لا تريد خسارة أحد.. كيف تخلت الصين عن إيران في الحرب مع إسرائيل؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم ما يجمعها بطهران من شراكة إستراتيجية واقتصادية متينة، كشف ردّ بكين المتحفظ وخطابها الحذر تجاه الحرب الإيرانية- الإسرائيلية عن حدود ما يمكن للصين أن تمارسه من نفوذ على الساحة الدولية.

ورأت مؤسسة بحثية هندية أن أحد المؤشرات الدالة على حدود القوة العالمية للصين اليوم هو عجزها عن التدخل بشكل فعّال في المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل.

وفي تقرير لها للباحث مانوج جوشي، قالت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF): إنّ بكين التزمت الصمت إلى حد كبير عقب الضربة التي وجّهتها الولايات المتحدة للمرافق النووية الإيرانية في 22 يونيو/حزيران.

وجاءت الإدانة "الشديدة" لبكين فقط على لسان الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن في اليوم التالي؛ حيث دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتجديد الالتزام بالحوار والمفاوضات، واتخاذ المجلس للإجراءات المناسبة.

وقد جاء هذا التصريح، تكرارا لما قاله فو كونغ في جلسة طارئة سابقة لمجلس الأمن عُقدت في 14 يونيو؛ حيث أدان ما وصفه بـ "انتهاك إسرائيل لسيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها".

ودعا لوضع حد لـ"المغامرات العسكرية" كافة، مجددا رفض الصين لاستخدام القوة بما في ذلك "الهجمات المسلحة على المنشآت النووية السلمية".

وقبل الضربة الأميركية، تحدّث وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مع وزيري خارجية إيران وإسرائيل.

إذ أبلغ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن الصين "تدين بشدة انتهاك إسرائيل لسيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها".

كما أعربت بكين عن معارضتها للهجمات الموجهة ضد مسؤولين إيرانيين والتي أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين.

وبعد إحاطة قدمها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، شدد وانغ على أن بلاده تلتزم بموقف ثابت يدعو لحل النزاعات الدولية عبر الحوار.

ووفقا للبيان الصيني، فإن "بكين تعارض بوضوح استخدام إسرائيل للقوة في انتهاك للقانون الدولي من أجل مهاجمة إيران"، لا سيما في وقت كانت تُبذل فيه جهود للتوصل إلى "حل سياسي للملف النووي الإيراني".

وفي السياق ذاته، أدانت منظمة شنغهاي للتعاون، في 14 يونيو، "الضربات العسكرية التي نفذتها إسرائيل على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ورأت أن "مثل هذه الأعمال العدوانية التي تستهدف منشآت مدنية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة والنقل، قد أدّت إلى خسائر غير مقبولة في صفوف المدنيين". كما قدّمت المنظمة "تعازيها الصادقة" للشعب الإيراني وحكومته.

غموض متعمَّد

وقالت المؤسسة الهندية: إن أول تصريح للرئيس الصيني، شي جين بينغ، بشأن الحرب اتسم بالتوازن، ولم يتضمّن إدانة صريحة لإسرائيل.

ونقلت وكالة "شينخوا" عن "شي" قوله: إن "العملية الإسرائيلية أدت إلى تصعيد حاد في التوترات بالشرق الأوسط"، معربا عن "قلق الصين العميق" حيال ذلك.

وأكد "شي" أن "الصين تعارض أي إجراءات تنتهك سيادة وأمن وسلامة أراضي الدول الأخرى (بما في ذلك إسرائيل)".

ودعا جميع الأطراف إلى تهدئة الصراع ومنع وقوع المزيد من الضحايا، مؤكدا استعداد بلاده للعب دور بنّاء في الوساطة بين جميع الأطراف من أجل استعادة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي اليوم نفسه، كرّر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جياكون تصريحات "شي"، مشددا على أن "الأولوية الآن هي لوقف الأعمال العدائية واتخاذ تدابير فعالة لمنع التصعيد وإعادة الاستقرار".

