العقوبات الأممية تُفرض على إيران فيتضرر العراق.. ما القصة؟

"العراق سيكون أكثر الدول تضررا بعد إيران نتيجة عودة آلية الزناد"
مع دخول العقوبات الأممية على طهران حيز التنفيذ، بعد انقضاء مهلة ما تعرف بـ"آلية الزناد" أو الـ"سناب باك"، حذرت شخصيات سياسية عراقية من تداعيات ذلك على البلاد، خصوصا بعد تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عما تفكر فيه بلاده لتجاوز هذه الأزمة.
ففي 28 سبتمبر/ أيلول 2025، أعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكا الأوروبية) إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بعد انقضاء مهلة الـ30 يوما التي منحتها للأخيرة، وبررت هذا الإجراء بعدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة ببرنامجها النووي.
وطلبت دول الترويكا من إيران استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقعها النووية، وتسليم اليورانيوم المخصب إلى واشنطن، لكن طهران وافقت على الطلبين الأولين ورفضت الأخير.
خيارات إيران
قبل ساعات من دخول العقوبات الأممية حيز التنفيذ، قال بزشكيان، خلال تصريحات صحفية: إن إيران اختارت "العقوبات الأممية" مقابل عدم تلبية الطلب الأصعب المتمثل بتسليم اليورانيوم المخصب إلى واشنطن.
وأضاف بزشكيان في 26 سبتمبر خلال عودته من اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أن بلاده توصّلت إلى نتيجة مع الأوروبيين، لكن الموقف الأميركي كان مختلفا، فقد "طلبت واشنطن أن نسلّمهما كل اليورانيوم المخصب، مقابل منحنا مهلة شهر واحد؛ هذا أمر سخيف".
وشدد على أنه إذا كان على بلاده أن “تختار بين هذه المطالب غير المنطقية وآلية سناب باك، فستختار الأخيرة”، لافتا إلى أنه "إذا تم تفعيل هذه العقوبات، فلا ينبغي أن نفترض أن الوضع سيصبح حرجا تماما وسنُجبر على الاستسلام".
وعن الحلول، قال بزشكيان: إن "الإجراءات التي تم وضعها، هي العلاقات القوية مع الجيران، والتفاعلات المكثفة مع الدول الأوراسية وأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، وأنه بالاعتماد على دعم وتأييد الشعب الإيراني، سنكون قادرين على التغلب على هذا الوضع بأمان".
وقبل شهرين من ذلك، صرح بزشكيان خلال لقائه بأعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، قائلا: "إذا عززنا علاقاتنا مع الدول المجاورة، فستفقد العقوبات تأثيرها.. نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لتحسين علاقاتنا مع الدول المجاورة ودول المنطقة".
ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية في 28 يوليو/ تموز 2025، عن بزشكيان، قوله: إن “تفويض الصلاحيات للمحافظين، خاصة في المناطق الحدودية، سيحفز المسؤولين على توسيع العلاقات مع الدول المجاورة”.
واستطرد: "إذا عززنا علاقات الجوار، فستصبح العقوبات بلا أثر.. نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتحسين العلاقات مع دول الجوار والمنطقة".
وختم بزشكيان تصريحه بالقول: "جميع دول الجوار، من باكستان وأفغانستان وتركمانستان إلى أذربيجان وأرمينيا وتركيا والعراق، وكذلك الجيران الجنوبيون، لديهم إمكانات كبيرة للتعاون. ويجب علينا العمل أكثر لتفعيل هذه الإمكانيات بما يخدم المصالح المتبادلة".
وفي 28 أغسطس/آب 2025، فعّلت الدول الثلاث الأوروبية المنضوية في الاتفاق النووي الآلية المعروفة باسم "آلية الزناد" أو "سناب باك"، وذلك بإشعار رسمي إلى مجلس الأمن بإعادة فرض العقوبات على إيران خلال 30 يوما حال عدم استجابتها للشروط.
وترتبط "آلية الزناد"، بالاتفاق النووي الإيراني- الغربي المبرم عام 2015، والتي تنص على أنه في حال إخلال إيران بالتزاماتها، تستطيع الدول الأعضاء تفعيلها داخل مجلس الأمن الدولي، لتُعاد وبشكل تلقائي جميع العقوبات الأممية السابقة ضد طهران.
