إبطال "العليا الأميركية" قرارات تقيد سياسات ترامب.. ما تأثيره على سلطة القضاة؟

إسماعيل يوسف | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد سلسلة أحكام أصدرتها محاكم في عدة ولايات وأبطلت خلالها قرارات وأوامر رئاسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، تلقى الأخير انتصارا قضائيا كبيرا.

منحته المحكمة العليا الأميركية في 27 يونيو/حزيران 2025، فوزا كبيرا في حربه المستمرة مع القضاء الفيدرالي، بعدما حدت من سلطة المحاكم في التدخل لمنع تطبيق سياسات الرئيس، إلى حين مراجعة شرعيتها.

نجح ترامب عبر ثلاثة قضاة محافظين، سبق أن عينهم في المحكمة العليا، في استصدار قرار (بأغلبية 6 ضد 3)، يحد من سلطة قضاة الولايات في تعليق قرارات السلطة التنفيذية (الرئيس) بحجة مخالفة أحكام القانون أو الدستور. 

ماذا قالت المحكمة؟

بموجب هذا الحكم سيتمكن ترامب من تمرير قرارات وأوامر رئاسية أصدرها سابقا وتعطلت في أروقة المحاكم، منها إنهاء حق المواطنة بالولادة.

إضافة إلى تعليق إعادة توطين اللاجئين، وتجميد التمويل الفيدرالي غير الضروري، ووقف تمويل دافعي الضرائب لعمليات جراحة المتحولين جنسياً (الشواذ).

فضلا عن توقعات بتنفيذ قرارات ضد الحريات والطلاب المعارضين له في الجامعات، ومن ثم استئناف عمليات طردهم ومنع دخول عرب ومسلمين الجامعات.

ووافقت هيئة المحكمة، بأغلبية آراء أعضائها الستة المحافظين (أنصار ترامب) ومعارضة أعضائها الليبراليين الثلاثة، في 27 يونيو على الحد من قدرة قضاة الولايات على عرقلة سياسات الرئيس على مستوى البلاد.

لكن المحكمة لم تقرر ما إذا كان الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن حق المواطنة بالولادة دستوريا أم لا.

واكتفت بالتركيز على ما إذا كان من حق قاض واحد ملكية سلطة إصدار أوامر قضائية فيدرالية، بحسب شبكة "إيه بي سي"، 27 يونيو 2025.

وهو ما يعني أن طلبات حكومة ترامب من المحكمة العليا بإيقاف جزئي للأوامر القضائية الأولية قد جرى قبولها، ولكن فقط في الحالات التي تكون فيها الأوامر القضائية كثيرة ومتعددة لعدة مدعين لديهم الحق في رفع الدعوى.

أي سيتم رفض الدعاوى الفردية (المتعددة) ضد ترامب، ما يعني احتمالات قبول الدعاوى (الجماعية) مستقبلا، وفق صحف أميركية.

وأصدر قضاة الولايات أكثر من 40 أمرًا ضد قرارات ترامب منذ توليه منصبه، ما عدته المحكمة العليا غير جائز لأنه يشوش على السلطة التنفيذية ويعرقل عملها.

وتقول صحف أميركية: إنه بموجب الحكم، قضى أغلبية قضاة المحكمة العليا، بأن القضاة الفيدراليين "يفتقرون إلى السلطة لإصدار أوامر قضائية على مستوى البلاد".

مع هذا ظل القرار غير واضح ولم يحدد ما إذا كانت القيود التي فرضها ترامب على حق المواطنة بالولادة يمكن أن تدخل حيز التنفيذ قريبا في أجزاء من أميركا أم لا؟

وينص أمر ترامب على حرمان الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأشخاص موجودين في البلاد بشكل غير قانوني أو مؤقت من الجنسية.

لكن المحكمة تركت الباب مفتوحًا أمام إمكانية استمرار حظر تعديلات الجنسية بالولادة على مستوى البلاد.

لذا ألمحت شبكة أسوشيتد برس الأميركية إلى أن "قرار المحكمة قد يؤدي إلى مجموعة مربكة من القواعد التي قد تختلف في الولايات الـ 22 التي رفعت دعاوى قضائية بشأن أمر ترامب وبقية أنحاء البلاد".

وجاء الحكم بعد أن طلبت إدارة الرئيس المنتمي للحزب الجمهوري من المحكمة العليا تضييق نطاق ما يُسمى بالأوامر القضائية "الشاملة" التي أصدرها ثلاثة قضاة اتحاديين.

