برلمانيات مصر 2025.. لماذا تعد الأخطر منذ انقلاب السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعدما أسفرت انتخابات مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) عن هيمنة الأحزاب الموالية لنظام عبد الفتاح السيسي وخروج أحزاب المعارضة خالية الوفاض، تكرر الأمر في انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى).

الانتخابات التي جرت مرحلتها الأولي يومي 10 و11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وغابت عنها المنافسة لاختيار ممثلي الشعب، لن تكون نتائجها، المقرر إعلانها في 28 ديسمبر/كانون الأول، مختلفة عن "الشيوخ" بفوز ساحق لأحزاب النظام. وفق مؤشرات رصدتها "الاستقلال".

مع أنها ثالث انتخابات تجري منذ انقلاب السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي وحل البرلمان المنتخب والدستور، تُعد هذه الانتخابات الأخطر؛ لأنها ستمهد الطريق لما هو قادم؛ إذ سيحدد هذا التصويت ما إذا كانت مصر ستتجه نحو تمديد دستوري ورئاسة رابعة للسيسي، يقوم به البرلمان القادم، أم ستستعد لمرحلة انتقالية بعده؟

ويتكون مجلس النواب من 568 عضوا منتخبا، بواقع 284 بنظام الفردي و284 بنظام القائمة، ويعين رئيس الجمهورية 5 بالمئة من الأعضاء (28 عضوا)، ليصل الإجمالي إلى 596 نائبا وينعقد البرلمان الجديد في يناير/كانون الثاني 2026.

ولاية رابعة

بدت عملية "هندسة" انتخابات مجلس المجلس (على غرار الشيوخ) كأن هناك إصرارا على استبعاد أي أصوات معارضة مزعجة، وتحصين هذا البرلمان بإخلائه من الرافضين، لإخلاء الطريق أمامه للقيام بـ"دور محدد".

فقد أظهرت تشكيلة المجلس الجديد، المُهندسة بنظام القوائم والمسموح بترشيحهم، فرز ووضع من سيتعاون مع الحكومة خلال السنوات الخمس المقبلة، حسبما أشار رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال الإدلاء بصوته.

وكان من الواضح أن هذا المجلس القادم مُصمما ليضم المتعاونين فقط في تمرير قوانين السلطة، وأن دوره التشريعي والرقابي سوف ينحصر في تمرير أغلب ما شاءت الحكومة من قوانين بالشكل الذي أرادت، دون أي معارضة.

بحيث تتناغم الأغلبية السلطوية مع الرؤية الحكومية للأولويات التي يبدو أن لها النظر في كيفية مد حكم السيسي لفترة رئاسة رابعة.

وقبل بدء الانتخابات، أشار تحليل لـ "معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط"، 21 أكتوبر 2025، إلى أن انتخابات مجلس النواب "ستجري في بيئة سياسية مُحكمة من قبل الأجهزة الأمنية نظرًا لأهمية توقيتها"؛ إذ ستكون آخر انتخابات قبل نهاية الولاية الثالثة والأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2030، ما يجعل هذا البرلمان الجديد هو "الفاعل المحوري في المسار السياسي المصري؛ إذ سيمهد الطريق إما لتعديل دستوري يمدد ولاية السيسي، أو يُمهد الطريق لانتقال سياسي بعده".

وأوضح أنه "لهذا السبب، تمثل هذه الانتخابات التشريعية لحظة سياسية محورية وحاسمة بالنسبة لمصر، لحظة تكشف عن البنية الأساسية للنظام السياسي في البلاد، وعلاقته بالمجتمع، وتعميق ترسيخ الحكم الاستبدادي".

ويرى الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط تيموثي كلدس، أن "السيسي بحاجة إلى برلمان يمكنه التحكم فيه والسيطرة عليه بشكل كامل" لتمديد رئاسته.

لذا يجرى هندسة الانتخابات من أجل مجلس تفصيل على مقاس المرحلة المقبلة.

وقال لوكالة الأنباء الفرنسية، في 10 نوفمبر: "في حال أراد السيسي البقاء في السلطة بعد 2030 فسيكون على البرلمان المقبل تقديم التعديلات الدستورية المطلوبة ليصبح ذلك ممكنا".

ويتوقع الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط "يزيد صايغ" أن يسعى السيسي لولاية جديدة، وأن يُطلق محاولة لتعديل الدستور لجعل ذلك ممكنا"، وأن يترافق ذلك مع توسيع صلاحيات المؤسسة العسكرية أكثر.

