من ينتصر في صراع الممرات؟.. تركيا والعراق أم إسرائيل والإمارات؟

"التحدي الأكبر يكمن في واشنطن عموما، وفي الرئيس دونالد ترامب خصوصا"
بعد توقف سنتين خلال إبادة غزة، يسعى الكيان الإسرائيلي في الوقت الراهن لإنقاذ مشروعه مع الإمارات بشأن خط السكك الحديدية الذي يهدف إلى ربط الهند وغرب آسيا مع دول الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، تعمل تركيا، بالتنسيق مع دول الإقليم، على تجاوز الدور الإسرائيلي من خلال الدفع نحو إنشاء ممرات بديلة تربط الصين والخليج العربي بأوروبا مرورا بالعراق وسوريا ولبنان، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

زيارة إسرائيلية سرية
وأفادت الصحيفة بأنه "في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، قامت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف بزيارة سرية إلى الإمارات، على خلاف زياراتها السابقة التي عادة ما ترافقها منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من فريقها الإعلامي وتصريحات رسمية صادرة عنها".
ووفقا لها، "أثارت هذه السرية تساؤلات داخل إسرائيل، خصوصا بعد أن عقدت الوزيرة عدة اجتماعات مع نظرائها الإماراتيين".
وتعتقد الصحيفة أن "السبب يعود إلى لقاء مهم وحاسم جمعها هي وفريقها، في التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، مع شخصية بارزة مقربة من العائلة الحاكمة. وهو رئيس هيئة السكك الحديدية الوطنية (الاتحاد للقطارات) ووزير المواصلات الإماراتي".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الاجتماع الذي استمر لساعات، ركز على إعادة تفعيل مشروع (طريق السلام) وهو ما يعرف أيضا بـ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)".
وهو مشروع يهدف إلى نقل البضائع من الهند إلى ميناء أبوظبي، ومن هناك عبر قطار سريع مرورا بدبي والسعودية والأردن إلى ميناء حيفا، لتوزيعها بعد ذلك على السفن المتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وتابعت: "جاء الاجتماع بعد نحو عامين من تجميد المشروع بسبب الحرب، وبالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن".
وذكرت الصحيفة أن "الهدف من الاجتماع كان الحفاظ على خط سير الطريق عبر إسرائيل، في ظل ضغوط مارستها في الأشهر الأخيرة كل من فرنسا وتركيا على الولايات المتحدة، المشرفة على المبادرة، لتحويل مسار الطريق إلى سوريا ولبنان بدلا من إسرائيل".
ولفتت إلى أنه "رغم تجميد المشروع رسميا منذ اندلاع الحرب إلا إن الإماراتيين واصلوا التقدم في محادثاتهم مع الهند والسعودية والأردن".
وأوضحت أن "المسار المقترح من جانبهم ينتهي في منطقة البحر الميت، بينما النقطة التي اقترحتها إسرائيل تقع على بعد 20 إلى 30 كيلومترا شمالا داخل الأراضي الأردنية".
وأردفت: "إسرائيل تطالب الإماراتيين بتحريك نقطة الربط شمالا، في حين يصر الإماراتيون على أن تتنازل إسرائيل وتهبط جنوبا باتجاههم".
وحول تفاصيل الاجتماع السري، كشفت "يديعوت أحرونوت" أن "الطرفين اتفقا، خلال الاجتماع، على إنشاء هيئة مشتركة خاصة بين الدولتين، تضم مسؤولين كبارا من سكك حديد إسرائيل إلى جانب نظرائهم من سلطات السكك الحديدية في دولة الإمارات".
وهذه الهيئة ستتولى في المستقبل تنظيم حركة القطارات بين الدول، تماما كما تتم إدارة حركة الطائرات بين الدول حاليا.
واستطردت: "كما اتفق الجانبان على أن تدرس الهيئة إمكانية مرور القطار بين الأردن وإسرائيل ليس فقط عبر بيت شان، بل بداية عبر منطقة جنوب البحر الميت، وذلك لتجنب عقبات سياسية محتملة".
