ترامب يطالب بوقف محاكمة نتنياهو.. صفقة جديدة لإنهاء حرب غزة؟

ترامب يدفع باتجاه إنهاء محاكمة نتنياهو ضمن صفقة لإنهاء حرب غزة
بعد ساعات فقط من انتهاء الحرب مع إيران، سرعان ما تبددت "نشوة النصر" التي روّج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليعود شبح غزة يطارده من جديد.
ففي أقل من يوم على انتهاء المواجهة التي دامت من 13 حتى 24 يونيو/حزيران 2025، هزّ انفجار مدوّ مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، أودى بحياة 7 جنود إسرائيليين بعدما استهدفت المقاومة ناقلتهم المدرعة.
هذا الهجوم المفاجئ لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل كان مقدمة قوية لإعادة فتح ملف العدوان على غزة، بعد جمود لنحو شهر تخلله 12 يوما من مواجهة عنيفة بين تل أبيب وطهران ألقت بظلالها على المفاوضات المتوقفة لوقف إطلاق النار.

نتنياهو محاصر
واليوم، يجد نتنياهو نفسه محاصرا من عدة جهات؛ أولها أهالي الأسرى الإسرائيليين في غزة الذين خرجوا مجددا إلى الشوارع مطالبين الحكومة بإبرام صفقة تبادل.
ويتزامن ذلك مع عودة دعوات قيادات المعارضة ومسؤولين عسكريين سابقين لإنهاء "حرب بلا هدف" تهدف إلى إبقاء نتنياهو في السلطة وعدم إسقاط تحالفه الحكومي الأكثر تطرفا.
وثانيها، عدم حل قضية تجنيد اليهود الحريديم (المتدينين) والذين كانوا على وشك إسقاط الحكومة في يونيو، لكن نتنياهو أقنعهم بالتراجع عن الأمر بسبب الضربات التي كان يجهز لها ضد إيران.
وفشل مشروع قانون حل الكنيست (البرلمان) الذي طرحته المعارضة الإسرائيلية للتصويت عليه، فجر 12 يونيو، قبل يوم واحد من توجيه ضربة لمنشآت إيران النووية وذلك بعد إقناع أحزاب منها "شاس" و"يهدوت هتوراه" الدينيين بالبقاء لإتمام مهمة ضربة إيران.
وفي حال انسحاب الحزبين المذكورين من الحكومة فإنها ستسقط حتما؛ إذ إن لدى حكومة نتنياهو حاليا 62 مقعدا من مقاعد الكنيست الـ120، ولدى حزب "شاس" 11 مقعدا منها فيما يملك "يهدوت هتوراه" 7 مقاعد. ويلزم الحصول على ثقة 61 نائبا على الأقل من أجل بقاء الحكومة.
لكن في حال مضي نتنياهو بتوسيع العدوان على قطاع غزة، فإن هاجس تجنيد الحريديم الذين يرفضون مبدأ الخدمة العسكرية في الجيش ويقولون إن مهمتهم في الحياة هي دراسة التوراة والتفرغ للعبادة، سيعود من جديد.
وجاءت تهديدات هؤلاء بإسقاط الحكومة بعد إصدار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير عشرات الآلاف من أوامر الاستدعاء لقوات الاحتياط والحريديم، من أجل توسيع العملية في غزة، وسجن عدد ممن رفضوا القتال.
ويرتبط استدعاء هؤلاء باستمرار وتوسيع العدوان على غزة، لكن في حال إنهائه أيضا، فإن نتنياهو يواجه مشكلة مع أحزاب ووزراء آخرين؛ إذ إن عددا من الأحزاب التي يمكنها إسقاط التحالف الحكومي، ترفض إنهاء العدوان على غزة، ومنهم زعيم حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، وزعيم حزب القوة اليهودية ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وثالث القضايا التي تحاصر نتنياهو، تكمن في عودة محاكمته من قبل القضاء ورفض التأجيل في بعض الأحيان كما كان يحدث سابقا بذرائع أمنية وتطورات سياسية، وغيرها.
ففي 27 يونيو رفضت المحكمة المركزية في القدس وللمرة الثانية خلال يوم واحد، طلب نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- تأجيل جلسات محاكمته لمدة أسبوعين.
وطلب نتنياهو من المحكمة تأجيل محاكمته بزعم أنه يريد تكريس وقته لقضايا أخرى بعد الحرب الإسرائيلية على إيران، بينها قضية إعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة.
وبعد رفض الطلب الأول، جدد نتنياهو، طلبه من المحكمة تأجيل الإدلاء بإفادته بتهم الفساد لأسبوعين آخرين، مقدما وثيقة سرية تدعم موقفه وتفصّل جدوله المتوقع، غير أن المحكمة رفضت الطلب مرة أخرى، ولم تعبأ بما ورد في الوثيقة السرية.
وفي تبريرها لذلك، ذكرت هيئة القضاة أن "الجدول لا يتضمن تفاصيل استثنائية تبرر إلغاء الجلسات"، وعليه تقرر الاستمرار في استدعاء نتنياهو للمثول أمام المحكمة في الوقت المحدد.
