رغم حرب الـ 12 يوما.. لماذا تبدي إيران استعدادها للتفاوض مع أميركا؟

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم تعرض بلاده إلى قصف أميركي تضررت خلاله المواقع النووية، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أنه لا توجد "أي مشكلة" في استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، الأمر الذي عرضه إلى هجوم حاد من الصحف الإيرانية المحافظة، معتبرة أن الأمر "خطأ إستراتيجي". 

تصريحات بزشكيان، فتحت باب التساؤل واسعا عن أسباب رغبة طهران في العودة إلى المحادثات، وذلك بعد تصويت البرلمان الإيراني في 25 يونيو/ حزيران 2025، على قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ردا على استهداف المنشآت النووية.

"إغراءات إيرانية"

في 8 يوليو/تموز، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن القيادة الإيرانية ترغب في عقد لقاء لصنع السلام، مشددا على أنه لا يمكن أن يتخيل أنه يرغب في توجيه ضربة أخرى إلى إيران لأنها تريد التوصل إلى حل، وأكد أنه سيتم عقد اجتماع مع الجانب الإيراني.

وقال ترامب خلال مأدبة عشاء أقامها لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “إيران تريد التفاوض وسنفعل كل ما في وسعنا لإبقائها خالية من الأسلحة النووية”.

وتوجه إلى المبعوث الأميركي للشرط الأوسط ستيف ويتكوف بالسؤال عن موعد اللقاء بالإيرانيين، ليرد الأخير بأن "ذلك سيحدث سريعا جدا، وقد يتم الأسبوع المقبل أو نحو ذلك".

وعلى الجانب الإيراني، قال وزير الخارجية عباس عراقجي خلال مقال رأي نُشر في صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية، في 9 يوليو، إن إيران تلقت في الأيام القليلة رسائل تشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون مستعدة للعودة إلى المفاوضات.

وبين عراقجي أن "إيران تريد المشاركة مع أميركا في تعاون اقتصادي أوسع"، مؤكدا أنهم "منفتحون على التعاون المتبادل لتنشيط الاقتصاد الإيراني".

يأتي ذلك، بعد يومين من مقابلة تلفزيونية أجراها بزشكيان، مع المذيع الأميركي، تاكر كارلسون، أعلن فيها أن طهران يمكنها حل خلافاتها مع الولايات المتحدة عبر الحوار، مقدما ذات العرض الاقتصادي لأميركا.

وقال الرئيس الإيراني: "يمكننا بسهولة حل خلافاتنا ونزاعاتنا مع الولايات المتحدة عبر الحوار والمحادثات"، حاثا ترامب على "عدم الانخراط في حرب مع إيران يجره إليها نتنياهو".

وأشار إلى أن "ترامب قادر على قيادة المنطقة نحو السلام ومستقبل أكثر إشراقا ووضع حد لإسرائيل أو السقوط في حفرة لا نهاية لها أو مستنقع، لذا فاختيار المسار متروك لرئيس الولايات المتحدة الأميركية".

وحمّل بزشكيان تل أبيب مسؤولية انهيار المحادثات التي كانت تجريها طهران عندما شن الجيش الإسرائيلي هجمات على إيران في 13 يونيو، لتندلع مواجهة جوية استمرت 12 يوما قُتل فيها قادة عسكريون إيرانيون وعلماء في مجال الطاقة النووية.

وتساءل: "كيف نتأكد على وجه اليقين من عدم السماح للنظام الإسرائيلي بمهاجمتنا من جديد أثناء المفاوضات؟"، لكنه عاد وأكد في الوقت نفسه أنه "لا شيء يمنع الاستثمارات الأميركية في إيران".

وفي الأول من يوليو، قال عراقجي في حديث مع شبكة "سي بي سي" الأميركية، إن "أبواب الدبلوماسية لن تُغلق أبدا بشكل كامل"، مشترطا "التأكد أولا من أن الولايات المتحدة لن تعود إلى استهدافنا بهجوم عسكري أثناء سير المفاوضات".

"خطأ إستراتيجي"

بعد تصريحاته، شنّت صحيفة "كيهان" الإيرانية، المقربة من مرشد البلاد علي خامنئي، هجوما لاذعا على بزشكيان، ورأت  حديثه مع الصحفي الأميركي "يتعارض مع مبادئ النظام الإيراني"، وحذرت من مغبة مواصلة التفاوض مع واشنطن.

وتساءل رئيس تحرير الصحيفة، حسين شريعتمداري، خلال مقال نشرته "كيهان" في 8 يوليو، قائلا: “هل من العدل الجلوس مجددا بلا شروط حول الطاولة عينها مع هؤلاء الذين أسقطوا القذائف على الدبلوماسية؟”

ووصف الكاتب، مواقف الرئيس الإيراني بأنها متأثرة بـ"مستشارين هدّامين"، داعيا إلى إقالتهم، ومشددا على أن السعي للتفاوض والسلام مع ترامب واحتواء نتنياهو "خطأ إستراتيجي".

من جانبها، ندّدت صحيفة "جوان" المحافظة بتصريحات "ليّنة ولطيفة أكثر مما ينبغي"، معتبرا أن "المعنى الحقيقي للحوار مع مذيع أميركي يتجلّى حين تعبّر الكلمات عن سخط الشعب وارتيابه الكامل تجاه أميركا".

وقال غلام رضا صادقیان، رئيس تحرير الصحيفة، المقربة من الحرس الثوري: "لا أرى جدوى من مثل هذه المقابلات، والأولى هو اعتماد أساليب أكثر حزمًا لإسماع صوت إيران للعالم".

وأكد أنه "لا مكان للغة النفسية أو الدبلوماسية الناعمة في مواجهة الأعداء. غضبنا مشروع، وإخفاؤه غلطة إستراتيجية".

