بين الاجتياح والتفاوض.. لماذا قد يؤخر نتنياهو خطة احتلال مدينة غزة؟

إسماعيل يوسف | منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

رغم تصديق الحكومة الإسرائيلية على خطة احتلال مدينة غزة التي تضم أكثر من مليون نسمة، ترجح مصادر عديدة تأجيل التنفيذ لعدة أسباب.

وأكدت هيئة البث الإسرائيلية "كان" في 16 أغسطس/آب 2025، أن الجيش تلقى أوامر بالاستعداد لاجتياح شامل لما تبقى من غزة.

وكشف الجيش الإسرائيلي عن بدء تحضيرات تهجير الفلسطينيين من المدينة، شملت نسف منازل ونشر "الفرقة 99" في جنوب شرقي غزة وتوفير خيام ومعدات إيواء للمهجرين لنقل السكان إلى جنوب القطاع.

إلا أن مصادر فلسطينية توقعت في حديث مع "الاستقلال" أن يضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتأخير الخطة حال الذهاب نحو تنفيذها.

تفاصيل الخطة

وفقا لصحف عبرية أعلن الجيش الإسرائيلي عدة مرات عن بدء تنفيذ خطة احتلال غزة، وآخرها في 17 أغسطس مع إعلانه توفير خيام ومعدات إيواء عبر معبر كرم أبو سالم، للمُهجرين من المدينة.

كما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، 17 أغسطس أنه صدق على خطط احتلال مدينة غزة، في اجتماع خاص مع قادة المنطقة الجنوبية، وكبار قادة هيئة الأركان. وزعمت تقديرات أن عملية "السيطرة" على المدينة، ستستمر أربعة أشهر.

لكن أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 16 أغسطس 2025، أن "هذه الخطوة لن تنفذ قبل سبتمبر/أيلول، وأنها قد تتطلب استدعاء نحو 100 ألف جندي احتياط لا يزال يجرى استدعاؤهم".

وأيضا أوضحت مصادر فلسطينية قريبة من فصائل المقاومة، لـ "الاستقلال" أن الخطط الإسرائيلية المعلنة لبدء عمليات تهجير سكان مدينة غزة، ليست سوى محاولات للضغط عليها لتقبل بشروط إسرائيل، والتحرك لتهجير أكثر من مليون فلسطيني هذه المرة يتطلب استعدادات مطولة وصعبة.

الصحفي من مدينة غزة، عبد الغني الشامي، قال لـ "الاستقلال": "الخطة بحد ذاتها هي للضغط على المفاوض الفلسطيني لإجباره على العودة إلى طاولة المفاوضات مع شروط نتنياهو".

وأوضح أن هناك احتمالا أن يكون التلويح بالاحتلال والاجتياح مجرد ورقة ضغط لإقناع حماس بالعودة للمفاوضات من جديد.

وقد ينجح الوسطاء في الوصول لاتفاق شامل لإنهاء الحرب مقابل الإفراج عن كل الأسرى وتشكيل إدارة مستقلة من التكنوقراط باتفاق كل الفصائل.

وأشار "الشامي" إلى أن ما يؤكد هذا الأمر، هو طرح الوسطاء مقترحا جديدا يجري عرضه حاليا قبل بدء العملية العسكرية.

وفي 18 أغسطس، أعلنت "حماس" والفصائل الفلسطينية أنها وافقت على مقترح لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، قدم لها قبلها بيوم من الوسيطين المصري والقطري.

بينما نقلت القناة 12 العبرية، في وقت سابق، عن مصدر دبلوماسي لم تسمه، ادعاءه أن "حماس" وافقت الآن على الصفقة لأنها تسعى لمنع الجيش الإسرائيلي من دخول مدينة غزة، وأن تل أبيب تبحث حاليا رد الحركة.

كما نقلت عن مصدر مطلع على تفاصيل المفاوضات الجارية بين الطرفين، أنه "ليس من المؤكد موافقة إسرائيل على صفقة جزئية، حتى في إطار خطة (المبعوث الأميركي ستيف) ويتكوف التي جرى إقرارها سابقا".

وأوضح الشامي أن التوغل في أطراف حي الزيتون جاء للإيحاء ببدء العملية العسكرية لزيادة الضغط مع عدم التقدم في العملية أكثر، وللضغط على المفاوض.

وأعرب عن تقديره أنه "في النهاية الحل العسكري لن يكون مجديا وفقط الحل سيكون من خلال التفاوض وإبرام صفقة تبادل".

ورجحت صحف إسرائيلية وأميركية أن يكون إعلان احتلال غزة جزء من الضغط على حماس، مؤكدة أن تل أبيب تحاول الاستفادة من التهديدات بعملية اجتياح غزة المدينة تتنازل حماس أكثر مما مضى وتقبل شروط نتنياهو لوقف الحرب.

