قزل إلما.. منصة تركية تقود سباق الطائرات القتالية غير المأهولة

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

نقطة تحوّل عالمية في عالم الصناعات الدفاعية والقتال الجوي، شهدتها تركيا  أواخر عام 2025 في حدث يمكن وصفه بـ"التاريخي". 

فقد نجحت الطائرة القتالية غير المأهولة "بيرقدار قزل إلما" في تنفيذ أول اشتباك جوي حقيقي يتجاوز مدى الرؤية، وذلك باستخدام رادار محلي وصاروخ محلي ونظام ذكاء اصطناعي مستقل تماما، لتسقط هدفا نفاثا عالي السرعة دون أي تدخل بشري. 

هذا الحدث الذي جرى في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 لم يكن مجرد تجربة تقنية، بل تحول إستراتيجي يعيد تعريف مفهوم القوة الجوية، وينقل تركيا إلى مستوى جديد في سباق التكنولوجيا الدفاعية.

الأولى عالميا

ونشرت صحيفة "ستار" التركية مقالا للكاتب فاروق أونالان، ذكر فيه أن الاختبار جرى فوق مياه البحر الأسود قبالة مدينة سينوب؛ حيث طارت "قزل إلما" بشكل مستقل تماما، ورصدت هدفا جويا نفاثا باستخدام رادار "مراد" من نوع "أي إي إس أي"، ثم أطلقت صاروخ "غوكدوغان" بعيد المدى ليصيب الهدف مباشرة. 

ورغم التجارب السابقة للطائرات غير المأهولة في مهام جو–أرض، فإنّ إسقاط هدف نفاث عالي السرعة بصاروخ جو–جو وبقرار اشتباك صادر عن الذكاء الاصطناعي يُعد الأول عالميا.

إن هذا يعني أن "قزل إلما" تجاوزت مفهوم "المرافق الذكي" لتصبح منصة قتالية مستقلة قادرة على تقييم التهديد واتخاذ قرار إطلاق النار دون تدخل بشري، وهو ما لم تحققه بعد الولايات المتحدة ولا الصين في اختبارات معلنة.

وأردف الكاتب التركي بأن هذا الإنجاز يمثل تطورا لافتا في مسار تركيا الدفاعي، فالبلاد التي عانت في بداية الألفية من حظر قطع الغيار لطائرات الاستطلاع "هيرون"، ثم من استبعادها من برنامج "إف-35"، وجدت نفسها مضطرة لبناء منظومة دفاعية محلية كاملة. 

ومع مرور الوقت تحول الضغط الخارجي إلى حافز للتطوير، لتنتج تركيا اليوم رادارات متقدمة، وصواريخ جو–جو، وذكاء اصطناعيا، وهياكل جوية شبحية عالية الأداء.

واستطرد الكاتب أونالان: "هذا التحول لا يعكس فقط قدرة تقنية، بل إستراتيجية سياسية واقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الخارج وخلق صناعة دفاعية تنافسية”.

وتمثل "قزل إلما" نقلة مهمة في مبدأ "الكلفة مقابل الأداء"، فتكلفتها لا تتجاوز ربع أو خمس تكلفة مقاتلة مأهولة من الجيل الخامس. 

وهذا يعني أن امتلاك سرب من عشرة أو عشرين أو حتى خمسين طائرة أصبح ممكنا بتكلفة أقل بكثير من امتلاك بضع مقاتلات مأهولة، مع قدرة أعلى على المخاطرة والانتشار.

ولأن كل طائرة قادرة على حمل عدة صواريخ بعيدة المدى والعمل ضمن شبكات اتصال وذكاء اصطناعي جماعي، فإن "السرب" التقليدي سيتحول إلى "فيلق جوي غير مأهول"، قادر على إطلاق مئات الصواريخ في دقائق قليلة. 

وهذا بدوره يضع أنظمة الدفاع الجوي التقليدية مثل "باتريوت" و"إس–400" أمام تحديات غير مسبوقة.