في هذا السياق، أوضحت الصحيفة أن مشروع "طريق السلام" سيخلق شبكة بنية تحتية شاملة تربط الهند والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، عبر خطوط سكك حديدية وممرات بحرية وكابلات اتصالات وأنابيب لنقل الطاقة.
وأضافت أن "هذا المشروع أطلقه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وتواصل إدارة الرئيس دونالد ترامب العمل على تنفيذه".
ولفتت إلى أن هذا المشروع كان قد أُعلن عنه قبل شهر واحد فقط من أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتحديدا في التاسع من سبتمبر/ أيلول، وذلك خلال قمة مجموعة العشرين (G20).
وأكد بايدن حينها أن المشروع سيشمل شبكة سكك حديدية مخصصة لنقل الركاب والبضائع من الدول العربية إلى ميناء حيفا، ومنه عبر السفن إلى أوروبا.

استثمار 20 مليار دولار
ورغم كل تلك المحاولات الإسرائيلية لإحياء المشروع، فإن صحيفة "جلوبز" العبرية أشارت إلى أنه "حتى الآن، لم تُسجل استثمارات فعلية في معظم أجزاء مشروع (IMEC)".
واستدركت: "الاستثناء الوحيد كان من جانب السعودية التي ورغم تبريدها للتوقعات بشأن التطبيع مع إسرائيل، التزمت بضخ استثمار بقيمة 20 مليار دولار في المشروع".
ومع ذلك، أفادت الصحيفة بأن "أيا من الدول المشاركة لم تخصص ميزانيات واضحة للممر، فيما يعد المبلغ السعودي ضئيلا مقارنة بطموح دول مجموعة السبع للوصول إلى تمويل يبلغ نحو 600 مليار دولار بحلول عام 2027، في إطار خطط تهدف إلى مواجهة مبادرة (الحزام والطريق) الصينية".
وفي تعليقه للصحيفة، قال الدكتور يويل غوزانسكي الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "لإسرائيل مصلحة واضحة في أن يرى مشروع (IMEC) النور، كونها تقع في قلبه الجغرافي".
وتابع: "غير أن عامين من الحرب، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار الإقليمي، والتنافس بين دول الخليج التي تنظر كل منها إلى المشروع من زاوية مختلفة، كلها عوامل تشكل عقبة أمام التنفيذ".
وعلى خلاف ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" من أن ترامب يدعم المشروع، يرى غوزانسكي أن "التحدي الأكبر يكمن في واشنطن عموما، وفي الرئيس دونالد ترامب خصوصا".
وقال: "من دفع مشروع (IMEC) إلى الأمام كان الرئيس بايدن، لكن مع اندلاع الحرب تراجع نفوذه".
وأردف: "الهنود يضغطون بقوة، إلا أن ترامب لا يبدو ملتزما بشكل خاص، ويفضل التوجه إلى ملفات أخرى".
وأضاف: "أما دول الخليج، فهي مترددة أمام الصين، بسبب المنافسة بين (IMEC) ومبادرة الحزام والطريق، رغم أهمية المشروع بالنسبة للهند".
ووفق تقديره، فإنه “من المحتمل أن الصين تمارس ضغوطا على دول الخليج لعدم المضي في المشروع، وهي شريك مهم للسعوديين والإماراتيين، فلماذا يغامرون بإفساد العلاقات مع بكين من أجل مشروع لا يزال حبرا على ورق؟”

تنمية منتظرة
في المقابل، تسعى تركيا إلى ترسيخ موقعها كلاعب منافس لإسرائيل في المنطقة، من خلال العمل على تطوير مسارات بديلة للطريق الهندي الخليجي الإسرائيلي الأوروبي.
ووصفت الصحيفة التحركات التركية قائلة: "تتحرك أنقرة بخطوات ملموسة، إذ لم تُدرج في مشروع (IMEC) بناء على طلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي".
وبدلا من ذلك، سارعت أنقرة إلى إطلاق مشروع "طريق التنمية"، وهو ممر بري تركي عراقي يشكل رابطا إستراتيجيا بين محافظة البصرة في جنوب العراق وتركيا، بطول يقارب 1,200 كيلومتر.
