تقييم استخباراتي.. ما قدرة إيران على استئناف برنامجها النووي بعد الحرب؟

يوسف العلي | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بمجرد أن وضعت الحرب أوزارها بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، برزت تساؤلات عن مصير البرنامج النووي للأخيرة، خصوصا بعد تصويت البرلمان على قانون قطع العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ردا على استهدف المنشآت النووية.

وبعد حرب استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 23 يونيو/ حزيران 2025، الوقف الكامل لإطلاق النار، والذي دخل حيز التنفيذ في اليوم التالي، وذلك عقب يومين من قصف أميركي استهدف أبرز ثلاثة مواقع نووية إيرانية.

النووي مستمر

في 25 يونيو، صوّت مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني على قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك ردا على الاستهداف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية.

ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن رئيس المجلس، محمد باقر قاليباف، قوله: إن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رفضت إصدار حتى إدانة محدودة للهجوم على منشآت إيران النووية، باعت مصداقيتها الدولية بأبخس الأثمان".

وأضاف: "لذلك، فإن منظمة الطاقة الذرية ستقوم بتعليق التعاون مع (هذه) الوكالة حتى يتم ضمان أمن منشآتنا النووية، وسيتقدم البرنامج النووي السلمي الإيراني بوتيرة أسرع".

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن عضو هيئة الرئاسة في البرلمان علي رضا سليمي قوله: إن مشروع القانون ينص على منع دخول مفتشي الوكالة الذرية إلى إيران ما لم يتم تأمين وضمان أمن المنشآت النووية الإيرانية.

وأوضح سليمي أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يجب أن يوافق على دخول مفتشي الوكالة، وأن التعليق يشمل تعاون طهران مع الوكالة في إطار اتفاقية الضمانات الشاملة وبقية المعاهدات.

من جهته، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن الهجوم الإسرائيلي والأميركي "سيكون له تأثير إيجابي على إيران، ويعزز إرادتنا ويجعلنا أكثر عزما وصلابة".

ونقلت إذاعة "مونت كارلو" الدولية عن عراقجي في 25 يونيو، قوله: إنه "لا أحد في إيران سيتخلى عن التكنولوجيا النووية، كان برنامج إيران النووي شفافا وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وأردف: "لقد بذلنا جهدا كبيرا للوصول إلى التكنولوجيا النووية، وقدم علماؤنا تضحيات جسيمة، بل فقدوا أرواحهم من أجل هذا الهدف، لقد تحمل شعبنا العقوبات لأجل هذا، وفُرضت حرب على أمتنا بسبب هذه القضية".

ورأى عراقجي أن بلاده سعت سنوات طويلة لتبرهن للعالم أنها ملتزمة بمعاهدة عدم الانتشار النووي، "لكن للأسف هذه المعاهدة لم تستطع أن توفر الحماية لنا أو لبرنامجنا النووي".

وفي الوقت الذي حمّل فيه عراقجي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مسؤولية كبيرة "في الوصول إلى الوضع الراهن"، فإنه عبّر عن استيائه من "أسلوب التقارير" التي أعدتها.

وخلص الوزير الإيراني إلى أن "نظرة إيران إلى البرنامج النووي ولنظام عدم الانتشار ستشهد تغييرات، ولا يمكنني الآن الحكم على اتجاهها".

"تشكيك بالتدمير"

الضربات التي وجهت إلى المنشآت الإيرانية، شكك في جدواها "تقييم استخباراتي أميركي"، كونه توصل إلى أنها لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي، بل من المرجح أن تؤدي إلى تأخيره بضعة أشهر فقط، حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 25 يونيو.

ونقلت الشبكة عن أربعة مصادر أميركية (لم تسمهم) أن النتائج الأولية للتقييم الاستخباراتي التابع لوزارة الدفاع (البنتاغون) تتعارض مع مزاعم ترامب المتكررة بأن الضربات "دمرت تماما" منشآت التخصيب النووي الإيرانية.

وأفاد تقرير الشبكة الأميركية، نقلا عن المصادر المطلعة على التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب "لم يُدمر"، وقال أحدهما: إن أجهزة الطرد المركزي "سليمة" إلى حد كبير.

لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، ردت على أن "هذا التقييم المزعوم خاطئ تماما، وصنف على أنه سري للغاية، ولكن مع ذلك سُرب إلى (سي إن إن) من شخص مجهول، ضعيف المستوى، في مجتمع الاستخبارات". 

وأضافت ليفيت: "تسريب هذا التقييم المزعوم هو محاولة واضحة لتشويه سمعة الرئيس ترامب، وتشويه سمعة الطيارين المقاتلين الشجعان الذين نفذوا مهمة مُحكمة التنفيذ للقضاء على البرنامج النووي الإيراني".

وأردفت: "يعلم الجميع ما يحدث عندما تُسقط 14 قنبلة، وزنها 30 ألف رطل، على أهدافها بدقة: تدمير كامل".

وبينما أسقطت قاذفات "بي 2" (B-2) الأميركية أكثر من 12 قنبلة على منشأتي "فوردو" لتخصيب الوقود و"نطنز" لتخصيب اليورانيوم، لكنها لم تُدمّر أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم عالي التخصيب في الموقعين بشكل كامل، وفقا للشبكة.