وفي رده على سؤال، دعا "جياكون" الأطراف المعنية، "خصوصا الدول ذات النفوذ الخاص على إسرائيل، إلى تحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات فورية للتهدئة"، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة.

وفي 19 يونيو، أجرى "شي" اتصالا هاتفيا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ووفقا للبيان الصيني، أوضح له "موقف الصين المبدئي" المكون من أربع نقاط.

أولا، أهمية التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار؛ ثانيا، ضمان سلامة المدنيين؛ ثالثا، تسهيل الحوار والمفاوضات لحل الوضع وإعادة "القضية النووية الإيرانية إلى مسارها الصحيح من أجل حل سياسي".

ورابعا، حثّ المجتمع الدولي على العمل من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط الكبير، مع التركيز بشكل خاص على دور مجلس الأمن الدولي.

وأكّد البيان أن الصين لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي يهدف إلى كبح جماح البرنامج النووي الإيراني.

ولم ير "شي" أنه من المناسب إدانة إسرائيل على أفعالها، وكانت تصريحاته متحفظة للغاية، لا سيما عند مقارنتها بتصريحات وزير الخارجية، وانغ يي، خلال محادثاته مع نظيريه في مصر وسلطنة عمان، في 18 يونيو.

فقد اتفق وانغ مع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، على أن التصعيد الإسرائيلي يتجاهل القانون الدولي والأعراف المتبعة، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار.

أما في اتصاله مع وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، فقد ذهب وانغ أبعد من ذلك، مؤكدا أن "الهجوم الإسرائيلي على إيران يشكل انتهاكا للقانون الدولي وللقواعد الحاكمة للعلاقات الدولية، ويمس بسيادة إيران وأمنها، ويقوّض السلام والاستقرار الإقليميين".

ملف النفط

وأشار التقرير إلى أن ملف النفط يُعد من أبرز القضايا ذات الصلة المباشرة بالصراع؛ إذ يُصدّر أكثر من 90 بالمئة من النفط الإيراني إلى الصين، وتشتري معظمه مجموعة من الشركات الصغيرة التي تعمل بشكل مستقل عن الشركات الحكومية.

وفي حين تستطيع الصين تعويض أي نقص في الإمدادات بسهولة نسبية، فإنّ طهران، في ظل الظروف الحالية، ستجد صعوبة كبيرة في إيجاد بدائل.

وأوضح التقرير أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت بعض المنشآت النفطية الإيرانية، لكنها لم تَنَل المنشأة الرئيسة في جزيرة خرج جنوبي البلاد، التي تنطلق منها معظم ناقلات النفط الإيرانية.

وأرجع هذا التريث الإسرائيلي إلى القلق من أن أي مساس بتدفق النفط من إيران أو الخليج قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا، بما في ذلك في الأسواق الأميركية، ما قد يُسبب تداعيات اقتصادية وسياسية واسعة النطاق.

وفي المؤتمر الصحفي اليومي في 17 يونيو، سُئل قوه جياكون عما إذا كانت الصين ستبادر بالوساطة في النزاع، نظرا لعضوية إيران في كل من منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس.

فأجاب بأن الصين على تواصل مع كلا البلدين "والأطراف المعنية الأخرى" للتوصل إلى وقف إطلاق النار.

إلا أنه لم يُحدد أي إجراء اتخذته الصين، باستثناء التأكيد على موقف بكين القائل بأن "النزاعات الدولية يجب أن تُحل بالحوار".

في غضون ذلك، كشف المتحدث باسم الخارجية الصينية أن بلاده أجلت نحو 1600 مواطن من إيران والمئات من إسرائيل، مشيرا إلى أن القنصليتين الصينيتين في إيران وإسرائيل نسقتا الجهود، وتواصلتا أيضا مع الدول المجاورة لإتمام عملية الإجلاء.

