بعد إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه.. "قسد" على أعتاب التفكك أم الاندماج بسوريا؟

"استسلام العمال الكردستاني سيدفع قسد للانضواء تحت عباءة الدولة السورية"
شكلت مشاهد بدء حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" إلقاء السلاح وإحراقه بالعراق في إطار عملية السلام مع تركيا، رسالة تاريخية على فشل مشروع الانفصال الكردي بالمنطقة.
وقد جاء ذلك، في ظل تعنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يتحكم بها حزب العمال الكردستاني، في مسألة الانخراط في الدولة السورية الجديدة وتسليم مناطقها وسلاحها لدمشق، في مراهنة واضحة على "المشاريع الانفصالية".

سقوط المشروع الأكبر
وأقدمت مجموعة من تنظيم "بي كا كا" في 11 يوليو/تموز 2025 على تدمير أسلحتها في مدينة السليمانية العراقية، بعدما خرجوا من كهف تجمعوا فيه على حدود ناحية سورداش بمحافظة السليمانية، متوجهين نحو حشد في المنطقة.
وألقى العناصر أسلحتهم في مرجل (وعاء لصهر الأسلحة) كبير، وسط حضور مسؤولين من الاستخبارات التركية وقوات الأمن من حكومة إقليم كردستان شمال العراق، وأعضاء من حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" (التركي)، ومنظمات مجتمع مدني، وممثلين عن وسائل إعلام.
وكان الهدف الأصلي لحزب العمال الكردستاني هو إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا، ولكن مع مرور الوقت تطورت أهدافه إلى حملة من أجل مزيد من الحكم الذاتي للسكان الأكراد في تركيا.
وجاءت خطوة إلقاء السلاح، بعدما أعلن حزب العمال الكردستاني في مايو/أيار 2025 أنه سيحل نفسه وينبذ الصراع المسلح، منهيا بذلك أربعة عقود من الأعمال العدائية.
وقد حثّ زعيم الحزب عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة بالقرب من إسطنبول منذ عام 1999، جماعته في فبراير/شباط 2025 على عقد مؤتمر وحل الحزب رسميا ونزع سلاحه.
وفي رسالة فيديو بثت في 9 يوليو 2025، جدد أوجلان دعوته قائلا: "أنا أؤمن بقوة السياسة والسلام الاجتماعي، وليس الأسلحة".
وحمل استسلام حزب العمال الكردستاني "ضربة مباشرة" وبتوقيت حساس لذراعه العسكري في سوريا المتمثل بقوات "قسد"؛ إذ عملت ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية شمال شرقي سوريا خلال السنوات السابقة على "مشاريع مبطنة" رأت باقي الأطراف السورية أنها تهدف لتحقيق "الانفصال" وخلق كيان عند حدود تركيا الجنوبية.
وعقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، راوغت قوات قسد في تسليم مناطقها للدولة السورية الجديدة، على الرغم من توقيع قائدها مظلوم عبدي، في 11 مارس/آذار 2025 اتفاقا مع الرئيس السوري أحمد الشرع بدمشق لتحقيق الاندماج الكامل.
لكن "قسد" لم تسر في المسار وفق الاتفاق بل بقيت تعرقل تطبيقه رغم تشكيل لجان لتسليم مناطقها للدولة السورية.
وأمام ذلك، عادت حكومة دمشق ونشرت بيانا على وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، في 9 يوليو 2025 جددت فيه رفض الدولة "رفضا قاطعا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة التي تتعارض مع سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة ترابها".
كما رأت الحكومة أن "الرهان على المشاريع الانفصالية أو الأجندات الخارجية، خاسر".
وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وتعده تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "إرهابيا".
وقد أطلق هذا الحزب تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية، في صراع خلف أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
وعقب اندلاع الثورة السورية في عام 2011، سلم نظام بشار الأسد البائد الذي جمعته علاقة جيدة مع العمال الكردستاني، قيادات تتبع لهذا الأخير مناطق في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا الغنية بالنفط.
وقد تشكلت هناك ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية التي أصبحت لاحقا المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بعد تأسيسها بدعم أميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وتعد قوات "ي ب ج" (العمود الفقري لقسد) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني (بي كا كا).