أكبر المتضررين
وبخصوص تداعيات العقوبات على العراق، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي العراقي، حسنين الجنابي: إن تفعيل العقوبات على إيران سيكون له انعكاسات مباشرة على الجانب العراقي، الذي يعاني بالأساس هيمنة إيرانية منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.
وأوضح الجنابي لـ"الاستقلال" أن "إيران ستندفع بكل قوتها نحو العراق لإنعاش اقتصادها المتهالك، كما فعلت قبل عام 2015، وذلك بسحب العملة الصعبة من الأسواق العراقية بشتى الطرق، ومنها زج مبالغ كبيرة من عملة محلية عراقية مزورة، وغيرها من الأساليب".
ولفت إلى أن "أموال العراق في ظل حكومة نوري المالكي (2006-2014) كانت تذهب إلى إيران لتخفف من العقوبات التي تعاني منها، وكذلك تدير حروبها في المنطقة وتحديدا في سوريا ودعمها لرئيس النظام السابق بشار الأسد لمنع سقوطه".
وأشار الجنابي إلى أن "العراق سيكون هذه المرة عرضة لخطر العقوبات في حال تهاون ولم يأبه لعقوبات الغرب على طهران؛ لأن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب يشدد على جميع الدول على عدم انتهاك أي من الإجراءات العقابية المتخذة بحق إيران".
ويتفق مع ذلك رئيس مركز "التفكير السياسي"، إحسان الشمري، الذي أكد أن تجديد العقوبات الدولية على إيران لها تداعيات على العراق، وأنها ستكون "بالغة ومركّبة"، لا سيما أن بغداد تمثل المنفذ الاقتصادي الحيوي الأهم لإيران في ظل العقوبات.
ونقل موقع "شبكة أخبار العراق" في 27 سبتمبر عن الشمري قوله: إن "العراق سيكون أكثر الدول تضررا بعد إيران، نتيجة عودة (آلية الزناد)، خاصة مع اعتماد العراق على الغاز والكهرباء الإيرانيين".
ولفت إلى أن "طهران ستكثف اعتمادها على العراق كجغرافيا للالتفاف على العقوبات، ما يعني زيادة تهريب الدولار وارتفاع وتيرة التحركات غير الرسمية"، محذرا من تحول العراق إلى ساحة للمناورة الإيرانية، سواء في حال التصعيد مع إسرائيل أو الضغط على واشنطن.
وتوقع الخبير العراقي أن "تضاعف إيران هيمنتها السياسية ولن تسمح بخسارة العراق أو إضعاف حلفائها داخله".
في المقابل، قال الخبير في الشأن الإيراني صالح القزويني: إن "إيران دولة ثرية وقادرة على تجاوز العقوبات، لكنها ستتأثر سياسيا بشكل أكبر، خصوصا من حيث قيود الطيران، وحركة الوفود، والعلاقات الدبلوماسية"، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 27 سبتمبر.
وأضاف القزويني أن عودة العقوبات لن تكون نهاية الطريق بالنسبة لطهران، بل هي حلقة متكررة في مسلسل الضغط؛ حيث سبق أن واجهت إيران ظروفا مماثلة بين عامي 2010 و2015 قبل توقيع الاتفاق النووي.
استنزاف سابق
وخلال المرحلة التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وجهت اتهامات إلى حكومات العراقية بأنها أهدرت مئات مليارات الدولارات من أموال المواطنين، ذهب معظمها إلى إيران من أجل تخفيف ضغوط العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها.
ومطلع مايو/ أيار 2015، بدأت لجان من البرلمان العراقي بالتحقيق في إهدار مئات مليارات الدولارات خلال الأعوام الثمانية الماضية، لتحديد المستفيدين من السياسيين والدول المجاورة، وخاصة إيران.
وأشارت معلومات لجنة النزاهة النيابية العراقية في حينها إلى أن الموازنات التي صرفت خلال الفترة الممتدة من عام 2006 إلى 2013، بلغت نحو 727 مليار دولار، وهو مبلغ كبير جدا، ويكفي لبناء عراق جديد بكامله.
ووقتها، أعد فريق من النواب العراقيين دراسات مفصلة عن ضياع مئات المليارات في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، حسب تقرير نشرته وكالة "الأناضول" في 24 مايو 2015.
