ساندرا كساب.. اسم صاعد بالدبلوماسية الفرنسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بإفريقيا

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في مشهد يتغير فيه الواقع الجيوسياسي والاقتصادي بين فرنسا وإفريقيا، تبرز “ساندرا كساب” كوجه جديد يقود دفة "الدبلوماسية الاقتصادية الفرنسية" في القارة. بحسب مجلة “جون أفريك”.

ورصد تقرير نشرته المجلة الفرنسية مسيرة هذه السيدة التي صعدت سريعا داخل الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، لتتولى في يناير/ كانون الثاني 2024 رئاسة قطاع إفريقيا، وهو الأكثر أهمية داخل الوكالة من حيث الحجم والتمويل.

كما يسلط التقرير الضوء على الخلفية الثقافية والتعليمية والمهنية لكساب، وعن موقعها الحالي الذي يسمح لها بلعب دور محوري في إعادة نسج العلاقات المعقدة بين باريس وعدد من العواصم الإفريقية التي باتت تنأى عن النفوذ الفرنسي التقليدي.

ويوضح أن كساب تواجه تحديات مضاعفة، في ظل تراجع الحضور الفرنسي في مستعمراته السابقة، وتقلص الميزانية المخصصة للتنمية بمقدار الثلث.

ومع ذلك، فإن تعيينها يُنظر إليه كمحاولة لتجديد النهج الفرنسي، عبر وجوه شابة ومتعددة الخلفيات الثقافية. 

وجه جديد

تستهل المجلة الفرنسية تقريرها بتصوير مشهد عشاء رسمي نظم على هامش الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الإفريقي في مساء 27 مايو/ أيار 2025، والذي حضرته ساندرا كساب، المديرة الجديدة لقطاع إفريقيا في الوكالة الفرنسية للتنمية، والنيجيري أكينومي أديسينا، الرئيس السابق لمجموعة البنك الإفريقي للتنمية.

ورأت المجلة أن الشخصيتين المذكورتين "كانا محط الأنظار" في مأدبة العشاء، لافتة إلى أن "رئيس البنك المنتهية ولايته، إلى جانب المديرة الجديدة لقطاع إفريقيا في الوكالة الفرنسية للتنمية، أشعلا حلبة الرقص، بحسب ما لاحظه الحاضرون". 

وأردفت: "وفي هذا الوسط الضيق لعالم تمويل التنمية، أصبح تمايل النيجيري ذي ربطة العنق الأنيقة مشهدا معتادا لا يمل منه". 

واستدركت: "لكن الضيفة الجديدة لم تكن أقل منه حيوية؛ إذ قالت ضاحكة بعد يومين، في مقابلة صحفية: لدينا شغف مشترك".

وأوضحت كساب التي عينت في السادس من يناير/ كانون الثاني 2025، على رأس قطاع إفريقيا، أن هذه الاجتماعات السنوية كانت بالنسبة لها بمثابة "قفزة ثقة". 

وأضافت أن الحدث، الذي طغى عليه انتخاب الموريتاني سيدي ولد طاه وتوديع أديسينا، جذب آلاف المسؤولين الاقتصاديين إلى مدينة أبيدجان. وعلقت بقولها: "كانت فرصة للقاء أكبر عدد ممكن من الشركاء في وقت قصير".

صعود سريع

وحسب المجلة الفرنسية، شهدت الشهور الماضية تصاعدا سريعا في المسيرة المهنية لساندرا كساب، وفي هذا السياق، صرحت قائلة: "المنصب شغر بشكل أسرع مما كان متوقعا".

وأوضح التقرير أن "مغادرة الكونغولي كريستيان يوكا كانت مقررة مسبقا، لكن تعيينه وزيرا للمالية والميزانية  الشؤون العامة من قبل الرئيس دينيس ساسو نغيسو عجل من وتيرة تعيينها".

وتابع: منذ ذلك الحين، تتولى كساب قيادة فريق يضم حوالي 500 موظف، موزعين بين مقر مجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية، وست إدارات إقليمية، ونحو أربعين وكالة تابعة على امتداد القارة". 

وتشير الأرقام إلى أنَّ "إفريقيا شكلت في عام 2024 ما نسبته 43 بالمئة من إجمالي نشاط الوكالة، أي ما يعادل محفظة مالية بقيمة 6 مليارات يورو، موزعة بين المؤسسة الأم وفروعها، (إكسبيرتيز فرانس) و(بروباركو)".

ويلفت التقرير إلى أنّ "تعيين الأربعينية أثار دهشة البعض لصغر سنها"، إلا أن المدير العام للوكالة، ريمي ريو، علق على ذلك بقوله: "هذا التعيين تتويج طبيعي لمسارها المهني".

ورغم أصولها، فإن اختيار إفريقيا لم يكن خيارا بديهيا بالنسبة لكساب، إلا أن هذه الجذور دفعتها "بسرعة للاهتمام بالقارة"، وفق التقرير. 

وأفاد بأنها "ولدت في مدينة بوردو الفرنسية، لأب هايتي وأم من منطقة بيريغور، واحتفظت من طفولتها في جنوب غرب فرنسا بشغف بالمطبخ المحلي، وبحسب أحد زملائها، بـ (بهجة بالحياة لا توصف)".

وتابع التقرير: "وبعد حصولها على شهادة البكالوريا، قررت دراسة القانون والتخصص في العلاقات الدولية". 

وتذكر أنها "نالت شهادة الماجستير في عام 2004، ثم التحقت بتدريب في وزارة الخزانة الفرنسية". وتقول كساب: إنها "اكتشفت هناك عالم المانحين".

