كيف حولت إيران وحزب الله أميركا الجنوبية لساحة مواجهة مع إسرائيل والغرب؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ضوء الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط، يبرز المسلمون في أميركا الجنوبية كفاعلين مؤثرين في توجيه السياسة الخارجية لدول القارة، للتعاطي بشكل إيجابي وفعال مع القضايا العربية في الإقليم.

في هذا السياق، تسلط صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية الضوء على قوة ونفوذ المجتمعات المسلمة في أميركا اللاتينية، كاشفة عن مقدار تأثيرهم على صناع القرار.

كما تعمَّقت الصحيفة في استعراض نفوذ إيران وحزب الله داخل تلك المنطقة، متحدثة عن تفاصيل عديدة جعلت القارة "معقل نفوذ رئيس للحزب، ومصدر تمويل مركزي، وساحة تنفيذ عمليات انتقامية".

وينتشر المسلمون في معظم دول أميركا اللاتينية؛ حيث يمثلون ما بين 4 إلى 6 ملايين شخص. وتُعد البرازيل والأرجنتين موطنا لأكبر التجمعات الإسلامية في القارة.

 يعيش في البرازيل أكثر من 1.5 مليون مسلم، وفي الأرجنتين حوالي 700 ألف منهم، ما يجعلهما من أكبر التجمعات الإسلامية في نصف الكرة الغربي بعد الولايات المتحدة، وفق الصحيفة الروسية.

وقد نشأت في الأرجنتين واحدة من أكثر المجتمعات الإسلامية تنظيما؛ حيث تأسست "المنظمة الإسلامية لأميركا اللاتينية" (IOLA)، التي تعمل على تنسيق نشاطات المسلمين في مختلف أنحاء المنطقة.

أما في تشيلي، فتوجد جالية فلسطينية كبيرة تقدر بنحو 300 إلى 500 ألف من أبناء المهاجرين، وهي في الغالب مسيحية، لكنها تشمل أيضا نسبة من المسلمين.

ويقدر عدد المسلمين في كولومبيا وفنزويلا بعشرات الآلاف. وفي منطقة "المثلث الحدودي"، بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين، توجد كثافة ملحوظة منهم ومعظمهم من اللبنانيين الشيعة.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه "تعد منطقة تجارة حرة، ما جذب العديد من رجال الأعمال من الشرق الأوسط، وأصبحت مركزا مهما للجالية الإسلامية في أميركا الجنوبية".

وأشارت كذلك إلى أن "الانتشار الإسلامي في القارة غير متوازن، ففي دول الكاريبي ذات التراث الهندي تعد المجتمعات الإسلامية من بين الأقدم والأكثر رسوخا؛ حيث يدين بالإسلام ما بين 6 إلى 15 بالمئة من السكان".

وتابعت: "أما في أميركا اللاتينية القارية، فإنّ الوجود الإسلامي يعود أساسا إلى الهجرة العربية".

دبلوماسية الشتات 

وعن الحضور السياسي، أفادت الصحيفة أن المجتمعات المسلمة "لا تشكل كتلة موحدة؛ إذ يتوزع أعضاؤها على مختلف التيارات الأيديولوجية، ويشاركون في الحياة السياسية على أسس مدنية لا دينية".

ومع ذلك، تذكر أن "هذه المجتمعات تمتلك تأثيرا على المستوى المحلي من خلال المنظمات المجتمعية والعلاقات الاقتصادية".

"فغالبا ما ينشط المسلمون في مجالات التجارة وريادة الأعمال، وبهذا يوجد ممثلوهم في الدوائر الاقتصادية المحلية، مما يمنحهم تأثيرا غير مباشر على صنع القرار". وفق قولها.

وأضافت: "كما تلعب هذه المجتمعات دورا في الانتخابات ببعض المناطق التي تشهد كثافة للمسلمين".

وضربت المثل بتشيلي؛ حيث تعد الجالية الفلسطينية من اللاعبين البارزين اقتصاديا، وتتمتع بنفوذ سياسي غير رسمي عبر عائلات بارزة مثل صايغ وصباغ".

