من جنوب سوريا إلى الضفة.. الأردن أمام "سيناريوهات" قد تفجر وضعه الإقليمي

"هذا السيناريو قد يعيد إلى الأذهان كوابيس استراتيجية قديمة للمملكة الهاشمية، ويفجر الوضع الإقليمي بأكمله"
يشهد الأردن مرحلة شديدة الحساسية في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، وعلى رأسها قرار برلمان الكيان الإسرائيلي بالتصويت لصالح ضم الضفة الغربية.
وحسب تقرير نشره المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية، يعيد هذا القرار هواجس تاريخية مرتبطة بدور الأردن كإدارة سابقة لهذه الأراضي إلى الواجهة، ويضعها أمام تحديات إستراتيجية معقدة.
كوابيس إستراتيجية
في مستهل التقرير، يقول المعهد الإيطالي: إن "الخطة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية قد تعيد إحياء كوابيس إستراتيجية سابقة للمملكة الهاشمية".
مشيرا إلى أن "المجتمع الدولي تورط بشكل كبير في الصراع العنيف الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خاصة على مستوى الجدل الأخلاقي".
وتابع: "أما المواجهة في لبنان مع حزب الله، وتلك القصيرة مع إيران في يونيو/ حزيران 2025، فقد كانت مرتبطة جزئيا فقط بالحرب الدائرة في قطاع غزة، لكن لكل منهما جذور تاريخية وأهداف إستراتيجية تختلف عن الصراع الفلسطيني".
وأردف: "لذلك يمكن القول: إن الحرب بقيت محصورة داخل حدود القطاع من دون أن تشمل دولا أخرى".
لكن بالرغم من ذلك، أكد التقرير أن "قرار الكنيست الأخير، بالتصويت لصالح ضم الضفة الغربية، له عواقب مختلفة تماما، خصوصا بالنسبة إلى الأردن، الذي كان في الماضي مسؤولا عن إدارة هذا الإقليم".
مشيرا إلى أن "توازن الأردن يتأثر دوما بالتطورات في محيطه القريب، كحال العديد من دول المنطقة".

وعاد التقرير إلى التاريخ ليذكّر بجذور نشأة المملكة الهاشمية، قائلا: إنها "وُلدت من أحداث الحرب العالمية الأولى".
وأوضح أن "السلالة التي قادها الحسين بن علي الهاشمي، المنحدر من نسل رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، قادت الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية عام 1916، بدعم من بريطانيا".
وأردف: "ووفقا للاتفاقيات، كان من المفترض قيام دولة عربية كبيرة موحدة بعد الحرب، لكن مصالح بعض الدول، وتحديدا بريطانيا وفرنسا، فرضت تقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ".
وتابع: "ومع ذلك، اعتُرف للسلالة الهاشمية بحكم بعض الدول الجديدة: فمملكة الحجاز حكمها الحسين نفسه، ثم ابنه الأكبر علي. وإمارة شرق الأردن لابنه الثاني عبد الله، وكان العراق لابنه الثالث فيصل".
ولفت التقرير الإيطالي إلى أن منطقة شرق الأردن واجهت منذ البداية صعوبات كبيرة، أبرزها قرار بريطانيا إدارة فلسطين عبر نظام الانتداب.
ومن هنا جاء اسم "إمارة شرق الأردن" -أي الأراضي الواقعة "ما وراء نهر الأردن" الذي يفصلها عن فلسطين.
هذا بالإضافة إلى "تزايد الوجود اليهودي في فلسطين نتيجة تشجيع بريطاني بعد وعد بلفور عام 1917، ما أدى لاحقا إلى اندلاع أولى المواجهات بين اليهود والفلسطينيين، وتُوج ذلك بالثورة العربية عام 1936".
"وفي عام 1948، مع انسحاب البريطانيين من فلسطين، وقيام دولة إسرائيل والحرب، وجدت المملكة الهاشمية نفسها منخرطة بالكامل في القضية". وفق التقرير.
وأكمل: "فمع استقلال المملكة وتحولها إلى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، أصبح من الواضح مدى أهمية الضفة الغربية بالنسبة لعمان".
من جانب آخر، أوضح التقرير أن "الجيش الأردني، بفضل وجود بعض القادة البريطانيين، تمكن عمليا من أن يكون الجيش العربي الوحيد الذي لم يهزم هزيمة كبرى أمام التفوق العسكري الإسرائيلي، بل خرج بمكسب إقليمي".
تمثل هذا المكسب في تمكنه من السيطرة على الضفة الغربية وأجزاء من القدس، لكنه اضطر في المقابل إلى قبول خطة السلام المنصوص عليها في هدنة رودس.
"ورغم أن ذلك جر عليه انتقادات بالانتهازية من حلفائه، إلا أن الواقعية فرضت نفسها على عمان بوصفها ضرورة إستراتيجية". حسب المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية.
وتابع المعهد: "خلال العقود التالية، وتحت حكم الملك حسين بن طلال، اندلعت مواجهات جديدة مع تل أبيب، أبرزها حرب الأيام الستة عام 1967، التي انتهت بالهزيمة العربية وخسارة الأردن للقدس والضفة الغربية مجددا".
وأضاف: "كما أدى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى نشوء (دولة داخل الدولة) تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية".
وقد أدى ذلك إلى صدامات عديدة انتهت بأحداث أيلول الأسود الشهيرة، التي أُجبر خلالها قادة منظمة التحرير على الانتقال إلى لبنان.
وأفاد التقرير بأن "العلاقات الأردنية مع إسرائيل أخذت في التحسن دبلوماسيا منذ ذلك الحين، إلى أن جاءت اتفاقية وادي عربة 1994 التي أسست للاعتراف المتبادل، على خطى اتفاقيات أوسلو التي اعترفت بمنطقة فلسطينية تديرها منظمة التحرير".
وبذلك، يقول التقرير: إن الأردن، منذ ذلك الحين، أصبح دولة "عازلة" بين إسرائيل والغرب من جهة، والعالم العربي من جهة أخرى.
وقد أدى هذا الوضع إلى انتهاج الأردن "سياسة حذرة" على الدوام، وفق تعبير التقرير.
مشيرا إلى أن "المملكة لا تملك قوة عسكرية مثل مصر، ولا ثروات نفطية مثل دول الخليج؛ كما أن أكثر من نصف سكانها من أصول فلسطينية، من بينهم الملكة رانيا، زوجة الملك عبد الله الثاني الحالي".
وتابع: "ومع ذلك، أبقت الأردن على علاقات جيدة مع منظمة التحرير الفلسطينية برام الله، وهو ما سهله التقارب التاريخي والجغرافي".
تطورات خطيرة
وبعد السرد التاريخي، عاد التقرير للمشهد الراهن، قائلا: إن "الحرب في غزة والوضع السوري المتفجر يمثلان تطورات خطيرة في دول الجوار تهدد بجر عمان إليها".
ويرى التقرير أنه "انطلاقا من هذه المخاوف، اتخذت الحكومة الأردنية أخيرا خطوتين مهمتين: حظر جبهة العمل الإسلامي، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، وإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية".
وتابع: "الأولى كانت خطوة سياسية منسقة مع حكومة أبو مازن الفلسطينية، هدفها إبعاد نفسها عن حماس والإسلام السياسي، والتأكيد على كونها شريكا موثوقا للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة".
لا سيما أن الحزب حقق نجاحا ملحوظا في انتخابات سبتمبر/ أيلول 2024، حيث فاز بـ 31 مقعدا من أصل 138. ومع ذلك، صوت البرلمان الأردني لصالح تعليق أنشطة الحزب، في محاولة لمحاكاة النموذج المصري، وفق ما أورده التقرير.
من جهة أخرى، شدد التقرير على أن "استياء الشارع الأردني من العلاقات مع إسرائيل لا يزال قائما".