وأفاد التقرير بأن الصين تنظر إلى علاقاتها مع إيران بمنظور طويل الأمد؛ إذ ترى في طهران شريكا جيوسياسيا مستقبليا بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي وحجمها ومواردها الطبيعية. 

ومع ذلك، لا تريد بكين أن تُثقل كاهلها بالارتهان للنظام الثيوقراطي (الديني) في طهران.

وقال: "لننظر إلى الاستثمار الصيني في إيران في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، فقبل أسابيع من الحرب الحالية، وصل أول قطار شحن من شيان في الصين إلى ميناء أرمين الإيراني الجاف بالقرب من طهران، مرورا بتركمانستان وكازاخستان".

ويهدف خط السكك الحديدية بين البلدين إلى تقليص مدة التسليم من 30-40 يوما بحرا إلى 15 يوما فقط برا.

وأضاف أن الصين وإيران تربطهما "شراكة إستراتيجية شاملة" منذ عام 2016، تشمل التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والبنية التحتية والعلاقات العسكرية.

وقد أُجريت تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدين شملت أحيانا روسيا، لا سيما في المحيط الهندي وخليج عمان.

وفي عام 2021، وقّع الطرفان اتفاق تعاون لمدة 25 عاما، تلتزم بموجبه الصين بضخ استثمارات بقيمة 400 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات والنقل الإيرانية.

توازن أوسع

ومع ذلك، ظلت مبيعات بكين من الأسلحة إلى طهران محدودة منذ عام 2005، ورفضت الصين توريد أنظمة متطورة مثل صاروخ جو-جو "PL-15"، الذي استخدمته باكستان أخيرا ضد الهند.

ومع ذلك، من المعروف أن الصين تزود إيران بمكونات أساسية لبرامج الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في يونيو 2025، أنّ إيران طلبت آلاف الأطنان من "مكونات الصواريخ الباليستية" من الصين.

ويشكل بيركلورات الأمونيوم، وهو مكون رئيس في الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود الصلب، الجزء الأكبر من هذه الكمية.

وقالت المؤسسة البحثية الهندية: "في جوهر الأمر، بينما أدان المسؤولون الصينيون الإجراءات الإسرائيلية وأعربوا عن دعمهم للسيادة الإيرانية، لم تقدم بكين أي دعم مادي، سواءً عسكريا أو مدنيا، في الصراع الأخير".

"بدلا من ذلك، اكتفت الصين بتصريحات رسمية تؤكد على ضرورة الحوار والمفاوضات".

وتسعى بكين أيضا إلى تحقيق توازن دقيق في علاقاتها بين طهران وجيرانها في الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، حيث تربطها بهما علاقات تجارية متينة.

وتشكل إيران جزءا من إستراتيجية أوسع للصين تهدف إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط تدريجيا، وإزاحة الولايات المتحدة من موقعها بوصفها القوة الخارجية المهيمنة في المنطقة.

وترى المؤسسة أنّ "الكثير الآن يعتمد على ما سيحدث لاحقا في الشرق الأوسط؛ حيث ستراقب بكين باهتمام بالغ ما إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل ستنجحان في احتواء التصعيد، إما من خلال الضغط العسكري أو الحوار".

وقال: "إذا فشلتا في ذلك، فسيُعد ذلك مكسبا كبيرا للصين؛ حيث ستجد الولايات المتحدة صعوبة في تحقيق هدفها المتمثل في تعزيز مكانتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في آن واحد".

وأكد أن "الحرب عموما تُضعف الدول، فرغم ثروتها الطائلة دفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا لمغامراتها في غرب آسيا، وتحديدا حروبها ضد العراق وأفغانستان، أما روسيا، فترهقها حربها في أوكرانيا، فيما تُضعف المواجهة الأخيرة كلا من إيران وإسرائيل".

وختم قائلا: "بينما قد تواجه الصين صعوبات اقتصادية، فإن مجمعها الصناعي والتكنولوجي ينمو يوما بعد يوم".