"اتفاق غزة ينهي الإبادة".. رغبة حقيقية لترامب أم مناورة جديدة مع نتنياهو؟
“إذا أرغم ترامب نتنياهو بالتقدم إلى المرحلة الثانية سيواجه الائتلاف الحكومي صعوبة في البقاء وستنهار حكومة نتنياهو”
رغم أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن قال قبل مغادرته منصبه بـ 24 ساعة إن المحادثات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بغزة ستبدأ في اليوم الـ16 وتسعى إلى “إنهاء دائم للحرب”، تحرص إسرائيل على إشاعة أن وقف إطلاق النار مجرد إجراء مؤقت.
إذ يؤكد رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو أنه حصل على "تعهد" من الرئيس الجديد "دونالد ترامب" باستمرار الحرب، ضمن حزمة "هدايا" حملها له مستشاره "ستيفن ويتكوف"، مقابل إجباره على قبول صفقة غزة.
لكن تحذير ترامب في حوار مع شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية في 19 يناير/كانون الثاني 2025، من خرق الاتفاق، ورغبته في رؤية "نهاية الحرب"، وتأكيده أنه سيضغط على نتنياهو "لإنهاء الحرب في غزة؟، تبدو عكس ما يزعمه مسؤولو الكيان.
مع هذا، من غير الواضح إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس سيعني أن الحرب ستنتهي بالفعل، حيث يرجح محللون إسرائيليون أن يكون الاتفاق هشا، وتتجدد الحرب ولا تتم المرحلة الثانية، بسبب تعقيدات عديدة.
تعهد أم طمأنة؟
يوم 18 يناير 2025، قال نتنياهو في لقاء مع قناة "سكاي نيوز" البريطانية إن ترامب "أكد" له أن وقف إطلاق النار "مؤقت"، وأن إسرائيل ستحصل على "دعم كامل" لاستئناف الحرب في غزة.
وأضاف أن ترامب قرر "رفع كل القيود المتبقية" على الذخائر الأميركية، مما يسمح لإسرائيل باستئناف الحرب "بقوة هائلة".
وعقب إعلان التوصل لاتفاق وقف القتال في غزة، تحدثت تقارير إعلامية إسرائيلية أن نتنياهو أبلغ وزير ماليته "سموتريتش" ووزير الأمن "بن غفير" وآخرين أن هناك "تفسيرا بديلا" لشروط وقف إطلاق النار الفعلية".
قال لهم ليقنعهم بعدم الاستقالة، أن عليهم "ألا يأخذوا النص الرسمي للاتفاق على محمل الجد، فهناك ضمانات من بايدن ومن ترامب أنهم سيسكتون عن خرق الاتفاقية بعد تنفيذ المرحلة الأولى"، وفق صحف إسرائيلية.
أيضا أعلن نتنياهو في خطاب قبول الصفقة يوم 18 يناير أن إسرائيل "تحتفظ بحق استئناف القتال في غزة بدعم أميركي"، وقال: "نحتفظ بحقنا في العودة إلى القتال، إذا ما لزم الأمر، بدعم من الولايات المتحدة"، وشدّد على أن "الحرب لم تنته".
من جانبه قال سموتريتش رئيس كتلة "الصهيونية الدينية" إنه "توصل إلى تفاهمات كاملة مع نتنياهو بشأن العودة إلى القتال"، و"حصل على تعهد من نتنياهو باستئناف الحرب أو يستقيل وتنهار الحكومة".
بدوره أكد المحلل السياسي الإسرائيلي "تسفي بارئيل" في صحيفة "هآرتس" يوم 15 يناير أن "حكومة نتنياهو لا تنوي الوصول إلى المرحلة الثانية من صفقة الأسرى"، وإلا لوافقت على صفقة واحدة.
وقال: “إذا كانت الحكومة جادة في نيتها بشأن التوصل إلى صفقة كاملة لتحرير كل المخطوفين، ومنع موت مزيد من الجنود ودفع الثمن، لماذا لم توافق على توقيع صفقة شاملة واحدة يجرى تنفيذها دفعة واحدة، وليس على مراحل؟”
ورأى أن "الخلاصة المترتبة على هذا السؤال هي أن الحكومة لا تنوي الوصول إلى المرحلة الثانية من الصفقة، وأن مجرد وجود مرحلة ثانية يدل على نيات خبيثة". وقال إن سعي نتنياهو لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المخطوفين في المرحلة الأولى، "يعني أنه لن يكون هناك مرحلة ثانية البتة، ويجب ألا تخدعنا الأوهام، ويجب الاستعداد لسيناريو استمرار حرب الإبادة في غزة".
وبحسب محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رونين بيرغمان،"وافقت تل أبيب على صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، بعدما قدم ترامب لنتنياهو ووزرائها عدة "هدايا"، منها استئناف القتال.