وفيما يخص قرار إعادة فرض التجنيد الإلزامي، الذي يهدف إلى استدعاء ما لا يقل عن 6000 جندي إضافي بحلول 2026، لفت التقرير إلى أنه يدخل في إطار معالجة المعضلة الأمنية على ثلاث جبهات".
وأردف: "فمن جهة هناك الحاجة الأمنية لتأمين الحدود مع إسرائيل وسوريا والعراق".
من زاوية أخرى، لفت التقرير إلى حاجة الأردن لمعالجة البطالة الشبابية المرتفعة التي تصل إلى نحو 50 بالمئة.
وزعم أن "الكثير من الشباب العاطلين، وبينهم فلسطينيون، قد يصبحون عرضة للتطرف، مما يشكل تهديدا داخليا وفرصة لاختراق خارجي".
وخلال عام 2024، ضُبطت عدة محاولات تهريب أسلحة من وإلى الأردن، مما يؤكد وجود نشاط تهريب غير مشروع.
وفي أغسطس/ آب 2024، وقعت أزمة على الحدود مع العراق، بعد أن تحركت مليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية قرب الحدود. وردت بغداد على مذكرة الاحتجاج الأردنية بأن العملية كانت تستهدف منع عودة تنظيم "داعش" للمنطقة. وفق التقرير
أما إيران، فقد سعت دوما لاستخدام العراق لزعزعة الأردن والوصول إلى البحر الأحمر وفتح جبهة ضغط جديدة على إسرائيل، لكن ضعفها الحالي يجعل هذا السيناريو غير مرجح، حسب وجهة نظر التقرير.
أما الحدود الشمالية مع سوريا، فيقول المعهد الإيطالي إن "الوضع فيها أعقد بكثير؛ حيث خلق سقوط نظام الأسد مخاوف أردنية من تسلل متطرفين، وزادت التوترات مع دخول أنقرة وتل أبيب في تنافس جديد، إلى جانب الاشتباكات بين دمشق والأقليات".
وأضاف التقرير أن "مسألة المجتمع الدرزي المتركز في الجولان ومحافظة السويداء تبرز هنا كذلك".
ففي 16 سبتمبر/ أيلول 2025، وقع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط توم باراك ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع الأطراف السورية اتفاقا جديدا لإدارة محافظة السويداء، يقضي بمحاسبة المسؤولين عن أحداث العنف الأخيرة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإعادة الخدمات الأساسية، وعودة النازحين.
"بالنسبة لعمان، يعد هذا الاتفاق أساسيا لخفض التوترات في الشمال، لكن قد يتحفظ عليه الإسرائيليون الذين يضغطون لنزع السلاح بشكل كامل من جنوب سوريا"، وفق التقرير.
لكن رغم كل ما سبق، يؤكد المعهد الإيطالي لتحليل العلاقات الدولية أن "العلاقة مع إسرائيل وخطة ضم الضفة الغربية تبقى الملف الأكثر حساسية للحكومة الأردنية".
موضحا أن "أي تحرك عسكري إسرائيلي قد يؤدي إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين نحو الأردن، مما يشكل ضغطا لا يحتمل، خاصة في محافظتي البلقاء ومادبا".
"وإذا ما نفذت إسرائيل خطتيها، في سوريا والضفة الغربية معا، فقد ينشب نزاع واحد يمتد من جنوب سوريا إلى الأردن"، وفق التقرير.
وهو سيناريو، يقول التقرير عنه: إنه "قد يعيد إلى الأذهان كوابيس إستراتيجية قديمة للمملكة الهاشمية، ويفجر الوضع الإقليمي بأكمله".