وأضافت: "أحيانا، يصبح أبناء هذه المجتمعات قادة سياسيين بأنفسهم ويدافعون عن مصالح مجتمعاتهم، كما فعل الرئيس الأرجنتيني الأسبق كارلوس منعم (سوري الأصل)، الذي وُلِد في أسرة مسلمة لكنه اعتنق الكاثوليكية للترشح للرئاسة، إذ كان ذلك شرطا دستوريا آنذاك".

وبحسب الصحيفة، أسهم منعم في تعزيز العلاقات مع الشرق الأوسط، وكانت الأرجنتين أول دولة في المنطقة تعترف بدولة فلسطين خلال ولايته، كما خصص أرضا في بوينس آيرس لبناء مسجد كبير.

وفي هذا السياق، تشدد على أن "الجاليات المسلمة في أميركا اللاتينية كثيرا ما تتفاعل مع الأحداث في الشرق الأوسط".

وأوضحت أن العديد من مؤسسات ومجموعات المهاجرين العرب تنظم مظاهرات تضامنية حول قضايا مرتبطة بفلسطين وحروب العراق وسوريا.

هذه الاحتجاجات -وفقا لها- تُعد مثالا على "دبلوماسية الشتات"؛ حيث تؤثر الجاليات المسلمة على خطاب السياسة الخارجية لدول أميركا اللاتينية، مما يدفعها -على سبيل المثال- لإدانة تصرفات إسرائيل على الساحة الدولية.

بل وقدرت الصحيفة أن "ضغط الجاليات العربية كان من أحد أهم أسباب اعتراف عدد من حكومات القارة، مثل الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وتشيلي وغيرهم، بدولة فلسطين بين عامي 2010 ـ 2013".

"علاوة على ذلك، يحاول السياسيون في الشرق الأوسط الاعتماد على الجالية للتأثير على العمليات السياسية في وطنهم"، تقول الصحيفة.

فخلال الانتخابات اللبنانية، يسافر المرشحون من مختلف المعسكرات للحصول على دعم اللبنانيين في البرازيل والأرجنتين، ويجمعون التبرعات لحملاتهم.

وتشير هذه المعطيات إلى أنه "من خلال الشتات، تتسرب عناصر من الثقافة السياسية الشرق أوسطية إلى أميركا اللاتينية، والعكس صحيح"؛ إذ ترى الصحيفة أنه "منذ منتصف القرن العشرين، أثرت الشعبوية الأميركية اللاتينية على العالم العربي".

ودللت على ذلك "بتفاعل بعض الفئات، خاصة الشباب، مع أحداث الربيع العربي في عامي 2011 و2012".

واستطردت: "كما تجد الحركات السياسية الإسلامية أيضا صدى لدى مسلمي أميركا اللاتينية؛ فقد عمت الاحتفالات أوساط المسلمين في البرازيل بعد فوز المرشح الإسلامي محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012".

"وعلى المستوى المحلي، تحرص المجتمعات الإسلامية على إبراز ولائها ومساهمتها في بناء المجتمع، عبر المشاركة في الحوار بين الأديان والمبادرات الخيرية والمهرجانات الثقافية، التي تعزز من القوة الناعمة للمجتمع الإسلامي وتُحسن من صورته".

إلى جانب هذا، تشير الصحيفة إلى أن "الجاليات المسلمة تحافظ على روابط راسخة ووطيدة مع بلدانها ذات الأصول التاريخية".

تتجلى هذه العلاقات العابرة للحدود على مستويات عديدة، مثل الاتصالات المستمرة والتحويلات المالية، خاصة في وقت الأزمات المالية بالمنطقة.

ورأت أن "شبكات الأعمال العربية بين أميركا اللاتينية والشرق الأوسط تسهل التجارة الثنائية".

وذلك بدءا من تصدير اللحوم الحلال من أميركا اللاتينية إلى الدول الإسلامية، وصولا إلى استثمارات المغتربين الشرق أوسطيين بمشاريع في أوطانهم.

تصدير الأيديولوجيا

وعلى الصعيد الثقافي، أوضحت الصحيفة أن دول الشرق الأوسط، خاصة تلك ذات التأثير الكبير في العالم الإسلامي، عملت على مدى عقود، على بناء حضور ثقافي في أميركا اللاتينية.

وأردفت: "على سبيل المثال، فتحت إيران ودول الخليج العربي مراكز ثقافية في عواصم دول أميركا اللاتينية، وأسهمت في بناء مساجد وإرسال أئمة".