وأوضحت الصحيفة أنه "وفق التقديرات، فإن الميزانية المطلوبة لإنشائه تصل إلى 17 مليار دولار، على أن يتم التنفيذ عبر ثلاث مراحل".
المرحلة الأولى التي أُطلقت مناقصاتها بالفعل وسيُعلن عن الشركات الفائزة بها خلال عام 2025، يُتوقع أن تُستكمل بحلول عام 2029، بعدها تبدأ المرحلة الثانية، فيما خُطط أن تنتهي المرحلة الثالثة فقط في عام 2050.
وتابعت: "وبحسب الخطة، سيُنشأ ربط متكامل عبر طرق وسكك حديدية بسرعة تصل إلى نحو 300 كيلومتر في الساعة، بين تركيا والخليج العربي مرورا بميناء الفاو الكبير في جنوب العراق".
علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنه "من المتوقع أن تُعيد تركيا خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2025 تشغيل قطارات الحاويات على خط إسطنبول طهران إسلام آباد".
وذكرت أنه "بالنسبة لأنقرة، فإن هذا الخط يعزز روابطها مع حليفتها باكستان، حتى وإن كان عبر الأراضي الإيرانية، بينما يضمن لطهران دخلا ثابتا من رسوم عبور القطارات في أراضي الجمهورية الإسلامية".
"بالتوازي مع ذلك، تعمل تركيا على ترسيخ حضورها في المنطقة، فقد قام وزير التجارة التركي، عمر بولاط، بزيارة إلى الأردن أخيرا، أعلن خلالها أن أنقرة ستفتتح ممرا بريا يمتد من تركيا عبر سوريا والأردن وصولا إلى دول الخليج، وذلك ابتداء من عام 2026"، وفق ما أوردته الصحيفة العبرية.
ويبدو أن سقوط بشار الأسد أسهم في إحياء طرق التجارة بين أنقرة والخليج، حيث ذكرت "جلوبز" أنه "منذ الانقلاب الذي قاده أحمد الشرع في سوريا قبل عام، عاد المصدرون الأتراك إلى نقل البضائع نحو الخليج بواسطة الشاحنات، بعد توقف دام نحو 14 عاما بسبب الحرب الأهلية السورية، التي أجبرتهم على الاعتماد على طرق النقل البحري".
واستشهدت ببيانات رسمية تركية للنصف الأول من عام 2025 أظهرت أن صادرات الشاحنات إلى سوريا ارتفعت بنحو 60 بالمئة.
مع ذلك، يشير بولاط إلى أنه "لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب فيما يتعلق بقضايا الرسوم الجمركية، والتأشيرات، وبنية الطرق".
وقال الوزير التركي: "إعادة تأهيل البنية التحتية للطرق إلى ما كانت عليه قبل عام 2020 سيُحسن بشكل كبير التجارة والازدهار الإقليمي".
في غضون ذلك، أبرزت الصحيفة توسع العلاقات التجارية بين تركيا والأردن، فقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين عام 2024 نحو 1.1 مليار دولار، مع توقعات أن يصل عام 2025 إلى نحو 1.6 مليار دولار، وفق تقديرات وزارة التجارة التركية.
وصرح بولاط: "المقاولون الأتراك يرغبون في المشاركة في مشاريع تطوير البنية التحتية في الأردن، والتي تُقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار".

البعد الصيني
"في الوقت نفسه، تعمل تركيا مع سوريا والأردن على مشروع آخر قد يسهم بشكل كبير في نقل البضائع من الخليج نحو ميناء طرطوس وميناء اللاذقية، حيث تعمل أنقرة على إعادة تشغيل سكة حديد الحجاز التي أُنشئت عام 1908، وربطت حينها دمشق بالمدينة المنورة"، يقول التقرير.
ويتابع: "كان ذلك في وقته إنجازا إقليميا ضخما، إذ اختصر الرحلة من 40 يوما على ظهور الجمال إلى ثلاثة أيام فقط".