وعلق الكاتب الصحفي أبو الفضل جمندي، في مقال بصحيفة "خراسان" المقربة من الحرس الثوري، بقوله: "آراء بزشكيان تعبر عن إستراتيجية غير مجدية، تتمثل في محاولة استغلال الخلاف بين نتنياهو وترامب، وهي فكرة لا تستند إلى وقائع ملموسة".

ورأى جمندي، أن "الدخول في مفاوضات مع الجانب الأميركي في هذه المرحلة يعني تبني الرواية الأميركية حول إيران، مما قد يمنح الشرعية للهجوم الأميركي المحتمل".

وأردف: "لذلك يتعين على الدبلوماسية الإيرانية أن تعزز مصادر قوة البلاد، وتتجاوز نهج الدبلوماسية الكلاسيكية، حتى تتمكن في هذه المرحلة الانتقالية من حماية مكتسبات الأمة وقيادتها في مواجهة الحروب العدوانية".

غير أن صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، وصفت حوار بزشكيان بأنه "مهم"، وذلك نظرا لغياب المسؤولين الإيرانيين عن الساحة الإعلامية العالمية والأميركية منذ فترة طويلة، بسبب سوء إدارة المتشددين الذين ينظرون إلى الإعلام كأداة دعائية بحتة، مما أدى إلى عزل إيران إعلاميا دوليا.

ورأت خلال تقرير لها في 8 يوليو، أن إجراء حوار مع المذيع الشهير كارلسون يعد خطوة إيجابية، مؤكدة أن القيود المفروضة على الخبراء الإيرانيين للمشاركة في الإعلام الأجنبي تظل "سياسة خاطئة".

وخلصت إلى ضرورة “تعزيز النهج الإعلامي الإيراني أكثر من ذلك، وإلا فسنخسر المعركة”، مبينة أن الهيكل السياسي فقد السيطرة على الفضاء الإعلامي الداخلي، بسبب الوضع المزري للتلفزيون الوطني".

“خيار وحيد”

وعن أسباب رغبة إيران في استئناف المحادثات، قال الكاتب والباحث المختص في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي لـ"الاستقلال"، إن ذلك خيارها الوحيد لأنه "يمنح اقتصادها متنفسا حيويا".

فهي “تسعى إلى التوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى تخفيف للعقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي تسببت بأضرار اقتصادية جسيمة”.

وأضاف النعيمي أن "إيران تسعى جاهدة للحصول على ضمانات أمنية بعدم تعرض منشآتها لهجمات مماثلة مستقبلاً سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل، وهذه المفاوضات قد تكون وسيلة لتحقيق ذلك، وفق العقيدة التفاوضية الإيرانية".

ومن جملة الأسباب أيضا، أن "طهران ترغب في إعادة النظر في تأكيد حقها بتخصيب اليورانيوم رغم الضغوط الدولية، وتصر على أنه للأغراض السلمية، وأن استئناف المحادثات يمنحها فرصة للدفاع عن هذا الموقف".

وأكد الباحث أن "إيران تدرك أن التصعيد العسكري المباشر مع الولايات المتحدة أو إسرائيل قد تكون له عواقب وخيمة، لذلك تلجأ إلى الدبلوماسية كوسيلة لتجنب المواجهة المباشرة أو تقليل احتمالاتها، وذلك لحماية ما تبقى من برنامجها النووي الذي تعرضت بعض مواقعه للتدمير".

ولفت إلى أن "إيران ستعمل على الاستفادة من انقسامات المواقف الدولية -خاصة بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها أو مع روسيا والصين- للحصول على شروط تفاوضية أفضل".

وأعرب النعيمي عن اعتقاده بأن "نسبة تخصيب اليورانيوم تمثل التحدي الأكبر، حيث تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تصفير نسبته أو تخفيضها بشكل كبير، بينما تصر إيران على حقها فيه للأغراض السلمية كشعار عام تمرر من خلاله تطوير البرنامج النووي للأغراض العسكرية".

وفي المقابل، يرى أن “الولايات المتحدة ستزيد الضغوط، عبر الاستثمار في الخلافات الداخلية الإيرانية بين التيارات المتشددة ونظيرتها التي تدعو للتوصل إلى اتفاق”.

وبحسب الخبير في الشأن الإيراني، فإن "مسألة تفتيش المواقع النووية الإيرانية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ستبقى نقطة خلاف رئيسة لا يمكن تجاوزها أميركيا ودوليا، خاصة بعد أن سحبت إيران مفتشي الوكالة، ورفضت الاستجابة لمتطلبات المجتمع الدولي".

وبرأي النعيمي، فإنه "سيتعين على إيران إظهار التزام واضح بالمعايير الدولية لعدم الانتشار النووي، وهو ما يتطلب شفافية وتعاونا كاملا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وكان رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أكد أن الوكالة لا تعلم مكان وجود ما يزيد على 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب "المحتمل"، بعدما أكد مسؤولون إيرانيون أنه نقل كإجراء وقائي قبل شن ضربات أميركية على منشآت نووية في إيران.

وقال خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 25 يونيو: "نحن لا نخمن.. ليست لدينا معلومات عن مكان وجود هذه المادة"، مؤكدا أن المسؤولين الإيرانيين أبلغوه أنهم يتخذون إجراءات وقائية "قد تشمل أو لا تشمل نقل اليورانيوم المخصب".

ورأى رئيس الوكالة الدولية أن "أفضل طريقة لمعرفة مكان اليورانيوم هي السماح باستئناف أنشطة التفتيش في أقرب وقت ممكن.. وأعتقد أن هذا سيكون في صالح الجميع".