أكد، نقلا عن مصادر إسرائيلية، أن "ترامب تعهد لنتنياهو بأنه مقابل موافقته على الصفقة الحالية سيدعم استئناف الحرب على غزة في المستقبل، إذا قررت استئناف الحرب على غزة وانتهاك وقف إطلاق النار".
أيضا توقع الصحفي الأميركي الشهير "جيرمي سكاهل" أن تبحث إسرائيل عن "طرق لمواصلة حربها في غزة"، بعد إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى.
ترامب لا يريدها
مقابل هذه التصريحات حول استمرار الحرب، تبدو التصريحات الإسرائيلية المختلفة بشأن الحصول على تعهد من الرئيس ترامب باستئناف الحرب، مرتبطة أكثر بتطورات سير المرحلة الأولى لا الثانية، وغير جدية وتتصادم مع اتفاق وقف القتال.
حيث تتناقض مع اتفاق الصفقة، الذي ينص على أنه "في حال توصل الجانبان إلى تفاهمات حول المرحلة الثانية، فإن ذلك سيقود إلى وقف إطلاق نار دائم وتحرير باقي الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين".
وذلك وفقا للاتفاق، كما قال مسؤولون إسرائيليون للإذاعة العامة الإسرائيلية "كان" 16 يناير/ كانون الثاني 2025.
وقال هؤلاء المسؤولون الإسرائيليون المشاركون في المفاوضات للإذاعة: "أي تعهد من جانب نتنياهو لشركائه السياسيين بالعودة إلى القتال بعد المرحلة الأولى يعد خرقا للاتفاق، ومن شأن ذلك أن يحبط المرحلة الأولى للصفقة لا الثانية والثالثة فقط".
ويقول محللون إسرائيليون: إن ما قاله نتنياهو عن تعهد من ترامب، وما قاله سموتريتش، هو مجرد "طمأنة" من نتنياهو لوزراء التيار الصهيوني الذين هددوا بالاستقالة، ولن تكون هناك عودة للحرب لأن ترامب لا يريد ذلك وليس له مصلحة في تجدد الحرب.
"إيال عوفير" و"فيلدا أربيلي" كتبا يؤكدان في صحيفة “معاريف”، أن وزراء حكومة نتنياهو أبلغوا المراسلين الصحفيين السياسيين في إسرائيل أنه "من الممكن العودة إلى القتال، بعد انتهاء المرحلة الأولى".
وأكدا أنه قيل للمراسلين في إسرائيل إن الرئيس المنتخب دونالد ترامب "طمأن إسرائيل، وأن الولايات المتحدة ستدعم العودة إلى القتال، إذا خرقت حماس الاتفاق".
لكنهما، عدّا هذا "أمرا ظاهريا"، وهناك حكايات وحقائق "مرة" لا يعرفها الجمهور الإسرائيلي، لن تؤدي لاستئناف القتال والحرب.
وأوضحا أن ما قاله نتنياهو في أحاديث داخلية: "لقد حولنا الغزيين إلى بدو رحل بتسوية شمال غزة بالأرض، وإذا أصدرنا الأمر، فسينزحون مرة أُخرى، مثلما نزحوا إلى رفح"، هي أوهام ظهرت مع عودة الغزيين لأرضهم ولو في خيام، وعودة نشاط حكومة حماس وبدء الإعمار.
ووصف المحللون الإسرائيليون في "معاريف"، تصريحات نتنياهو ووزرائه بقولهم: "إنهم يبيعون للجمهور الإسرائيلي حكايات يتم من خلالها إخفاء الحقيقة المرة التي تختبئ تحتها".
وقد حسم ترامب هذا الأمر بوضوح، في حوار مطول له مع شبكة إن بي سي نيوز الأميركية 19 يناير، محذرا من خرق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومؤكدا أن "الجحيم سوف يندلع إذا لم يلتزم الجانبان بالاتفاقية".
وأكد ترامب، في الحوار، رغبته في "رؤية نهاية الحرب"، وأنه أخبر نتنياهو: "يجب أن ينتهي هذا الأمر".
وردا على سؤال للمذيعة كريستين ويلكر: "هل ستضغط على نتنياهو، الذي تربطك به علاقة جيدة جدا، لإنهاء الحرب في غزة؟"، قال: "نعم بالتأكيد"، مضيفا أن هذا "يجب أن ينتهي".
وقد أشار لإيقاف الحرب تماما، أيضا، وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في مؤتمر صحفي 19 يناير مؤكدا: "نعترف بأننا لم نقضِ على حماس وسننظر في وقف دائم لإطلاق النار بعد 16 يومًا".
