ترامب "أجبر" نتنياهو على القبول بصفقة غزة.. كيف ولماذا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أيام

12

طباعة

مشاركة

مساء يوم 10 يناير/كانون الثاني 2025، اتصل مبعوث دونالد ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط "ستيفن ويتكوف"، من قطر بمكتب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأخبرهم أنه سيزوره ظهر اليوم التالي (السبت).

موظفو مكتب نتنياهو شرحوا له "إنه يوم السبت"، و"نتنياهو سيُسعد بلقائه بعد انقضاء هذا اليوم (المقدس لدي اليهود ولا يعملون فيه)، لكنه رد عليهم بحدة: أنا لا أهتم بما إذا كان اليوم هو السبت، أو غير السبت، لا يهمني بتاتا".

كانت الرسالة واضحة، كما يقول كبير المراسلين الدبلوماسيين في صحيفة "هآرتس"، حاييم ليفنسون، في 13 يناير، لذا "وبشكل استثنائي، جرى التحضير لعقد الاجتماع وحضر نتنياهو لمكتبه يوم السبت واستقبل ويتكوف، قبل عودة الأخير لإنهاء الصفقة".

هذه القصة وقصص أخرى مشابهة روتها صحف إسرائيلية عديدة، منها "تايمز أوف إسرائيل"، أرجعت تسريع الموافقة على الصفقة إلى ضغوط وتهديدات ترامب لنتنياهو.

بالتزامن يطفو إلى السطح تساؤلات من قبيل ما حقيقة دوافع ترامب وأهدافه من الضغط على نتنياهو؟ وما "حقيبة الهدايا" التي وعده بها بالمقابل؟

شتائم وتهديدات

بينما كان نتنياهو يمر بوقت عصيب لتزايد قتلي جنود الاحتلال (50 في 100 يوم و13 في أسبوع)، وضغوط أُسَر الأسرى الإسرائيليين عليه، وضغوط الرئيسين ترامب وبايدن لوقف الحرب، فوجي بنشر ترامب مقطع فيديو يصفه فيه، ضمنا، بأنه "ابن عاهرة قذر".

فيديو ترامب الذي أعاد نشره على منصة "تروث سوشيال"، يظهر فيه الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، وهو يشتم ويوجه انتقادات حادة لنتنياهو ويتهمه بالتلاعب بالسياسة الأميركية، وتوريطها في "حروب لا تنتهي" في الشرق الأوسط.

كان إعادة ترامب نشر هذا الفيديو، مؤشرا واضحا أنه يرسل رسالة غضب، غير مباشرة، مُحملة بالشتائم لنتنياهو، واتهامه بأنه يعرقل صفقة التبادل مع حماس، ما أظهر أن توعده بـ "جحيم" لحماس، كان موجها أيضا لنتنياهو، وفق محللين إسرائيليين.

وقد انعكس ضغط ترامب على نتنياهو وإهانته، بشكل مباشر على المفاوضات، فبعد 48 ساعة تم توقيع الاتفاق، وخضعت إسرائيل لكثير من شروط حماس، وتخلت عن خطوطها الحمراء.

والسبب، أن ترامب غير مستعد لتحمل تكاليف حرب غزة، ولديه أجندته وأهدافه وحساباته الخاصة، لذا أرغم نتنياهو وفريقه الحكومي من تيار الصهيونية الدينية على قبول الاتفاق، وأغراهم بـ "هدايا" بالمقابل، وفق صحف أميركية وإسرائيلية.

الكاتب "حاييم ليفنسون" أوضح في "هآرتس" في 13 يناير أنه "كان هناك إشارات من القدس، قبل تنصيب ترامب بأسبوع، تدلل على أن التغيير في واشنطن (فوز ترامب) هو ما غير قواعد اللعبة، وأخرج قاطرة الصفقة العالقة من الوحل".

قال إن رجل الأعمال اليهودي المقرب من ترامب، ومبعوثه لإسرائيل "لم يتحدث كدبلوماسي مع نتنياهو، فهو جاء لعقد صفقة، واندفع بعدوانية غير طبيعية ضد نتنياهو وأرغمه على قبول الخطة التي سبق أن رفضها مرارا".

أيضا أكدت صحيفة "تايمز أوف اسرائيل" في 15 يناير، أن "نتنياهو تراجع عن مواقفه بعد اجتماع صاخِب مع ممثل ترامب تعرض فيه للإهانة من ترامب بشكل لم يتوقعه".

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود باراك" إن "الموافقة الإسرائيلية على الصفقة جاءت بسبب ضغط ترامب، وليس انطلاقا من الالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه المختطفين".

وأكد موقع "بلومبيرغ" 15 يناير 2025 أن ترامب أجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأعضاء حكومته من اليمين المتطرف، على مواجهة خيار، إما اللعب وقبول الصفقة، أو إغضابه، وهو الزعيم الأكثر استجابة لمطالب إسرائيل.

