استغلال الركود.. كيف يتمدد "الحشد الشعبي" في جسد الاقتصاد العراقي؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل نقص حاد بالسيولة النقدية المحلية التي يشهدها العراق، والذي تحاول السلطات البحث عن حلول لتجاوزها، فإن فصائل في “الحشد الشعبي” تتمدد اقتصاديا في السوق المحلية، لا سيما في قطاع المواد الغذائية، رغم الركود الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية. 

وتغلغل الفصائل الشيعية المنضوية ضمن “الحشد الشعبي” إلى جسد الاقتصاد العراقي، مما أثار مخاوف حقيقية لدى كبار التجار من منافستهم على أرزاقهم بسطوة السلاح، الذي من المفترض أنه وجد للقتال في الجبهات وليس لبناء إمبراطوريات اقتصادية بعلم الجهات الرسمية.

شح السيولة

وتقدر السلطات العراقية الكتلة النقدية غير الداخلة ضمن العملية الاقتصادية والمكتنزة في البيوت بنحو 87 بالمئة، الأمر الذي تسبب بأزمة كبيرة في الاقتصاد المحلي، وكذلك تأخر في رواتب موظفي الدولة، وهذا كله تسبب بركود في العديد من القطاعات.

وعزا النائب في البرلمان العراقي، مصطفى الكرعاوي، أسباب نقصص السيولة النقدية إلى "ضعف الثقة بين المواطن والمصارف، وهذا أدى إلى اكتناز المواطنين أموالهم داخل منازلهم وعدم توديعها في المصارف ما أثر ذلك بشكل كبير على الكتلة النقدية".

وأكد الكرعاوي أن "ملف تطوير القطاع المصرفي ودمج المصارف طُرح مرارا في البرلمان، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو فقدان المواطن الثقة بالنظام المصرفي"، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" في 2 أغسطس/ آب 2025.

ولفت النائب إلى أن "هذه المشكلة ناتجة عن تراكمات طويلة الأمد تتعلق بضعف الأنظمة الإلكترونية والمحاسبية المصرفية ما يجعل المواطنين يعزفون عن التعامل معها ويفضلون سحب رواتبهم كاملة بمجرد إيداعها في البطاقة دون ترك أي رصيد".

وأكد أن "عزوف الناس عن الإيداع والادخار داخل البنوك وهو ما يدفع الكثيرين لاكتناز أموالهم في المنازل، أدى بدوره إلى ركود اقتصادي وقلل من حجم السيولة المتداولة في السوق".

وفي السياق ذاته، قال مصدر برلماني لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته، إن "الحكومة تدارست مع اللجنة المالية النيابية إصدار عملة جديدة لإنهاء أزمة نقص السيولة في حال لم يستجب المواطن للتحول إلى الدفع الإلكتروني، لسحب الأموال المكتنزة".

وأوضح المصدر أن "هذا الخيار مكلف ماليا ويتطلب وقتا لتنفيذه، لكنه مطروح كأحد الحلول في حال عجزت الحكومة عن دفع المواطنين إلى تحرير أموالهم المكتنزة وإيداعها لدى المصرف المحلي، وهذا يتطلب بناء ثقة بين المواطن وهذه المصارف". 

وسبق أن أكد مستشار رئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن "95 من أصل 109 تريليونات دينار محفوظة خارج النظام المصرفي"، لافتا إلى أنه "لا تزال مسألة اكتناز الأموال في المنازل بدلا من إيداعها في المصارف تحديا اقتصاديا بارزا في العراق".

وأوضح المستشار في تصريحات صحفية أن "التقديرات تشير إلى أن نحو 87 بالمئة من الكتلة النقدية، أي حوالي 95 تريليون دينار من أصل 109 تريليونات دينار، محفوظة خارج النظام المصرفي، مما يُعطِّل جزءا كبيرا من الثروة الوطنية عن المشاركة الفعّالة في الاقتصاد".

ومطلع يناير/كانون الثاني 2023 أصدر مجلس الوزراء العراقي حزمة قرارات تلزم المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بالدفع الإلكتروني ويكون التطبيق ابتداء من يونيو/ حزيران 2023، لكن ذلك لم يسهم في تحرير الأموال المكتنزة في بيوت العراقيين.

"استغلال حشدي"

وفي ظل أزمة نقص السيولة النقدية، التي أنتجت ركودا اقتصاديا في البلاد، تنفذ فصائل شيعية ضمن “الحشد الشعبي” إلى جسد الاقتصاد العراقي عبر سوق المواد الغذائية، واستيراد وبيع السلع الأساسية الاستهلاكية للمواطنين، مثل الرز وزيت الطبخ وغيرها من المفردات.

وتحوّلت هذه الجهات إلى السوق الغذائية بعدما جرى التضييق عليها في قطاع العقارات، بعد إجراءات حكومية تمنع عمليات غسيل الأموال، إضافة إلى العقوبات الأميركية التي طالت قادة فصائل مسلحة أدت إلى ابتعادهم عن شراء العقارات في الخارج، وفق أحد التجار العراقيين.

وقال تاجر المواد الغذائية في بغداد، “أبو عبد الرحمن”، لـ"الاستقلال" إن "فصائل الحشد الشعبي تقف وراء ضخ كميات سلع كبيرة للسوق، وذلك عبر البيع بالآجل للوكلاء ومراكز التسوق، بمليارات الدنانير، وأنها قادرة على جمع الأموال- بقوة السلاح- بعد مدة زمنية خلافا لباقي التجار".

