إكس وأبل وميتا وأمازون.. منافسة تكنولوجية محتدمة لدخول ملعب ترامب
إن ما يفعلوه "استسلام كامل للإمبراطور الجديد"
مع اقتراب تنصيبه، تتنافس الشركات التكنولوجية الكبرى من أجل ضمان مكانة داخل حاشية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وفي هذا السياق، يعكس تغيير مسار شركة "ميتا" التي تضم فيسبوك وإنستغرام وواتساب في سياستها المتعلقة بتعديل المحتوى رغبة الصناعة التكنولوجية في كسب ود ترامب من أجل الضغط على الاتحاد الأوروبي وتجاوز تحدياته القانونية.
وتوقعت صحيفة إلباييس الإسبانية أن تشهد المرحلة المقبلة تحسنا ملحوظا في العلاقات بين شركات التكنولوجيا الكبرى والبيت الأبيض.
ماسك في المقدمة
وقد كان إيلون ماسك، مالك شركات تيسلا وسبيس إكس وستارلينك وإكس وغيرها، هو الشخص الذي دعم بقوة عودة الجمهوريين، حيث نجح في أن يصبح بمثابة مستشار لهم.
ولكنه لم يكن قطب التكنولوجيا الوحيد الذي أقدم على هذه الخطوة: فقد تبرع تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل شخصيا بمليون دولار لحفل تنصيب الرئيس الجديد.
وهو نفس المبلغ الذي تبرع به سام ألتمان، صاحب أوبن إيه آي، أو دارا خسروشاهي، الرئيس التنفيذي لأوبر، وشركات مثل ميتا أو أمازون أو بيربليكسيتي.
وهناك تحركات خلف الكواليس أيضا، حيث عمد جيف بيزوس، مؤسس أمازون ومالك صحيفة واشنطن بوست، إلى حذف رسوم كاريكاتورية صورت بيزوس وغيره من رجال الأعمال المذكورين أعلاه وهم يركعون لترامب.
من جهته، دعا الجمهوري كوك ومارك زوكربيرغ، رئيس شركة ميتا، إلى العشاء في مار إيه لاغو بفلوريدا، الذي وضع أخيرا مؤيدين بارزين لترامب في مناصب عليا داخل الشركة.
كما أعلن زوكربيرغ عن تغيير كبير للغاية في منصاته: سيقوم إنستغرام وفيسبوك بإزالة التحقق الخارجي من المحتوى واستبداله بنظام تعليق مجتمعي مشابه لنظام إكس.
وبحسب مصادر من ميتا تواصلت معها صحيفة إلباييس، ستختبر هذه السياسة الجديدة، التي تؤثر فقط على الولايات المتحدة، على مدار السنة، وبناء على النتائج، سيتم النظر في تصديرها إلى دول أخرى.
وتعد الخطوة التي اتخذها زوكربيرغ مهمة لعدة أسباب. أولا، لأنها تتبنى صراحة النموذج الذي صممه ماسك، والذي ساعد في تحويل تويتر إلى شبكة إكس الحالية، حيث ينتشر المحتوى السام بشكل جامح.
ثانيا، لأن ميتا كانت تحاول منذ سنة 2017 قيادة معركة ضد شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات المضللة والمحتوى المحرض على العنف.
وتعد هذه "المعركة" محاولة لحجب فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا، وهي شركة استشارية استخدمت البيانات الخاصة لحوالي 80 مليون مستخدم لفيسبوك لتوزيع رسائل لصالح ترشح ترامب قبل انتخابه لولايته الأولى.
وثالثا، لأنه قبل أربع سنوات بالضبط، في السابع من يناير/ كانون الثاني 2021، حذف زوكربيرغ حسابات دونالد ترامب بعد الهجوم على الكابيتول.
ويمكن قراءة السياسة الجديدة، بهذا المعنى، على أنها استسلام أمام الإمبراطور الجديد.
محتوى سام
ويقول توماس هيوز، المدير العام لمركز الاستئناف الأوروبي، وهي هيئة مستقلة تسمح للمواطنين بالإبلاغ عن مشاكل في إدارة محتوى المنصات: "من الواضح أن هذا التغيير يقودنا إلى سيناريو يزدهر فيه المحتوى الضار عبر الإنترنت".