وأضافت المصادر أن التأثير على المواقع الثلاثة -فوردو ونطنز وأصفهان- اقتصر إلى حد كبير على الهياكل فوق الأرض، والتي تضررت بشدة، ويشمل ذلك البنية التحتية للطاقة في المواقع وبعض المنشآت فوق الأرض المستخدمة لتحويل اليورانيوم إلى معادن لصنع القنابل.

وبحسب تقرير شبكة “سي إن إن”، فإن "المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن إيران تحتفظ أيضا بمنشآت نووية سرية لم تُستهدف في الضربة، ولا تزال عاملة".

وأجّلت إدارة ترامب جلسات إحاطة سرية كانت مقررة لأعضاء الكونغرس لمناقشة الضربات التي نفذتها واشنطن ضد مواقع نووية إيرانية، ما أثار موجة من الاستياء داخل الأوساط الديمقراطية، التي اتهمت الإدارة بعدم الشفافية وتجاهل دور السلطة التشريعية، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 25 يونيو.

"مصير اليورانيوم"

وعلى صعيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أكد رئيسها رافائيل غروسي، أن الوكالة لا تعلم مكان وجود ما يزيد على 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب "المحتمل"، بعدما أكد مسؤولون إيرانيون أنه نقل كإجراء وقائي قبل شن ضربات أميركية على منشآت نووية في إيران.

وردا على سؤال خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية في 25 يونيو، سُئل غروسي عن مكان وجود اليورانيوم المخصب في إيران، فقال: إن الوكالة "لا تعلم".

وأضاف: "يجب أن أكون دقيقا للغاية.. نحن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لذا لا نخمن.. ليست لدينا معلومات عن مكان وجود هذه المادة".

وأكد غروسي أن المسؤولين الإيرانيين أبلغوه أنهم يتخذون إجراءات وقائية "قد تشمل أو لا تشمل نقل اليورانيوم المخصب"، وفق تعبيره.

ورأى رئيس الوكالة الدولية أن "أفضل طريقة لمعرفة مكان اليورانيوم هي السماح باستئناف أنشطة التفتيش في أقرب وقت ممكن.. وأعتقد أن هذا سيكون في صالح الجميع".

وتابع غروسي: "الأهم معرفة ما إذا كان اليورانيوم نقل، ومكانه، واجبي حصر كل غرام من اليورانيوم الموجود في إيران وفي أي دولة أخرى".

وفي 22 يونيو، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن صور أقمار اصطناعية التقطت في 19 يونيو، تظهر "نشاطا غير عادي" للشاحنات والمركبات في منشأة "فوردو". 

وأضافت الصحيفة أن الصور الملتقطة في اليوم التالي تظهر تحرك معظم الشاحنات شمال غرب منشأة "فوردو" وتمركز شاحنات أخرى قرب مدخل الموقع، مشيرة إلى أن الصور تظهر 16 شاحنة على طول الطريق المؤدي إلى مجمع عسكري تحت الأرض.

ونقلت وكالة "فرانس بريس" في 22 يونيو، عن الخبيرة النووية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إيلواز فاييت، قولها: إن صور الأقمار الاصطناعية التي تُظهر نشاطا في محيط فوردو "تشير إلى احتمال نقل مخزون اليورانيوم المخصّب إلى مواقع غير خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية". 

وبيّنت الخبيرة الفرنسية: "كنا نملك معرفة، وإن غير كاملة، عن البرنامج النووي بفضل عمليات تفتيش (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، أما الآن فلا عمليات تفتيش ممكنة".

من جهتها، أكدت وكالة "رويترز" في 22 يونيو، نقلا عن مصدر إيراني كبير (لم تسمه) أنه "تم نقل معظم اليورانيوم عالي التخصيب في فوردو إلى مكان سري غير معلن قبل الهجوم الأميركي".

ونقلت عن مدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدولية"، علي فايز، أن الهجمات "لن تنهي بالضرورة البرنامج النووي الإيراني". مشيرا إلى أن طهران أنتجت "مئات أجهزة الطرد المركزي المتطورة خلال السنوات القليلة الماضية والتي تم تخزينها في أماكن غير معروفة".

وقالت باحثة شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، سيما شاين، لصحيفة "تلغراف" البريطانية في 25 يونيو: إن "النظام الإيراني نقل جزءا كبيرا من اليورانيوم المخصب قبل قصف الولايات المتحدة إلى موقع سري".

وأضافت الباحثة أن لدى إيران مواقع سرية تحتوي على "مئات وربما آلاف" من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسليحية.

وبحسب "تلغراف"، فإنه قد يكون مجمع "كوه كلنغ غزاله" هو أفضل ملاذ لهذه الأنشطة؛ إذ يقع هذا المجمع الضخم على بُعد 145 كيلومترا جنوب "فوردو" وعلى مسافة قصيرة من منشأة "نطنز" النووية في محافظة أصفهان، وأنها منشأة لا تزال قيد الإنشاء، تم تعزيزها وتوسعتها سرا خلال السنوات الأربع الماضية.