وبحسب بولاط، فإن أنقرة وعمّان تعملان على إعادة تأهيل المسار بهدف نقل البضائع والركاب من تركيا عبر سوريا والأردن وصولا إلى السعودية، أو من غرب السعودية إلى أنقرة.
ووفق التقرير، "تشمل خطة توزيع المسؤوليات بين الدول المعنية مد نحو 30 كيلومترا من السكك الحديدية في سوريا، ومعالجة البنية التحتية المطلوبة في الأردن، ليصبح المشروع الذي يبلغ طوله نحو 1,750 كيلومتراً قابلا للتنفيذ".
وعقبت الصحيفة: "مثل هذا الربط في البنية التحتية قد يقلل بشكل ملحوظ من الجدوى الاقتصادية لمشروع (IMEC) الذي تشارك فيه إسرائيل، في وقت لم تتمكن فيه بعد من معالجة القضايا الجوهرية الملحة، رغم أن هذه القضايا ستتحول على المدى البعيد إلى متطلبات ضرورية لاستمرار المشروع".
ولا تكتفي تركيا بمحاولة إنشاء وإحياء الممرات البرية، بل إنها، بحسب الصحيفة، تسعى بالشراكة مع الدوحة إلى نقل الغاز القطري والإيراني عبر الأراضي السعودية والسورية وصولا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.
وتنوه الصحيفة إلى أن "هذا المشروع القطري من شأنه أن يحوّل تركيا إلى قوة طاقة كبرى، رغم أنها لا تمتلك حقلا واحدا للغاز أو النفط".
وما عطل إتمام المشروع، أنه في حينها (2004-2011)، عارض الرئيس السوري بشار الأسد المشروع.
وادعت الصحيفة أن "هذا الرفض كان السبب وراء دعم قطر، وربما حتى مبادرتها، للتمرد السني ضد النظام العلوي".
واستدركت: "غير أن المشهد تغيّر اليوم؛ فبعد سقوط الأسد وسيطرة تركيا على أجهزة الاستخبارات السورية، تعززت الدوافع لتنفيذ المشروع وإخراجه إلى حيز الواقع".
مع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن "العقبة الأساسية تكمن في أن خطوط الأنابيب، للوصول من قطر إلى سوريا، لا بد أن تمر عبر السعودية والأردن، وهاتان الدولتان لن توافقا على ذلك"، على حد قولها.
وزعمت أن "الدوحة كما أطاحت بالأسد من أجل هذه الأنابيب، فإنها قد تسعى إلى زعزعة الاستقرار داخل السعودية والأردن لتحقيق أهدافها".
على الصعيد الدولي تشير الصحيفة إلى أن الطموحات التركية تتقاطع مع خطط الصين للسيطرة على طرق التجارة البرية والبحرية.
وقالت: "العنصر التالي في شبكة السكك الحديدية التركية يرتبط ببكين، فقد أطلقت الصين عام 2013 خط قطارات الشحن إلى أوروبا ضمن مبادرة (الحزام والطريق)".
وأضافت: "وعلى الرغم من أن النقل عبر هذا الخط أغلى من الشحن البحري، إلا أن الطلب عليه شهد نمواً متزايدا على مر السنوات".
فضلا عن ذلك، لفتت الصحيفة إلى أنه "مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتعطيل مسار التجارة الحيوي خلال حرب غزة، ارتفع حجم قطارات الشحن الصينية المتجهة إلى أوروبا بشكل كبير، حيث نفذت نحو 19 ألف رحلة في عام 2024، أي بزيادة تعادل 10.4 ضعفا مقارنة بعام 2016".
ووفق البيانات الصينية، تنطلق قطارات الشحن على خط الصين أوروبا بمعدل رحلة واحدة كل نصف ساعة.
وتابعت: "هنا تدخل تركيا على الخط، فإلى جانب الطرق التي تمر عبر روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، تطرح أنقرة مسارا بديلا لنقل البضائع الصينية تحت اسم (الممر المركزي)".