"قصم ظهر قسد"
اللافت أن الموقف الأميركي تجاوز فكرة الدعم العسكري لقوات قسد الممتد منذ عام 2015، وحذر من أي أفكار تحمل مشاريع خارج وحدة الأراضي السورية.
فبينما كان مسلحو حزب العمال الكردستاني يعبرون عن نقطة تحول تاريخية في تاريخ الصراع مع تركيا، خرج المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، في 11 يوليو 2025 وقال: إن الولايات المتحدة لا تدين لقسد بإقامة دولة مستقلة.
وأوضح باراك في تصريحات لقناة "سي إن إن ترك" أن ما يُعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية" هي في الواقع امتداد لـ"وحدات حماية الشعب"، والتي تمثل بدورها امتدادا لـ "العمال الكردستاني".
وأضاف أن هناك شعورا شائعا بين الأميركيين بأننا "كنا شركاء مع قوات سوريا الديمقراطية، وأننا بالتالي مدينون لهم"، متسائلا: “ما الذي ندين لهم به؟”
ولم يكن هذا الكلام الوحيد الموجه إلى قسد من قبل المبعوث الأميركي، فقد قال توم باراك في 9 يوليو 2025: إن هناك طريقا واحدا أمامها وهو التوجه إلى دمشق. موضحا أن "الفيدرالية لا تعمل في سوريا".
وأضاف باراك، لوكالة رووداو الكردية، أن الحكومة السورية أبدت حماسا بشكل لا يُصدق لضم قسد إلى مؤسساتها ضمن مبدأ دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة.
كما لفت براك إلى أن قسد بطيئة في الاستجابة والتفاوض والمضي قدما في هذا المسار.
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، لـ “الاستقلال”: إن "إلقاء مقاتلي حزب العمال الكردستاني السلاح سيربك حسابات قسد في سوريا وسيشكل ضربة قاسمة للمشاريع الانفصالية بعد انهيار هذا المشروع بتركيا.
وخاصة أن هناك إجماع دولي بأن الدول هي الأساس وليس المليشيات التي كانت تعيث فسادا من العمال الكردستاني إلى حزب الله والحشد الشعبي وغيره. وفق قوله.
وأضاف الأسعد: "لهذا فإن الانعكاسات على تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه في العراق وتركيا، بمثابة مناخ إيجابي يدفع قسد للانضواء تحت عباءة الدولة السورية وكسر كل المشاريع الانفصالية التي كانت تسعى لها بسوريا".
ورأى أن “حل العمال الكردستاني وتسليم سلاحه وحديث واشنطن الصريح عن عدم إمكانية إقامة قسد لدولة مستقلة بسوريا، يقصم ظهر المشروع الانفصالي”.
إذ إن “أكثر الأطراف حلما بتشكيل دولة مستقلة وهو حزب العمال الكردستاني بدأ بالتخلي عن مشروعه، ما يفسر أسباب تصريحات المبعوث الأميركي بأنه لا طريق لقسد سوى دمشق”.
من جانبه، يرى الكاتب المتخصص في الشؤون الكردية هوشنك أوسي، أنه “قبل أن تحقق سوريا ديمقراطية وطنية عادلة، من الكارثي على قسد تسليم أسلحتها لدولة غير مستقرة دستوريا، ومن دون جيش ورئيس وطني حقيقي وحكومة وبرلمان وطنيين منتخبين”.
وأضاف أوسي في تصريح تلفزيوني في 11 يوليو 2025 أنه "على قسد ألا تحرق أسلحتها بشكل مجاني وفوري كما فعل مقاتلو حزب العمال الكردستاني بل يجب أن تندمج مع الدولة السورية”.
ولفت إلى أن قسد "لديها مطالب سياسية واضحة منها ما يتعلق بشمال شرق سوريا والمكون الكردي فضلا عن ضمان التحول الديمقراطي الحقيقي بالبلاد".

بلا حواضن
ومع ذلك، هناك من يرى أن مماطلة قسد في الاندماج مع الحكومة السورية يعود لوجود "رغبة" لأحد أجنحتها في الاستثمار من جديد بسوريا.
ويؤكد المراقبون أن تلك الرغبة هي ما يعرقل اندماج قسد الكامل مع الدولة السورية. وبدورها، تبقي الأخيرة خيار العمل العسكري لتوحيد البلاد مفتوحا.
فقد سبق أن أعلن قائد قسد مظلوم عبدي، في مايو/أيار 2025 أن "نداء إلقاء السلاح لحزب العمال الكردستاني يتعلق به ولا يتعلق بقواتنا" في شمال شرق سوريا الذي تديره الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد.
ويقول الباحث السياسي محمد بقاعي: إن التوصل لتسوية بشأن العمال الكردستاني بعد أكثر من 40 عاما على النزاع مع تركيا، يعطي دلالة على وجود صفقة لإنهاء العمل المسلح مع السماح بهامش العمل السياسي بطريقة معينة والاعتراف ببعض الهويات الثقافية للكرد.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "هذا الأمر بالضرورة سيكون له انعكاسات خارج تركيا منها تسليم مقاتلي الحزب السلاح في العراق".
وأضاف بقاعي: “بالنسبة لقوات قسد في سوريا، فقد حاولت خلال الفترة الأخيرة النأي بنفسها عن أي إظهار للارتباط بالعمال الكردستاني ولكن مع ذلك فإن الجميع يعلم وجود ارتباط بنيوي على مستوى التنظيم والقيادة، ما يعني أن ما حدث مع الأخير سينعكس عليها”.
ولفت إلى أنه "هناك تيار في قسد يعمل على المماطلة الزمنية أملا في حدوث متغيرات جديدة تدفع هذه القوات للمحافظة على ذاتها بسوريا".
ورأى بقاعي أن “البعض داخل قسد يرى أن تكون هذه الأخيرة جزءا من عملية التسوية الإقليمية وتفعيل اتفاق الاندماج الكامل مع الدولة السورية طبقا لاتفاق مارس 2025، وهذا التيار قد يكون من الحمائم”.
بينما “تيار الصقور داخل قسد من قيادات حزب العمال الكردستاني قد لا يوافق على عملية التسوية التي حصلت وبالتالي قد ينظر إلى الأراضي السورية كملجأ له".
وتوقع أن يتزعزع وضع قسد في شمال شرقي سوريا حال رفضها كل الحلول التي تدعوها للانخراط بالدولة السورية الجديدة وإعلان توحيد أراضي البلاد.
وذهب بقاعي للقول: "المشاريع الانفصالية راهنا لم يعد لها حوامل (حواضن) إقليمية أو دولية وحتى داخلية ما يعني أن مصير هذه المشاريع الفشل وهذا ينطبق على قسد".