بعد قطيعة 6 سنوات.. إلى أين تتجه العلاقات المغربية الإيرانية؟
"حكومة بزشكيان تسعى بشكل جدي إلى تطبيع العلاقات مع المغرب رغم إسرائيل"
وسط قطيعة دبلوماسية مستمرة منذ أزيد من 6 سنوات؛ بدأت تلوح في الأفق بوادر انفراجة في العلاقات الثنائية بين المغرب وإيران، وذلك بعد لقاء احتضنته الرباط في الآونة الأخيرة بين مسؤولين إيرانيين ومغاربة، لبحث سبل فتح صفحة جديدة في العلاقات.
تقارير إعلامية محلية تحدثت عن وجود وساطة عربية بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين بسبب اتهام الرباط طهران بتقديم دعم مالي ولوجيستي لجبهة البوليساريو الانفصالية، وذلك عبر حليفها حزب الله اللبناني وسفارة إيران في الجزائر.
قطيعة متكررة
وتعود القطيعة بين البلدين إلى مايو/ أيار 2018، حين أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران على خلفية اتهامات لـ"حزب الله" اللبناني، بالانخراط في علاقات "عسكرية" مع جبهة البوليساريو، عبر سفارة طهران بالجزائر، ما عدته الرباط تهديدا لأمنها واستقرارها.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حلا لهذا النزاع بتطبيق حكم ذاتي موسع تحت سيادتها، بينما تطالب جبهة "البوليساريو" الانفصالية المدعومة من قبل الجزائر بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
ونشرت صحف محلية، قبل أيام، أن طهران أرسلت وفدا رفيع المستوى إلى الرباط، نهاية عام 2024 حيث اجتمع بممثلين عن السعودية والإمارات مع مسؤولين مغاربة.
وحمل الوفد الإيراني رسالة من طهران مفادها الرغبة في فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين.
وعاد المسؤول الإيراني إلى بلاده مع حزمة بنود مغربية تتعلق بوقف دعم جبهة البوليساريو والالتزام بعدم التدخل في الشأن الداخلي للمغرب.
ويعتقد متتبعون أن السعودية والإمارات تتوسطان بين إيران والمغرب لإعادة العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت وعادت عدة مرات على مدى العقود الأربعة الماضية، أخرها كان سنة 2018.
ويبدو أن الصراع المتنامي في الشرق الأوسط دفع إيران، نحو إعادة إحياء علاقاتها مع المغرب، خاصة بعدما استطاعت طهران تحسين علاقاتها مع عدد من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات.
وأعادت إيران علاقتها مع السعودية، في مارس/آذار 2023، بينما أعلنت الإمارات عودة سفيرها في إيران إلى طهران في عام 2022، بعد أكثر من 6 سنوات من تخفيض الدولة الخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية.
غير أن علاقة طهران مع الرباط تتسم بتعقيدات كثيرة جراء مسار القطيعة الطويل الذي بدأ منذ 1979.
حين بادرت إيران إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب استقباله شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإيرانية عام 1979، والذي كان صديقا شخصيا للملك الراحل الحسن الثاني.
وفي 1981، قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بعد إعلان طهران دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، فيما منحت الرباط، مقابل ذلك حق اللجوء السياسي لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي.
وبعد عشر سنوات (1991)، عادت المياه إلى مجاريها بين الرباط وطهران، عبر افتتاح السفارة الإيرانية بالرباط، بشكل رسمي، وذلك بعد تراجع طهران عن الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية" التي تود البوليساريو إنشاءها بدعم من الجزائر.
إثر ذلك، استمرت العلاقات بين البلدين لمدة 18 سنة، غير أن المغرب سيقرر مرة أخرى، بسبب ما عدته دعما إيرانيا لجبهة البوليساريو الانفصالية، قطع العلاقات خلال سنة 2009، ليُعيدها سنة 2015، ويقطعها سنة 2018، لنفس الأسباب.
مصالح إستراتيجية
ورغم حالة المد والجزر التي طبعت العلاقات الثنائية، غير أن التحولات الكبرى التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خاصة ما تعلق بتغير ميزان قوى النفوذ الإيراني بالمنطقة، قد تدفع طهران إلى إعادة حساباتها والبحث عن تعزيز نفوذها في مناطق أخرى، لعل من أبرزها القارة السمراء التي يعد المغرب أحد منافذها الأساسية.
الكاتب والباحث السياسي الإيراني عماد أبشيناس، رأى أن حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدول الإفريقية خاصة أن هذه الأخيرة تعد أسواقا قوية للبضائع الإيرانية.
وأكد أبشيناس، في حديثه لبرنامج "المسائية" على قناة "دويتشه فيله" الألمانية، أنه لا توجد أي مشكلة لإيران بخصوص حلحلة الخلافات مع المغرب للوصول إلى خط وسط بينهما.
