من الاكتفاء إلى استيراد القمح.. سوريا أمام تحد صعب لتوفير الخبز لمواطنيها

مصعب المجبل | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تتوالى التحذيرات الدولية من عجز سوريا في تأمين حاجتها من القمح لتوفير الخبز للمواطنين؛ وذلك بفعل عوامل الحرب وتأثر البلاد بالتغيرات المناخية.

ففي أحدث البيانات بشأن الذهب الأصفر بسوريا، أفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)  في 27 يونيو/ حزيران 2025، بتضرر قرابة 2,5 مليون هكتار تقريبا من المساحات المزروعة بالقمح بسوريا؛ جراء الظروف المناخية السيئة.

القمح بسوريا

وهذا الضرر سيدفع السلطات السورية إلى الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد، بعدما كانت البلاد تُحقق اكتفاءها الذاتي من القمح قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011 حيث كان يبلغ إنتاج القمح 4,1 ملايين طن سنويا.

وأكدت  مساعدة ممثل الفاو في سوريا هيا أبو عساف لوكالة الصحافة الفرنسية في 27 يونيو أن الظروف المناخية القاسية التي شهدها الموسم الزراعي الحالي بسوريا تعد "الأسوأ منذ نحو 60 عاما".

وقد أثّرت تلك الظروف على "نحو 75 بالمئة من المساحات المزروعة والمراعي الطبيعية للإنتاج الحيواني".

وشهدت سوريا موسم شتاء قصيرا وانخفاضا في مستوى الأمطار، وفق أبو عساف، وجراء ذلك، "تضرّر وتأثّر نحو 95 بالمئة من القمح البعل، بينما سيعطي القمح المروي إنتاجا أقل بنسبة 30 الى 40 بالمئة" من المعدل المعتاد، وفق مؤشرات الفاو.

وتنبّه أبو عساف إلى أن الجفاف غير مسبوق منذ عقود "سيؤدي إلى فجوة تتراوح بين 2,5 إلى 2,7 مليون طن"، ما من شأنه أن "يضع حوالى 16,3 مليون إنسان أمام خطر انعدام الأمن الغذائي في سوريا لعام 2025".

وبظل ذلك، تتنافس السلطة السورية الجديدة و"الإدارة الذاتية" الكردية التي تسيطر على مساحات كبيرة من محافظات (الحسكة والرقة ودير الزور) على شراء محاصيل القمح من المزارعين لعام 2025.

والمحافظات الثلاث المذكورة والواقعة شمال شرقي سوريا، تشتهر بزراعة أجود أنواع القمح والشعير عالي الجودة في البلاد.

وأعلنت كل من دمشق، و"الإدارة الذاتية" الكردية عن مكافأة مالية للفلاحين تضاف إلى السعر التجاري للطن الواحد من القمح.

وحدّدت وزارة الاقتصاد السورية سعر شراء طن القمح بين 290 و320 دولارا تبعا للنوعية، تضاف إليها "مكافأة تشجيعية بقيمة 130 دولارا"، بناء على قرار رئاسي، في خطوة تهدف إلى "تشجيع المزارعين على تسليم محصولهم" إلى المؤسسة العامة للحبوب.

وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، أصدر في 11 يونيو 2025 مرسوما بمنح مكافأة تشجيعية للمزارعين لتوريد محاصيل القمح إلى المؤسسة السورية للحبوب بقيمة 130 دولارا.

وفي شمال شرق سوريا، حدّدت "الإدارة الذاتية" الكردية سعر طن القمح بـ420 دولارا يشمل "دعما مباشرا بقيمة 70 دولارا على كل طن من القمح".

وكانت حكومة نظام الأسد المخلوع، حددت عام 2024 سعر الطن الواحد من القمح بـ350 دولارا، مقابل 310 دولارات في مناطق سيطرة القوات الكردية.

“الاكتفاء الذاتي”

وتتولى المؤسسة السورية للحبوب بدمشق، مهمة شراء القمح المحلي، وتوقيع عقود جديدة لاستيراد القمح عبر شركات محلية.