لكنها لم تستبعد وقوع الاجتياح، لإرضاء غرور نتنياهو، هو وفريقه الوزاري من التيارات الدينية المتطرفة، من جهة، ومن جهة أخرى عدم السماح بانهيار حكومته ومحاكمته لو توقفت الحرب، قبل دخول ذكرى طوفان الأقصى الثانية.

وقد اعترف زامير بصعوبة الحل العسكري، خلال اقتحامه قطاع غزة 17 أغسطس، مؤكدا أن "احتلال المدينة معركة طويلة متعددة الجبهات".

وترجح صحف إسرائيلية أيضا هذا السيناريو، وتشير إلى أن هذا سبب تدخل أميركا بحل سلمي جديد.

وأكدت صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية المتطرفة، 17 أغسطس، أن "الولايات المتحدة طرحت مسودة جديدة للتوصل لحل دائم بغزة يطبق على مراحل".

كما أعلن مكتب نتنياهو، قبلها بيوم أن شروط الأخير لإنهاء الحرب تتمثل في نزع سلاح حركة حماس وغزة بشكل كامل.

وفرض سيطرة إسرائيلية على محيط القطاع، إلى جانب إقامة سلطة حاكمة لا تنتمي لا إلى حركة حماس ولا إلى السلطة الفلسطينية.

وحددت قناة "كان 11" الإسرائيلية، 17 أغسطس مراحل احتلال مدينة غزة ببناء "مجمعات إنسانية"، أولا، كالخيام والغذاء، يليه إخلاء واسع لسكانها وبدء اجتياح عسكري بري.

وزعمت أن الجيش الإسرائيلي يسعى بحلول 7 أكتوبر 2025 ليس فقط إلى إخلاء سكان المدينة، بل وتطويقها والسيطرة عليها بشكل كامل، ما يعني أن عملية الاقتحام يجب أن تبدأ خلال الأسابيع المقبلة لتسريع الجدول الزمني.

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 6 أغسطس 2025، إنه "ليس واضحًا تمامًا ما تعنيه حكومة بنيامين نتنياهو بـ "الاحتلال الكامل". 

فالمصطلح العبري "كيبوش"، يسمح بتفسيرات متعددة، تتراوح بين السيطرة العسكرية قصيرة المدى على القطاع بأكمله، الذي يزعم جيش الاحتلال سيطرته على 75 بالمئة منه حاليا، وبين "حكم عسكري" إسرائيلي طويل الأمد واحتمال إحياء الاستيطان.

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" 18 أغسطس أن الجيش يعد تهجير مليون مواطن من مدينة غزة "تحديا صعبا للغاية"، لأن حوالي 75 بالمئة من القطاع مُدمر، وإمكانيات نقل المواطنين إلى جنوبه "محدودة".

وأكدت أن حماس ستضع صعوبات أمام مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة، بعدما أعادت إعمار مواقعها داخل المدينة خلال الفترة التي لم تتوغل القوات الإسرائيلية فيها، وطورت مواقع أخرى دفاعية.

أسباب التأخير

بحسب المصادر الفلسطينية، التي استطلعت "الاستقلال" رأيها، من المرجح أن يتأخر تنفيذ الخطة الإسرائيلية إلى منتصف سبتمبر أو أوائل أكتوبر 2025، أما أسباب التأخير فترجع لعدة أمور.

أولها أن خطوة احتلال غزة قد تدفع المزيد من الدول للاعتراف بدولة فلسطين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع سبتمبر 2025.

وتجري دولة الاحتلال حاليا، وفق صحف عبرية اتصالات مكوكية مع دول أوروبا وغيرها لإقناعها بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وإذا بدأ اجتياح غزة الآن، فقد يشجع ذلك أوروبا على الاعتراف بفلسطين، كما أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة ستناقش الغزو الإسرائيلي ما يتطلب تهدئة مؤقته لحين انتهاء الاجتماعات.

وقد أشار لهذا "ميخائيل ميليشتاين" الجنرال الإسرائيلي السابق، وقائد وحدة الدراسات في الاستخبارات العسكرية سابقا، في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، 10 أغسطس 2025، أكد فيه أن "خطة احتلال غزة ستُلحق ضررًا بالغًا بإسرائيل".

و"ستُسرع ردود الفعل العالمية ضد دولة الاحتلال في سبتمبر المقبل، باعتراف واسع النطاق بدولة فلسطينية، كما ستزيد العقوبات مثل رفض ألمانيا، الحليف المُخلص، بيع أسلحة لإسرائيل يُمكن استخدامها في غزة"، وفق قوله.

