باستعراض مهيب قرب نتساريم.. المقاومة تلتحم بشعبها الصامد وإسرائيل في ذهول
"القسام عبر هذا الاستعراض نجحت في إيصال رسائل نفسية عميقة لكل الفئات المستهدفة، سواء الداخلية منها أو الخارجية"
ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالصور التي بثتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الخاصة بعملية تسليم 3 أسيرات إسرائيليات، تنفيذا لما هو مخطط في اليوم الأول من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
القسام وثقت في 19 يناير/كانون الثاني 2025، عملية تسليمها 3 أسيرات إسرائيليات، هن: "رومي جونين (24 عاما)، وإميلي دماري (28 عاما)، ودورون شطنبر خير (31 عاما)" في ساحة السرايا وسط مدينة غزة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وسط استعراض عسكري مهيب.
ومن ثم جرى تسليم الأسيرات إلى جيش الكيان الإسرائيلي، وظهرن في حالة ارتياح وسعادة واضحة بعكس هيئة الأسيرات الفلسطينيات، وتضمنت اللقطات إعطاءهن هدايا تذكارية من كتائب القسام قبل عملية التسليم.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن الهدايا التذكارية تضمنت خريطة لقطاع غزة، وصورا للأسيرات أثناء فترة الأسر، وشهادة تقدير.
وجاء تسليم الأسيرات الإسرائيليات، مقابل إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن 90 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال.
وبعد مضي أكثر من 7 ساعات على تسليم الأسيرات الإسرائيليات للصليب الأحمر، أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية الإفراج عن 90 أسيرا فلسطينيا، وتحركت حافلات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجن عوفر العسكري قرب رام الله بالضفة الغربية المحتلة.
وأطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز بكثافة تجاه فلسطينيين تجمهروا قبالة سجن عوفر لاستقبال الأسرى، كما أعلن الجيش الإسرائيلي المنطقة القريبة من السجن من جهة بيتونيا (بلدة فلسطينية تقع بين القدس ورام الله)، منطقة عسكرية مغلقة، ومنع تجمع ذوي الأسرى.
وتداول ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #كتائب_القسام، #غزة_تنتصر، وغيرها، مقاطع فيديو وصورا توثق حالة الفرح والحفاوة الواسعة باستقبال الأسرى الفلسطينيين، معربين عن سعادتهم بإبداع القسام في تنفيذ الصفقة.
وبرزت تحليلات لتعمد المقاومة الفلسطينية تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث بساحة السريا، ومنحهن شهادة تقدير وهدايا تذكارية تضمنت خريطة لقطاع غزة قبل وصولهن إلى إسرائيل، مؤكدين أنها تمثل صفعة على وجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.
هندسة الصدمة
وعن لحظة تسليم الأسيرات الإسرائيليات، تحدث الصحفي محمد رمضان الأغا، عما وصفه بـ"هندسة الصدمة"، مشيرا إلى الظهور اللحظي المفاجئ والمتوقع للأخضر، وفي وقت واحد بالتزامن الدقيق في كل أنحاء قطاع غزة.
ولفت إلى النظام والتنظيم والإدارة والدقة والحركة في الظهور والتسليم والتبادل وإدارة الجمهور، وإصدار بطاقات الإفراج للأسيرات الثلاث بإجراءات مهنية رسمية إدارية تكافئ إجراءات الدول والحكومات، وتوقيع ممثلي الصليب الأحمر الدولي، كمنظمة دولية غير حكومية، على وثيقة أو نموذج تسلم للأسيرات الثلاث والدهشة ظاهرة عليهم جميعا، وفي ذلك رسائل عديدة ظاهرة وغير ظاهرة.
وأشار الأغا إلى توقيع ممثل الأخضر على وثيقة نموذج التسليم الرسمي أيضا، بطريقة مهنية وإدارية راقية، ومن ثم تسليمه لممثل الصليب الأحمر الدولي، مؤكدا أن الزي الأخضر مثير، ليس في لونه، ولا شكله، بل في إيحاءاته، حيث يبدو وكأنه خارج للتو من المصنع الخاص به مباشرة، موسوما بمكواة ماهرة.
