ميزان ردع جديد.. مكاسب وخسائر إيران وإسرائيل بعد الحرب

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدرامي عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل مفارقة غريبة، وإن كانت متوقعة في ظل تصريحاته التي يختمها بعد كل تصعيد بالحديث عن "السلام" ورغبته في الحصول على "جائزة نوبل". 

ترامب فاجأ العالم، وحتى بعض كبار مساعديه، عندما أعلن بين عشية وضحاها على وسائل التواصل الاجتماعي، 24 يونيو/حزيران 2025، أن إسرائيل وإيران وافقتا على وقف إطلاق النار لإنهاء ما أسماه "حرب الـ12 يوما".

سارع الجميع لإعلان انتصاره في نهاية هذه الجولة التي شهدت أول صدام عسكري قوي وطويل بين إيران وإسرائيل، وأنه حقق أهدافه من الحرب.

لكن الحقيقة – كما تشير تقارير وآراء خبراء- أن إنهاء الحرب مبكرا وقبل نهايتها، بصفارة الحكم ترامب، كان هدفها حفظ ماء وجه الجميع، والكل كسب وخسر.

أنهى إعلان ترامب المفاجئ "حرب الأيام الـ 12"، لكن لا شيء يبدو مستقرًا بشأن وقف إطلاق النار هذا، لا سيما شروطه غير المعروفة، لتظل عشرات التساؤلات بلا جواب.

وعلى سبيل المثال: ماذا سيحدث لمخزون اليورانيوم الإيراني؟ وهل ستحاول أميركا مجددا انتزاعه من إيران في مفاوضات نووية؟ 

وما الوعود التي قطعها الأميركيون لإسرائيل؟ والقطريون لإيران؟ وما الذي تحقق من أهداف كل طرف، كمؤشر للفشل أو النجاح؟

تقديرات مختلفة رأت أن ترامب حقق "الشو" الإعلامي الذي أراده، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حصل على مكاسب كبيرة في مواجهة إيران، أخطرها السيطرة على مجالها الجوي وضرب أهداف عدة.

فيما استطاعت إيران أن تخرج صامدة ومحافظة على ماء وجهها بعد الضربات القاسية التي وجهتها لإسرائيل بالصواريخ دون أن تستطيع اعتراض الكثير منها.

مكاسب وخسائر إسرائيل

في إسرائيل يصفون نتائج الحرب على إيران، بأنها “نجاح عسكري وسياسي”، على تقدير أن هدفها تمثل في إبقاء “اليد العليا” بهزيمة آخر الأعداء الأقوياء (طهران) في المنطقة، تمهيدا لفرض "الشرق الأوسط الجديد".

وهو ما نجحت نسبيا في تحقيقه بضربات استخبارية وعسكرية قوية. لكنها لم تكتمل، بسبب ما عانته من ضربات إيرانية غير معتادة.

ومع أن نتنياهو حقق مكاسب عسكرية، فقد فشل في قلب حقيقة تاريخية تؤكد عدم جاهزية الداخل الإسرائيلي لمواجهة حرب مباشرة طويلة، وأن دفاعات دولة الاحتلال ليست عصية على الانهيار أمام القدرات الإيرانية.

وتشير تقديرات وتحليلات غربية وإسرائيلية إلى أن مكاسب إسرائيل تمثلت في توجيه ضربات قوية للبرنامج النووي الإيراني، والقيادة العسكرية، والعلماء النوويين، وجر ترامب لحربها ليكمل مهمة ضرب أكثر مفاعل يصعب الوصول إليه وهو "فوردو".

لكن بحسب تقديرات عسكرية، تقاس تقديرات الانتصار والهزيمة بتحقق "أهداف الحرب" لا بتفاصيل الخسائر على جبهتي إيران وإسرائيل.

من هذا المنطلق، يبدو أن الأهداف الإسرائيلية الأربعة المعلنة من وراء هذا الهجوم، والذي تقول تل أبيب إنها تُحضر لها منذ 20 عاما، لم يتحقق منها شيء بصورة كاملة، وفق محللين غربيين وإسرائيليين وهي:

الأول كان القضاء على المشروع النووي الإيراني، ووقف تخصيب اليورانيوم وحرمان إيران مما خصبته منه لعدم إنتاج قنبلة نووية.

وهو هدف لم يتحقق منه سوى قصف مداخل المفاعلات وقتل علماء، واحتفظت إيران باليورانيوم المُخصب.

والثاني كان تدمير القدرات الصاروخية، وهو أمر لم يتحقق بالكامل؛ حيث واصلت صواريخ إيران الباليستية والفرط صوتية ضرب أجزاء واسعة بإسرائيل.

والهدف الثالث كان تغيير النظام الإيراني بآخر موال للغرب، وهو هدف لم يتحقق وخرج الشعب أكثر توحدا ووجه ضربات كبيرة لعملاء إسرائيل.

