في ذكرى انهيار نظام الأسد.. مظاهرات الفرح ورسائل الشرع ترسم مستقبل سوريا

حضر الرئيس السوري مراسم الاحتفال؛ حيث أدى صلاة الفجر في الجامع الأموي برفقة عدد من الوزراء
في الذكرى الأولى لسقوط النظام السوري وفرار رئيسه بشار الأسد إلى روسيا في ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد سيطرة الفصائل السورية على دمشق، قاد الرئيس السوري أحمد الشرع الاحتفالات الرسمية. مؤكدًا المضي في إعادة بناء البلاد وترسيخ الاستقرار، فيما برز مشهد رفع العلم السوري الجديد في الساحات والشوارع.
واحتفلت سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2025 بما يطلق عليه السوريون "ذكرى النصر والتحرير"، وسط أجواء مبهجة عمّت العاصمة دمشق وعددًا من المحافظات، وشملت عروضًا عسكرية ومسيرات شعبية واسعة.
وفي دمشق، خرج آلاف المواطنين في مسيرات حاشدة، بينما شارك الجيش السوري الجديد في استعراض عسكري جاب الشوارع وحمل فيه الجنود صواريخ محمولة على الأكتاف، بالتزامن مع تحليق مظليين وفِرق مظلات طائرة فوق الحشود، مع ظهور جبل قاسيون في الخلفية، في مشهد يجسد فرحة السوريين بالخلاص من حكم الأسد.
وحضر الرئيس السوري مراسم الاحتفال؛ حيث أدى صلاة الفجر في الجامع الأموي برفقة عدد من الوزراء، في إشارة رمزية إلى وحدة الدولة والمجتمع بعد عام على التحرير.
وفي خطابه بهذه المناسبة، قال الشرع: إنه تمّ "وضع رؤية واضحة لسوريا كدولة قوية تنتمي إلى ماضيها التليد ومستقبلها الواعد". مؤكدًا التزامه بمبدأ العدالة الانتقالية. ورأى أن "حقبة النظام البائد كانت صفحة سوداء في تاريخنا". مشيرًا إلى أن السوريين "فقدوا الشام، درة الشرق، لأكثر من خمسة عقود على يد من حاول سلخها عن عمقها الحضاري".
وهنأ الشرع السوريين قائلا: "نحتفل اليوم بذكرى التحرير من الطغيان والاستبداد، وعودة الوطن إلى أهله حرًا عزيزًا". معلنًا القطيعة التامة مع موروث النظام السابق، وبداية "فجر جديد قوامه العدل والإحسان والمواطنة والعيش المشترك".
وأدان الشرع سياسات النظام المخلوع، الذي قال: إنه "زرع الفتنة وفرّق بين أبناء الشعب وصنع جدارًا بين السلطة والناس". مضيفًا أن النظام السابق "أمعن في إفقار الشعب وتجهيله وحرمانه من حقوقه، حتى باتت الكلمة جريمة والإبداع وصمة عار وحب الوطن تهمة وخيانة". وأشار إلى أن "عقد المواطنة تحوّل إلى صك عبودية" في تلك الحقبة.
وأكد الشرع أن حكومته تعمل على بناء سوريا جديدة. مضيفًا: "نهاية معركتنا مع النظام البائد هي بداية لمعركة الجد والاجتهاد". ومشددًا على التزامه بمحاكمة كل من ارتكب جرائم بحق السوريين وفق إطار العدالة الانتقالية، وبما يحفظ حقوق الضحايا.
وأوضح الرئيس السوري أن دمج القوى العسكرية المختلفة ضمن جيش موحد أسهم في تحقيق الأمن والاستقرار، لافتًا إلى أن الدبلوماسية السورية تمكنت من "تغيير الصورة المرسومة عن سوريا في الخارج، وإعادتها شريكا موثوقا لدول المنطقة والعالم". كما أعلن عن بدء شراكات إستراتيجية في مجالات متعددة، أبرزها الطاقة لدفع عجلة التعافي الاقتصادي.
لقاء مؤثر
وشهدت الفعالية لحظة إنسانية لافتة جمعت الشرع بعلي مصطفى محمد، أحد أبرز أيقونات الثورة السورية، وصاحب العبارة الشهيرة: “بشار قتلنا، أشو نحنا عملنا لو؟” وجاء اللقاء وسط مشاعر غامرة اختلطت فيها دموع الفرح بذكريات الألم التي عاشها السوريون على امتداد 14 عامًا من حكم النظام الدموي.
