رغم سنتين من الإبادة الإسرائيلية.. كيف نجحت حماس في الحفاظ على نقاط قوة بغزة؟

"تعتمد استراتيجية حماس الآن على تقويض قدرة إسرائيل على الصمود وشرعيتها العالمية"
"إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) متجذرة بعمق في نسيج المجتمع الفلسطيني بغزة، وقد تكيفت ماليا وعسكريا لتظل باقية حتى بعد اغتيال كبار قادتها"، هذا ما توصل له موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي.
وحاول الموقع، في تقرير له، الإجابة على سؤال: كيف تحتفظ حماس بالسلطة في غزة بعد أكثر من عامين من الحرب؟
وقال: "بعد مرور ما يقرب من عامين على شن إسرائيل حربا تهدف لتفكيك حماس عقب هجمات 7 أكتوبر، لا تزال الحركة هي القوة المهيمنة في غزة، فرغم تدمير بنيتها التحتية، واغتيال كبار قادتها، والحصار الخانق المفروض على القطاع، تواصل حماس الحكم والقتال، بل ودفع الرواتب".

جذور ضاربة في المجتمع
ويقول المحللون: إن هذا الصمود ليس من قبيل الصدفة، بل هو نتيجة تنظيم غرس جذوره بعمق في نسيج المجتمع الغزّي، وتكيّف عسكريا، وطوّر أساليبه المالية ليتمكّن من البقاء في واحدة من أكثر الصراعات شدة في التاريخ الحديث للمنطقة.
وقال الدكتور مايكل ميلشتاين، الضابط الإسرائيلي السابق ورئيس منتدى الدراسات الفلسطينية، إن "حماس ليست مجرد جناح عسكري أو حزب سياسي، بل هي كيان أوسع نطاقا، متجذر بعمق في المجتمع الفلسطيني".
وتابع: "على مدى العشرين عاما الماضية، بَنَت الحركة روابط قوية من خلال التعليم، والأعمال الخيرية، والمساجد، ونوادي الشباب، والجمعيات النسائية".
ويرى ميلشتاين أن البنية الاجتماعية الراسخة للحركة هي العامل الأبرز وراء استمرار شعبيتها، رغم ما يقدّره بخسارة ما بين 25 و27 ألفا من أعضائها، كثير منهم من جناحها العسكري.
وقال موضحا: "الحمض النووي التنظيمي لديهم مبني على الصمود ووجود بدائل متعددة، فلقد تكبدوا خسائر هائلة، لكن هناك آلاف العناصر والمؤيدين المستعدين للتدخل، وما زالوا القوة المهيمنة في غزة".
ويعتقد إحسان عطايا، رئيس دائرة العلاقات العربية والدولية في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، أن قوة الحركة تنبع من التزامها الأيديولوجي وبنيتها العملياتية.
وقال عطايا لموقع "ذا ميديا لاين": "لقد نجحت حماس في الحفاظ على سيطرتها السياسية في ظل حرب إبادة جماعية وحملة تجويع". وأضاف: "إنهم يعملون بتنظيم محكم وجهاز أمني قوي يساعد في الحفاظ على النظام الداخلي، حتى في ظل أشد الظروف قسوة".
وبحسب الموقع، فعلى المستوى العسكري، غيّرت حماس تكتيكاتها؛ إذ اختفت الكتائب والألوية التي كانت موجودة في الحروب السابقة، وحلّت محلها وحدات صغيرة متنقلة تشن حرب عصابات داخل أنقاض المدن في غزة.
في هذا السياق، يقول ميلشتاين: "منذ منتصف 2024، تبنوا مبدأ الاستنزاف، فلم تعد المعركة قائمة على الكتائب، بل على خلايا مكوّنة من ثلاثة إلى خمسة أو سبعة مقاتلين على الأكثر، ينفذون كمائن وهجمات في المناطق الحضرية".
واتفق عطايا على أن قادة حماس الميدانيين لا يزالون يلعبون دورا حيويا في توجيه الهجمات رغم التفوق الجوي والبري الإسرائيلي الساحق.
وقال: "لا تزال العمليات العسكرية مكثفة ومنسقة. فرغم الهيمنة الجوية الإسرائيلية، يزرع المقاتلون المتفجرات، ويجهزون الكمائن، ويحافظون على التواصل التكتيكي بين الوحدات"، مؤكدا أن "هذه ليست أعمالا معزولة، بل لا يزال هناك مستوى من التنظيم وراءها".
ويشير الخبيران إلى أن شبكة أنفاق حماس لا تزال محورية لصمودها، حيث تُمكّن الحركة من نقل المقاتلين والأسلحة وحتى الشخصيات القيادية عبر مساحات شاسعة من غزة.