انعكاسات عالمية

ولفت الكاتب إلى أن الصدمة التي أحدثها الاختبار كانت واسعة، فصحيفة (وور زون) الأميركية وصفت الحدث بأنه "تجاوز واضح لقدرات بوينغ" في الطائرات غير المأهولة، فيما وكالة "تاس" الروسية قالت: إن تركيا "دخلت تاريخ الطيران العالمي من بابه العريض".

بينما مجلة "فلايت غلوبال" رأت أن ما حدث "تفوق تقني على الولايات المتحدة والصين في سرعة الدمج والاعتماد على الذكاء الاصطناعي". 

أما محللون إسرائيليون وأوروبيون فرأوا أن "قزل إلما" ستعيد توزيع ميزان القوى في الشرق الأوسط، وأنها قد تصبح "منصة الجيل الجديد للناتو".

فبدلا من احتكار الولايات المتحدة والصين لتقنيات القتال المستقبلي، تظهر تركيا حاليا كقوة متقدمة في مجال الطائرات القتالية غير المأهولة، خصوصا من حيث سرعة التطوير، وانخفاض الكلفة، وقدرات الذكاء الاصطناعي، والاعتماد على الإنتاج المحلي.

وقال أونالان: إن “المحرك المحلي النفاث تي إف 6000 يدخل الخدمة عام 2026، ما سيتيح لقزل إلما التحليق بسرعات فوق صوتية، وستستمر هذه التقنية حتى ظهور جيل أكبر وأكثر قدرة عام 2027”. 

ومع دخول حاملة الطائرات التركية الجديدة الخدمة بحلول 2028، والتي تعد أكبر من حاملة الطائرات "تي سي جي أناضولو"، سيصبح بالإمكان نشر عشرات الطائرات غير المأهولة في مسارح البحر الأسود والمتوسط والمحيط الهندي.

وأوضح الكاتب أن “هذا الواقع جذب دولا عدة، بينها قطر وأذربيجان وماليزيا وإندونيسيا وباكستان والسعودية والإمارات، التي بدأت بالفعل مسارات تفاوض واستكشاف لقدرات الطائرة”.

وفي الجانب الدفاعي، يتوقع الخبراء أن أنظمة مثل "إس-400" و"باتريوت" و"أستر" ستواجه تحديات غير مسبوقة أمام أسراب كبيرة من منصات منخفضة البصمة الرادارية وسريعة الإنتاج ورخيصة الثمن.

وعلق الكاتب التركي: “يبدو أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد انتقالا من سؤال: كم مقاتلة بشرية من الجيل الخامس تمتلك؟ إلى: كم طائرة قزل إلما تستطيع تشغيلها في السماء في الوقت نفسه؟”

وشدد على أن “العالم دخل مرحلة لم تعد فيها السيطرة الجوية حكرا على الطيارين البشر ولا على الدول العملاقة، بل أصبحت مرتبطة بقدرة الدول على إنتاج أو امتلاك منصات غير مأهولة ذكية وشبه شبحية قادرة على اتخاذ القرار ذاتيا”.

وأكد أونالان على أن "تركيا تجاوزت مفاهيم حلف الناتو حول (التعاون بين المأهول وغير المأهول) التي لا تزال في طور التخطيط حتى 2028–2030، بينما تستعد لتشغيل قزل إلما مع مقاتلات إف-16 بدءا من 2026. بالإضافة إلى تشغيل قآن مستقبلا". 

وتابع: “بهذا تتحول تركيا إلى أحد أبرز مصممي مستقبل القتال الجوي منخفض الكلفة”.

وأضاف: “لم يكن اختبار قزل إلما مجرد إثبات لقدرة تقنية، بل إعلان عن بداية عهد جديد في القوة الجوية، فتركيا لم تنجح فقط في بناء طائرة قتالية غير مأهولة متقدمة، بل في تقديم نموذج جديد تماما لفلسفة الحرب الجوية ونموذج أكثر مرونة وأقل تكلفة وأكثر قابلية للتوسع”.

وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن "هذا التطور سيجبر القوى العالمية على إعادة حساباتها، وسيرسم ملامح سباق تكنولوجي جديد في العقد القادم، حيث تصبح السماء فضاء تتواجه فيه أسراب من الذكاء الاصطناعي بدلا من الطيارين البشر".