وفي تلك المرحلة، التقت لأول مرة برئيسها المستقبلي، ريمي ريو، الذي كان يدير مكتب إفريقيا في وزارة الخزانة. ويقول التقرير: إن "حيويتها ومهنيتها لفتت نظره، بحسب ما يرويه مقربون من الدائرة الإدارية".

وأردف: "لاحقا، وُظفت ساندرا كساب من قبل البنك الدولي، حيث سافرت إلى بورت أو برنس، عاصمة هايتي، للمساهمة في صياغة إستراتيجية البنك في بلد والدها. وبعد فترة قصيرة، أوفدت في مهمة مشابهة إلى تونس، ولكن هذه المرة لصالح بنك التنمية الإفريقي".

في عام 2006 انضمت ساندرا كساب إلى الوكالة الفرنسية للتنمية كـ "متطوّعة دولية". وتروي قائلة: "بدأت في مكتب بانغي، عاصمة إفريقيا الوسطى، كنا اثنين فقط، لكنها كانت تجربة غنية للغاية". 

وأردف التقرير: "وكان حينها فرانسوا بوزيزيه في السلطة، فيما كانت إفريقيا الوسطى تمر بفترة من الاستقرار النسبي. وقد موّلت الوكالة آنذاك برامج للصحة الأمومية والطفولة، إضافة إلى إعادة تأهيل عدد من الجسور".

وتابع: "وفي عام 2008 استُدعيت إلى باريس، أولا للعمل في قسم الموارد البشرية، ثم إلى إدارة إفريقيا لتتولى متابعة ملفات كل من السنغال والرأس الأخضر". 

وأكمل: "وفي عام 2014، عُينت كمديرة مشاريع، وانتقلت للإقامة في مصر. وبعد أربع سنوات، تسلمت منصب رئيسة مكتب الوكالة في جمهورية الدومينيكان".

وأضاف: "وفي عام 2021 حصلت على ترقية جديدة، لتعود إلى أجواء باريس الرمادية، حيث تولت منصب نائبة مدير قطاع (الشرق). وهناك، أشرفت مع فريقها على إعداد إستراتيجية المجموعة من الهند حتى البلقان، وأسهمت في إطلاق أنشطة الوكالة في أوكرانيا، في خضم الحرب مع روسيا".

وفي هذا السياق، يقول سيريل بيلييه، مدير قطاع "الشرق": "ذلك تطلّب مرونة فكرية معينة". ويضيف مشيدا بها: "إن لديهما براعة فكرية عالية، وحس سياسي حقيقي، وقدرة على تحفيز الفرق، كما أنها تتعلم بسرعة كبيرة".

"متوازنة ومسؤولة"

كما يوضح التقرير أن "ساندرا كساب، خلال أقل من عشرين عاما، صعدت جميع درجات السلم الوظيفي في الوكالة الفرنسية للتنمية". 

وفي هذا السياق، أوضح ريمي ريو، المدير العام للمؤسسة، قائلا: "نظرا لمسارها المهني، وتجاربها المتنوعة وشخصيتها المتميزة، رأينا أنَّها تمتلك القدرة على تجسيد العلاقة الجديدة التي نحاول بناءها بين إفريقيا وفرنسا". 

جدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ عام 2017، يروج لهذه "العلاقة الجديدة"، التي يطمح لأن تكون "متوازنة ومتبادلة ومسؤولة".

غير أن الواقع -كما تشير التقارير- يظهر أن "فرنسا لم تلبث إلا أن تراجعت على الساحتين الاقتصادية والدبلوماسية في مستعمراتها السابقة". 

وأردف التقرير: "وفي ضوء ذلك، تتحمل ساندرا كساب مسؤولية ثقيلة تتمثل في إعادة تعزيز الروابط مع القارة، بل وفي بعض الحالات، إعادة بنائها من جديد". 

وتقول كساب بهذا الخصوص: "من المهم للغاية أن ننظر إلى إفريقيا بتنوعها، وأن نلتقي بشركائنا على أرض الواقع، وأن نسمح لأنفسنا بأن نتفاجأ ونندهش، وأن نراقب وندعم الديناميات الجارية". 

وتضيف مؤكدة: "لا أريد على الإطلاق أن أسمح لتصورات الماضي بالسيطرة علي".

من زاوية أخرى ذكر التقرير أن "مهمتها في كوت ديفوار أتاحت لها فرصة إضافية لتعزيز الشراكة المميزة التي تربط فرنسا بهذا البلد". 

وأردف: "ففي 28 مايو/ أيار 2025، وفي إطار العقد الثالث لتقليص الديون والتنمية، وقعت ثلاث اتفاقيات مع وزير المالية والميزانية الإيفواري، آداما كوليبالي؛ الأولى في مجال التعليم، والثانية في قطاع الصحة، والثالثة في التعليم العالي، وذلك بإجمالي قدره حوالي 160 مليون يورو". 

وعلقت كساب على ذلك بقولها: "ديناميكيتنا في كوت ديفوار إيجابية جدا، خصوصا في القطاعات الاجتماعية".

من جانب آخر، تحدث التقرير عن تحد أمام كساب، حيث "سيتعين عليها التعامل مع تقليص موارد الوكالة الفرنسية للتنمية". 

وأوضح: "فقد خفضت الاعتمادات التي تخصصها فرنسا للمساعدات التنموية بمقدار الثلث هذا العام. أما بالنسبة للوكالة، فقد قُلصت المخصصات السنوية من الدولة -التي بلغت نحو ملياري يورو في 20240- إلى النصف". 

وفي هذا الصدد، تقر ساندرا كساب صراحة بقولها: "لن أكذب، لا يمكننا أن نفعل المزيد بإمكانيات أقل". لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن "التزام الوكالة الفرنسية للتنمية تجاه إفريقيا لا يتزعزع، ولن نستسلم".