية لهيئة تحرير الشام في إدلب، وفي أواخر عام 2024، قاد المقاتلين المشاركين في الهجوم الخاطف الذي وصل بالثوار في النهاية إلى دمشق.
ووفق روبيرتس، فإن “احتمال استمرار وجود روابط بين الحزب والجماعات الجهادية العالمية دفع بعض قادة الشتات الإيغوري إلى الامتناع عن إظهار دعمهم له”.
وأضاف أن العديد من جماعات الشتات الإيغوري في الغرب "تجنبت الاعتراف بوجود الحزب، مدعيةً أنه مؤامرة من الصين لتشويه سمعتهم عالميا".
في المقابل، يقول آخرون: إنه "يجب أن نفخر بإسقاط الأسد الذي كان ديكتاتورا فظيعا، وهذا يوضح أنه في حال تأسيس دولة، فسيكون لدينا قوة عسكرية قادرة على الدفاع عنها".
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن مستقبل الحزب في سوريا سيعتمد على نوعية التنازلات التي قد تضطر الحكومة الجديدة إلى تقديمها للقوى الخارجية.
من الناحية النظرية يعد هدابيردي وآلاف المقاتلين الإيغور جزءا من الجيش السوري الآن، لكنهم لا يزالون بلا جنسية سورية.
من جانبه، قال الرئيس السوري، أحمد الشرع: إن المقاتلين الأجانب كانوا جزءا أساسيا من انتصار الثوار، وطرح فكرة منحهم الجنسية أمر يستحق الدراسة. كما حاولت حكومته طمأنة الآخرين بأنها لم تعد لديها "طموحات جهادية عالمية".
تجربة أفغانستان
وبينما حققت هيئة تحرير الشام تقدما أكبر بكثير من طالبان منذ توليها السلطة في أفغانستان، فقد تكون هناك دروس مهمة من هذا الصراع يمكن تطبيقها على سوريا، وفقا لما ذكره افتخار فردوس، رئيس تحرير "يوميات خراسان"، التي تراقب "الأنشطة الجهادية" في المنطقة.
وقال فردوس: إن "سيطرة الهيئة على سوريا هو الحالة الثانية لمجموعة جهادية مسلحة تتمكن من دولة كاملة في هذا القرن".
وتساءل عما إذا كان أعضاء الحزب الإسلامي التركستاني قد دُمجوا بشكل عضوي في سوريا أم أُدرجوا على الورق فقط لتهدئة المخاوف العالمية بشأن وجودهم.
وقالت المجلة: "في أفغانستان، كانت طالبان تقدم الأموال للمقاتلين الأجانب مقابل ترك تطلعاتهم الجهادية العالمية، وفي سوريا، اتبعت الهيئة نهجا مشابها؛ حيث أدرجت الحزب الإسلامي التركستاني في هيكلها القيادي العسكري".
وأوضحت أنه بالنسبة للصين، كان وجود "جماعات متشددة" من الإيغور في أفغانستان تهديدا أكبر من وجودهم في سوريا.
وهذا جزئيا ما دفع بكين إلى التودد إلى طالبان، أملا في انتزاع ضمانات بأن "الجهاديين لن يشنوا هجمات من البلاد"، بحسب المجلة.
وقالت: "إلى حد ما، نجحت الصين في ذلك، فخلال العقدين الماضيين، لم ترتبط سوى بقلة من الهجمات ضد الصين أو مصالحها الخارجية بالحزب الإسلامي التركستاني، وحتى حين ارتبطت، جاء ذلك بشكل غير مؤكد".
وختمت الصحيفة قائلة: "يبقى أن نرى ما إذا كانت نفس هذه النجاحات ستتكرر في سوريا".