وبعد الرفض بيومين، وافقت المحكمة على طلب نتنياهو بعد مثوله أمامها في جلسة سرية.
وجاء في وثيقة الموافقة: "بعد تقديم التوضيحات والتي شهدت تغييرات حقيقية واستنادا إلى المعطيات الجديدة مقارنة بالقرارات السابقة، نوافق جزئيا على الطلب ونلغي في هذه المرحلة الأيام المحددة لجلسات استماع نتنياهو في 30 يونيو، و2 يوليو".
ويواجه نتنياهو اتهامات بالرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة قد تقوده إلى السجن حال أُقرت، كما حدث سابقا مع رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت.

ترامب يتدخل
وسيكون سقوط الحكومة مقدمة لتسريع محاكمة نتنياهو بشأن قضايا الفساد وفتح ملفات الإخفاق أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبعد أكثر من 20 شهرا على بدء العدوان، تزايدت التقارير الأميركية والإسرائيلية عن اقتناع إدارة الرئيس دونالد ترامب أن نتنياهو يطيل أمد الحرب لأسباب سياسية.
وأعرب ترامب أكثر من مرة عن رؤيته بضرورة إنهاء الحرب وإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، لكن خطط نتنياهو كان مختلفة؛ حيث أعلن توسيع العملية بهدف احتلال القطاع وتهجير سكانه.
غير أنه بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية والترويج لانتصار أميركي إسرائيلي على طهران، بدأ ترامب يتخذ منحى جديدا لحل أزمة نتنياهو بإنقاذه من المحاكمة مقابل وقف حرب غزة.
فبعد يوم واحد من انتهاء الحرب مع إيران، دعا ترامب في 25 يونيو إلى العفو عن نتنياهو أو إلغاء محاكمته بتهم الفساد، قائلا: إن الولايات المتحدة ستنقذه كما أنقذت إسرائيل.
وكتب ترامب على موقع تروث سوشيال: “ينبغي إلغاء محاكمة نتنياهو، على الفور، أو منح عفو لبطل عظيم، قدم الكثير لإسرائيل”، واصفا إياه بأنه "محارب".
وعاد في 29 يونيو، ليكتب: "إنه لأمر فظيع ما يفعلونه في إسرائيل مع نتنياهو، إنه بطل حرب، ورئيس وزراء نفذ عملا رائعا بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق نجاح كبير في التخلص من التهديد النووي الخطير في إيران".
وأردف: "الأكثر أهمية من ذلك، أنه حاليا في خضم مفاوضات لعقد صفقة مع حماس، ستتضمن استعادة الرهائن".
وتساءل ترامب: "كيف يمكن لرئيس وزراء إسرائيل أن يُجبر على الجلوس في قاعة المحكمة طوال اليوم، بسبب لا شيء. إنها حملة اضطهاد سياسية، تشبه كثيرا حملة الاضطهاد التي اضطررت أنا لتحمّلها".
وأوضح أن "هذه المهزلة من العدالة ستتداخل مع المفاوضات مع إيران وحماس. بكلمات أخرى، ما يفعله المدعون الخارجون عن السيطرة مع نتنياهو هو جنون".
وألمح إلى أن واشنطن قد تلغي المساعدات بمليارات الدولارات سنويًا لإسرائيل حال لم يجر إيقاف محاكمة نتنياهو.
وأردف: "لقد حققنا للتو نصرا عظيما وكان نتنياهو على رأس القيادة، وهذا يُلحق ضررًا كبيرا بانتصارنا. أطلقوا سراحه، فلديه عمل ضخم يجب أن ينجزه".
وبدا من هذه التصريحات وجود اتفاق غير معلن يدافع فيه الرئيس الأميركي عن رئيس الوزراء الإسرائيلي ويحاول إنقاذه من المحاكمة، مقابل تسهيل إنهاء الحرب وإطلاق الأسرى الإسرائيليين، وذلك بعد أن أدرك ترامب ان نتنياهو يقود حربا شخصية في غزة لا أكثر.
وردا على تغريدة ترامب، كتب نتنياهو: "شكرا لك على دعمك المؤثر لي ودعمك الهائل لإسرائيل والشعب اليهودي".
وفي وقت لاحق ربط نتنياهو بين دعوة ترامب وما قد يكون "صفقة شاملة" منسقة قائلا: "سنواصل العمل معا لهزيمة أعدائنا المشتركين، وتحرير رهائننا، وتوسيع دائرة السلام بسرعة".
وبدورهم، رفض رؤساء أحزاب ومسؤولون دعوة ترامب، ومن بينهم زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، الذي قال: إن "إسرائيل دولة مستقلة ولا يوجد سبب للتدخل في نظامنا القضائي".

أسباب ودلالات
وفي 29 يونيو، كتب الرئيس الأميركي مرة أخرى قائلا: "أبرِم الصفقة. أَعِد الرهائن!!". وعلقت صحيفة "معاريف" العبرية فور نشر التغريدة بالقول: "زلزال دبلوماسي: ترامب يطالب باتفاق فوري بشأن غزة".