وعلى المسرح، وبحضور الرئيس وزوجته لطيفة الدروبي، عُرض مقطع قديم لعلي عندما كان طفلا في السادسة من عمره، تظهر عليه علامات الخوف والإنهاك، وهو يردد: "بشار الأسد قتلنا ونهبنا، ماذا فعلنا له؟ نحن فقط نملأ الماء ونشرب، ماذا فعلنا؟ نحن بلا ذنب". وأثار الفيديو تأثر الحضور؛ حيث ظهرت الدموع في عيني الشرع وزوجته.
وقال علي على المنصة: "قبل تسجيل هذا الفيديو بعشر دقائق كانت أمي مصابة". مضيفًا بنبرة امتزج فيها الحزن والأمل: "نحن شعب عانى 14 سنة من بلد إلى بلد ومن خيمة إلى خيمة، لكن الحمد لله... كانت دموع حزن وخوف، واليوم دموع فرح".
وفي ختام كلمته، هتف علي: "فداكِ يا سوريا... فداك يا شام"، وسط تصفيق الحضور، قبل أن يعانقه الشرع ويستمع إلى شهادات عدد من الثوار عن تجاربهم خلال الثورة.
وأشاد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بخطاب الشرع، معتبرين أنه خطوة في مسار بناء الدولة الجديدة، وأنه لامس مشاعر السوريين وأعاد لهم الأمل بالمستقبل. وردّ كثير منهم على مزاعم تتهم الرئيس الجديد بالسعي إلى الاستبداد، مؤكدين أن خطابه جاء واضحًا في الدعوة للوحدة الوطنية وترسيخ العدالة الانتقالية.
وتداول الناشطون عبر "إكس" و"فيسبوك" صورًا ومقاطع تظهر الحشود الكبيرة في الساحات، والاحتفالات التي قالت حسابات عدة: إنها تحمل رسائل قوية للداخل والخارج حول قدرة الدولة على تنظيم المشهد العام، وحول الحفاوة الشعبية بالخلاص من نظام الأسد.
استفتاء شعبي
وتعليقا على الحشود التي خرجت محتفية بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد وتحليلا لمظاهر الاحتفال وتنسيقها وإشادة بمكتسبات السوريين، قال مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية أحمد موفق زيدان: إن بالأمس كان استفتاء سورياً ودمشقيا بالتحديد على ثقة السوريين والتفافهم حول العهد الجديد.
وأشار إلى أن ذلك يأتي في ظل المسح الذي نشرته الفورين أفيرز عن دعم 90% من الشعب للسيد الرئيس، واصفا عهده بأنه "عهد بناء وتنمية يليق بعاصمة الأمة".
وقال مدير الأمانة العامة للشؤون السياسية محمد كحالة: "في هذا اليوم الخالد من تاريخ وطننا، نستحضر ذكرى التحرير بما تحمله من معاني العزيمة والانتصار، ونستعيد صور التضحيات التي صنعت النصر.
ولفت إلى أن محافظات سوريا شهدت يوم أمس احتفالات جماهيرية واسعة بذكرى التحرير، تخللتها عروض عسكرية مهيبة للجيش العربي السوري في عدد من المدن؛ لتؤكد أنّ إرادة الشعب وجيشه ماضية في حماية الوطن وصون كرامته.
وأوضح كحالة، أنه في الحفل الرسمي الذي جمع الشرع وعددا من الوزراء وكبار القادة العسكريين والشخصيات الوطنية والدينية والاجتماعية، الذي أعلن فيه طي صفحة الظلم والاجرام، وفتح صفحة جديدة لبناء سوريا التي نحلم بها، تجسّد مشهدٌ بليغ حين تشابكت الأيدي بينهم.
ووصف هذه الصورة بأنها "ليست مجرد أيادٍ متشابكة، بل روحٌ واحدة تقف ثابتة مهما اشتدّت العواصف"، مؤكدا أنها لحظة فخر ووفاء، تؤكد أنّ النصر بداية لمسيرة بناءٍ جديدة، ومسؤولية مشتركة لصون التضحيات ورسم مستقبل يليق بسورية وأبنائها.
وأعرب مضر عن سعادته بالصور والمقاطع التي تصل وتُنشر عن الاحتفالات بذكرى التحرير، ووصفها بأنها "غير معقولة".
ولفت إلى أن حشودا غفيرة تملأ ساحات المدن السورية كافة، والأعداد خيالية. نحن نتحدث عن ملايين السوريين يحتفلون في الوقت نفسه في الساحات، قائلا: "الله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
وقال محمد الفاتح: إن أحمد الشرع يُظهر أن سوريا تحتفل بالذكرى الأولى لسقوط حُكم بشار الأسد، لكن في الحقيقة هو يرسل رسالة ما في باطن الاحتفال.. الرسالة واضحة: "لدينا جيش نبنيه ونجهزه، وفي الوقت المناسب سيكون له الكلمة العليا في كل شبر من أرض سوريا".
