"موت مؤجل".. كيف يمكن إنقاذ سوريا من الذخيرة العشوائية؟

مصعب المجبل | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024 برزت مخازن السلاح العشوائية كخطر كبير يهدد حياة المدنيين، وسط سعي السلطات الجديدة لفرض الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد.

وتتكرر حالات وقوع انفجارات في مستودعات تخزين الذخائر العشوائية في المدن السورية؛ والتي تخلف عشرات القتلى والمصابين.

الذخيرة العشوائية

وجديد ذلك، مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين، في 14 أغسطس/ آب 2025  بانفجار مستودع أسلحة بالأطراف الغربية لمدينة إدلب شمال غربي سوريا، بحسب مديرية صحة إدلب.

وهذا ليس الحادث الأول من نوعه، ففي 24 يوليو/ تموز 2025، قُتل 12 شخصا على الأقل وأصيب نحو 120 آخرين بجروح جراء سلسلة انفجارات داخل مستودع للأسلحة في بلدة معرة مصرين في ريف إدلب الشمالي.

كما شهدت مدينة دير الزور في 4 فبراير/ شباط 2025 انفجارات ضخمة ناجمة عن انفجار مستودع للأسلحة والذخائر تابع لفصيل "أحرار الشرقية" في حي الجورة وسط المدينة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة عناصر من الفصيل بجروح خفيفة بعد أن ألقوا بأنفسهم من شرفة المبنى لحظة وقوع الانفجار.

كذلك، أسفر انفجار في مستودع ذخائر سري من مخلفات نظام الأسد المخلوع في منطقة النيرب شرق مدينة حلب، عن إصابة 14 مدنيا بجروح متفاوتة وتضرر عدد من المنازل.

ومنذ عام 2011 انتشرت ظاهرة تخزين كميات كبيرة من الذخائر والمتفجرات في مناطق سكنية مكتظة من قبل فصائل المعارضة أو قوات الأسد البائد ومليشياته.

وفي الوقت الراهن، تُمثل مخازن الأسلحة العشوائية والمجهولة والتي خلفتها المعارك على مدى السنوات الماضية، والمنتشرة في كثير من المدن تهديدا مباشرا لحياة المواطنين وسلامتهم.

إذ إن عدم حصر تلك المستودعات العشوائية وتأمينها، سيزيد من احتمالية وقوع انفجارات مفاجئة، ما يعرض السكان لخطر الإصابة أو الوفاة ويؤدي إلى تدمير الممتلكات والبنية التحتية.

لا سيما أن تعرض مخازن الأسلحة للأخطار المتعددة أمر وارد، سواء كانت ناتجة عن عوامل داخلية مثل سوء التخزين أو عوامل خارجية قد يؤدي أي حادث طارئ في المكان لانفجار يمتد تأثيره على نطاق واسع، مما قد يسبب دمارا يخلف عددا كبيرا من الضحايا.

ورغم تأكيد الحكومة الجديدة، اتخاذ الإجراءات كافة اللازمة لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل، إلا أن تسريع تلك الإجراءات ميدانيا لمواجهة تحدي مخازن الأسلحة بشكل حازم ومنظم يعكس التزام الحكومة بحماية حياة المواطنين وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.

قنابل موقوتة

وقال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية، العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، إن "تأمين مستودعات الذخيرة هي ضمن اختصاص في الجيش يتعلق بكيفية ترتيب الذخيرة في المستودعات وتخزينها بحيث تكون بعيدة عن مصادر الانفجار بشكل كامل وضمن عبوات مخصصة لها ومن ناحية درجات الحرارة الملائمة والتهوية".

وأوضح الأسعد لـ"الاستقلال" أن "تعرض الذخائر لدرجات حرارة عالية في المستودعات يؤدي إلى حدوث انفجارات أو حتى العبث بها من قبل غير الاختصاصيين عبر قيام الأهالي بنقلها أو تغيير مكانها".

ونوَّه إلى أن "سوريا بعد 14 عاما من الحرب تنتشر فيها المستودعات العشوائية التابعة لفصائل المعارضة أو من مخلفات قوات الأسد البائد ومليشياته والتي بعضها ما يزال مجهول المكان بسبب تحول أغلب الجغرافية في السنوات السابقة لساحات معارك". 

وأكد أن "استدعاء الخبرات الفنية في هذا المجال مهم لمعرفة طبيعة تلك المستودعات وتقييمها وإجراء مسح شامل لأماكن تموضعها وإبعاد المدنيين عنها لحين تفريغها بشكل آمن ونقلها إلى مستودعات خاصة بوزارة الدفاع بعيدا عن منازل المدنيين".

