“مختومة بالدم”… القصة الكاملة للتحوّل الأكبر في العلاقات التركية–الكورية

“هذا الإرث التاريخي يفتح لتركيا مجالا جديدا لتعزيز حضورها في شرق آسيا"
تحول مركزي شهدته العلاقات الثنائية بين تركيا وكوريا الجنوبية إثر الزيارة أجراها الرئيس لي جاي ميونغ، للعاصمة أنقرة في 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ونشر مركز "أنكاسام" التركي مقالا للكاتبة زينب تشاغلا إيرين، قالت فيه: إن “الزيارة نقلت الروابطَ الممتدة بين البلدين منذ حرب كوريا -بين عامي 1950 و1953- إلى مكاسب جيو اقتصادية وجيوسياسية ملموسة في ظل النظام العالمي متعدد الأقطاب”.

إرث تاريخي
وأوضحت الكاتبة التركية أن "إرسال تركيا أكثر من 21 ألف جندي في حرب كوريا واستشهاد أكثر من 700 منهم أسّس رابطة أخوّة قوية مع كوريا الجنوبية".
ورأت أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعاد التأكيد على هذه الرابطة خلال المؤتمر الصحفي المشترك، حين تحدث عن (الأخوّة المختومة بالدم)، وذلك في محاولة لإحياء هذا الإرث التاريخي في الخطاب الدبلوماسي الحالي".
ولفتت إلى أن “هذا الإرث التاريخي يمنح كوريا الجنوبية فرصة التوسّع خارج محيطها التقليدي في آسيا -المحيط الهادئ نحو فضاء أوراسيا- بينما يفتح لتركيا مجالا جديدا لتعزيز حضورها في شرق آسيا".
وأشارت الكاتبة التركية إلى أن "القمة أفرزت نتائج مؤسسية لافتة؛ حيث أسهم توقيع خمس مذكرات تفاهم، وانعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة لأول مرة منذ عقد كامل في إضفاء زخم جديد على البنية المؤسسية للعلاقات بين أنقرة وسيول".
ويعكس هذا التطور رغبة الطرفين في الانتقال من التعاون الظرفي إلى بناء إطار مؤسسي قادر على إدارة شراكة طويلة المدى.
أمّا على المستوى الاقتصادي، فقد سجّل التبادل التجاري بين البلدين قفزة ملحوظة، بعدما تجاوز 15 مليار دولار عام 2025 مقارنة بـ12.8 مليار دولار عام 2024، ما يشير إلى ارتفاع وتيرة النشاط الاقتصادي وتوسع قاعدة المصالح المشتركة.
وذكرت تشاغلا إيرين أن “استثمار شركة هيونداي أسان في مصنع السيارات الكهربائية بولاية كوجالي، إلى جانب مباحثات تحديث اتفاقية التجارة الحرة، يُعَدّ مؤشرا على توجه إستراتيجي نحو تعزيز التعاون في القطاعات الصناعية عالية التكنولوجيا”.
دور مؤثر
وفي البعد الدفاعي الذي يُعد من أكثر ملفات الزيارة حساسية، برز مشروع التطوير المشترك لمحرك ومجموعة دفع دبابة ألتاي بين تركيا وشركة هيونداي روتيم، وتمّ وصفه بأنّه خطوة ذات دلالات إستراتيجية.
وشددت تشاغلا إيرين على أن "هذا التعاون لا يَعِد فقط بإضافة نوعية لصناعة الدفاع التركية، بل يعكس أيضا استعداد البلدين لبلورة نموذج (قوة متوسطة) قادر على لعب دور مؤثر في سوق الصناعات الدفاعية العالمية".
ويُضاف إلى ذلك البحث في إنتاج نسخ من مدفعية كي9، وهو الأمر الذي من شأنه دعم مساعي أنقرة لرفع نسبة المكوّن المحلي وتعزيز استقلالية صناعاتها الدفاعية.