وأكد أن عدد ومظهر أفراد الأخضر يبدو مثيرا جدا خصوصا هيبة الوجود في المكان، وفي ذلك رسائل نفسية عميقة، وصلت من فورها لكل الفئات المستهدفة، سواء الداخلية منها أو الخارجية.
وقال إن سيارات البيكب ذات الدفع الرباعي، والممنوع استيرادها منذ حوالي عقدين، تبدو أيضا وكأنها وصلت غزة للتو من المصنع وراء البحار، من أرض المنشأ في طوكيو عاصمة اليابان.
وخلص إلى أن المشهد كله، كما يبدو إجمالا، إنما هو مشهد إدارة حرب نفسية متقنة، وبجودة عالية، حول قصة اليوم التالي، التي تحولت بذلك إلى الثانية التالية أو الدقيقة التالية، وليس الساعة التالية، وليس مصطلح اليوم التالي، هو المصطلح الذي صدعوا به الرؤوس المنهكة، خلال عدوان الإبادة الممنهج.
من جانبه، عدد الناشط محمد النجار، دلالات زمان ومكان تسليم الأسيرات الثلاث، موضحا أن تسليمهن في اليوم الأول من وقف المعركة، بعد 471 يوما من القتال، دليل جهوزية وحيوية وديناميكية عالية لدى القسام.
وأكد أن تسليم الأسيرات في ساحة السرايا التي كانت سجنا إسرائيليا كبيرا قبل ثلاثين عاما، تحولت اليوم إلى منارة للحرية للأسرى الفلسطينيين، تم باختيار دقيق للربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وعد النجار تسليم الأسيرات بصحة جيدة في قلب مدينة غزة، التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي حيا حيا، وشارعا شارعا، هو إعجاز كبير، ودلالة تفوق مستمر للمقاومة على الجيش الغازي.
وقال إن الظهور العسكري الكبير لمقاتلي القسام في مدينة غزة هو تحدٍّ للزمرة السياسية الإسرائيلية التي كانت ترفع شعار النصر المطلق، وتراهن على تحويل غزة لنموذج الضفة الغربية، كل ذلك تبخر أمام ناظريهم.
وأضاف النجار أن حماس أظهرت تفوقا أمنيا واستخباريا عاليا، لا يقل عن ذلك الذي ظهرت به يوم السابع من أكتوبر، مؤكدا أن هذا دليل تعافٍ سريع للبنية القتالية بشكل مبهر.
ولفت إلى أن مشهد الالتحام الشعبي بين المقاومة وجمهورها، هو آخر ما كانت تتمناه إسرائيل، ونسف سردية المعركة القائمة على تحويل غزة وشعبها لمنطقة مسالمة تحت الوصاية الإسرائيلية.
وأكد النجار، أن المقاومة أوفت بوعدها لشعبها، وفاءً يجعلها مؤتمنة بما فيه الكفاية لالتفاف الشعب خلف من يحصد له حقوقه بالقوة، وقد شعر الناس بمشاعر العزة رغم الدمار والألم الشديد.
وبشر بأن مشاهد الأطفال الذين يهتفون لكتائب عز الدين، ومحمد الضيف، ستطرق كابوسا في رأس نتنياهو، فهو أمام جيل جبار، شهد انتصار مقاومته على أعتى جيش مدعوم من كل العالم، قائلا إن هذا الجيل سيكتب نهاية إسرائيل.
فيما وصف إسلام كمال، فيديو تسليم القسام للأسيرات للصليب الأحمر، بأنه "حاجة روعة لا يمكن وصفها، وحرب نفسية كاملة متكاملة"، قائلا: "إنه يطلع فيديو بعد 471 يوم إبادة، فده لازم يدرسوه مادة منفصلة بكلية الإعلام".
وأضاف: "الناس دى بقالهم ٤٧١ فى إبادة وبعد ساعات بس كانوا موجودين وبيحتفلوا وبكامل العتاد والأسلحة.. واللى بقى كان أروع شهادات تخرج من الأسر مع تذكار خريطة غزة للأسيرات!"، مؤكدا أن كل تفصيلة فيه تُدرَّس، كل لقطة فيه بتحكي.
من جهته، رصد الصحفي محمد جمال عرفة، ثلاث ملاحظات على تسليم الأسيرات، ومنها أن القسام قامت بعملية تمويه وتحرك أكثر من موكب في نفس الوقت من مناطق مختلفة دون أن يعرف العدو أي موكب يحمل الأسيرات، موضحا أن هذا يعني أن منظومة القسام تعمل بشكل طبيعي.
وأشار إلى أن حماس قدمت "هدية" للأسيرات الثلاث عبارة عن شنطة ورقية بها هدايا و"شهادة تخرج" من الأسر كرسالة ساخرة لحكومتهم، وإحداهن كانت تحمل قلادة عبارة عن خريطة فلسطين، مؤكدا أنها رسائل لحكومة نتنياهو.
وأوضح عرفة أن مشاهد الأسيرات تشير إلى أنهن بحالة جيدة وهو ما أكدته إسرائيل ويبتسمن لجنود القسام وهي لقطة حرصت عليها حماس مثل صفقات التبادل السابقة وهدفها إحراج الاحتلال الذي هدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم بأن أي أفراح بإطلاق سراحهم سيتم منعها واعتقال من يفعل ذلك.
وحدة الظل
وفي تحليل لمشهد تسليم الأسيرات الإسرائيليات المحتجزات لدى القسام، أوضح الكاتب محمود سالم الجندي، أن وحدة الظل ليست مجموعة عادية، مشيرا إلى أن رجلا ظهر بملابس سوداء مميزة تختلف تماما عن الزي العسكري للمجموعات المقاتلة.
ولفت إلى أن الأسيرات لم ينسين توديعه على الرغم من هول المشهد بتحية وسلام ملحوظ، وفي الزاوية الثانية من التصوير يظهر الرجل بشكل أكثر وضوحا لكن فجأة نجده ينسحب بعد انتهاء المهمة للوراء ويختفي وسط الحشود ويغطي أصحاب الزي العسكري عليه تماما.
وقال الجِندي: "إنها وحدة الظل.. إنكار للذات وتدريب عال عسكري ونفسي وقدرة على التخفي والانتقال والبقاء على قيد الحياة والفداء"، واصفا المشاهد بأنها "عجيبة تحتاج لوقفة طويلة ولو أن عندنا يعقلون لكانت مادة للدراما مرعبة في بناء الوعي والهوية."
وأكد المغرد عبيدة، أن وحدة الظل ستبقى أحد أعقد حلقات دراسات علوم الاستخبارات في العالم.
وعد محمد أمين مهري، ما يحدث يصعب تصديقه وكأنه من وحي الخيال، قائلا: "متخيلين الدور الذي قامت به وحدة الظل! متخيلين الكفاءات والقدرات مع الحصار وانعدام الإمكانات!".
وتساءل: "من كان يتصور رؤية هذه المشاهد من شمال غزة! من كان يتصور رؤية هذا التنظيم والترتيب والاستعداد والوجود بالزي العسكري الكامل والسيارات أثناء تبادل الأَسرى بعد 15 شهرا من الحرب الوحشية في تلك المساحة الضيقة مع قلة المؤنة وحجم ترسانة العدو والاستخبارات والرصد!".
وقال هشام صلاح: "مازال المجاهدون في وحدة الظل على رأس عملهم القائد أبو البراء الرقم الصعب والصندوق الأسود في غزة، يُحسب لهم تفوقهم وحفاظهم على أصعب ورقة ضغط على النتن (نتنياهو) ومعه كل قوى الطغيان العالمي، ورقة أسرى العدو.. صمود أسطوري مقاومتنا رغم أنف العالم".