وأوضح أن "العديد من العلامات التجارية المعروفة في السوق، وتحديدا المتعلقة السلع الغذائية هي واجهات للفصائل المسلحة، وذلك لأنها غير منطقية في طريقة البيع، كونها تعطي الصلاحية لكل مندوب مبيعات لها أن يبيع بمليارات الدنانير بالآجل، وهذا لا يستطيع تحمله التاجر الاعتيادي".

وأشار إلى أن "هذه الفصائل تمتلك أموالا طائلة تستورد بها مواد غذائية وتضخ بها في السوق، وتعطي بالآجل بمبالغ كبيرة، وهي قادرة على جمع الديون خلال مدد زمنية محددة، وبالتالي تسيطر على السوق بهذه الطريقة، وهذا الأمر زاد الركود ركودا على التجار".

وأعرب التاجر عن تخوفه من سيطرة الفصائل المسلحة على الكتلة النقدية المتبقية التي تحرك اقتصاد السوق، وهذا كله يجري بتغاضي من الجهات الحكومية العاجزة عن إعادة ثقة المواطن بالمصارف المحلية من أجل إعادة إيداع السيولة النقدية في المصرف بدلا من المنزل.  

وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، إن "(اقتصاد سلاح اللادولة) يُهلك جسد الدولة ويتلاعب بالنظام والقانون ويعتاش على موارد الدولة ويضعف من سيادتها ويشوه من سمعتها".

وأوضح الهاشمي في منشور عبر منصة "إكس" في 12 يوليو/ تموز 2025، أن "اقتصاد سلاح اللادولة، هي شبكة غير رسمية تقودها جماعات مسلحة مستقلة خارج سيطرة النظام والقانون تعتمد على قوتها المسلحة لخلق منظومة اقتصادية تسيطر على موارد وإمكانيات الدولة لتحقيق عوائد مالية ونفوذ سياسي وأمني واقتصادي".

وأكد أن "اقتصاد سلاح اللادولة يعتمد على العنف والتهديد والقتل والخطف والابتزاز والتهريب وغسيل الأموال والاحتيال والاستيلاء على الأصول المالية والقيام بكل أنواع التجارة غير المشروعة لتحقيق العوائد لتقوية النفوذ والقوة للتنافس مع قوى الدولة والقانون لإضعافها". 

ورأى الهاشمي أن "التأثيرات السلبية لنشاط اقتصاد سلاح اللادولة يمكن تلخيصه، بخلق اقتصاد موازي ينافس الدولة ويستنزف مواردها العامة ويضعف أداءها ويقيد نشاطها ويعطل تنميتها ويدمر بيئة الاستثمار فيها ويدفع المستثمرين للابتعاد عن أسواقها ويهرّب ثرواتها خارج الدورة الاقتصادية".

"حشدنة الاقتصاد"

تخوفات التجار والخبراء من سيطرة فصائل المسلحة على الواقع الاقتصادي في العراق، يثبت ما حذرت منه شخصيات اقتصادية وسياسية بعد موافقة مجلس الوزراء على تأسيس شركة عامة باسم "المهندس" للمقاولات والتجارة العامة تتبع “الحشد الشعبي" نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. 

وتعود تسمية الشركة إلى نائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبي مهدي المهندس، الذي قتل مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في غارة جوية أميركية نفذتها طائرة مسيرة قرب مطار بغداد في 3 يناير 2020.

على ضوء ذلك، قال الكاتب العراقي عمر الحلبوسي في مقال نشره موقع "الميثاق الوطني العراقي" في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن "الاقتصاد الأسود الذي تقوده المليشيات وترعاه إيران في العراق، يتعاظم، مما تسبب في تراجع الاقتصاد الوطني".

وأوضح أن "الاقتصاد الأسود اتسع وأصبح عبارة عن إمبراطورية مافيوية تحكم العراق بالمال المسروق والسلاح المنفلت، الذي ترعاه حكومة اتخذت على عاتقها تمكين المليشيات بمفاصل البلد كافة بغية تحقيق استدامة الحكم وتعظيم قوة الدولة العميقة التي عاثت فسادا بالعراق".

وأشار الحلبوسي إلى أن "تأسيس شركة المهندس يأتي كتكريس جديد لفكرة الحرس الثوري الإيراني من خلال مليشيا الحشد الشعبي وجعله المتحكم الأول في كل ما يخص الوضع العراقي لتكريس فكرة المليشيات وجعلها ثقافة حاضرة لاستدامة الإرهاب في المجتمع العراقي".

من جهته، حذر المحلل السياسي العراقي، غالب الشابندر، من أن تأسيس شركة "المهندس"، يُعد بداية لتحويل الحشد الشعبي إلى مؤسسة ربحية، ثم "حشدنة الاقتصاد العراقي، حيث يبدو أن هناك تخطيطا لمثل هذا الأمر، بدلا من تشغيل آلاف العاطلين عن العمل برأس المال الكثير هذا".

وأوضح الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية في 30 نوفمبر 2022، أن "هناك مخططا لتوغل الحشد الشعبي في صناعات الدولة وبموارد الدولة من أجل حشدنة الدولة والاقتصاد، بدا من تحريك الشركات المعطلة، فثمة آلاف المعامل المعطلة يمكن تشغيلها بهذا المال وتشغيل العاطلين عن العمل".

وحذر الخبير العراقي في وقتها من "صرف مبالغ كبيرة من المال إلى الحشد الشعبي مقابل الصناعات، ذلك أن الحشد يتسلم رواتب من الدولة حاله حال الجيش العراقي"، متسائلا: “لماذا نكرر تجربة إيران في تحويل اقتصاد البلد بيد الحرس الثوري؟”

ويبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، ويبلغ عدد العامل منها 140 فقط، بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نحو 23 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعراق قبل عام 2003، بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن.