مع بدء محاكمتها.. الإمارات تتنصل من جرائمها بالسودان وناشطون يفضحونها

التحركات القضائية من الخرطوم تأتي على وقع صراع دموي مستمر في السودان
في خطوة قانونية غير مسبوقة، تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى رفعتها الحكومة السودانية ضد دولة الإمارات، تتهمها فيها بدعم مليشيات الدعم السريع (الجنجويد) المتورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، خاصة في إقليم غرب دارفور.
وفيما بدأت المحكمة أولى جلساتها العلنية في لاهاي، أطلق ناشطون حملة إلكترونية واسعة لتوثيق الانتهاكات ودعم ملف الخرطوم، بينما تتوالى التقارير الدولية التي تعزز الاتهامات الموجهة لأبوظبي، وسط نفي رسمي من الأخيرة.
التحركات القضائية تأتي على وقع صراع دموي مستمر في السودان منذ أبريل/نيسان 2023، خلّف أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في إفريقيا خلال العقود الأخيرة.
وقالت محكمة العدل الدولية خلال بيان في 6 أبريل/نيسان 2025، إن الخرطوم تعد الإمارات “متواطئة في إبادة جماعية ضد المساليت (قبيلة في السودان بدارفور) من خلال توجيهها وتوفير الدعم المالي والسياسي والعسكري المكثف لمليشيات الدعم السريع المتمردة”.
واتهم السودان الإمارات بمساندة قوات الدعم السريع، لا سيما عبر تزويدها بالأسلحة، وهي اتهامات رفضتها المليشيا وأبوظبي، لكن خبراء بالأمم المتحدة ومشرعين أميركيين قالوا: إن هذه الرواية ذات مصداقية.
كما اتهمت وزارة العدل السودانية المليشيات بتدمير الجامعات والمدارس والمرافق الصحية، ما أدى إلى “توقف أنشطة الدولة كافة، وتأثر الحياة العامة والتهجير القسري، وكل ذلك جراء مساندة دولة الإمارات”.
وبدأت العدل الدولية في 10 أبريل 2025، النظر في شكوى السودان الذي يشهد نزاعا داميا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وتستغرق القضايا المنظورة أمام محكمة العدل الدولية سنوات للوصول إلى نتيجة نهائية، لكن الدول المتقدمة بالشكوى يمكنها طلب إصدار تدابير طارئة تهدف إلى التأكد من عدم تصعيد النزاع بين البلدان بالتزامن مع النظر في القضية، وهو ما فعله السودان.
وعشية استماع العدل الدولية لشكوى السودان عقدت حكومة الخرطوم مؤتمرا صحفيا بوزارة الثقافة والإعلام بمدينة بورتسودان (شمال شرق)، تحدث خلاله ممثل الخارجية السودانية كمال بشير، عن الدعوى القضائية.
وأكد تمسك السودان بـ"قضيته العادلة في مواجهة الإمارات أمام محكمة العدل في لاهاي"، معربا عن حرص بلاده والتزامها التام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية و"ثقته التامة في المؤسسات العدلية الدولية في نصرة الحق".
وأوضح بشير أن "السودان يملك الأدلة الكافية لإدانة الإمارات لدورها الرئيس في تأجيج الحرب، عبر دعم وإسناد مليشيا الدعم السريع المتمردة"، واصفا شكوى بلاده بأنها "عادلة". وقال: إن بلاده "لم تجد سبيلا لكف أذى أبوظبي إلا بطرق هذه الأبواب".
فيما أكد وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة السودانية خالد الأعيسر، أن "دولة الإمارات لعبت دورا محوريا في تأجيج نيران الصراع في السودان، وارتكبت أخطاء لا علاقة لها بالإنسانية، وجرائم تتصل بالملاحقات الدولية".
وأشار وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين إلى "عدم التزام الأطراف الدولية والإقليمية بقرار مجلس الأمن بمنع توريد الأسلحة إلى دارفور" الذي اعتمد عام 2004.
وكان أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، قد هاجم الحكومة السودانية لتقديمها شكوى ضد بلاده لدى محكمة العدل الدولية.
