على خطى نيكسون.. فورين بوليسي: لهذه الأسباب قد يزور ترامب إيران

منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

عند تحضير رحلته التاريخية إلى الصين في عام 1972، دوّن الرئيس الأميركي حينها، ريتشارد نيكسون، ملاحظات بخط يده، بعضها جاء تحت عنواني: "ما يريدونه"، و"ما نريده".

وقد حقق نيكسون ومستشاره الموهوب للأمن القومي، هنري كيسنجر، إنجازا تاريخيا بهذه الرحلة، وفتحوا الباب أمام الصين، البلد الذي كان معزولا ومنفصلا عن الولايات المتحدة لعقود.

وقد بنى نيكسون جزءا كبيرا من حياته السياسية على معارضة النفوذ الشيوعي -خاصة أثناء فترة ولايته في الكونغرس ومنصبه كنائب للرئيس-، ولذلك كان يتمتع بالمصداقية التي تمكنه من التعامل مع الصين دون أن يُتهم بالضعف.

ولو كان مكانه قائد آخر يفتقر إلى هذه السمعة المحافظة، لرُفضت هذه المبادرة الدبلوماسية الجريئة.

وبذلك، أدت هذه التركيبة المتناقضة من السمعة الصارمة والدبلوماسية البراغماتية إلى المقولة الشهيرة: "فقط نيكسون يمكنه الذهاب إلى الصين".

في هذا السياق، تساءل أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، سينا ​​أزودي، عما إذا كان بإمكان الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اتباع المسار نفسه مع إيران.

الفترة الأولى

وفي مقال له نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قال أزودي: "على غرار نيكسون وآرائه المتشددة بشأن الشيوعية، يُعرَف ترامب على نطاق واسع بتشدده تجاه إيران".

فقد انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية، بموجب ما يسمى بـ"حملة الضغط الأقصى"، مدعيا أن إيران تحت هذا الضغط الاقتصادي الخانق ستسعى إلى صفقة "أفضل".

كما اتخذ خطوة غير مسبوقة باغتيال قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020.

ومع ذلك، وبالرغم من خطابه الحاد، زعم ترامب مرارا وتكرارا أنه “لا يسعى إلى تغيير النظام في إيران، وأنه يريد أيضا إقامة علاقات أفضل مع طهران”.

وأثناء وجوده في منصبه، حاول مرارا وتكرارا التحدث إلى قيادة إيران، بما في ذلك محاولة في أغسطس/آب 2019 للقاء وزير الخارجية آنذاك محمد جواد ظريف في فرنسا، وخلال سبتمبر/أيلول 2019 مع الرئيس آنذاك حسن روحاني.

وبعد تركه منصبه، أعرب ترامب عن اهتمامه بتحويل مسار العلاقات الأميركية-الإيرانية، ففي أغسطس 2024، على سبيل المثال، صرح قائلا: "لا أتطلع إلى أن أكون سيئا تجاه إيران.. سنكون ودودين، لكن لن نسمح لهم بامتلاك سلاح نووي".

وقال أزودي: "لم تظهر تلك الصداقة خلال الولاية الأولى لترامب؛ لعدة أسباب".

أولا، بينما كان ترامب نفسه مهتما بالحديث إلى الإيرانيين، كان محاطا بالصقور الأيديولوجيين، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذين كانا يشجعان لسنوات "قصف إيران".

ففي عام 2014، اقترح بومبيو قصف المنشآت النووية الإيرانية، قائلا إن "الأمر يتطلب أقل من 2000 طلعة جوية لتدمير قدرتها النووية"، وبالمثل، دعا بولتون في الماضي إلى قصف البرنامج النووي الإيراني.

وأشار أزودي إلى أن "الشخصين لعبا دورا محوريا في تقويض الدبلوماسية بين البلدين".

وذكر أنه عندما دعا السيناتور راند بول، ظريف إلى المكتب البيضاوي في يوليو/تموز 2019، في خطوة بدت بإيعاز من ترامب، أعد بولتون خطاب استقالته، حسبما أفصح في مذكراته. 

وفي حين رفض ظريف -بناء على أوامر طهران- الدعوة، وفُرضت عليه عقوبات بسبب ذلك، فإن هذه الحلقة تسلط الضوء على مدى معارضة بولتون للدبلوماسية مع إيران.

وعلاوة على ذلك، تسلط مذكرات ظريف الأخيرة الضوء على كيفية تدخل بومبيو شخصيا لمنع ما يسمى بمبادرة موسكو في يوليو 2020، عندما اتخذت إيران والولايات المتحدة تدابير متبادلة لحل القضايا المتعلقة بتخفيف العقوبات وبرنامج طهران النووي.

وبسبب تدخل بومبيو، انهارت فرصة الدبلوماسية بين طهران وواشنطن مرة أخرى.

موقف هجومي

واستطرد أزودي: "ثانيا، في فترة ولاية ترامب الأولى، كان موقف إيران الجيوستراتيجي أفضل مقارنة بالوضع الحالي، فلم تُظهر طهران حينها أي حاجة للتحدث مع الولايات المتحدة أو تهدئة التوترات في المنطقة".