إقرار بالهزيمة
وعن ردة فعل الاحتلال الإسرائيلي، أشار صاحب حساب نحو الحرية، إلى أن الإعلام الإسرائيلي جن جنونه على مشاهد تسليم الأسيرات والعرض العسكري للقسام، وتساءلوا: "من أين خرج كل هؤلاء؟ وماذا كان جيشنا يقصف طوال 460 يوم".
وأشار وهيب مشلوج، إلى قول المحلل الإسرائيلي، آفي يسسخاروف، إن صور الإفراج عن الأسيرات الثلاث من غزة تؤكد أيضا حجم الهزيمة السياسية لـ"إسرائيل"، حتى بعد 15 شهرا من الحرب حماس بقيت في مكانها.
وأكد محمد المسعودي، إصابة إسرائيل بحالة صدمة بعد استعراض أبطال غزة بسيارات حديثة وجديدة، وظهور جرافات عملاقة، لا أحد يعلم أين كانت، مشيرا إلى أن الإعلام الإسرائيلي يتساءل: كيف وصلت سيارات موديل 2025 إلى غزة، ونحن نحاصر القطاع برًا وبحرًا وجوًا منذ سنة ونصف السنة؟
وأشار إلى أن وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية أرسلت مذكرة إلى مدير شركة تويوتا في اليابان، تسأله: هل يوجد مصنع لسيارات تويوتا في غزة؟
وذكر المسعودي، بأن "إسرائيل" سعت جاهدة منذ بدء الحرب لتدمير الجرافات العملاقة، مؤكدا أن ظهور العشرات منها في أول ساعات الهدنة دلالة على أن هناك ثلاث "غزات" تحت الأرض وليس مجرد أنفاق، فلا يمكن إخفاء جرافة عملاقة في نفق!
وأوضح أن هذه الأحاديث هي محتوى الإعلام الإسرائيلي، وحتى إن كانت مبالغات وتهكمات على حكومتهم، إلا أنها تنبئ بشكل أو بآخر عن هول الصدمة التي تعرض لها الجيش الذي لا يقهر.
الأسرى الفلسطينيون
وعن الأسرى الفلسطينيين، أشار المحلل ياسين عز الدين، إلى أن الاحتلال رغم تعمده تأخير الإفراج عن الأسيرات والأسرى الأطفال حتى لا يكون هنالك الكثير من الناس في استقبالهم، ورغم نصب السلطة حواجز ومضايقة الناس، إلا أن استقبالا جماهيريا يليق بهم كان في انتظارهم.
وعرض مقطع فيديو لاحتفالات الضفة في اليوم التالي للحرب، مؤكدا أن المقاومة والتحرير هي مستقبل الضفة.
وعرض عبدالرازق الشايجي، مقطع فيديو يوثق لحظة تسليم الأسيرات الفلسطينيات.
وأشار أحمد فاروق شعبان، إلى أن مشاهد تحرير الأسيرات تثلج القلوب، لافتا إلى أن 90 أسيرة عادت ضمن 2000 من الأسرى في مقابل 33 أسيرا للكيان في المرحلة الأولى من الهدنة.
خيانات السلطة
واستنكارا لاعتقال الأمن الفلسطيني طاقم قناة الجزيرة، قال الإعلامي زين العابدين توفيق: "في كل تاريخه لم يحرر أسيرا واحدا، ولما ذهبت مراسلة الجزيرة لاستقبال الأسرى الذين خرجوا بصفقة أبرمتها المقاومة بغزة بالجهد والدم، منعها من التغطية"، متسائلا: “ماذا تسمون هذا الشيء؟”
ودعا المحلل ياسر الزعاترة، لمراقبة ما يفعله رموز العار، مستنكرا اعتقالهم مراسلة الجزيرة وهي تغطي الإفراج عن الأسيرات والأسرى من سجن عوفر.
وذكر بأنهم قبل ذلك منعوا المحللين الفلسطينيين من الظهور على شاشتها، مؤكدا أن سلطة "فتح" باتت عنوانا لإدمان العار، بل إن عارَها يخجل منه العار.
وتوعد الزعاترة، لسلطة فتح قائلا: "ويل لقادتها ولكل مطبّل لهم من حُكم الشعب والتاريخ".