مشروع بيريز.. هكذا تخطط إسرائيل لـ"سايكس بيكو" جديدة بالمنطقة

يوسف العلي | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في تصريحات هي الأولى من نوعها لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من "سايكس بيكو" جديدة تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي فرضها على الشرق الأوسط في ظل حروبها في هذه بالمنطقة.

تحذيرات الرئيس التركي، سلطت الضوء على ماهية هذا المشروع الذي  تقوده إسرائيل في المنطقة، وإلى أي مدى يمكن للجمهورية التركية أن توقف مخططات الاحتلال، خصوصا في ظل الدعم الغربي المفتوح الذي تحظى به حكومة بنيامين نتنياهو.

"مؤامرة جديدة"

وفي ذكرى مئوية معاهدة "سايكس بيكو" المشؤومة التي دخلت حيز التنفيذ في الشرق الأوسط عام 1916، أكد أردوغان أن "الهجمات العدوانية الإسرائيلية تأتي ضمن مؤامرة جرة التخطيط لها في هذه المنطقة". مؤكدا أن "الجمهورية التركية تعلم جميع مواد وبنود هذه المؤامرة".

وشدّد أردوغان خلال كلمته بمؤتمر دول التعاون الإسلامي بإسطنبول، في 20 يونيو/ حزيران 2025، على أن "إسرائيل لن تحقق ما تسعى له بارتكابها هذه المجازر الجماعية وتوسيع حلقة النار في المنطقة، ونحن نعلم وجود مؤامرة متزامنة ومتطابقة مع مئوية سايكس بيكو".

وأكّد أن بلاده "لن تسمح بتكرار عقد اتفاقيات مطابقة لمعاهدة سايكس بيكو مبنية على سيلان الدماء في هذه الجغرافيا، ولن نكون مراقبين ومشاهدين لما تقوم به إسرائيل من مجازر في المنطقة".

ولفت إلى أن الأطماع الصهيونية لنتنياهو هدفها جر العالم إلى كارثة، مثلما فعل الزعيم النازي أدولف هتلر.

وأضاف أن "الشرارة التي أشعلها هتلر أحرقت العالم قبل 90 عاما، وأطماع نتنياهو الصهيونية لا تهدف إلا إلى دفع العالم نحو كارثة مماثلة".

وأشار أردوغان إلى أن هجمات إسرائيل على غزة ولبنان واليمن وسوريا وأخيرا على إيران "لا يمكن وصفها إلا بأنها قرصنة". مؤكدا أنها "أثبتت مجددا أن حكومة نتنياهو أكبر عقبة أمام السلام الإقليمي".

وأشار إلى أن ادعاء إسرائيل بأنها ستُؤسس نظاما في المنطقة بأيديها الملطخة بالدماء، يُظهر مدى العمى والظلام الذي يعيش فيه من يديرون هذا البلد. 

وخاطب أردوغان المجتمع الدولي، خاصة الدول المؤثرة على إسرائيل، قائلا: "لا ينبغي لأحد أن يصدق كلام نتنياهو المسموم المُغلّف بغطاءٍ مُجامل، والهادف إلى تعميق الصراعات أكثر".

وفي اليوم التالي، قال نتنياهو: إن إسرائيل “تعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط” وهو تصريح لطالما كرره بعد عملية طوفان الأقصى، مؤكدا أن بلاده باتت "أقرب إلى تحقيق أهدافها" في إيران، وذلك بعد الضربات الأميركية الأخيرة التي استهدفت 3 مواقع نووية إيرانية.

وأضاف نتنياهو في مؤتمر صحفي تلفزيوني: "لقد حققنا الكثير، وبفضل الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب صرنا أقرب إلى تحقيق أهدافنا"، مشيرا إلى أنه "حين يتم تحقيق هذه الأهداف فستنتهي العملية" في إيران.

وأعلن ترامب منتصف ليل 24 يونيو، التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وقد دخل حيز التنفيذ بالفعل صباح نفس اليوم.

"مشروع بيريز"

وعن طبيعة المخطط، قال رئيس مركز "المرصد للدراسات الإستراتيجية" العميد الركن المتقاعد عبد الله الأسعد: إن "تحذيرات أردوغان حقيقية استنادا إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كتب عنه شمعون بيريز (الرئيس الإسرائيلي الأسبق) وتسعى إسرائيل لجعله منهجا في المنطقة".

وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال" أن "إسرائيل ستطبق ما هو أبشع من سايكس بيكو في المنطقة، وأنها قائمة على تنفيذه حاليا، فهي تريد أن تصنع دولا قائمة على أقليات وطوائف وإثنيات وغير ذلك".

ولفت إلى أنه "في حال نجحت إسرائيل فإن الأمر سيصبح حقيقة وليس مجرد تخوفات يتحدث عنها أردوغان"، محذرا من "صعوبة إيقاف هذا المشروع نهائيا؛ لأن إسرائيل مدعومة من الغرب والولايات المتحدة تحديدا، من أجل تنفيذه".