الرابع، إنهاء العلاقة بين إيران ووكلائها في محور المقاومة، وهو أيضا هدف فشلت به إسرائيل، فلا يزال الحوثيون أقوياء وحزب الله صامدا نسبيا.

وقد أشار إلى هذا الأمر وزير الجيش والخارجية الإسرائيلي سابقا أفيغدور ليبرمان، الذي وصف إنهاء الحرب بأنه فشل لإسرائيل؛ لأنها لم تحقق أهدافها.

أكد أن هذا اتفاق لا تريده إسرائيل وخسرت فيه أكثر مما كسبت لعدم وضوح بنوده، متوقعا اندلاع حرب أخرى خلال عامين أو ثلاثة بظروف أسوأ بكثير.

واعترف أن إسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهداف الحرب الثلاثة التي وضعتها: "تحييد خطر السلاح النووي الإيراني، تحييد سلاح الصواريخ الباليستي، إضعاف النظام على طريق إسقاطه".

وهو ما يعني أن إيران لن تتراجع، لا عن تخصيب اليورانيوم، ولا عن إنتاج وتجهيز الصواريخ الباليستية.

كما ستظل إيران كدولة مركزية في المنطقة، بعقيدة أكثر عداء لتل أبيب، ونظام أقوى، ولحمة مجتمعية أعلى، بعد الصور التي حققتها مشاهد الدمار في إسرائيل والصواريخ غير المسبوقة في تاريخ الشرق الأوسط.

وتوقع أن يؤدي بقاء النظام الإيراني إلى دعم مشاريع مقاومة إسرائيل في المنطقة بعد فشل محاولاتها بدعم أميركي لكسره.

وبحسب "حصيلة" الحرب التي عرضتها إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن الخسائر داخل إسرائيل وُصفت بأنها "محدودة نسبيًا"، واقتصرت على الجبهة الداخلية.

فقد أسفرت الضربات الإيرانية عن مقتل 28 إسرائيليًا، وإصابة 1319 آخرين، بينهم 17 بحالة خطيرة، و29 بحالة متوسطة، إضافة إلى دمار واسع شمل مئات الشقق السكنية، وخسائر مادية لم يتم حصرها بعد.

ووفق الرواية الإسرائيلية، تمثلت الخسائر في إطلاق بين 500 إلى 550 صاروخا باليستيًا من إيران باتجاه أهداف إسرائيلية، وشن أكثر من 1000 هجوم بطائرات مسيرة تسببت في أضرار جسيمة لعشرات المواقع.

وتعرضت مواقع إستراتيجية في إسرائيل للقصف، من بينها منشآت شركة "بازان" (المسؤولة عن إدارة مصفاة تكرير النفط في حيفا)، ومعهد وايزمان للعلوم في رحوفوت جنوب تل أبيب.

أما المكاسب التي تدعي إسرائيل أنها حققتها فهي انضمام الولايات المتحدة إلى الهجوم على إيران، واستهداف ثلاث منشآت نووية، واغتيال 15 عالمًا نوويًا إيرانيًا بارزًا، وتدمير 65 بالمئة من قواعد إطلاق الصواريخ الباليستية.

مكاسب وخسائر إيران

وتكبَّدت إيران خسائر إستراتيجية وبشرية واقتصادية، ودفعت أثمانا باهظة لكنها ظلت صامدة. ويبدو أن هذا ما دفع ترامب لفرض اتفاق وقف النار على إسرائيل، لأن طول الحرب يضر بها. 

فوفق تقديرات غربية وإسرائيلية مختلفة، حافظت إيران على نفسها ونظامها ومشروعها الصاروخي وردعها النسبي، وربما أهم جزء من مشروعها النووي وهو اليورانيوم المخصب (60 بالمئة) الذي يمكنها من إنتاج قنبلة نووية إذا أرادت.

وتقدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لدى إيران بنسبة نقاء 60 بالمئة.

وبحسب ما نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية 24 يونيو 2025، قال إيان ستيوارت، المدير التنفيذي لمكتب واشنطن لمركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار: "هناك يورانيوم عالي التخصيب يكفي لعشرة أسلحة نووية خارجة عن السيطرة".

وكان بيان مجلس الأمن القومي الإيراني، في 24 يونيو 2025، حاول ترسيخ الانتصار بتأكيده: "أجبرنا العدو على الندم والاعتراف بالهزيمة ووقف عدوانه من طرف واحد".

وقالت وسائل إعلام إيرانية: إن اتفاق وقف إطلاق النار "فُرض على العدو" بعد الرد العسكري الإيراني على "العدوان الأميركي"، والهجمات الانتقامية على قاعدة العديد الأميركية في قطر، وفق "سي إن إن" 24 يونيو 2025.

وكان لافتا أن الإعلام الأميركي تحدث عن أن ضربات واشنطن لم تفعل شيئا للبرنامج النووي، وأن إيران لم تتضرر نوويا بأي شكل، وأنها ستعيد تخصيب اليورانيوم بعد انتهاء الحرب.