ويأتي تحديد الأسعار لموسم القمح في سوريا لعام 2025 على وقع تدني الإنتاج وأزمة الجفاف غير المسبوقة، وفق خبراء ومسؤولين.

وتتوقع وزارة الزراعة السورية حصاد 300 الى 350 ألف طن من القمح في مناطق سيطرة الحكومة السورية. 

وبحسب المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب حسن العثمان، فقد جرى استكمال المؤسسة لجميع التجهيزات الفنية واللوجستية، لاستقبال موسم الأقماح لعام 2025، عبر تجهيز 37 مركزا لتسويق الأقماح موزعة على كل المحافظات.

وقال العثمان للوكالة الرسمية السورية "سانا" في 2 يونيو 2025: إنه جرى تجهيز  27 صومعة بيتونية ومعدنية بطاقة تخزينية تصل إلى 1552 ألف طن، إضافة إلى عدد من المستودعات تتسع لأكثر من 24 ألف طن من الأقماح.

وتعتزم المؤسسة العامة للحبوب، وفق ما قال العثمان، شراء 250 إلى 300 ألف طن منها.

وشدّد العثمان على أن "الاكتفاء (الذاتي) غير محقّق، لكننا كمؤسسة نعمل على توفير الأمن الغذائي عن طريق استيراد القمح من الخارج وطحنه في مطاحننا".

وأمام ذلك، بدأ تطرح الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة سوريا على استعادة مكانتها في إنتاج القمح بما يكفي السكان وتصدير الفائض، وهو ما كان سائدا قبل عام 2011، بفضل المساحات الواسعة للزراعة قبل أن يخرج كثير من البقع الزراعية لمحصول القمح عن الإنتاج بسبب تهجير الأهالي آنذاك.

وقبيل اندلاع الثورة السورية عام 2011 كانت سوريا تنتج نحو أربعة ملايين طن من القمح سنويا، وهو ما كان يغطي الاستهلاك المحلي مع تصدير الفائض إلى الدول المجاورة.

وتحتل سوريا المرتبة الرابعة في قائمة الدول العربية المنتجة للقمح حتى عام 2022، بعد كل من مصر والجزائر والعراق، بحسب تصنيف لمنصة "ورلد ببيوليشن ريفيو" المختصة بأبحاث وتحليلات السكان حول العالم.

لقد خفضت السنوات السابقة من نصيب المواطن السوري من القمح المحلي إلى أقل من 20 كغ سنويا، وأجبرت البلاد على استيراد 200 ألف طن شهريا.

وآخر تحديد لسعر شراء كيلو القمح من الفلاحين للموسم الزراعي 2024 من قبل حكومة نظام الأسد المخلوع، بسعر 5500 ليرة سورية ( الدولار الأميركي يساوي 13500) لكل كيلو قمح، وقد كان السعر أقل من توقعات الفلاحين.

وفي 25 مارس 2025 أجرت دمشق أول عملية شراء كبرى في مناقصة دولية عقب سقوط الأسد، تمثلت بشراء 100 ألف طن من القمح.

“دعم إستراتيجي للفلاحين”

بدوره، قال المهندس الزراعي السوري عبد الكريم عبد اللطيف، لـ "الاستقلال": "لا يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في سوريا إلا بتوحيد موارد محاصيل القمح والبدء بخطة واضحة لتقديم دعم إستراتيجي للفلاحين".

وأضاف عبد اللطيف الذي عمل في وزارة الزراعة السورية لسنوات "ينبغي أن تكون أسعار مبيع بذور القمح القاسي والطري والشعير، مدعومة حكوميا وتشجيعية بالنسبة للفلاحين، وأن يتم دراسة تكاليف الإنتاج والأخذ في الحسبان الفجوة بين سعر بيع القمح وارتفاع تكاليف الإنتاج".

ولفت عبد اللطيف إلى أن "تقديم أسعار مناسبة للفلاحين لشراء محاصيلهم يضمن هامش ربح مقبولا على أتعابهم ويشجع على زيادة مساحة الزراعة بالقمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد وتوفير رغيف الخبز للسوريين".