أخيرا، دخلت تركيا على الخط؛ إذ مولت في السنوات الأخيرة، بعض المساجد من خلال إدارة الشؤون الدينية، وفق الصحيفة.

وفيما يتعلق بإيران تحديدا، قالت إنه: منذ الثورة الإسلامية عام 1979، نفذت طهران إستراتيجية تصدير الأيديولوجيا إلى نصف الكرة الغربي، إذ أسست طهران برامج ثقافية وتعليمية وأطلقت قناة تلفزيونية فضائية باللغة الإسبانية (HispanTV)، وتقدم منحا دراسية لتعليم المسلمين من أميركا اللاتينية في المدارس الدينية الإيرانية.

وتعتقد الصحيفة الروسية أن طهران "تستخدم المجتمعات الإسلامية المحلية كقاعدة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي".

فمنذ أوائل القرن الحادي والعشرين، عززت إيران حضورها بشكل ملحوظ، معتمدة على الأنظمة اليسارية الشعبوية المتحالفة معها.

وأقامت طهران علاقات وثيقة مع حكومات فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا، وجميعها تصور نفسها كتحالفات معادية للغرب.

وتقدر الصحيفة أن إيران "تنظر إلى أميركا اللاتينية كموطئ قدم بالقرب من الحدود الأميركية، تُمارس من خلاله أنشطة تخريبية ضد واشنطن".

معقل رئيس

كما سلطت الصحيفة الضوء على نشاط حزب الله في القارة، والذي تواجد في أميركا اللاتينية منذ أوائل الثمانينيات، "معتمدا على شبكات المهاجرين والمتعاطفين من الجالية اللبنانية".

وكشفت أن "الحزب بنى على مدى عقود، شبكة واسعة في ما لا يقل عن 12 دولة، من المكسيك في الشمال إلى الأرجنتين في الجنوب".

"ولفترة طويلة، ركزت هذه الشبكة على جمع الأموال والأعمال غير المشروعة لتمويل نشاطها في الشرق الأوسط"، وفق الصحيفة.

كما "أظهرت أيضا قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية، كان أكثرها تدميرا تفجيرات عام 1992 للسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس والمركز الثقافي اليهودي عام 1994، والتي أسفرت عن مقتل 114 شخصا".

في هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى أن منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين "تعد معقلا رئيسا للحزب". 

وأردفت: "في الوقت الراهن، يبدو أن نشاط الحزب اللبناني ما زال مستمرا، ففي الآونة الأخيرة، تمكنت السلطات الأرجنتينية من كشف شبكة من العملاء السريين له".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت الشرطة رسميا اسم وصورة زعيم "حزب الله" في أميركا اللاتينية، حسين أحمد كركي، الذي يعيش حاليا في لبنان.

واتضح من التحقيقات أن كركي "شغل منصب رئيس الأمن الخارجي للمنظمة منذ التسعينيات، ونسق عددا من الخطط الإرهابية".

وعن نشاط الحزب خارج الأرجنتين، ذكرت الصحيفة أن "كركي صُنف كعقل مدبر لمحاولات اغتيال أهداف إسرائيلية في البرازيل، أحبطتها الشرطة البرازيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023". 

وأضافت: "كما خطط كركي أيضا لتفجير مبنى في بوليفيا، وكان مرتبطا بمحاولات تفجيرية فاشلة في كولومبيا وبيرو ودول أخرى".

تُظهر هذه المعلومات أن "البنية التحتية الإرهابية، التي أُسست قبل 30 عاما، لا تزال جاهزة ويمكن تفعيلها في الظروف المناسبة"، وفق الصحيفة.

لكن "لا تعد هذه البنية مسرحا للعمليات الدائمة، وإنما ينظر لها كمصدر للتمويل وقاعدة خلفية". واستدركت: "مع ذلك، بدأ الوضع يتغير مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط".

إذ أشارت أنه "في نوفمبر 2023، وبعد شهر فقط من بدء حرب إسرائيل مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في غزة، ألقت أجهزة الأمن البرازيلية، بمساعدة جهاز الموساد الإسرائيلي، القبض على شخصين في ساو باولو بتهمة التحضير لتفجيرات تستهدف مواقع يهودية".