ماذا تعني القرارات؟

بموجب هذه السلسلة من الأحكام الصادرة لصالحه، منحت المحكمة العليا، الرئيس ترامب انتصارا من أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة، وسهلت عليه تنفيذ بنود مثيرة للجدل في أجندته وضبطت حدود السلطة الرئاسية.

أيضا سيضبط قرار المحكمة العليا، توازن القوى بين القضاء الاتحادي والرؤساء ويحد من قدرة قضاة في محاكم فرعية على معارضة قرارات ترامب، وفق محامين.

وأكد بول روزنزويج، وهو محام خدم في إدارة الرئيس الأسبق المنتمي للحزب الجمهوري جورج دبليو بوش، لوكالة "رويترز" البريطانية، أن قرار المحكمة "أضعف بشكل منهجي الرقابة القضائية، وعزز السلطة التنفيذية".

قال: لم يسمح القرار بالتنفيذ الفوري لتوجيهات ترامب، بل أمر المحاكم الأدنى درجة بإعادة النظر في نطاق الأوامر القضائية.

ويرى قانونيون أن المحكمة العليا لم تحكم بشكل كامل لصالح ترامب، خاصة في مسألة وقف عمليات الترحيل إلى أجل غير مسمى إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور دون السماح لهم بالاعتراض.

لكنهم يرون أن انتصارات ترامب، من خلال حكم المحكمة الأخير، تفوق خسائره بكثير، وفق وكالة "أسوشيتد برس، 28 يونيو.

وقالت شبكة "سي إن إن"، 27 يونيو: إن الحكم الخاص بالأمر التنفيذي لترامب الذي أنهى فعليًا حق المواطنة بالولادة، لا يحسم مسألة ما إذا كان بإمكان الرئيس تنفيذ هذا الأمر.

أكدت أن قرار المحكمة العليا يعني أن الأميركيين الساعين لتحدي سياسات ترامب المستقبلية قد يضطرون إلى اجتياز عقبات إضافية لتحقيق النجاح. 

وأوضحت أنه رغم أن قرار المحكمة العليا "فوز مهم لترامب"، فإنه قد يكون لقرار المحكمة "عواقب وخيمة على ولايته الثانية، لأنه سيحد من سلطة المحاكم في إلغاء سياسات أخرى مستقبلًا".

وبدورها، رأت صحيفة "نيويورك تايمز" في 28 يونيو أن خطورة حكم المحكمة العليا، أنه يعني "تلاشى المزيد من القيود على سلطة ترامب"، أي تحوله إلى ديكتاتور.

إذ إن حكم المحكمة العليا بمثابة "تقليص للسلطة القضائية، كقوة موازنة محتملة لممارسات السلطة الرئاسية، ما يحمل تداعيات تتجاوز بكثير مسألة المواطنة".

قالت: إن المحكمة قيدت أيدي القضاة، في وقت يخضع فيه الكونغرس أيضا لترامب، كما تتصاعد القيود الداخلية التي تفرضها السلطة التنفيذية، ما يعني تآكل القيود المفروضة على سلطة الرئيس.

وأوضحت أن حكم المحكمة العليا الذي يمنع القضاة من إجهاض الإجراءات الحكومية بسرعة، حتى عندما تكون غير قانونية، هو طريقة أخرى لتآكل الضوابط المفروضة على السلطة التنفيذية مع سعي ترامب إلى تحقيق المزيد من السيطرة.

وشرحت صحيفة "الغارديان" البريطانية ذلك في 27 يونيو، بصورة أوضح مؤكدة أن "ترامب، سيكون لديه الآن السلطة المفترضة لاضطهادك، وإلغاء حقوقك في تحدٍ للدستور، وفقًا لتقديره".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن قرار المحكمة قد يسمح بتفعيل الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بإنهاء حق المواطنة بالولادة، رغم أن جميع المحاكم التي نظرت فيه قضت بعدم دستوريته.

و"هذا يعني أن بعض الأطفال المولودين لمهاجرين غير موثقين أو زوار أجانب لا يحملون بطاقات إقامة خضراء قد يُحرمون من وثائق تثبت جنسيتهم، مثل أرقام الضمان الاجتماعي".

تواطؤ مع ترامب

وأثارت قرارات المحكمة العليا التي تضم ثلاثة قضاة عينهم ترامب خلال ولايته الأولى، سلسلة من الانتقادات اللاذعة من القاضيتين الليبراليتين سونيا سوتومايور وكيتانجي براون جاكسون. 

إذ اتهمتا الأغلبية المحافظة بالخضوع للرئيس وتعريض نظام الحكم الأميركي "لخطر جسيم".