جاء ذلك، بعد مطالبة رئيس البرلمان حينها سليم الجبوري بإجراء تحقيق يستند إلى شفافية مطلقة، لمعرفة أسباب الهدر الكبير للأموال وتحديد المستفيدين سواء كانوا من السياسيين أم من الدول المجاورة، تمهيدا للمساءلة والمحاسبة.
وتسلم البرلمان مطلع مايو 2015، الحسابات المالية الختامية لموازنات ثماني سنوات من حكم المالكي، بهدف مراجعتها والمصادقة عليها، لكنها لم تأخذ دورها للإقرار خشية اندلاع أزمة سياسية في وقت يشهد البلد حربا ضد “تنظيم الدولة” الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد عام 2014.
وشهدت تلك الفترة غياب الإنفاق على المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية، حتى إن مشاكل السكن والكهرباء والمياه بقيت على حالها دون أي معالجة، بل زادت تفاقما، في ظل زيادة نسبة البطالة وارتفاع معدلات الفقر المدقع في بلد منتج للنفط ويملك أكبر احتياطي في العالم.
وبدأ البنك المركزي العراقي عام 2011 بوضع حد لعرض العملة الأجنبية، في ظل عدم توافر القدرة على تنفيذ التدابير الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومنع الاستخدام غير المشروع للصرف الأجنبي.
وفي تلك المرحلة، فرض البنك المركزي سقفا للبيع اليومي في مزاد العملة الأجنبية عند 100 مليون دولار، لكن البيع الحقيقي، الذي يهدف إلى تلبية الطلب كان يصل أحيانا إلى 280 مليون دولار، في ظل حديث عن أن الزيادة في التحويل قد تمثل تهريبا أو غسيلا للأموال.
ويؤكد رئيس اللجنة المالية البرلمانية السابق، أحمد الجلبي، أن البنك المركزي باع من خلال مزاد العملة الأجنبية ما يصل إلى 313 مليار دولار بين عامي 2006 و2014، أي ما يعادل نحو 57 بالمئة من مجموع إيرادات النفط البالغة 552 مليار دولار.
ويزيد ذلك المبلغ كثيرا على مجموع استيراد الحكومة في تلك الفترة الذي بلغ 115 مليار دولار فقط، أما المبلغ الباقي أي نحو 197 مليار دولار فقد اتجه نحو القطاع الخاص، رغم أنه يفيض كثيرا عن حاجته الاستيرادية.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن زيادة الطلب على الدولار تعود إلى قيام تجار إيرانيين بالحصول عليه من الأسواق العراقية، وسط اتهامات لمصارف عراقية بتبييض الأموال وتهريبها، بعدما تبين أن مئات المليارات من الدولارات تخرج من العراق دون دخول أي بضائع مستوردة في المقابل.
وعام 2012، نشرت مؤسسة "ستار فور" الأميركية، تقريرا يتهم إيران بسرقة كميات كبيرة من النفط العراقي في الجنوب وبشكل منتظم، وأن هذه السرقات ساعدت الحكومة الإيرانية على تجاوز محنتها نتيجة الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الدولي.
ووفقا لتقرير المؤسسة البحثية ومقرها في تكساس، فإنه "يوميا يسرق من نفط العراق 20 مليون دولار، وأن 10 بالمئة من نفط الجنوب يسرق عبر شبكة نظمتها إيران".
المصادر
- "سنعتمد على الجيران".. إيران تختار "تفعيل العقوبات الأممية" مقابل رفض طلب أميركي
- بزشكيان: تعزيز العلاقات مع الجيران يُبطل مفعول العقوبات
- حجم التجارة بين إيران والعراق تبلغ 20 مليار دولار
- بعد ساعات.. العراق يترقب ارتدادات قاسية لتفعيل "آلية الزناد" ضد إيران
- مركز التفكير السياسي: إيران ستضاعف هيمنتها على العراق بعد تجديد العقوبات عليها
- العقوبات الدولية على إيران تدخل حيز التنفيذ
- أين ذهبت أموال العراق في عهد نوري المالكي؟
- إيران تستخدم نفوذها في العراق لإنقاذ اقتصادها المحاصر