وعن سبب اختيار الحزب للقارة لتكون منصة دعم له، قالت الصحيفة إن "إيران مولت ما يصل إلى 70 بالمئة من ميزانية الحزب لفترة طويلة، لكن العقوبات الدولية والضغط على طهران يجبر المنظمة على البحث عن موارد مالية بديلة".

"وهنا برزت أميركا اللاتينية، بشكلها الاقتصادي الإجرامي المتشعب، كمنصة مثالية له" تقول الصحيفة.

وادعت أن "الحزب يتعاون مع عصابات المخدرات المحلية، ويشارك في نقل الكوكايين وغسيل الأموال".

ووفق تقييمها، "يحقق الانخراط في هذه الأعمال غير المشروعة عدة أهداف في وقت واحد.

أهمها تنويع مصادر الدخل بخلاف الأموال الإيرانية، وإنشاء قنوات سرية (لوجستيات سرية، ومسار لنقل العملاء)، وإقامة علاقات مع شبكات الجريمة المنظمة التي يمكن استخدامها في العمليات.

إجراءات مضادة

في ضوء هذا التهديد المتزايد "بدأت الأجهزة الأمنية في دول أميركا اللاتينية في السنوات الأخيرة تتعامل بجدية أكبر مع تهديد التطرف الإسلامي واتخاذ إجراءات ضد إيران وحزب الله". وفق وصف الصحيفة.

وذكرت أنه "في عام 2019، أصبحت الأرجنتين أول دولة في المنطقة تعترف رسميا بحزب الله كمنظمة إرهابية، وتبعتها باراغواي وهندوراس لاحقا".

بالتوازي مع ذلك، تتعاون البرازيل بنشاط مع الولايات المتحدة وإسرائيل في تبادل المعلومات الاستخباراتية عن الحزب، "على الرغم من أنها لا تملك بعد تشريعا حول المنظمات الإرهابية الخارجية".

ويقدر خبراء تحدثوا للصحيفة أن طهران "تسعى من خلال تحالفها الوثيق مع فنزويلا وعلاقاتها الودية مع كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا، إلى تشكيل كتلة موالية لها في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة".

وفي هذا السياق تُفهم مناقشة الكونغرس الأميركي عام 2023 لقانون "لا لحزب الله في نصف الكرة الأرضية" الذي يدعو وزارة الخارجية إلى تكثيف جهودها لمواجهة الشبكة في أميركا اللاتينية.

وحول موقف المجتمعات المسلمة في أميركا اللاتينية من الحزب وعملياته، أكدت الصحيفة أنه "يرفض التطرف ويسعى للاندماج المجتمعي"،

وأشارت إلى أن "الأئمة والمنظمات السنية عبروا عن إدانتهم للإرهاب، فيما تحاول بعض الجماعات الشيعية النأي بنفسها عن حزب الله".

لا سيما في ظل تعاطف الجاليات الشيعية، مع الحزب بصفته "قوة مقاومة" ضد إسرائيل.

وقد أدى هذا الانقسام إلى صعود التوترات داخل الجالية المسلمة، لا سيما في أعقاب اعتقالات الفترة من 2018 إلى 2023.

إذ يخشى البعض من زيادة المراقبة وتصوير المسلمين على أنهم "إرهابيون"، كما ذكرت الصحيفة.

وبنظرة إستراتيجية أوسع، قدرت أن "نشاط القوى الإسلامية في أميركا اللاتينية أدى إلى وضع مثير للاهتمام".

وأوضحت أن "دول المنطقة، التي كانت تقليديا بعيدة عن صراعات الشرق الأوسط، أصبحت الآن متورطة فيها بشكل غير مباشر".

ووفق اعتقادها "نجحت الجالية المسلمة في التأثير على السياسة الخارجية لدول أميركا اللاتينية؛ إذ يتأرجح العديد منها بين التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة وأوروبا، والصداقة مع إيران والدول العربية".

فعلي سبيل المثال، "تسعى البرازيل، بصفتها جزءا من حركة عدم الانحياز، إلى الحفاظ على علاقاتها مع الجميع، حيث استأنف الرئيس لولا دا سيلفا اتصالاته مع طهران".

وختاما، ترى الصحيفة الروسية أن "هذا التعدد في التوجهات يعد سمة مميزة لدبلوماسية أميركا اللاتينية، حيث غالبا ما تتفوق البراغماتية على الأيديولوجيا".