ولفت الأسعد إلى أن "بعض المواقع التي تحتوي على ذخائر وصناديق أسلحة مجهولة النوعية نتيجة المعارك السابقة، تعد أحد عوامل تهديد الاستقرار في الحواضر السكنية".

وشدّد على أن "مستودعات الذخيرة العشوائية بمثابة قنابل موقوتة خاصة في عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم بعد سقوط الأسد".

وتشكل الأجسام المتفجرة ومن ضمنها الألغام بمثابة موت مؤجل للسوريين؛ حيث إن التصدي لهذه الملفات الشائكة بحاجة إلى جهود محلية ودولية بعد سنوات من الحرب اتّبعت خلاله أطراف عدة إستراتيجية زرع الألغام في مختلف المناطق.

وسوريا من أكثر دول العالم تلوثا بالألغام، ولا تزال منطقتها الشمالية الشرقية تعاني بشكل خاص من المخلفات المتفجرة القاتلة.

جملة نصائح

وتنتشر آلاف الألغام الأرضية والقذائف والذخائر غير المنفجرة في المدن الكبرى والمناطق الريفية التي شهدت عمليات عسكرية وقصفا على مدى 14 عاما.

ولهذا يزداد الخطر مع توافد الأهالي إلى المباني لتقييمها سواء للهدم أو لإعادة الإعمار، دون التأكد من عدم وجود ذخائر غير منفجرة داخلها.

وحدد مسح أُجري عام 2024، وجود 749 منطقة خطرة تحتوي على مخلفات الحرب شمال شرق سوريا، تغطي مساحة هائلة تبلغ 38 مليون متر مربع.

وقتل العشرات منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، جراء انفجار الألغام بمحيط المنازل والأراضي الزراعية في البلدات التي هجرها سكانها؛ هربا من بطش الأسد آنذاك.

كما أظهر مقتل عدد من الأشخاص وهم يحاولون تفكيك الألغام قرب منازلهم غياب إستراتيجية في التعامل مع هذا الخطر المتصاعد.

ووثق “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وحتى 15 مارس/ آذار 2025، مقتل 96 مدنيا بينهم 23 طفلا و9 نساء، وإصابة 133 مدنيا بينهم 48 طفلا بجروح بعضها بالغة الخطورة، في انفجار لمخلفات الحرب والألغام.

وأمام ذلك فإن تأمين مخازن الأسلحة في المدن السورية، ومراقبة وتطهير المناطق الملوثة بالمخلفات القابلة للانفجار والذخائر المتخلفة وعن المعارك تشمل وفق المراقبين ببذل السلطات المحلية جهودا كبيرة للتوعية.

خاصة أن ​​الإمكانيات والخبرات الموجودة بسوريا في الوقت الحالي لا تبدو كافية للتعامل مع حجم المخاطر التي تفرضها مخلفات الحرب.

ومطلع عام 2025 قامت منظمة "ذا هالو ترست"، المختصة في إزالة الألغام بزيارة إلى سوريا.

وحينها قال مدير مشروع سوريا في المنظمة، داميان أوبراين، خلال تصريحات صحفية: إنه “في حال توفر المستوى المناسب للدعم فمن الممكن تطهير سوريا من الألغام في غضون 10 سنوات”. 

ونوّه أوبراين إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي مع الحكومة السورية الجديدة والتنسيق لتطوير قطاع إزالة الألغام. 

ومضى يقول: "ما نحتاجه من المانحين الرئيسين لبرامج إزالة الألغام هو التمويل لتوسيع قدرتنا، وهذا يعني توظيف المزيد من الأشخاص، وشراء المزيد من المعدات، والعمل في مناطق أوسع".

وفي ظل تلك المعطيات، قدم العميد المتقاعد عبدالله الأسعد جملة من النصائح لمنع حدوث كوارث جديدة تهدد أرواح المدنيين، منها "عدم العبث بأي مستودع ذخائر من قبل الأهالي أو محاولة نقلها لمكان آخر أو إتلافها قبل إبلاغ السلطات المحلية".

وأكّد على أهمية "تكثيف الجهود الحكومية لضمان إزالة مخازن الأسلحة من الأحياء السكنية وتخزينها في أماكن آمنة تخضع لإجراءات رقابية مشددة".

ولفت الأسعد إلى "إمكانية تنفيذ برامج فعالة لتأمين تلك المستودعات، بما يسهم في تقليل مخاطر الانفجارات العرضية وحماية حياة المدنيين، خاصة أن إزالة هذه المخازن من المناطق المأهولة بالسكان يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار المجتمعي".