طرق مبتكرة
ووفق وصف الموقع الأميركي، فإن الأكثر إثارةً للدهشة لعله استمرار حماس في دفع رواتب أعضائها، وإن بطرق مبتكرة؛ فالرواتب لم تعد كما كانت في السابق، ولم يعد النقد هو العملة الوحيدة.
وذكر ميلشتاين أن الدفع لم يعد بالشيكل فقط؛ حيث توزع حماس صناديق الطعام والماء والإمدادات الإنسانية كبديل للرواتب والنقود.
ويضيف عطايا أنه حتى في ظل الحصار المالي، تجد الحركة سبلا لضمان قدر من التعويض لعناصرها.
وقال: "لقد تمكنوا من الاستمرار في دفع الرواتب وتقديم الخدمات، حتى في ظل الدمار الذي لحق بغزة"، موضحا أن هذا يُحبط القيادة الإسرائيلية.
ويُلقي تحقيقٌ حديثٌ أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مزيدا من الضوء على هذه الأساليب المالية، حيث أورد أن معظم موظفي حماس لا يتقاضون الآن سوى حوالي 20 بالمئة من رواتبهم قبل الحرب، أي ما يُقارب 1000 شيكل (حوالي 300 دولار) كل 10 أسابيع.
وقال ميلشتاين: "لا شك أن حماس تعاني من ضغوط مالية، لكنها دائما كانت قادرة على التكيف. سواء عبر الطائرات المسيرة، أو طرق التهريب عبر شبكات البدو، أو القنوات الخلفية في رفح، فهم يجدون دائما طرقا لنقل الأموال".
ومن أسباب تماسك حماس هيكلها القيادي الموحد، فعلى عكس ما يُشاع عن انقسام حاد بين قيادتها في غزة ومكتبها السياسي في الخارج، يُشدد كلٌّ من عطايا وميلشتاين على التنسيق الوثيق بينهما.
وأضاف ميلشتاين: "هناك اعتقاد خاطئ حول وجود انقسامات في قيادة حماس، ففي الواقع، يعمل الجناحان -داخل غزة وخارجها- معا بشكل وثيق، لا سيما فيما يتعلق بالتمويل والقرارات الإستراتيجية".
وأشار عطايا إلى قادة مثل زاهر جبارين المقيم في إسطنبول، ومحمد درويش المقيم في الدوحة، بصفتهم مهندسين ماليين رئيسين، مضيفا أنهما المسؤولان عن جمع التبرعات من دول مثل تركيا وقطر وإيران، وضمان وصول الأموال إلى غزة.
وبالتأكيد، أصبح إدخال الأموال إلى القطاع أكثر صعوبة، لا سيما مع سيطرة إسرائيل على طريق فيلادلفيا على طول الحدود المصرية. لكن المحللَين يتفقان على أن حماس لا تزال تجد حلولا.

تقويض القدرات الإسرائيلية
وفي نهاية المطاف، تعتمد إستراتيجية حماس الآن على الصمود أمام العدو، فالأمر لا يتعلق بتحقيق نصر عسكري سريع، بل بتقويض قدرة إسرائيل على الصمود وشرعيتها العالمية، وفق التقرير.
وبتعبير ميلشتاين، فإن "حماس تراهن على الاستنزاف، إذ إنها تريد رفع التكلفة عسكريا واقتصاديا وسياسيا، حتى تعجز إسرائيل عن مواصلة الحرب. إنها لعبة طويلة الأمد".
ويرى عطايا أن هذا هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق في ظل الظروف الراهنة، "فلا يوجد أفق سياسي، ومحادثات وقف إطلاق النار توقفت. وفي غياب البدائل، تُجبر حماس على خوض حرب استنزاف طويلة الأمد، حرب تُقوّض استقرار إسرائيل وصورتها وشعورها بالسيطرة".
وأكد الموقع الأميركي أنه "رغم ضعفها، لا تزال حماس فاعلة، فأيديولوجيتها وخدماتها الاجتماعية ومرونتها العملياتية تُمكّنها من البقاء في منطقة حرب قد يجدها معظم الناس عصية على السيطرة".
وختم ميلشتاين ادعاءاته قائلا: "هم ليسوا أقوياء، لكنهم لا يزالون صامدين، وهذه الحقيقة وحدها تكشف مدى عمق جذورهم في واقع غزة".