وخلص الأسعد إلى أن "إيقاف المشروع الإسرائيلي يقف على نشاط دول المنطقة للتصدي لما تسعى إليه الأخيرة لتنفيذه".

وينسب التصوّر الأقدم حول "الشرق الأوسط الجديد" إلى شمعون بيريز، الذي أخرج المصطلح في كتابه الصادر عام 1993، وحمل الاسم نفسه.

كانت رؤية بيريز، التي ظهرت في أعقاب اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، تنطلق من إمكانية اندماج إسرائيل في المنطقة عبر قيام سلام إقليمي وتعاون اقتصادي تكون للأخيرة فيه الهيمنة الاقتصادية والفكرية والثقافية، وكانت تسعى إلى تجنّب اندلاع انتفاضات جديدة.

وذكرت الصحافة العبرية في ديسمبر/ كانون الثاني 2024، أن نتنياهو يسعى إلى تحقيق رؤية إسرائيل الكبرى، خصوصا بعدما دخلت القوات الإسرائيلية وسيطرت على قمة جبل الشيخ في سوريا.

وتاريخيا، تعود جذور الأوهام التوسعية لليمين المتطرف الصهيوني إلى معتقدات دينية تفيد بأن الأرض الموعودة أو إسرائيل الكبرى تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات بالعراق.

وفي 11 ديسمبر 2024، نشر الكاتب الإسرائيلي، ألوف بن أن، مقالا في صحيفة "هآرتس" العبرية بعنوان: "نتساريم (في غزة) إلى قمة جبل الشيخ (في سوريا): نتنياهو يحقق رؤية إسرائيل الكبرى".

وأوضح الكاتب، قائلا: إعلان نتنياهو من على هضبة الجولان انهيار اتفاق فصل القوات (بين إسرائيل وسوريا عام 1974) يعني بالمنطق الإسرائيلي "إمكانية تحريك الحدود شرقا على الرغم من الانتقادات من جانب الأمم المتحدة ودول عربية صديقة".

وأضاف: “لم يكتفِ نتنياهو بمحو الحدود في الجولان، بل ذهب في شهادته أثناء محاكمته بقضايا فساد إلى أبعد من ذلك”؛ إذ قال: "ما حدث هنا هو شيء ضخم، وزلزال لم نشهد مثله منذ 100 عام، وتحديدا منذ اتفاق سايكس – بيكو".

وبرأي الكاتب الإسرائيلي، فإنّ كلام نتنياهو أمام القضاة يهدف للقول إن "منظومة الحدود السابقة في المنطقة لم تعُد موجودة".

"سايكس بيكو"

وفي الذكرى المئوية الأولى لها، أبرمت اتفاقية سايكس بيكو في 1916، بين فرنسا وبريطانيا، وبموافقة روسيا وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين الشريكين الفرنسي والبريطاني، لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. 

واعتمدت المعاهدة على فرضية أن الوفاق الثلاثي سينجح في هزيمة الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى (1914 إلى 1918) ويشكل جزءًا من سلسلة من الاتفاقات السرية التي كانت تأمل في تقسيمها.

جرت المفاوضات الأولية التي أدت إلى الاتفاق بين 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1915 و3 يناير/كانون الثاني 1916، وهو التاريخ الذي وقع فيه الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس على وثائق مذكرات تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. 

وصادقت حكومات تلك البلدان على الاتفاقية في 9 و16 مايو/أيار 1916، والتي قسمت بموجبها الولايات العربية ضمن الدولة العثمانية خارج شبه الجزيرة العربية إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا أو تحت نفوذها. 

وخصصت الاتفاقية إلى بريطانيا ما هو اليوم على الخريطة فلسطين والأردن وجنوب العراق، ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. أما فرنسا فقد سيطرت على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان.

ونتيجة اتفاق وزير الخارجية الروسي وقتها سيرجي سازونوف والسفير الفرنسي في روسيا آنذالك موريس باليولوج، تحصل روسيا على أرمينيا الغربية، والقسطنطينية والمضائق التركية، ووافقت إيطاليا على هذا الاتفاق سنة 1917 عبر اتفاقية سانت جان دي مورين بحيث يكون لها جنوب الأناضول. 

أما منطقة فلسطين ذات الحدود الأصغر من الجغرافيا الفلسطينية المنتدبة اللاحقة فتكون تحت “إدارة دولية”.

ثم استخدمت الاتفاقية مبدئيًا لتكون الأساس المباشر للتسوية الأنجلو-فرنسي المؤقتة 1918، والتي وافقت على إطار عمل لإدارة أراضي الدولة العثمانية في بلاد الشام، وبعد فترة وجيزة من الحرب تنازل الفرنسيون عن فلسطين والموصل إلى البريطانيين.

ووضعت بلاد الشام وما بين النهرين تحت الانتداب في مؤتمر "سان ريمو" في أبريل/نيسان 1920، حسب إطار سايكس بيكو.

فقد استمر الانتداب البريطاني على فلسطين حتى 1948، ثم أعلن في هذا التاريخ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.