ولفت إلى أن شكوى السودان جاءت بعد خطوة مماثلة أمام مجلس الأمن الدولي "بُنِيت بالمثل على افتراءات وأكاذيب وخرافات".
وقال قرقاش في مقال رأي نشره في صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية: إن "الأفعال السخيفة للحكومة السودانية بقيادة القوات المسلحة أمام محكمة العدل الدولية ليست سوى لعبة سياسية وخدعة دعائية وهي محاولة لجر صديق عزيز للسودان وإفريقيا إلى الصراع الذي أججته بنفسها".
وأتبع قرقاش مقاله بآخر نشره على شبكة سي إن إن يعرض فيه الأفكار ذاتها، كما كتب الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله تغريدة دافع فيها عن بلاده، وهاجم السودانيين واتهمهم بنكران جميل بلاده عليهم، فيما أطلق ناشطون محسوبون على نظام أبوظبي وسم #الإمارات_مع_السودان".
إلا أن ناشطين فضحوا الحملة الإعلامية التي أطلقتها الإمارات بالتزامن مع حلول موعد جلسة الاستماع لشكوى السودان ضدها لدى العدل الدولية، وتوجيهها المستشارين والإعلاميين للترويج لسرديات والادعاء أن أبوظبي تساعد الخرطوم، وعدوها "حملة مأجورة".
وأكدوا أن الحملة المأجورة تهدف إلى التغطية والتشويش على حملات الناشطين السودانيين ضد الإمارات، معلنين تصديهم لها بتكثيف التفاعل على الوسوم الفاضحة لجرائم أبوظبي والرد على مستشاريها ومغرديها.
ودعوا كل المغردين السودانيين والعرب للتصدي لهذه الحملة وتنشيط وسوم الحملات المناصرة للخرطوم ومنها #السودان_يحاكم_الإمارات_دوليا، #الإمارات_تقتل_السودانيين، ولاقت استجابة وتضامنا وتفاعلا واسعا.
ادعاءات قرقاش
واتساقا مع الحملة الإماراتية، عرض قرقاش على حسابه بمنصة إكس، مقال رأي كتبه بشبكة سي إن إن بعنوان “السودان بين التضليل وتفاقم المأساة الإنسانية”.
وقال فيه: "ما كنت لأعبّر عن هذا الرأي.. ولا أن أتناول الشأن السوادني الداخلي، لولا الحملات المضلّلة والكاذبة التي تقودها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها من الإخوان ضد دولة الإمارات".
واتهم قرقاش في مقاله الجيش السوداني بموصلة حملة ممنهجة ضد الإمارات بحجج مكررة وواهية، في مسعى لصرف الأنظار عن إخفاقاته الداخلية والتهرب من مسؤولياته تجاه الأحداث التي قادت إلى هذه الحرب العبثية.
وأثار مقال المستشار الإماراتي استياء وغضبا واسعا بين الناشطين، طالبوا الموقع بمنح المساحة ذاتها لمسؤول سوداني للتعبير عن رأيه والرد على ما قاله قرقاش.
ورد المفكر العربي تاج السر عثمان، على قرقاش قائلا: إن "تدخل الإمارات في السودان بات أمرا معلوما للقاصي والداني، ولا ينكره إلا من يعيش في حالة من الإنكار الذي لن يدوم".
وأكد أن التقارير الدولية والوثائق المُثبَتة، فضلاً عن الأسلحة المضبوطة بأيدي المتمردين والمرتزقة تكشف حقيقة هذا التدخل، مضيفا: "حتما ستصدمكم الأيام بكشف الحقائق ودفع الثمن".
وقال الصحفي محمد مصطفى جامع: "لا أذكر على الإطلاق أن شبكة أتاحت المجال في موقعها الإلكتروني لأي شخص مِن قبل كي ينشر مادة ضمن حملة دعائية بمزاعم أنها مقال رأي!".
وتساءل: “هل يمكن أن تتيح الشبكة نفس المساحة لمسؤول سوداني للرد على ما أورده مستشار ابن زايد؟”
وتساءل أيضا الباحث وائل علي محمود: "هل يسمح لوزير الخارجية السوداني أن يحصل على نفس المساحة في CNN".
واستهزأ الناشط الحقوقي الإماراتي المعارض محمد بن صقر، بما قاله مستشار ابن زايد في مقاله، مطالبا الذكاء الاصطناعي بتوضيح صحة ما يذكره قرقاش.
إساءة إماراتية
وهاجم ناشطون الأكاديمي عبدالخالق عبدالله، بسبب إساءته للخرطوم، بزعمه أن أبوظبي من أكبر الداعمين له، وقوله: إن “ناكر الجميل في السودان يتقن افتعال المعارك مع الإمارات برفعه دعوى بائسة في محكمة العدل الدولية”.
ورد أبو الوليد، على تغريدة عبدالله قائلا: "اللهم يَسِّر لابن زايد وأنت معه دعما كدعمكم الدموي لنا"، مضيفا: “أتعلم من الظلم أن نعمم الدعوى فلن أقول الإمارات، فشعبها أهلنا”.
واستدرك: "لكن الله عالم مطلع على ما في القلوب وما تخفي الصدور، ونحن عندما نقول الإمارات نقصد نظام شيطان العرب".
وعلق المغرد محمد، على اتهام عبدالله للسودانيين بنكران الجميل، قائلا: إن "ناكر الجميل هو من نسي أن السودانيين كانوا أهم من شاركوا في بناء الإمارات في عهد زايد وقابلوا ذلك المعروف بسرقة موارد السودان ودعمهم للتمرد وشراء مرتزقة لقتل السودانيين".
ورد علي السير، على عبدالله، قائلا: إن "الشعب السوداني ومن قبله العالم أجمع يعلم أن ابن زايد المريض نفسيا عديم الإنسانية والضمير يدير ويموّل الحرب ضد شعب السودان".
وأضاف: "ابن زايد مطمئن من تحركات المجتمع الدولي بالأموال التي يفرقها عليهم دون حساب لضمان سكوتهم، لكن هناك ربا قيوما فردا صمدا عدلا".
وسخر أحمد شموخ، من تغريدة عبدالله، مؤكدا أن الصواريخ والمدافع والمسيرات طويلة المدى هي "الدعم" الوحيد الذي تقدمه أبوظبي لقتل واغتصاب وتهجير وإبادة السودانيين وإزالتهم من أرضهم، والاستيلاء على تاريخهم ومواردهم.
سعادة وارتياح
وإعرابا عن السعادة والارتياح من محاكمة أبوظبي أمام محكمة لاهاي قال محمد بلحاف: "الإمارات التي تآمرت ودعمت الانقلابات وزرعت الفوضى في السودان والعديد من الدول ستواجه العدالة".
وبشر بأن دماء السودانيين لن تضيع هدرًا، والمحاسبة قادمة، مؤكدا أن "لا مكان للإفلات من العقاب بعد الآن!".
وقال وئام عبدالعظيم: "اليوم أولى جلسات محاكمة دويلة الشر والمؤامرات، لذلك لا بد من جعل هذا الهشتاج ترند على أعلى مستوى".
وكتب مكاوي المالك: "من لاهاي يبدأ سقوط الطغيان.. دويلة الإمارات كانت تظن أن المال يحصّنها من المحاسبة، تُستدعى اليوم للمحكمة بتهمة تمويل القتل الجماعي في السودان.. العدالة تأخرت، لكنها لم تغب.. والمجرمون سيتعثرون بخطاياهم".
وقالت الإعلامية نهى شبو: "اليوم السودان جيشا وحكومة وشعبا يدوس على جمر الجراح، وذهب إلى لاهاي لمحاكمة رأس الأفعى: الإمارات! الدويلة التي تحترف نشر الفوضى، وتمويل الانقلابات، وسفك دماء الأبرياء، وصلت لحظة فضحها أمام العالم!".
وقال أحد المدونين: اليوم يقف السودان شامخا أمام المحكمة في لاهاي، ليكشف للعالم الوجه الحقيقي لما تُسمى بـ"الدويلة" التي امتهنت التآمر والدمار.