وبسبب ما تكشف من ضغوط ترامب على نتنياهو لقبول الاتفاق وتوقع تقليص المساعدات، قال تحليل لصحيفة "هآرتس" 15 يناير 2025 أن "اليمين المتطرف في إسرائيل يدرك الآن أن ترامب ليس المخلص الذي تصوروه".

وقد كشف الخبير والمعلق الأميركي (جاكسون هينكل) أن نتنياهو لن يحضر حفل تنصيب ترامب، بسبب إعادة ترامب تغريده صديقة "جميس ساكس" التي وصفه فيها نتنياهو بأنه "ابن عاهرة قذر".

ضغوط الحرائق

رغم أن ترامب خيار سيئ للعرب والمسلمين، إلا أنه "سياسي واقعي ورجل صفقات"، كما تصفه صحف أميركية، وسعيه لإنهاء حرب غزة، لأسباب اقتصادية بحتة، منها توفير النفقات العسكرية الأميركية الباهظة على إسرائيل، وتوسيع اتفاقيات "أبراهام"، والالتفات لحرائق لوس أنجلوس وخسائرها الباهظة.

وكانت مقارنة الأميركيين بين الدمار في لوس أنجلوس وغزة، مفتاحا للحديث عن إنفاق بلادهم مليارات الدولارات على صفقات سلاح لإسرائيل لتدمر بها غزة، بينما حدث تقطير في الانفاق على جهاز الإطفاء بالمنطقة التي احترقت.

وشرع أميركيون في محاسبة عسيرة لحكومتهم، ومقارنة بين ما تم إنفاقه لإبادة غزة، وما تم خصمه من أموال دائرة الإطفاء.

حيث بلغت تقديرات الكلفة الاقتصادية للحرائق ما بين 250 مليار دولار إلى 275 مليار دولار، وفق تقديرات شركة أكيو ويذر "AccuWeather" الأميركية.

وقارنت الناشطة الأميركية "أوليفيا" في منظمة "كود بينك"بين تمرير الكونغرس 8 مليارات دولار للاحتلال لقصف غزة، بدلا من انفاقها على ضحايا الحرائق في أميركا.

وفي 4 يناير، أعطت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة 8 مليارات دولار، بحسب موقع "أكسيوس"، وكانت وافقت في أغسطس 2024 على أخرى بـ 20 مليار دولار، أي بإجمالي 28 مليارا لإبادة غزة. 

وحسب صحيفة "واشنطن بوست" 10 مايو 2024، حصلت إسرائيل على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بين عامي 1946 و2023، بنحو 206 مليارات دولار.

وهو ما يعني أن إسرائيل تلقت من أميركا أسلحة بقيمة 234 مليار دولار وحرمت الأميركيين من خدمات بهذه المبالغ، وهي أكثر مما حصل عليه حلفاء الحرب العالمية الالثانيية، بحسب الصحيفة الأميركية.

ويرى المحلل الإسرائيلي، الدكتور "اميت سيروسي"، في مقال بصحيفة "يديعوت احرونوت" 15 يناير 2025، أن أجندة ترامب الاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها سوف يؤثر عليها هذه الحرائق وستخسر إسرائيل بسببها.

أوضح أن ولاية ترامب الثانية تعد بإحياء القومية الاقتصادية من خلال التخفيضات الضريبية والتعريفات الجمركية، وتغذية الاقتصاد الأميركي، مما يثير المخاوف بالنسبة لإسرائيل من تقليص الدعم لها.

الاتفاقيات الإبراهيمية

فور إعلان التوصل لاتفاق غزة في 15 يناير، بادر ترامب، لحصد أول نتائجها لصالح إسرائيل، معلنا أنه "سيستخدم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة كقوة دافعة لتوسيع اتفاقيات إبراهيم.

كتب على منصته "تروث سوشيال" يقول إنه "سيستغل زخم وقف إطلاق النار لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان".

ويهدف ترامب إلى ضم السعودية لهذه الاتفاقيات، وإقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين إسرائيل، وكان من شروط الرياض وقف العدوان على قطاع غزة، ووضع إطار ينتهي بدولة فلسطينية مستقلة.

لكن مسؤولين سعوديين سربوا لوسائل إعلام محلية عدة مرات إشارات لرفض الرياض التعامل مع حكومة دينية متطرفة في إسرائيل في إشارة لنتنياهو وفريقه من حركة الصهيونية الدينية.

ويرى خبير سياسي مصري أن السعودية ودول الخليج قد تربط التفاعل مع مقترحات ترامب بشأن اتفاقات إبراهيمية جديدة، بشرط رحيل نتنياهو أولا.