وقبل توليه منصبه، كان هيوز رئيسا لمجلس الرقابة، وهو نوع من محكمة الاستئناف التي أنشأتها ميتا لضمان وجهة نظر محايدة بشأن القضايا الشائكة.
وأوضحت الصحيفة أن زوكربيرغ وبقية أباطرة التكنولوجيا يملكون العديد من الأسباب التي تجعلهم يقفون إلى جانب ترامب.
وبغض النظر عن مدى عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس القادم للبيت الأبيض ومدى اندفاعه، فإن حزبه يسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا.
وخلال إدارة جو بايدن، فتحت تحقيقات ضد جوجل ومايكروسوفت وميتا وأبل بسبب الممارسات الاحتكارية.
وكان ترامب قد قال بالفعل إن تفكيك هذه الشركات "قد يكون خطيرا للغاية" لأنه يريد "أن يكون لديه شركات عظيمة" قادرة على منافسة الصين.
وباستثناء شركة ماسك، قد تكون الشركات التكنولوجية مخطئة إذا افترضت أنها ستحصل على دعم واشنطن غير المشروط.
وبحسب سيسيليا ريكاب، أستاذة الاقتصاد في جامعة لندن ومديرة الأبحاث في معهد الابتكار والأغراض العامة، فإن فريق ترامب لديه وجهة نظر منقسمة بشأن هذه الشركات.
لكنها تدعم تطوير الذكاء الاصطناعي وجميع تلك التقنيات التي تعد إستراتيجية في السباق ضد الصين ومن أجل التفوق الأميركي، مثل تطوير أشباه الموصلات أو الحوسبة الكمومية.
غير أنه من ناحية أخرى، يخوض ترامب معركة خاصة للغاية ضد قرارات تعديل المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة مع شركة ميتا، والتي يشعر أنه عانى منها كثيرا.
رقابة صارمة
في هذا السياق، يشعر العديد من الجمهوريين بالقلق تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى. ومن بينهم نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، الذي أعرب في البداية عن دعمه الرقابة التي تقوم بها رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، لينا خان، على شركات التكنولوجيا.
ولكن البديل الذي يسعى ترامب إلى تحقيقه سيكون أقل تدخلا، ويؤكد أنه سيلاحق أي شيء يهدد حرية التعبير.
وترى ريكاب أن خطوة زوكربيرغ هي محاولة للتواصل مع ترامب، الذي قال ذات مرة عن قطب الأعمال الشاب: "نحن نراقبه عن كثب، وإذا فعل شيئا غير قانوني هذه المرة، فسوف يقضي بقية حياته في السجن".
وبحسب الباحثة، يرسل زوكربيرغ رسالة لترامب ليقول له: "أنا إلى جانبك، لا تتحرك إلى الأمام في تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي لأننا سنفعل ما تطلبون منا فعله".
وتبدو مغازلة شركات التكنولوجيا لترامب أكثر منطقية عندما نأخذ في الحسبان الوضع الذي تعيشه هذه الشركات في الاتحاد الأوروبي.
في الواقع، فرض قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية واجبات شفافية جديدة على هذه الشركات العملاقة وفتح تحقيقات بتهمة إساءة استخدام السلطة.
وحتى الآن، اضطرت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى مواجهة ما تعده مضايقات قانونية بمفردها. ومع وجود ترامب في البيت الأبيض، قد يتغير الوضع.
وفي هذا المعنى، توضح سيمونا ليفي، مؤسسة مجموعة الحقوق الرقمية، إكس نت، "أن خطاب زوكربيرغ، الذي يدافع فيه عن سياسته الجديدة كوسيلة لتعزيز حرية التعبير، هو جزء من هجوم أيديولوجي يريد أن يشنه في الاتحاد الأوروبي".
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، إيكايتس كانسيلا، تريد شركات التكنولوجيا فرض النموذج الأميركي، الخالي من القيود والخصخصة، على بقية العالم.
وهم يضغطون على الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد. ويبقى أن نرى ما إذا كانت بروكسل ستقرر تحدي قوة الشركات الأميركية أو الرضوخ لها، كما فعلت في الصراعات الجيوسياسية الأخيرة.