وأضاف أن الإمارات، الدولة التي احترفت نشر الفوضى في الدول الإسلامية، وتمويل الانقلابات العسكرية، وتسليح المليشيات، وسفك دماء الأبرياء، تقف اليوم أمام مرآة العدالة الدولية.
وأكد أن بصمات الإمارات واضحة من اليمن إلى ليبيا ومن تونس إلى السودان، في كل كارثة، وكل دمعة أم، وكل طفل تيتم، وكل بلد انهار، قائلا: "آن الأوان لفضحها، لمحاسبتها، لوقف نزيف الشعوب الإسلامية الذي تديره من غرف مظلمة".
وأشار المحلل السياسي حسين الفضلي، إلى أن المؤتمر الصحفي الذي عقدته الخرطوم، هو "أول مؤتمر مشترك حول قضية حكومة السودان ضد دولة الغزو والاحتلال أمام محكمة العدل الدولية بتهمة خرق الإمارات اتفاقية منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها".
وقال حليم عباس، إن "ما حدث من تدمير وتخريب للبلد، للممتلكات العامة والخاصة، ومن قتل وتشريد وإذلال للشعب السوداني، لن يمر مرور الكرام".
وتابع: "لن ننسى ولن نغفر، سنقتص وسننتقم. هذه مسألة كرامة، الدولة السودانية انتهكت كرامتها والشعب السوداني أهين، وهذا ثأر لن يسقط بالتقادم".
ووصف وليد محمد المبارك أحمد، الدعوى المقامة أمام العدل الدولية من السودان ضد الإمارات بأنها "تاريخية".
ممول الدم
ووصف الناشط ياسر مصطفى، ابن زايد بأنه "مموّل الدم وصانع الخراب"، قائلا: "بينما يبكي أطفال السودان تحت الأنقاض، ويبحث الأب عن جثة طفله في الركام، تتدفق الأسلحة من أبوظبي لتغذي آلة القتل الجنجويدية".
وأكد أن ابن زايد لم يعد مجرد داعم، بل شريك أصيل في الجريمة، وراعي حرب إبادة، وقاتل يختبئ خلف الألقاب والبزات العسكرية، وأن دعمه لقوات الدعم السريع ليس خفاءً، بل وقاحة سياسية وتحديا سافرا لكل قيم العدالة والإنسانية.
وأضاف مصطفى، أن من يسلّح المغتصبين، ويموّل قتلة الأطفال، لا يُسمّى "قائدًا"... بل سفّاحًا دوليًا بثوب أبيض، مبشرا بأن التاريخ سيكتب أن ابن زايد، باسم "الاستقرار"، كان يمول "الدمار"، وأنه حين بكت دارفور، ضحك في قصره، وحين صرخت الخرطوم، زاد في شحنات الموت.
وقالت ريان بت أحمد الجعفري، إن الإمارات تسببت في هدم البنية التحتية في وطنها السودان، وهجرت شعبه قسرا وقتلت الأبرياء واغتصبت النساء وسفكت دماء الأبرياء بدعمها ومدها بالسلاح لمليشيا الدعم السريع المتمردة.
وأضافت "نرجو محاكمة المجرم محمد بن زايد على ما اقترفه بحق وطننا وأهله، ونرجو من جميع الأحرار في العالم الفسيح الوقوف معنا ومساندتنا في حقنا المشروع ضد دولة الإمارات".
وكتب محضار الشهباري: "شيطان العرب ابن زايد أجرم كثيرا في حق العرب والمسلمين في السودان وفي مصر وفي سوريا وفي اليمن وفي ليبيا، حتى المغتربون المسلمون في بلاد المهجر لم يسلموا من مؤامراته، ومن العدل أن تتم محاكمته.. أوقفوا هذا الشيطان عند حده"، وفق تعبيره.
وأكد المغرد عديل، وجوب محاسبة ابن زايد “رأس الشر في المنطقة العربية” والقضاء على حكمه الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الأبرياء، بحسب وصفه.