وقال المحلل السياسي ياسر الزعاترة على إكس: "لقد فهموا (في إسرائيل) أن الأمر موجّه لنتنياهو؛ لأن حماس لا تأتمر بأمر ترامب".
وبدوره، علق المراسل العسكري لصحيفة هآرتس العبرية عاموس هرئيل بالقول: "نتنياهو وترامب يريان نفسيهما شركين في نجاح الهجوم على إيران ومنشآتها النووية".
وأردف في 30 يونيو: لذلك يريد الرئيس الأميركي استخدام هذا الإنجاز لصالح إنهاء الحرب في غزة وإعادة المحتجزين والتطبيع بين إسرائيل والسعودية ولكن يوجد لنتنياهو طلب صغير آخر وهو "ساعدني على التخلص من المحاكمة".
من جانبه، تساءل مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار آيخنر عما دفع ترامب للاستيقاظ صباحا والمطالبة بإلغاء محاكمة نتنياهو، وما علاقة ذلك بخطط الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب في غزة، وإعادة المحتجزين، وتوسيع اتفاقيات إبراهام؟
وتحدث آيخنر في 26 يونيو، عن وجود انقسام في إسرائيل بين من يرى أن دعوة ترامب لم تأت صدفة وإنما جاءت بطلب من نتنياهو، وبين من يرى أنها مبادرة من الرئيس الأميركي تهدف إلى إحراج رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وألمح إلى أن المقصود قد يكون توجيه رسالة من ترامب إلى نتنياهو بأنه يساعده في إلغاء محاكمته، حتى لا يتمكن من رفض طلباته بإنهاء الحرب في غزة، وإعادة الأسرى، وتوسيع اتفاقيات إبراهام.
ونقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله إن منشور ترامب بشأن العفو عن نتنياهو كان عفويا ولم ينسقه معه.
ولطالما تحدث الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أخيرا عن أن العفو عن نتنياهو ضمن صفقة للإقرار بالذنب يمكن أن يكون أحد الخيارات للخروج من الأزمة الحالية وإنهاء الحرب على غزة.
وقالت هآرتس: إن أحد طرق وقف الإجراء القضائي يكون من خلال عفو يمنحه هرتسوغ لرئيس الوزراء، بعد أن يرفع الأخير طلبا بذلك، مبينة أنه “ربما يكون هذا ما يتجه إليه الكثيرون من مقربي نتنياهو”.
ويملك هرتسوغ صلاحية منح العفو أو تخفيف العقوبة بعد إدانة المتهم، لكنه لا يملك سلطة "إلغاء" محاكمة جارية أو وقفها قبل صدور حكم.
ولكن حتى في حال إدانة نتنياهو، فيمكنه التوجه بطلب عفو إلى الرئيس الذي يقرّر منحه أو رفضه، لكن هذا الخيار متاح فقط بعد صدور الحكم.
ودعم أعضاء الائتلاف الحاكم دعوة ترامب، كما كان لافتا تأييد العفو أو "صفقة الإقرار بالذنب"، من قِبل رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك.
ويرى كثيرون أن مبادرة ترامب لا تشمل فقط إنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
وقال إيتمار آيخنر: “لم يأتِ منشور ترامب، من فراغ، فبينما قد يفسر البعض الرسالة على أنه إظهار شخصي للدعم أو صداقة سياسية، يرى مراقبون إقليميون أنها جزء من إستراتيجية أوسع، وربما منسقة، لإعادة تشكيل المشهد السياسي بالشرق الأوسط، ويلعب نتنياهو دورا رئيسا فيها”.
وبعد انتهاء الحرب مع إيران، قال ترامب في مقابلة مع فوكس نيوز: إن العديد من الدول العربية تتطلع الآن للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، ملمحا إلى أن طهران كان العائق أمام ذلك.
وبالتزامن مع دعوة ترامب وبعد ساعات من انتهاء الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتجديد نتنياهو حديثه عن شرق أوسط (إسرائيلي) جديد، بدأ الترويج لـ"الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي"، الذي يضم 10 من قادة الدول العربية، أبرزهم مصر والسعودية.
وأطلق هذا التحالف، الذي يتألف من عدد كبير من كبار المسؤولين الإسرائيليين، حملة إعلانات جديدة تدعو إلى إقامة تحالف إقليمي بين إسرائيل وجيرانها بعد تراجع التهديد الإيراني، وتوقع أن تبدأ تحالفات جديدة في التبلور.
ونُشرت لوحات كبيرة في ميادينها العامة تُظهر حكاما عرب، بينهم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وقادة الخليج، يقفون خلف نتنياهو وترامب، تحت عناوين "خطة درع إبراهيم"، و"تحالف الأمن الإقليمي".
ومن المقرر أن يزور نتنياهو البيت الأبيض في 7 يوليو/تموز 2025، لمناقشة “الإنجاز” الذي تحقق بعد ضرب إيران، والحرب على غزة.
وقال ترامب في الأول من يوليو: “سأبحث ملفي غزة وإيران مع رئيس الوزراء الإسرائيلي”، مضيفا: “نريد استعادة الرهائن”. وصرّح قبلها بأيام بأنه يتوقع التوصل إلى صفقة بشأن القطاع خلال أسبوع.