لماذا فشل رهان إسرائيل على "مليشيا أبو شباب" لتركيع غزة؟ صحيفة عبرية تجيب

عصابات أبو شباب المدعومة من إسرائيل تنهب المساعدات الإنسانية الشحيحة
بعد عدة أسابيع على بداية ظهورها المدعوم من إسرائيل، ترى صحيفة عبرية أن التعويل على مليشيات "ياسر أبو شباب" للسيطرة على الأوضاع في غزة رهان خاسر.
وتناولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الواقع المعقد الذي تعيشه هذه المليشيات في غزة، وأسباب فشلها في ترسيخ وجودها في القطاع؛ حيث زجَّت بها إسرائيل بهدف إنشاء قوة محلية بديلة لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
ويتزعم المليشيا ياسر أبو شباب، وهو بدوي يبلغ من العمر 32 عامًا من سكان رفح جنوب قطاع غزة، واشتهر منذ عام 2024 بنهب شاحنات تابعة للأمم المتحدة وإعادة بيع المساعدات الإنسانية.
وفي 5 يونيو/حزيران 2025 أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمرة الأولى بأن حكومته تدعم هذه العصابة بالسلاح، مبررًا ذلك باستخدامها ضد حركة حماس في قطاع غزة.
فيما أكدت حماس أن "هذه العصابات التي امتهنت الخيانة والسرقة تتحرك تحت إشراف أمني صهيوني مباشر"، مؤكدة أنها “أدوات رخيصة بيد العدو، وعدو حقيقي لشعبنا الفلسطيني”، وأنه "سيتم ملاحقتها ومحاسبتها بحزمٍ من قوى شعبنا والأجهزة المختصة".
وفي أكثر من مناسبة، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن "عصابات مسلحة" مدعومة من إسرائيل تنهب المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تدخل غزة، وسط حصار إسرائيلي خانق.

فشل ذريع
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أنه على الرغم من أن إسرائيل سلحت مليشيا محلية داخل قطاع غزة في محاولة لإيجاد بديل عن حكم حركة حماس، فإنها لا تزال تجد صعوبة بالغة في فرض سيطرة فعلية ومستمرة على الأرض.
وأوضحت أنه "على الرغم من انضمام نحو 400 فلسطيني من غزة إلى صفوف هذه المليشيا، فإن عملياتها تظل محصورة إلى حد كبير في المنطقة العازلة الواقعة في مدينة رفح، دون أي اختراق حقيقي أو سيطرة فعالة على باقي أنحاء القطاع".
وأضافت: "لم تنجح المليشيات حتى الآن في ترسيخ وجود مستقر في المناطق التي يفترض أنها محررة من حماس، مما يدل على أن مغامرة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فاشلة". وفق وصفها.
في هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن "الوضع الإنساني في قطاع غزة يتدهور بشكل متسارع، وسط حالة من الفوضى العارمة"؛ إذ "يشهد القطاع يوميا صراعات حادة على السيطرة ومشاجرات دامية عند مراكز توزيع المساعدات الغذائية، ما يؤدي إلى مقتل عدد من المدنيين الفلسطينيين القريبين من مواقع الإغاثة".
وحذَّرت من أن "الأمر يُعد مؤشرا خطيرا على الانهيار الشامل للنظام المدني والأمني في غزة، في ظل غياب سلطة موحدة يمكنها ضبط النظام وضمان التوزيع العادل للمساعدات".