وقالت صحف أميركية: إن إصابة قنابل واشنطن لمداخل المفاعلات النووية الإيرانية وعدم وصولها لقلب المفاعلات، وعدم حدوث أي تسربات إشعاعية، أو إصابات، ونقل اليورانيوم وأجهزة الطرد من فوردو، مؤشر على ذلك.

وتوقعت تقديرات غربية أن تُقدم إيران على خطط تصعيدية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل قطع العلاقة معها بعدما اتهمتها بالتجسس، وربما الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.

ولوَّحت إيران باحتمال انسحابها من معاهدة عدم الانتشار، كما وافق مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) في 24 يونيو، على مشروع قانون ينص على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ورأت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، 24 يونيو أن ضربات واشنطن قد لا تكون كافية لمنع طهران من استئناف برنامجها النووي وربما تُعجل بقرارها السياسي نحو تصنيع سلاح نووي.

وكتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق أنتوني بلينكن في صحيفة "نيويورك تايمز"، 24 يونيو 2025 مقالا يقول فيه: إن إدارة الرئيس (السابق جو بايدن أجرت محاكاة لهجوم على البرنامج النووي الإيراني.

"لكن المناورات الحربية عملت على تسليط الضوء على خطر أن يشتت النظام أصوله ويخفيها ثم يقرر الاندفاع نحو القنبلة، وبالتالي، فإن ضربة ترامب قد تؤدي إلى التعجيل بما نريد منعه".

أين الاتفاق؟

وقد أكد محللون وخبراء إسرائيليون أن الحرب أنشأت ميزان ردع جديد، ربما يكون لصالح إسرائيل.

المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، قال في 24 يونيو: إن الحرب على إيران "أعادت البرنامج النووي إلى الوراء، وأنشأت ميزان ردع جديدا".

أرجع هذا إلى تمكن الطيران الإسرائيلي من إلحاق ضرر كبير بمنظومة الدفاع الجوي الإيرانية، لكنه رأى أن صمود وقف إطلاق النار سيطرح أسئلة مهمة. 

ومنها ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على التوصل إلى اتفاق نووي أكثر صرامة مع إيران،  وما إذا كان نتنياهو قد وافق على تنازلات في غزة كجزء من المحادثات التي توسط فيها ترامب.

ويرى الخبراء والمسؤولون الإسرائيليون أن عدم وجود "اتفاق خطي" بشأن وقف إطلاق النار، معناه احتمال استئناف إيران جهودها في المجالين النووي والصاروخي، بصورة مرتفعة جدا. 

وهو ما يعني أن "إيران ما زالت معرضة للاستهداف رغم أن منشآتها النووية تضررت كثيرا، لكن لا توجد أي آلية تمنعهم من تعزيز قوتهم مرة أخرى.

وبدون اتفاق سياسي، ستضطر إسرائيل إلى الانجرار إلى حرب استنزاف مع إيران، وفق زعمهم.

الرئيس السابق لدائرة إيران في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، دنيس سيتريونوفيتش، قال لـ "يديعوت أحرونوت":"لا توجد أي آلية تمنعهم من تعزيز قوتهم مرة أخرى".

"وبدون اتفاق سياسي، ستضطر إسرائيل إلى الانجرار إلى حرب استنزاف مع إيران، ستكون أكثر كلفة وصعوبة بكثير من المواجهة في لبنان أو غزة".

وقال المحلل العسكري عاموس هرئيل: إن "تسوية بلا اتفاق، عنوانها الهدوء مقابل الهدوء، معناه أن تهاجم إسرائيل، وربما الولايات المتحدة أيضا، إيران مرة أخرى إذا رصدتا خروقات لوقف إطلاق النار".

لكنه تساءل: إذا كان هناك غياب لاتفاق مفصل، فما الذي سيعد خرقا؟ هل سيكون مسموحا لإسرائيل أن تهاجم بعد أي استئناف إيراني العمل في البرنامج النووي؟

مع هذا، استبعد مسؤولون وخبراء ومحللون أمنيون إسرائيليون، أن تتنازل إيران عن الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، خاصة أن وقف إطلاق النار لا يستند إلى “اتفاق سياسي”. وفق قولهم.

نقلت عنهم صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 24 يونيو أن إيران قد تحاول الالتفاف على مراقبتها بواسطة "شراء سلاح نووي من دول أخرى، أو بواسطة تعاون مع روسيا والصين. 

"ولذلك، فإن نجاح الحرب ضد إيران ليس متعلقا بتدمير منشآت نووية فقط، وإنما بقدرة إسرائيلية متواصلة للحفاظ على التفوق"، وفق قولهم.

وقال ترامب لشبكة: إن بي سي نيوز 23 يونيو 2025: "أعتقد أن وقف إطلاق النار غير محدود وسيستمر إلى الأبد"، وتوقع ألا "يتبادل الإسرائيليون والإيرانيون إطلاق النار مرة أخرى".