أوضح لـ"الاستقلال" أنه يتوقع أن يرحل نتنياهو، وأن يلعب ترامب على وتر التخلص منه، مستغلا الصراع الداخلي في إسرائيل حول قضايا استقلال القضاء وتجنيد الحريديم ورفض الوزيرين بن غفير وسموتريش للصفقة، لتشجيع توسيع التطبيع.

ويشير الخبير المصري إلى أن خطط ترامب بشأن صفقات إبراهيمية جديدة سيستفيد هو منها في إعادة أعمار لوس أنجلوس المدمرة، بأموال الخليج، حيث سيكون اتفاق وقف القتال في غزة مبررا لعودة التطبيع وطلب أموال من الخليج.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن 14 يناير 2025 إن توقيع اتفاق وقف القتال في غزة سيسهل التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، زاعما أن "أفضل طريقة لتشجيع السلام الإسرائيلي الفلسطيني".

أكد في كلمة أمام "المجلس الأطلسي"، وهو هيئة أبحاث في واشنطن، أن "احتمال التطبيع بين إسرائيل والسعودية يمثل أفضل فرصة لتحقيق الهدف الذي طال انتظاره المتمثل في توسيع تكامل إسرائيل في المنطقة".

وكشف في خطابه أنه يوم 10 أكتوبر 2023 كان مقررا لزيارة له إلى السعودية لوضع اللمسات الأخيرة في اتفاقية السلام الإسرائيلي السعودي، لكن قبل الموعد المحدد بثلاثة أيام شنت حماس هجومها على إسرائيل فتوقف كل شيء.

حقيبة “هدايا”

هناك ثأر بين ترامب وجائزة نوبل للسلام، منذ فوز الرئيس السابق باراك أوباما بها عام 2009، وعدم فوز ترامب بها حين ترشح لها عام 2020.

وهو "يطمح في رئاسته الحالية للفوز بالجائزة عبر إيقاف حربي غزة وأوكرانيا، بحسب شبكة التلفزيون الإسرائيلية “i24NEWS”.

الشبكة الإسرائيلية نقلت عن أحد الأشخاص المقربين من الرأسماليين الكبار، من كبار المديرين التنفيذيين للشركات الأميركية العملاقة إن: "ترامب ينوي الترشح لجائزة نوبل للسلام". 

وأضاف "إذا تمكن ترامب من إعادة المختطفين، وإنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق في أوكرانيا، فسيكون لديه فرصة حقيقية للفوز". 

ولكن، هل أرغم ترامب نتنياهو على قبول الصفقة بلا مقابل، أم وعد الإسرائيليين بهدايا؟ مثلما فعل من قبل، وأهداهم اعترافا أميركيا بالقدس عاصمة لدولتهم، وضم الجولان رسميا؟

بحسب محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رونين بيرغمان، في 14 يناير 2025، نقلا عن "مصدر مطلع على التفاصيل"، وعد ترامب إسرائيل بـ "حقيبة هدايا"، فما هي؟

وفق الصحيفة الإسرائيلية، وافقت حكومة تل أبيب على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، بعد أن قدم ترامب لنتنياهو ووزرائها عدة "هدايا"، كانت "مطالب إسرائيلية".

حيث تعهد ترامب لنتنياهو بأنه مقابل موافقته على الصفقة الحالية سيدعم استئناف الحرب على غزة في المستقبل، إذا قررت استئناف الحرب على غزة وانتهاك وقف إطلاق النار.

كما تعهد بتوسيع كبير للاستيطان في الضفة، كما سيلغي قرارات إدارة بايدن بشأن العقوبات على المستوطنين الإرهابيين، وسيرفع شركة (NSO) الإسرائيلية، مشغلة برامج التجسس "بيغاسوس" من القائمة السوداء الأميركية.

وقد أكد محلل الشؤون الاستخباراتية "بيرغمان"، أن ترامب سيسمح بخرق اتفاق الصفقة، لافتا إلى أن ترامب ومستشاريه أثبتوا في الماضي قدرتهم على تنفيذ أمور غير متوقعة، مثل "اتفاقيات أبراهام".

وقال إنه مقابل توقيع "اتفاقيات أبراهام"، اعترف ترامب بسيادة المغرب في الصحراء الغربية، ومنح الإمارات عقدا لتزويدها بالسلاح، وبضمن ذلك طائرات مقاتلة متطورة، بموافقة صامتة من جانب إسرائيل.

"ومن أجل أن تسمح السعودية بعبور رحلات جوية إسرائيلية في أجوائها، مارس ترامب ضغطا على نتنياهو كي يستأنف رخصة تشغيل برنامج التجسس "بيغاسوس"، وهو "إحدى الأدوات المفضلة لدى حاكم السعودية وولي العهد محمد بن سلمان"، وفق يديعوت احرونوت.

من الهدايا أيضا، أن ترامب يعتزم شن "حرب ضروس" ضد المحكمتين الدولتين في لاهاي وضد إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد نتنياهو ووزير الحرب السابق، يوآف غالانت.