آلية جديدة
في هذا السياق، صدر بيان رسمي عن المليشيا الجديدة -والتي يتزعمها شخص سبق أن ورد اسمه في مذكرة سرية للأمم المتحدة بتهمة قيادة عمليات نهب منظمة للمساعدات الإنسانية- تحدثت فيه عن "حل فوري لمشكلة سرقة المساعدات".
كما أكد البيان أن التوزيع سيجرى "وفق آلية جديدة تضمن وصول المساعدات لكل مواطن".
ومع ذلك، لا تزال التفاصيل غامضة، فلا يُعرف بعد ما إذا كانت هذه المليشيا ستتولى الإشراف الفعلي على توزيع المعونات، أو كيف سيتم التنسيق مع المنظمات الدولية العاملة في الميدان، تقول الصحيفة.
وفي تطور لافت، خرج المدعو غسان الدهيني نائب قائد المليشيا باتهامات علنية لحركة حماس، متهما إياها بالمسؤولية المباشرة عن عمليات نهب منظم ومنهجي للمساعدات الإنسانية.
ودعا الدهيني السكان المحليين في القطاع إلى تزويده بمعلومات مفصلة عن عناصر حماس، بما في ذلك الأسماء والصور والمواقع في مناطق مثل خانيونس ودير البلح والنصيرات وحيي الشجاعية والصبرة.
وأكد أن "كل معلومة تُقربنا من تحقيق العدالة والانتقام لدم الأبرياء". حسب تعبيره.

انعدام الثقة
ورغم هذه الدعوات، فإن مستوى الثقة الشعبي في هذه المليشيا يكاد يكون معدوما.
وتدل المؤشرات على أن "سكان غزة لا يثقون كثيرا بجماعة أبو شباب، ولا يبدون استعدادا للانضمام إلى صفوفها".
وعبر رب أسرة من غزة عن خوفه قائلا: "هذه المليشيا متمركزة في رفح، وهي منطقة بعيدة وخطرة، لا أحد يجرؤ على الذهاب إليها".
وأضاف: “من سيثق بأشخاص سرقوا وقتلوا وكان زعيمهم نفسه مسجونا؟” وتابع: "قد يكون الذهاب إليهم فخا يؤدي إلى الموت".
من جانب آخر، تعتقد الصحيفة أن "هذه المخاوف تزداد في ظل استمرار سيطرة حماس الفعلية على عدة مناطق في القطاع، ما يجعل أي تواصل مع المليشيا الجديدة خيانة في نظر الحركة".
وأخيرا، نشرت شبكة قدس الإخبارية، المعروفة بقربها من حماس، خبر إعدام الحركة ثلاثة أشخاص بتهمة التعاون مع إسرائيل.
وكانت حماس أعلنت رسميا (عبر وحدة سهم التابعة للمقاومة والتي تعمل على ملاحقة العملاء مع إسرائيل) نيتها تنفيذ أحكام إعدام ضد من يثبت تورطه بالتعاون مع الاحتلال أو سرقة المساعدات.

أداة مصطنعة
من ناحية أخرى، تقدر الصحيفة أن "هذه المليشيا لا تحظى بأي دعم اجتماعي حقيقي، وأنها ما زالت بعيدة عن تحقيق أي استقرار".
واستطردت: "العائلات الكبرى والوجهاء في غزة أعلنوا رفضهم التام لوجودها ولأي شكل من أشكال التعاون معها، معتبرين أنها كائن غريب زُرع في القطاع بواسطة إسرائيل".
وأشارت الصحيفة إلى أن مليشيات أبو شباب، بالنسبة للكثيرين، ليست سوى أداة إسرائيلية مصطنعة لإعادة تشكيل الواقع السياسي في غزة، وخلق واقع حكومي جديد لا يقبله القطاع نفسه.
فقد "كشفت مصادر مطلعة أن المليشيا تتلقى دعما مشتركا من إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقيادي المفصول من (حركة التحرير الوطني) فتح محمد دحلان"، المقيم في دولة الإمارات.
وأردفت: "بحسب مصادر في السلطة، فإن رواتب عناصر المليشيا تُصرف من خلال السلطة الفلسطينية نفسها، وتحت إشراف مباشر من مسؤول جهاز المخابرات الفلسطيني في غزة، بهاء بعلوشة".
وخلصت الصحيفة إلى أن "الرهان الإسرائيلي على إنشاء قوة محلية بديلة لحماس فشل فشلا ذريعا"، مؤكدة أن "السكان يرفضونهم، والمخاوف تتزايد من التعاون معهم".