وسجل أنه لا توجد أي مصلحة إستراتيجية لإيران في دعم جبهة البوليساريو، وليس لديها حتى نفوذ في منطقة شمال إفريقيا كما هو الحال في لبنان أو العراق.
مضيفا أن هذا الموضوع تمت صناعته من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لإثارة قطيعة بين المغرب وإيران.
ويرى أبشيناس، أن حكومة بزشكيان تسعى بشكل جدي إلى تطبيع العلاقات مع كل الدول التي قامت إسرائيل والولايات المتحدة بعرقلة تعزيز العلاقات بينها وبين طهران بما فيها المغرب.
وتابع أن إسرائيل والولايات المتحدة مارسا ضغوطا كبيرة لزرع الفتنة بين إيران والمغرب ومصر والسودان والبحرين وغيرهم من الدول في أفق قطع هذه الدول لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران.
وقال أبشيناس، إنه لا يمكن إنكار أنه لم تكن لجبهة البوليساريو علاقة مع بعض التنظيمات المحسوبة على إيران.
مستدركا: "لكن إيران عمليا ليس لديها أي مصلحة لدعم جبهة البوليساريو، كما أن العمق الإيراني السياسي لا يصل إلى المغرب".
وذكر أنه "لربما في بعض الأحيان بسبب خلافات سياسية تقوم دولة بدعم مجموعة وتقوم دولة أخرى بدعم مجموعة أخرى، ولكن هذا لا يعني أن لديها نية ومبدأ لإسقاط الدولة الأخرى أو التعرض لسيادة الدولة أخرى".
تطبيع مشروط
من جهته، قال خالد الشيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة (شرق المغرب)، إن سعي إيران لتطبيع علاقاتها مع المغرب على المستوى الدبلوماسي مسألة طبيعية.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن العلاقات المغربية الإيرانية عرفت شيئا من عدم الاستقرار منذ تحول السلطة السياسية بطهران نحو الإسلاميين الشيعة.
وسجل أن هذا التحول السياسي بإيران، اصطدم بموقف المغرب من قضية الشاه واستقباله لأسباب إنسانية، مشيرا إلى أن هذا الأمر أثر بشكل أو بأخر على العلاقات الثنائية بين البلدين طيلة السنوات الماضية.
وأوضح الشيات أن "الواقع يقول إن إيران والمغرب متباعدان من الناحية الجغرافية، ومتقاربان من نواح متعددة، فهما بلدان إسلاميان لديهما تصورات وتقاطعات كبيرة في قضايا مختلفة من قبيل القضية الفلسطينية وأيضا قضايا تهم الأمة العربية والإسلامية".
وتابع أن هذا البعد الجغرافي لم يشكل إلا عاملا من عوامل التوافق بين البلدين رغم اختلاف الأنظمة السياسية، ورغم أن الرهانات الإستراتيجية قد تكون متباينة بين البلدين، وهذا أمر قد يؤثر على العلاقات الثنائية بينهما، يقول الشيات.
وبخصوص تأثير التقارب المغربي مع إسرائيل على زيادة التباعد مع إيران، قال الشيات، "لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح، ذلك أن إيران تعلم جيدا أن المغرب لديه دوافع موضوعية في ما يتعلق بهذا الأمر".
وأكد أن المغرب وضع شرطا بسيطا في علاقاته مع الدول قائما على احترام سيادته ووحدته الترابية.
وأضاف أن وزير الخارجية المغربي، زار إيران سابقا وأخبرها بمخاوف المغرب من أن يكون حزب الله تورط مع جبهة البوليساريو في استهداف الأمن الداخلي للمملكة.
وأردف: "أعتقد أن إيران بردها بأنها ليس لها تأثير مباشر على حزب الله، كما أنها لم تعط جوابا شافيا للمغرب بهذا الخصوص، عكس تهربا وعدم تحمل المسؤولية في هذه القضية" مما أدى في النهاية إلى قطع الرباط لعلاقاتها مع طهران.
وفي مطلع مايو/ أيار 2018، زار ناصر بوريطة، طهران، وأجرى لقاء مع نظيره الإيراني جواد ظريف، حيث أبلغه بقرار المغرب قطع علاقاته مع إيران.
ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن، ظهرت معطيات جديدة، حسب الشيات، الذي يرى بأن الضربات الكثيرة التي وجهت لحزب الله ومحاولات إعادة بنائه على المستوى الداخلي، تجعله اليوم بعيدا عن أن تكون له تأثيرات إستراتيجية في أماكن بعيدة كما هو الحال بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا، وخاصة علاقته بجبهة البوليساريو".
وخلص الشيات إلى أن هذه الأمور كلها يمكن أن تكون مقدمات مناسبة لتقارب مغربي إيراني وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى حين بناء مستوى من العلاقات تستقر فيها العلاقات باحترام سيادة الدول واختياراتها الإستراتيجية.