وقال لموقع "المنصة"، في 6 نوفمبر، إن مؤشرات ذلك واضحة وتتمثل في استخدام كل الأحداث الخارجية لتحسين صورة السيسي وحجب ما يمكن أن يكون محل نقد في مجالات أخرى، والدعوة للاصطفاف خلف القيادة".

وبموجب التعديلات الدستورية التي أُجْريت عام 2019، تم تمديد فترة ولاية السيسي من أربع سنوات إلى ست سنوات، وتم احتساب ولايته السابقة بأثر رجعي على أنها الأولى له، ما سمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2030.

لذا سيكون برلمان 2026، القادم هو من سيقرر نهاية رئاسة السيسي، أم التمديد له، وهو المرجح؟

وإذا قررت السلطات تمديد رئاسة السيسي فترة رابعة، فسيكون عليها القيام بذلك عبر البرلمان، وفي حال تجنب أي تعديل دستوري، فسيكون البرلمان مسؤولا عن الإشراف على عملية الانتقال السياسي.

لهذا سيعكس تشكيل هذا البرلمان بشكل مباشر نوايا السلطات المصرية تجاه المستقبل، وسيكون برلمان 2025 بمثابة أداة قانونية وسياسية تُمرر من خلالها السلطات المصرية قراراتها الرئيسة لما بعد 2030. وفق "معهد التحرير".

ويعكس تشكيل هذا البرلمان مباشرة نوايا السلطات المصرية المستقبلية، ولأن النوايا وضحت عبر "هندسة" هذا البرلمان ولعب المولاة والمال السياسي الدور في تشكيل، فقد يكون هذا مؤشر على نية التمديد للسيسي عبر تعديل الدستور مجددا. بحسب مراقبين.

ولم تُعلن أحزاب الموالاة حتى الآن أي مواقف بشأن تعديل الدستور.

لكن الصحفي والمذيع محمد الباز، رئيس مجلسي إدارة وتحرير صحيفة الدستور، المملوكة لشركة المخابرات (المتحدة)، دشن في يوليو/أيلول 2025، سباق "المطالب الشعبية" بمنح السيسي فترة رئاسية رابعة.

وذلك بحجة أن الشعب “اعتاد على رئيس يعمل بلا كلل”.

وسبق أن تكررت هذه الدعوة عبر الصحفي الراحل ياسر رزق، المقرب من السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2018 لتمديد فترة السيسي الرئاسية، وهو ما تم في سبتمبر/أيلول 2019 بتعديلات دستورية مثيرة للجدل، مكّنته من البقاء رئيسا حتى 2030.

وفي 7 نوفمبر 2017، زعم السيسي أنه "لن يستطيع أن يجلس رئيسا على كرسي الحكم ضد إرادة الشعب المصري" أو "يتخطى أي رئيس مدة حكم 8 سنوات على مدتين"، كما زعم: "لن استمر يوم واحد في الحكم ضد إرادة الشعب المصري"

لكنه خالف ما قاله بتعديل الدستور في 2019 ليبقي مدة 16 عاما في السلطة، ويخطط بعد انتخابات 2025 لتعديله مجددا ليبقي مدي الحياة، وفق توقعات سياسيين مصريين.

ومنحت التعديلات الدستورية التي اقترحها 155 نائبًا، ينتمي معظمهم إلى "ائتلاف دعم مصر" البرلماني، الموالي للسلطة، السيسي عام 2019، "ولاية ثالثة"، وأرضت الجيش بصلاحيات إضافية للقوات المسلحة.

كان من بينها "صون الدستور والديمقراطية وحماية حقوق وحريات الأفراد"، ما زاد تدخل الجيش في الحياة السياسية.

وكان السياسي حسام بدراوي، آخر رئيس للحزب الوطني المنحل بعد ثورة 25 يناير، حذر، في حوار مع موقع "المنصة"، أكتوبر 2025، من الانسياق خلف هذه دعوات لتأبيد الرئاسة للسيسي، ووصف ذلك بـ "الفجاجة والاستهزاء بالشعب في إدارة الانتخابات".

قال: أرفض تعديل الدستور لإضافة مدة رئاسية رابعة، والداعون لتعديل الدستور "منافقون أكابر".

أضاف: لا أتوقع حدوث تداول للسلطة في مصر وأدعو السيسي لتعيين نواب له والتخلي عن القبضة الأمنية. 

وبالتوازي مع خنق أي فرصة للتغيير في الانتخابات، تزايدت القيود على الفضاء العام والفاعلين السياسيين والإعلاميين.