وبسبب وجود 6 قضاة محافظين من أصل 9 في المحكمة العليا (عين منهم ترامب 3)، مقابل 3 ليبراليين، يرى أميركيون أن المحكمة متواطئة مع الرئيس وأن قضاتها الـ 6 المحافظين أصدروا أحكاما عدة لصالحه.

وحقق ترامب سلسلة من الانتصارات في المحكمة العليا منذ عودته إلى البيت الأبيض، بفضل القضاة الموالين له في المحكمة.

وخلال الأشهر الخمسة التي مرت منذ تنصيبه، تساهلت المحكمة مع الإجراءات الرئاسية إلى حد كبير.

وبلغ الأمر ذروته في قرار تقييد سلطة القضاة الفيدراليين الذين سعوا لعرقلة أوامر ترامب الرئاسية، من خلال أوامر محاكم صغيرة على مستوى البلاد.

ففي عام 2024، قضت أغلبية القضاة أن ترامب -وغيره من الرؤساء- يتمتعون ولو افتراضيًا، بحصانة من الملاحقة الجنائية على أفعالهم أثناء ولايتهم.

وسمح هذا القرار لترامب بتجنب المحاكمة بتهم تخريب الانتخابات الرئاسية التي كانت مرفوعة ضده، وفاز في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

أما حكم المحكمة الأخير بنفس الأغلبية فسيفسح المجال أمام إدارته لاستئناف ترحيل المهاجرين إلى بلدان ثالثة دون منحهم فرصة للاستئناف.

كما سينهي الوضع القانوني المؤقت الذي يتمتع به مئات الآلاف من المهاجرين لأسباب إنسانية.

ومنذ توليه منصبه مجددًا، فاز ترامب بقرابة 10 من قضايا الطوارئ بالمحكمة العليا، آخرها قراره بترحيل بعض المهاجرين إلى بلدان غير أوطانهم.

وكان منها سماح المحكمة لترامب بطرد أعضاء مجالس الإدارة في الوكالات المستقلة، وإبعاد الأميركيين المتحولين جنسيا من الخدمة العسكرية، وإلغاء الحماية القانونية للمهاجرين، حتى الموجودين بشكل قانوني.

وقد انتقد القضاة الثلاثة الليبراليين المعارضين لترامب، تواطؤ زملائهم المحافظين مع الرئيس مما يهدد القضاء الأميركي مستقبلا.

ودقوا ناقوس الخطر بشأن سماح القرار لترامب أو الرؤساء المستقبليين بفرض سياسات غير قانونية.

فقد قالت المتحدثة باسم قضاة الجناح الليبرالي القاضية سونيا سوتومايور، إن الأغلبية لعبت "بشكل مخز مع أسلوب الإدارة" في هذه القضية.

ووصفت ما حدث بأنها محاولة لفرض سياسة "غير دستورية بشكل واضح" من خلال عدم مطالبة القضاة بمباركة السياسة، ولكن بدلا من ذلك الحد من سلطتهم الفيدراليين في جميع أنحاء البلاد.

وبينت أن قرار المحكمة ليس إلا دعوة مفتوحة للحكومة لتجاوز الدستور، "فبإمكان السلطة التنفيذية الآن تطبيق سياسات تنتهك القانون المستقر والحقوق الدستورية لعدد لا يُحصى من الأفراد، وستُعاق المحاكم الفيدرالية عن وقف إجراءاتها بشكل كامل".

وفي خطوة نادرة، قرأت العضوة الليبرالية البارزة في المحكمة أجزاء من نص معارضتها من على منصة المحكمة.

وذكرت بالحكم السابق للمحكمة الذي صدر بأغلبية قضاة ترامب المحافظين عام 2024، بمنحه حصانة واسعة من الملاحقة الجنائية.

وحرصت القاضية الليبرالية "سوتومايور" من على منصة القضاء على التذكير بأخطاء القضاة الموالين لترامب بقولها: "لقد حدث خطأ آخر فيما يتصل بحصانة السلطة التنفيذية".

أيضا اتهمت القاضية "كيتانجي براون جاكسون" زملاءها المحافظين في المحكمة العليا بخلق "تهديد وجودي لسيادة القانون" من خلال السماح لترامب "بانتهاك الدستور".

وكتبت تقول: "إذا اضطر القضاة إلى السماح للسلطة التنفيذية بالتصرف بشكل غير قانوني في بعض الظروف، كما فعلت المحكمة اليوم، فإن هذه الفوضى ستزدهر، ومن ثم، ليس من الصعب التنبؤ بنهاية كل هذا". 

أضافت: "في النهاية، ستصبح السلطة التنفيذية غير قابلة للاحتواء تمامًا، ولن يكون هناك وجود لجمهوريتنا الدستورية الحبيبة".