وأشار إلى أن مقاطع الاحتفالات فيها أكثر من ملاحظة مهمة، ومنها: "أغلب الجنود بلحية وشعر طويل، مما يعكس الحرية الشخصية في قانون الجيش السوري ويؤكد التوجه الإسلامي للدولة والجيش".
ولفت الفاتح إلى أنه شاهد الشعب يشارك الجيش فرحته في الشوارع، ورأى الالتفاف بين الجيش والشعب بشكل عميق، كما وجد مواطنًا يقبل رأس أحد الجنود، ربما دون معرفة شخصية بينهما، وهذا يعكس الاحترام العميق للجيش.
وأضاف: "سمعت هتافات الجيش لأهل غزة وفلسطين.. تخيل يا موحد أن في هذا الزمان تسمع جيش دولة عربية يهتف لأهلنا في الأرض المباركة، وهذا من أعاجيب الزمان، لكننا شاهدناه في سوريا العزة".
وأكد الفاتح، أن في سوريا قادة الجيش يحفظون القرآن والحديث، ويطلقون اللحية، ويصلون علنًا، ولا يخفي أحدهم توجهه الإسلامي، والأعجب, الأروع أنهم يصرحون بنصرة فلسطين.
ولفت إلى أن الشرع دخل المسجد الأموي بنفس ملابسه العسكرية يوم التحرير في العام الماضي، ومن محراب المسجد الأموي صلى بالأمة السورية صلاة الفجر جماعة، قائلا: "لديكم رئيس مسلم يصلي إمامًا بالأمة، يا أحباب، في المسجد الأموي بعد تطهيره من الفرس منذ عام مضى".
ورأى الباحث لقاء مكي، أن الأكثر أهمية من تغيير نظام فاسد، هو كيفية ذلك. قائلا: إن "الشعوب التي تفعل ذلك بتضحياتها وصبرها، تتعامل مع انتصارها كأمر ثمين وعزيز، فتدافع عما أنجزته، وتجتهد لفعل أي شيء يجعل للتغيير معنى يتناسب وما بذل في سبيله من تضحيات".
وقال: إن هذا هو حال الشعب السوري الذي يحتفل اليوم لأن المناسبة تبدو شخصية تهم كل فرد فيه، على عكس ما يحصل في احتفالات ذكرى الانقلابات مثلا حيث يكون الاحتفال إما خوفا أو طمعا أو للبقاء ضمن الجوقة.
وأضاف مكي، إن الشعب السوري نجح حيث فشل كثيرون، لسبب واحد، أن السوريين قرروا الاستمرار بالثورة مهما غلت التضحيات حتى انتصروا، فيما فضل آخرون الاتكال على العسكر، أو الاستعانة بالأجنبي ليقوم بالمهمة نيابة عنهم.
وأكد أن هكذا صار السوريون (عجبة) من الإعجاز والعجب، وصار الآخرون (فرجة) وتحولوا لأحاديث ونماذج للفشل والانقسام يجب عدم الاقتداء بهم.
لسان فصيح
وإشادة بخطاب الشرع، أشار محمد حيدرة مياه إلى أن الشوارع تغلق في مواكب الملوك والرؤساء العرب الذين يحكمون غالبية الدول، ولا يزورون المساجد إلا في أعياد مخصوصة، وليس فيهم فصيح لسان ولا فصيح فعال.
وأثنى على كلمة الشرع في المسجد الأموي قائلا: "ما هكذا يحتفل رؤساء العرب.. بصلاة الفجر وبآيات القرآن، والالتحام بالجموع دون حراسات تذكر، ولا هكذا يتحدث العملاء".
ووصف مياه، خطاب الشرع بأنه "فصيح وواضح يسترسل صاحبه في الآيات والعبر دون ورقة تقرأ ولا تلعثم يربك". مضيفا: "وكما قال أحدهم تستطيع أن تُخرج الشرع من الجولاني، لكنك لن تستطيع أن تُخرج الجولاني من الشرع".
طاعة مشروطة
وتنديدا بهجوم البعض على الشرع لقوله: "أطيعونا ما أطعنا الله فيكم" واستعماله كدليل على ديكتاتورية الرئيس السوري، قال غازي عبدالغفور: "هذا القول يا هذا وذاك وذلك ويا معشر ما بعد بعد بعد الحداثة، إن طُبق هو على النقيض الكامل من الاستبداد".