ووُضعت الصحافة تحت سيطرة شبه كاملة من الدولة، وفقد القضاء استقلاليته، وجرمت القوانين حرية التعبير السياسي

ومنذ انقلاب عام 2013 حُلت الأحزاب السياسية (الإسلامية خصوصا) أو استُولي عليها بإخضاعها أمنيا، بينما واجه مرشحو المعارضة المستقلون السجن والمضايقة والنفي.

هندسة القوائم

لم يختلف المشهد في انتخابات مجلس النواب، عن الانتخابات الأخيرة لمجلس الشيوخ؛ فاللجان تبحث عن ناخبين، وحشود مصطنعة عبر حشد موظفين وعمال بالأمر، ولم يغب شراء الأصوات، وظهر بوضوح في عدة ممارسات.

ووفقًا للمادة 226 من الدستور، يشترط أي تعديل دستوري موافقة ثلثي أعضاء البرلمان قبل طرحه للاستفتاء العام، لذا كان هناك حرص على ضمان أكثر من هذه النسبة عبر "قائمة موحدة" للانتخابات تهيمن عليها أحزاب السلطة.

وبدأت الانتخابات يومي 10 و11 نوفمبر، وسط عزوف شعبي لعدم وجود انتخابات حقيقية، وحسم قرابة نصف المقاعد بالتزكية لنواب أحزاب السلطة.

وتكررت تجارب حشد ناخبين بالمال السيسي، عبر دفع أموال لهم للتصويت (بين 200 إلى 500 جنية (4: 10 دولار) للصوت)، بالإضافة إلى شُنط مواد غذائية، رغم هندسة القوائم مسبقا بحيث يكون المجلس أغلبه للمولاة.

ونشر موقع "زاوية ثالثة"، في 11 نوفمبر، شهادات ميدانية من عدد من المحافظات، أظهرت استعانة حزب الموالاة "مستقبل وطن" بعدد كبير من الجمعيات الخيرية في تعبئة الناخبين، مقابل توزيع 300 جنيه، وكراتين تحوي مواد غذائية لاستمالة الأصوات.

ورصد "الحزب المصري الديمقراطي" اليساري، وفي بيان، توزيع كراتين مواد غذائية تحتوي على مواد تموينية ورشا انتخابية بغرض التأثير على إرادة الناخبين.

وبجانب المال السيسي، تمت هندسة الانتخابات، لصالح أحزاب الموالاة، تماما كما حدث في انتخابات الشيوخ، التي انتهت في أغسطس/آب 2025 بفوز جميع مرشحي أحزاب السلطة (مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري). 

فقد استبعدت الهيئة الوطنية للانتخابات ثلاث قوائم انتخابية وعددًا من مرشحي المعارضة، بذريعة عدم تأديتهم الخدمة العسكرية الإلزامية (الإعفاء القانوني)، رغم أنه سبق لـ 6 منهم على الأقل الترشح والفوز في انتخابات سابقة!

وهو ما عكس توظيف الهيئة الوطنية للخدمة العسكرية كمعيار سياسي للإقصاء، دون مبرر موضوعي.

لذا بدت انتخابات "النواب" كأنها نسخة كربونية من "الشيوخ"، خاصة هندسة وترتيب هذه الانتخابات لصالح أحزاب الموالاة لضمان هيمنتها على البرلمان.

وانعكس النظام الذي تجرى على أساسه الانتخابات على مشاهد اللجان؛ إذ يخصص نصف المقاعد للقائمة المطلقة المغلقة (الحكومية) التي تخوض وحدها الانتخابات.

والنصف الآخر للانتخاب الفردي، الذي تُترك فيه بعض المقاعد من أحزاب الموالاة، لبعض أحزاب المعارضة.

ولم تتقدم أي قوائم منافسة لـ "القائمة الوطنية من أجل مصر"، ما ضمن لها الفوز بالتزكية بنصف مقاعد المجلس، أي نحو 284 مقعدًا من إجمالي 568 مقعدًا، دون أي منافسة أو اقتراع فعلي.

وتتألف القائمة الوطنية من 12 حزبًا، تتصدرها الأحزاب الموالية للسلطة، ورغم حفاظ حزب مستقبل وطن على صدارته، تراجعت هيمنته نسبيًا، بحصوله على 120 مقعدًا (42 بالمئة) في برلمان 2020، مقارنة بـ 145 مقعدًا (51 بالمئة) في برلمان 2015.