وأردف "الفلاح في السنوات الماضية كان يلجأ لشراء المازوت من السوق السوداء لأن المخصصات المحددة من قبل حكومة الأسد غير كافية، ناهيك عن أجور العمل والنقل وغيرها".

وأشار عبد اللطيف إلى أن "نظام الأسد كان يشتري نحو 25 بالمئة من احتياجات مناطقه من القمح، ويعتمد في الباقي على القمح الروسي، بينما حاجة سوريا من القمح سنويا نحو ثلاثة ملايين طن".

وألمح عبد اللطيف "إلى أنه حتى عام 2010 كان المخزون الإستراتيجي للقمح في سوريا يكفي لمدة عامين، وفي عام 2021 سجلت سوريا أدنى منتوج من القمح وبلغ مئة ألف طن، بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد".

ونوه عبد اللطيف إلى "ضرورة أن تتمتع مراكز التسويق في المحافظات التابعة للحكومة بالمرونة بحيث تكون أسعار القمح غير ثابتة وقابلة للزيادة في حال ارتفاع أسعار شراء القمح في الأسواق المحلية بهدف ضمان تسويق أكبر كمية قمح منتجة لمراكز الشراء.

ومضى يقول: "ضرورة متابعة دور التكنولوجيا الحيوية في تحسين إنتاجية القمح من خلال تحسين استخدام المياه بشكل أفضل وأكثر كفاءة، وإنتاج محاصيل مقاومة للجفاف والملوحة".

علاوة على "التركيز على دور الهندسة الوراثية في استنباط أصناف قمح مقاومة للجفاف وكيفية الوصول إليها بالطفرات التي تحدث في الطبيعة والبحث عنها في المساحات المزروعة من أصناف القمح وإحداث الطفرات الصناعية بالأشعة أو المواد الكيميائية"، وفق عبد اللطيف.

وراح يقول: "لأن استنباط الأصناف الجديدة للقمح المقاومة للجفاف وللأمراض الشائعة من خلال الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والتركيز على الأصناف الجديدة عالية الإنتاجية وزيادة المساحات المروية المزروعة من هذه المادة".

إضافة إلى "وضع خطة متكاملة لاستصلاح الأراضي واستزراع القمح عبر إقامة منظومة زراعية متكاملة للحصول على أعلى إنتاجية، واتباع أحدث الطرق في مكافحة الحشرات والأمراض المختلفة التي تنتشر بين المحاصيل الزراعية"، وتحسين مواصفات أصناف القمح من خلال استنباط المزيد من الأصناف عالية الإنتاج والمقاومة للجفاف والمتحملة للحرارة والبرودة والملائمة للبيئات السورية"، وفق عبد اللطيف.

وختم عبد اللطيف بالقول: "إن استيراد القمح في المرحلة الحالية هو البديل لشح القمح المزروع محليا، لحين تفعيل الخطط الحكومية بعد الاستفادة من رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا بما يشمل شراء القمح المستورد، من خلال جلب الدعم لإنفاقها على مشروعات إنتاج الحبوب والبذور، وتحديث البنية التحتية لتخزين الحبوب وإنشاء صوامع ذات سعة تخزينية كبيرة".

وكانت إمدادات دورية منتظمة من القمح تصل من روسيا خلال فترة حكم بشار الأسد، إلا أنه منذ الإطاحة به في الثامن من ديسمبر 2024، وصلت باخرة محملة بالقمح من روسيا في أبريل 2025 إلى مرفأ اللاذقية تحمل 6600 طنا من القمح، وأخرى إلى ميناء طرطوس. 

كما وصلت إلى سوريا، في نهاية أبريل 2025 أولى الكميات من منحة 200 ألف طن من القمح، قدمها العراق إلى سوريا، وفق ما صرح به القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين شريف الحجيمي.

وأكد الحجيمي أن هذه المنحة كانت مخصصة منذ عهد نظام بشار الأسد المخلوع، لكنها توقفت أربعة أشهر بعد الإطاحة بالأسد، واستؤنفت بعد استقرار الأوضاع السياسية.

كذلك، في مايو 2025 تم الاتفاق بين دمشق وتركيا لاستيراد الطحين من الأخيرة على عدة دفعات خلال الفترة المقبلة.