وأوضح أن الطاعة هنا ليست مطلقة بل مشروطة ولها استحقاقاتها.. أقلها العدل والمساواة وخدمة الناس.
وقال عبدالغفور: "الحُكم بالنسبة لمَن يؤمن ويعمل بهذا القول، هو مسؤولية لا سلطة مطلقة، أو تَجَبُر وطغيان". مضيفا أن فهم هذا القول لا يحتاج لثقافة عالية ولا لعصف ذهني، ولا لمعرفة وخبرة بعلم الخطاب، كل ما يحتاجه نوايا صادقة سليمة.
واستنكر أحد المدونين قول الجهلة من أصحاب المنصات الإعلامية على مواقع التواصل: إن "الشرع الدكتاتوري يجبر الناس أن تطيعه!!!".
وعد هذا مثال بسيط عن المستوى الثقافي لهؤلاء العالم وعلى المستوى الثقافي للناس التي تسمعهم وتؤيدهم. مشيرا إلى أن هؤلاء لا يعرفون لغة عربية فصحى ولا معنى العبارة.
وأوضح صالح جوما، أن عبارة الشرع فيها رسالة مفادها آمنوا بأننا نخدمكم بصدق فأعينونا بالطاعة لتسريع عجلة البناء، ونبهونا عند الخطأ فإن لم نستجب قومونا، فإن أبينا فاخلعونا.
قصص موجعة
وتعقيبا على ما قاله الطفل السوري صاحب العبارة الخالدة: "بشار الأسد قتلنا، أشو عملنالو؟"، والذي أصبح شابا اليوم، أشار علي الصلابي، إلى أن عبارته لم تُمحَ من الذاكرة يومًا، واليوم يعود شابًا ويقف أمام الرئيس السوري والحضور ليحكي قصته، فيبكي الجميع، قائلا: "الحمد لله على تحرير سوريا".
وقال الإعلامي هادي العبدالله: "أبكانا قبل 14 سنة وأبكانا الآن.. الرئيس الشرع يعانق أطفالا تحدثوا بقصص مؤثرة حصلت معهم خلال الثورة السورية".
وعرض الصحفي قتيبة ياسين مقطع فيديو لكلمات الأطفال الذين أصبحوا شبابا، قائلا: "أبكونا على مدى 14 وأبكونا البارحة في عيد التحرير.. أطفال تأثرنا بهم والبارحة شاهدناهم وقد كبروا وأعادوا لنا ذاكرة الدموع".
وأشار إلى أن أحدهم كان يناجي والده الشهيد بقوله "يا يابو لا تتركني"، والطفل عمران الصامت المدمى الخارج من تحت الأنقاض وهذا الطفل الذي أبكى البلاد.
وعلق جهاد خطاب، قائلا: "طاعة الحاكم مقرونة بطاعته هو لله ورسوله.. وليس كما يقول الوطنجية".
ورد عبدالله رحال، على الشرع قائلا: "نعم سيدي الرئيس، قلتها لنا: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم}… واليوم نحن نقولها لك بصوت واضح وراسخ: سمعاً وطاعة، ما دامت الطاعة طريقاً نحو القانون، والعدالة، والاقتصاد، والنهضة الوطنية".
وأضاف: "لقد دخل الشعب السوري مرحلة جديدة من الوعي الوطني؛ لم يعد يبحث عن سلطة فوقه، بل عن دولة تحميه، وتخدمه، وتنظّم شؤونه بالقانون والمؤسسات، لا بالأشخاص والأمزجة. فالقانون هو الذي يعطي الدولة حياتها، والمؤسسات هي التي تمنحها الثبات، والاقتصاد هو الذي يضمن كرامة الناس ومعيشتهم، والنهضة هي التي تحوّل المستقبل إلى وعد واقعي لا إلى شعارات.
وتابع رحال: "إنّ طاعتنا اليوم ليست طاعةً لأفراد، بل طاعة لمشروع دولة وطنية حديثة، نؤمن بها ونسير معها؛ لأن النهضة لا تُبنى بالخوف، بل بالإرادة المشتركة، ولا تتحقق بالعصا، بل بالثقة، والعمل، والشراكة بين القيادة والشعب. فالوطن لا يُدار من الأعلى فقط، بل يُبنى من القاعدة إلى القمة، حين تتعانق المؤسسات مع الناس، وحين يصبح القانون سقف الجميع لا عصا فوق أحد".