وكشفت إحصائيات توزيع مقاعد انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025 عن تصدر حزب السلطة (مستقبل وطن) المشهد بحصوله على 118 مقعدا، من 300، يليه بقية أحزاب الموالاة (حزب حماة الوطن بعدد 72 مقعدا، ثم حزب الجبهة الوطنية في المرتبة الثالثة بـ 45 مقعدا).

وفي المراتب التالية، جاء حزب الموالاة (الشعب الجمهوري) بـ 14 مقعدا، يليه الحزب المصري الاجتماعي الديمقراطي (يساري معارض ولكن متحالف مع السلطة) بـ 7 مقاعد.

كما حصلت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين الموالية للسلطة على 16 مقعدا، أي 276 مقعدا من 300 لأحزاب السلطة فعليا.

ثم أحزاب المعارضة المستأنسة (حزب الوفد 6 مقاعد، وحزبا الإصلاح والتنمية والعدل 5 مقاعد لكل منهما)، فيما نال حزبا المؤتمر والتجمع 3 مقاعد لكل حزب، ومقعدين لكلا من حزب النور وحزب الحرية.

ومقعد واحد لبقية أحزاب الموالاة المحسوبة على المعارضة اسما، وهي "الناصري، المصريين الأحرار، السادات الديمقراطي، إرادة جيل، المصريين، الوعي، الجيل".

ويتوقع مراقبون ألا تختلف نتائج انتخابات مجلس النواب عن "الشيوخ" ويهيمن على أغلبية المقاعد أحزاب من أجل الاستعداد لتعديل الدستور وتمديد حكم السيسي.

مسرحية لتعزيز النظام

لذا رأت منظمات حقوقية مستقلة، أن الانتخابات التشريعية في مصر لاختيار أعضاء مجلس النواب "مسرحية لتعزيز نظام السيسي"، و"لا تحمل أي تنافسية، في ظل قيود مُحكمة على المشاركة السياسية الفعالة".

وقالت 7 منظمات في بيان نشره مركز "القاهرة لحقوق الإنسان"، 9 نوفمبر 2025، إن "مجلس النواب أضحى أداة محورية في ترسيخ الحكم الاستبدادي".

وأكدت أنه في ظل حكم السيسي، "لم يكن مجلس النواب آلية للتمثيل الديمقراطي أو للمساءلة العامة، بل اقتصر دوره إلى حد كبير على المصادقة على قرارات السلطة التنفيذية وتسهيلها، دون أن يمارس أي رقابة فعلية".

ورجّحت أن تعيد العملية الانتخابية المرتقبة إنتاج هذا الدور، بتكريس هيئة تشريعية لا تملك أي أدوات رقابية، تفتقر إلى التوازن وتوفر بالكاد حيزا رمزيا للتعددية.

وأن تعزز هذه الانتخابات من الوضع الاستبدادي القائم، بدلاً من توفير مسار ديمقراطي للمواطنين لاختيار ممثليهم بحرية، بسبب مواصلة مصادرة إقصاء المعارضين عن الشأن العام، ما يقوض أي احتمال لانتخابات تنافسية حقيقية.

وتناولت المنظمات استبعاد الهيئة الوطنية للانتخابات ثلاث قوائم انتخابية وعددا من مرشحي المعارضة، بذريعة عدم تأديتهم للخدمة العسكرية الإلزامية، في تفسير تعسفي جديد للقانون.

ولفتت إلى أن 6 من المستبعدين على الأقل سبق لهم الترشح والفوز في انتخابات سابقة دون إثارة أي إشكال بشأن موقفهم من التجنيد، وإلى أن الإعفاء من الخدمة العسكرية في مصر يمكن أن يتم لأسباب لا صلة لها بأي مخالفة، مثل الظروف الأسرية أو لأسباب سياسية أو بسبب الزواج من أجنبية.

الأمر الذي يعكس توظيف الهيئة الوطنية للخدمة العسكرية كمعيار سياسي للإقصاء، بما يفتقر لأي مبرر موضوعي، وينتهك المعايير الدولية، بما في ذلك المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحظر فرض قيود غير مبررة أو تمييزية على الحق في الترشح للمناصب العامة.

ووصف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في 10 نوفمبر، الانتخابات البرلمانية المصرية بأنها "مسرحية مُدبرة بعناية"، ويرى أن "النتيجة النهائية هي برلمان تم شراؤه وفرزه مسبقًا وتحصينه ضد المعارضة".

وأضاف أن "المنافسة الحقيقية حول من يستحق الترشح، وما إذا كان البرلمان سيساعد في تمديد حكم السيسي إلى ما بعد عام 2030، قد حُسمت بالفعل خلف الكواليس".