ويعود السبب الثاني إلى استمرار القلق الإسرائيلي والتحذيرات العسكرية من غوص الاحتلال في أوحال غزة بما يضر بأمن إسرائيل أكثر ويزيد من تضررها سياسيا واقتصاديا.

ويأخذ نتنياهو في الحسبان رفض قيادات الجيش خطط الحكومة بغزو سريع بدلا من الحصار والاستنزاف التدريجي وما قد يترتب على ذلك من خسائر أكبر في الجنود والأسرى.

وكان لافتا تحذير "ميخائيل ميليشتاين"، من أن الجيش إذا اجتاح غزة "فسيكتشف أنه ليس في برلين بل في بغداد أو في مقديشو، وسيتورط بحرب استنزاف تقلب الموازين".

تساءل في مقاله، في 10 أغسطس 2025، "كيف سيتم إجلاء قرابة مليون فلسطيني من مدينة غزة تحديدًا؟ وماذا سيحدث إذا رفض بعضهم المغادرة؟".

أضاف: "ألم تدرك الحكومة أن هزيمة حماس هزيمة نكراء وتحرير الرهائن قد يكونان هدفين متعارضين؟"، و"من هو الكيان الغامض المفترض أن يحكم غزة؟".

ووصف خطة احتلال مدينة غزة بأنها "الفصل الأخير في سلسلة أوهام تطرحها حكومة نتنياهو وتفشل، وتمر دون دراسة، وتُديم نفس الافتراضات الخاطئة".

أيضا وجه المحلل بصحيفة "معاريف"، "بوعاز غانور" 13 أغسطس 2025 انتقادات عنيفة لنتنياهو، وقال إنه "يقود إسرائيل إلى الهلاك ولا يريد وقف الحرب".

واستدل على ذلك بالرسالة "غير المنطقة" التي نُقلت إلى حماس: "إذا لم تفرجوا عن الأسرى، فسندمركم، وإذا أفرجتم عنهم فسندمركم أيضاً".

لذا رفضت حماس، مراراً، العروض التي قُدمت لها، ولن يفلح الضغط العسكري معها، وفق قوله.

وقد تحدث نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق والزعيم الحالي لحزب العمل "يائير غولان"، في صحيفة هآرتس، 15 أغسطس 2025، عن "الثمن الباهظ الذي ندفعه بسبب كذبة نتنياهو عن النصر المطلق".

وهو "حياة أسرانا وجنودنا، وحياة البشر في إسرائيل وغزة"، محذرا من أن "استمرار الحرب، ليس لأسباب أمنية، بل لتقديرات تتعلق بالبقاء السياسي لنتنياهو".

أوضح أن "نتنياهو يختار خطوات تعرض أمن إسرائيل للخطر من أجل مصلحته الشخصية وكي يُبقي على تماسُك حكومته، التي تعتمد على عناصر مسيانية متطرفة".

و"بالنسبة إلى نتنياهو، فإن حالة الطوارئ تمكنه من تدمير الديمقراطية وإعداد الأرضية لانتخابات غير حرة، تحت غطاء الحرب، والتحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر، وضمان مستقبلنا، كدولة يهودية وديمقراطية"، وفق تعبيره.

وبجانب التحذيرات من أضرار أمنية وسياسية على إسرائيل لو نفذت خطة احتلال مدينة غزة، حذرت تقارير اقتصادية إسرائيلية، نقلا عن مسؤولين في وزارة المالية، من "أثمان اقتصادية" لهذه الحرب.

فقد حذرت صحيفتا "يديعوت أحرونوت"، و"جيروزاليم بوست" من أن احتلال غزة سيكلف تل أبيب 50 مليار دولار سنويا ويرفع العجز إلى 7 بالمئة، ويؤدي لتدهور الموازنة، ما يشكل تهديدا لاقتصاد إسرائيل.

وحذر المحلل الاقتصادي حاغاي عميت، في موقع "ذي ماركر" من العواقب الاقتصادية لاحتلال كامل قطاع غزة، مؤكدا أنه "سيكون واحدًا من القرارات الأكثر تكلفة ماليًا التي اتخذتها الحكومة في الحرب الحالية".

كما ستعاني شركات الصناعات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي تعد المبيعات إلى أوروبا محرك النمو الرئيس لها، من الحصول على مناقصات جديدة في القارة وتنفيذ الصفقات الحالية، وتتضرر المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

وبالعموم، تقول صحيفة "سكاي نيوز" البريطانية، 8 أغسطس 2025: إن التوجه الجديد الذي يتبناه نتنياهو في الحرب على غزة "يهدد بجر إسرائيل إلى صراع بلا نهاية واضحة".

أشارت إلى أن "محاولة القضاء على حماس، الحركة المرتبطة بالمقاومة والهوية الوطنية الفلسطينية، ربما تكون مهمة مستحيلة".