أما في مجال الطاقة النووية، فقد حظي التعاون بين شركة كهرباء كوريا وشركة تركيا للطاقة النووية بأهمية استثنائية؛ إذ قدمت سيول عرضا قائما على تكنولوجيا مفاعل APR-1400 لمشروع محطة سينوب.
ويشمل هذا العرض نقل خبرات تشغيل المفاعلات ودورة الوقود النووي، وهو ما ينسجم مع التوجه التركي الرامي إلى تنويع مصادر الطاقة النووية وتقليل الاعتماد على روسيا، خاصة في ظل الدور المهيمن الذي يلعبه مشروع "أكّويو" في البنية النووية التركية.
وتابعت الكاتبة: "أمّا على الصعيد الإقليمي، فقد برز تقارب واضح بين تركيا وكوريا الجنوبية في فهمهما للقضايا الأكثر حساسية في الشرق الأوسط؛ حيث تبنى الطرفان موقفا مشتركا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإحياء مسار حل الدولتين".
كما شدد البلدان على أهمية الدفع نحو تسوية سياسية شاملة في سوريا، وهو ما يعكس إدراكهما لتأثير عدم الاستقرار في هذا الملف على التوازنات الإقليمية الأوسع.
![]()
استقلالية إستراتيجية
ولفتت تشاغلا إيرين النظر إلى أن "توقيت القمة يكتسب أهمية مضاعفة، وذلك بالنظر للضغوط الإستراتيجية التي تواجهها سيول في ملفي تايوان وبحر الصين الجنوبي ضمن إطار تحالفها مع واشنطن، مقابل أزمة الثقة التي تعيشها تركيا مع الغرب بعد أزمتي إس-400 وإف-35 داخل حلف الناتو".
وفي ظل هذه الأجواء، بدا تقارب أنقرة وسيول بوصف كل منهما "شريكا إستراتيجيا" و"وسيطا لنقل التكنولوجيا" نتيجة منطقية لاحتياجات متبادلة وليس خطوة ظرفية.
وتابعت: "يمثّل الدفع نحو اعتماد التكنولوجيا الكورية في مشروع سينوب النووي خطوة تركية لتكريس تعدد مصادر الطاقة وتقليل التبعية لمقدّم واحد، فيما يعكس التعاون في مشروع دبابة ألتاي ومدفعية K9 توجها تركيا لتعزيز استقلالها الدفاعي وتقوية صناعتها العسكرية من الداخل".
من جهة أخرى، يوفر هذا التعاون لكوريا الجنوبية فرصة لتوسيع حضورها الصناعي والتكنولوجي في منطقة تمتلك أهمية جيوإستراتيجية متزايدة.
"تشير قمة أنقرة عام 2025 إلى انتقال العلاقات التركية – الكورية الجنوبية إلى مرحلة شراكة إستراتيجية أكثر صلابة واستدامة؛ حيث تقوم على التعاون في مجالات عالية التكنولوجيا والقيمة المضافة والمخاطر، وتتسم بقدرتها على الحفاظ على خصوصيتها بعيدا عن محورَي الولايات المتحدة والصين.
وإذا نجحت الدولتان خلال السنوات الخمس المقبلة في إحراز تقدم ملموس في مشروع محطة سينوب، والانتقال إلى مرحلة الإنتاج المتسلسل لدبابة ألتاي، ورفع مستوى التجارة الثنائية إلى ثلاثين مليار دولار، فإن علاقتهما قد تتحول إلى عامل مؤثر في معادلات القوة الإقليمية والدولية.
وختمت تشاغلا إيرين مقالها بالقول: إن "نجاح هذا المسار يظلّ مرهونا بمدى قدرة البلدين على تطوير استجابات مشتركة للأزمات الإقليمية، وإظهار مقاومة فعالة أمام الضغوط المهيمنة المتزايدة في النظام الدولي".