نقاط قد تفجر الاتفاق
تمثل "المرحلة الثانية" من اتفاق وقف إطلاق النار، منعطفا حاسما في مسار الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، حيث تهدف إلى تحقيق وقف دائم للعمليات العسكرية وانسحاب إسرائيلي كامل، وتهيئة بيئة مواتية لاستقرار طويل الأمد.
كما تمثل "المرحلة الثالثة"، أهمية بالغة في تحديد ملامح المستقبل في قطاع غزة، بالنظر إلى أن أهم بنودها هي تحديد "اليوم التالي"، الذي تصر إسرائيل وأميركا وحكومات عربية وسلطة رام الله، على ألا يكون لحماس سلطة في غزة بعده.
وبسبب التعسف الإسرائيلي في المرحلة الأولى من اتفاق وقف القتال، أعلنت حماس عن مبادرات لتأجيل النقاط الخلافية الساخنة للمرحلة الثانية والثالثة.
وقالت هيئة البث العبرية، يوم 3 يناير، نقلا عن مصادر مطلعة على مفاوضات صفقة التبادل: إن الوسطاء توصلوا إلى تفاهمات يتم خلالها "إرجاء مناقشة أي قضية خلافية إلى المرحلة الثانية من الصفقة".
أبرز هذه القضايا ونقاط الخلاف الساخنة، هي وقف الحرب بشكل نهائي والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من غزة، والخلاف حول إطلاق قيادات كبيرة أسرى فلسطينيين من "أصحاب الأوزان القيادية الثقيلة" في صفقة التبادل، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبد الله البرغوثي وغيرهم.
واستخدام الاتفاق كلمة "عدد يتم الاتفاق عليه" من الأسرى الفلسطينيين لإطلاقهم، وهي كلمة ضبابية وقد تكون متعمدة من جانب الاحتلال، لذا فهي بمثابة حقل ألغام في المرحلة الثانية.
ويقول محللون ومراقبون: إن تصميم الاتفاق، على ثلاث مراحل، يتطلب إجراء مفاوضات جديدة، و"يبدو مهيكلا لاستحضار أزمات متعددة مع اقترابه نحو تضاريس أكثر صعوبة من أي وقت مضى"، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية 19 يناير 2025.
وفي اليوم السادس عشر لوقف إطلاق النار، ستبدأ مفاوضات المرحلة الثانية بشأن الصفقة، وإذا جرت الأمور بشكل جيد، فسيُطلق سراح كل الأسرى، لكن هذا سيكون مرتبطا بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع، وهو أمر تناور إسرائيل بشأنه وتطالب بمنطقة فاصل بينها وبين غزة.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية فيديو ساخر لنتنياهو ووزير حربه، وهما يتعهدان بأن حماس لن تكون موجودة في "اليوم التالي للحرب"، ويظهر خلفهما سيارات مقاتلي "القسام" في غزة، وهو ما أثار غضب الإسرائيليين.
ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، في تقرير يوم 19 يناير 2025 إن "عثرات كثيرة متوقعة" خلال تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق التبادل.
وأشار إلى أن "تفاصيل كثيرة في الاتفاق بقيت سرية ويبدو أنها تختبئ في ملاحق القرار" ولا ترغب حكومة نتنياهو في إطلاع الجمهور الإسرائيلي عليها.
وأوضح المحلل الإسرائيلي أن هدف حماس هو تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، وسيتسع هذا الهدف بشكل كبير في المرحلة الثانية وسيصور على أنه دليل على انتصار حققه سكان غزة في الحرب، وهو ما لا يريده نتنياهو.
وأضاف أن "نتنياهو يدعي أن بحوزته ضمانات قاطعة من الأميركيين لدعم عودة إسرائيل إلى القتال، إذا فشلت المفاوضات، لكن من سيقرر أن المفاوضات فشلت؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
لكن هارئيل قال: إنه "بالرغم من عدم رغبة نتنياهو في التقدم نحو المرحلة الثانية، فإن ثمة عاملين أساسيين سيمارسان ضغطا مضادا من أجل تنفيذ الصفقة بكاملها، وهما الإدارة الأميركية والرأي العام الإسرائيلي".
وتوقع هارئيل أنه “إذا أرغم ترامب نتنياهو على التقدم إلى المرحلة الثانية، فسيواجه الائتلاف الحكومي صعوبة في البقاء وستنهار حكومة نتنياهو”.
المصادر
- Netanyahu Is Counting on Hamas to Help Him Derail the Second Phase of Cease-fire Talks
- NBC’s Kristen Welker exclusive interview with President-elect Donald Trump
- Gaza ceasefire has come into effect but will the Israel-Hamas agreement hold?
- Gaza ceasefire: What the Israel-Hamas agreement means
- معاريف: يبيعوننا الحكايات الحلوة فما الحقيقة المرّة وراء صفقة المخطوفين التي لا يعرفها الجمهور؟