بل في الواقع، "فعلت العكس، فعندما ذهب رئيس الوزراء الياباني آنذاك، شينزو آبي، إلى طهران في يونيو/حزيران 2019 كوسيط بين إيران والولايات المتحدة، رفض المرشد الأعلى، علي خامنئي، بشكل واضح أي محادثات مع واشنطن".

وقال خامنئي: "لا أعدّ ترامب شخصا يستحق تبادل أي رسالة معه، وليس لدي إجابة له، ولن أرد عليه في المستقبل".

وفي سبتمبر/أيلول 2019، ضرب “الحوثيون” المدعومون من إيران منشأتين نفطيتين رئيستين داخل السعودية، مما أدى إلى تعليق نصف الإنتاج اليومي للبلاد.

وأكد أزودي: "باختصار، تبنت طهران موقفا واثقا وحازما، وحافظت على موقف هجومي في نشاطها الإقليمي، وفي الوقت نفسه، بدأت في توسيع قدراتها النووية، متخلية عن قيود الاتفاق النووي".

واستدرك: “لكن ولاية ترامب الثانية تقدم فرصة فريدة لإعادة ضبط العلاقات الأميركية-الإيرانية”.

وقال أزودي: "مع رحيل المتشددين الأيديولوجيين أمثال بولتون وبومبيو من إدارته، جمع ترامب فريقا من الموالين المتوافقين مع رؤيته".

ورأى أن “هذا التحول لا يزيل العقبات الرئيسة أمام الدبلوماسية فحسب، بل يخلق أيضا مسارا لنهج جديد تجاه طهران، يعطي الأولوية للصفقات العملية على التصلب الأيديولوجي”.

وأضاف أزودي أن "ترشيح السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، وتعيين النائب مايك والتز مستشارا للأمن القومي، يؤكدان تفضيل ترامب للحلفاء الذين يشاركونه رؤيته الأوسع".

وتابع: "بالرغم من سمعتهما المتشددة، فقد أظهر كلاهما استعدادا لدعم أجندة ترامب، مما يزيد من احتمالات التوافق على صفقة محتملة مع طهران".

واستدرك: "مع ذلك، قد يواجه ترامب ضغوطا من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، مثل السيناتور توم كوتون، وهو من أقوى الصقور في ملف إيران".

لكن يرى أن في وجه المعرقلين المحتملين "يجب على ترامب أن يفعل ما يبرع فيه؛ الثقة في حدسه وعدم الاستسلام للضغوط السياسية".

مأزق خطير 

أما من جانب إيران، فقد تدهورت بيئتها الإستراتيجية خلال عام 2024، ولم تعد تتمتع بحرية العمل التي تمتعت بها خلال ولاية ترامب الأولى، وفق تقييم ​​أزودي.

وأوضح أنه "منذ أبريل/نيسان 2024، ضعف حلفاء إيران في المنطقة، خاصة حزب الله اللبناني، وقطعت إسرائيل رأس قيادته".

ولفت إلى أنه "مع انهيار ركائز إستراتيجيتها الدفاعية الأمامية، تواجه إيران مأزقا خطيرا في سياساتها الأمنية الوطنية، وقد تقرر تحويل وضعها كدولة على عتبة النووي إلى ترسانة فعلية".

واستدرك أزودي: "مع ذلك، فإن هذا من شأنه أن يخاطر بضربة وقائية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين أعلنتا مرارا وتكرارا أنهما لن تتسامحا مع إيران المسلحة نوويا".

وأضاف: "على الصعيد المحلي أيضا، تحتاج إيران بشدة إلى تخفيف العقوبات والتحديث، فقد دُمر الاقتصاد بعد سنوات من الضغوط الاقتصادية الشديدة، وفقدت عملتها الكثير من قيمتها مقابل الدولار".

وعلاوة على ذلك، "تحتاج إيران إلى استثمارات في بنيتها التحتية، وخاصة في قطاع الطاقة، والقيادة مدركة للوضع الحالي، والواقع أن الرئيس مسعود بزشكيان، خاض الانتخابات رافعا شعار المفاوضات لرفع العقوبات".

ويرى أزودي أنه "في حين نجحت طهران في الصمود في وجه العاصفة في ولاية ترامب الأولى، فإنها لن تتحمل أربع سنوات أخرى من الضغط الأقصى، إلى جانب التوترات الإقليمية؛ لذلك فإن الإيرانيين قد يكونون مستعدين للتوصل إلى اتفاق".

وشدد على أن "الأدلة تشير إلى أن المسؤولين بدأوا بالفعل في الاتصال بإدارة ترامب القادمة من خلال لقاء إيلون ماسك، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الرئيس المنتخب".

وأردف: "لا يزال تحقيق انفراجة في العلاقات أمرا غير مرجح، نظرا للعداء الراسخ بين واشنطن وطهران، ولكن إعطاء الأولوية للمصالح المتبادلة من شأنه أن يسفر عن نتائج جوهرية".

وختم أزودي قائلا: "على الرغم من أنه مستبعد أن يحل هذا النهج البراغماتي جميع النزاعات، فإنه قد يغير مسار العلاقات الأميركية-الإيرانية، ويعزز الأهداف الإستراتيجية الأميركية طويلة الأجل في منطقة معقدة ومتقلبة".