في النظام الإقليمي الجديد.. هل ستواصل الإمارات تنفيذ مخططات أميركا "القذرة"؟

"الإمارات تسعى إلى صياغة دور يتجاوز حدودها التقليدية"
خلال السنوات الأخيرة، تحولت الإمارات من دولة كانت تُعد هامشية في منظومة القوى العالمية إلى لاعب مؤثر ومسؤول عن تنفيذ مخططات أميركا القذرة وحروب بالوكالة داخل الشرق الأوسط وخارجه.
ويرى موقع "الدبلوماسية الإيرانية" أن هذا التحول "جاء في سياق إقليمي مضطرب شهد تغيرات جذرية عقب أحداث الربيع العربي، وتزايد حدة التنافس بين القوى الكبرى، وتراجع النظام الأميركي أحادي القطب، إلى جانب بروز قوى إقليمية فاعلة مثل تركيا وإيران".
في هذا السياق، يسلط الموقع الضوء على "الكيفية التي تعيد من خلالها الإمارات تعريف دورها في النظام الإقليمي الجديد، وذلك استنادا إلى التطورات الميدانية والمصالح الجيوسياسية والإستراتيجيات الاقتصادية، إضافة إلى تقديرات الأمن الإقليمي والدولي".

تحول جذري
استهل الموقع حديثه مشيرا إلى "ما شهدته السياسة الخارجية الإماراتية من تحول جذري أدى لتغيير العديد من المفاهيم التقليدية التي كانت تحكم توجهاتها، مثل الاعتماد على القوى العظمى أو الاكتفاء بالدور الدفاعي المحافظ".
فوفقا له، "انتقلت الإمارات نحو نهج أكثر تنوعا ودينامية، يتميز بدبلوماسية متعددة الأبعاد، تتسم أحيانا بطابع عدواني، وأحيانا أخرى بالتعقيد والمرونة".
ولفت إلى أنه "على خلاف ما يعتقده البعض، فإن انخراط الإمارات في الساحة السياسية الخارجية لم يكن مدفوعا بدوافع أيديولوجية أو تنافسات طائفية بقدر ما كان نتيجة حسابات إستراتيجية دقيقة على المستوى الإقليمي".
وتابع: "إذ تدرك الإمارات أن النظام الجديد في الشرق الأوسط لم يعد يتشكل فقط حول النفط والأمن العسكري، بل باتت عناصر مثل سلاسل التوريد العالمية وممرات الطاقة والتقنيات الحديثة، والمنافسة على البيانات، إضافة إلى القوة الناعمة، عوامل حاسمة في تحديد موازين القوى".
وفي ظل هذه المعطيات، يشير الموقع إلى أن "الإمارات سعت إلى صياغة دور يتجاوز حدودها التقليدية، فطرحت نفسها كحلقة وصل بين الشرق والغرب، ومركز مالي رائد في العالم العربي، ومنصة للدبلوماسية المتعددة الأطراف، فضلا عن كونها وسيطا فاعلا في العديد من الأزمات الإقليمية".
وأوضح أنه "من أبرز مظاهر إعادة تعريف هذا الدور تبني الإمارات لسياسة (تصفير التوتر) مع الخصوم، وهي مقاربة اتبعتها خلال السنوات الأخيرة تجاه دول مثل إيران وقطر وسوريا وحتى تركيا".
وأردف: "بعد عقد من التوترات المتصاعدة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، اتجهت الإمارات إلى تقليل الصراعات المكلفة مع المحافظة في الوقت ذاته على مصالحها الجيوسياسية في المناطق الحساسة مثل البحر الأحمر وباب المندب وليبيا واليمن".
ويعتقد أن "هذا التحول يعكس خبرة عملية تراكمت لدى الإمارات وفهما واقعيا لقيود القوة العسكرية، ما دفعها إلى إعادة صياغة سياستها الخارجية".
مضيفا: "أدركت الإمارات أن الحفاظ على دور فاعل ومستدام في المنطقة يتطلب انتهاج سياسة خارجية متعددة الأبعاد، قادرة على تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، دون الانجرار إلى حروب استنزاف طويلة المدى".

انخراط واسع
ولفت إلى أنه "في هذا السياق، شهدت الدبلوماسية الإماراتية تحولا ملحوظا نحو مستويات جديدة من الانخراط الإقليمي والدولي".
وقال: "من أبرز هذه التحولات توقيع (اتفاقيات إبراهام) مع إسرائيل التي لم تمنح الإمارات ورقة جيوسياسية مهمة في مواجهة إيران فحسب، بل فتحت أيضا أبوابا واسعة أمام فرص اقتصادية وتكنولوجية وأمنية".
ونوه إلى أن " الإمارات لم تكتف بجعل هذه العلاقات مجرد خطوة رمزية، بل سعت إلى ترسيخها عمليا عبر مشاريع تعاون في مجالات التكنولوجيا، والاستثمارات المشتركة، والأمن السيبراني، ونقل المعرفة".
ومع ذلك، لفت إلى أن "هذه الخطوة أثارت انتقادات واسعة في العالمين العربي والإسلامي؛ حيث عدها البعض تهميشا للقضية الفلسطينية وتجاهلا لحقوق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال".
وأشار الموقع إلى أنه "في موازاة ذلك، برز الحضور الإماراتي في مناطق جغرافية بعيدة مثل القرن الإفريقي وشرق البحر الأبيض المتوسط وآسيا الوسطى".
“وهو ما يعكس نضجا متزايدا في سياسة أبوظبي الخارجية يتجاوز حدودها التقليدية”. على حد تعبيره.
وأوضح أن "هذا التوجه يظهر من خلال بناء قواعد عسكرية، والاستثمار في الموانئ والبنية التحتية الإستراتيجية، وإنشاء مراكز ثقافية، فضلا عن المشاركة في عمليات دولية متعددة، وهي جميعها مؤشرات على مساعي الإمارات لتكريس مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة".
واستدرك: "غير أن السؤال الجوهري يبقى مطروحا: هل يتناسب هذا التوسع مع الموارد الحقيقية للدولة وقدراتها البشرية والمؤسسية والعسكرية؟ أم أن أبوظبي تعتمد بشكل أساسي على مواردها المالية والدعم الدولي، مع احتمال التراجع إستراتيجيا في حال حدوث أزمات؟"

غير مستدامة
من جانب آخر، يرى الموقع أن "السياسة الخارجية للإمارات تكشف جانبا بالغ الدقة يستحق التوقف عنده، وهو توظيف التكنولوجيا والبيانات كأدوات للقوة الناعمة".
وأردف: "فمن خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وتطوير المدن الذكية، وتعزيز الاقتصاد الرقمي، إضافة إلى اعتماد تحليلات البيانات الضخمة؛ تسعى أبوظبي إلى ترسيخ موقع متقدم في معادلات القوة الجديدة على المستوى الإقليمي والدولي".
وتابع: "هذا التوجه يبتعد عن النهج التقليدي المحافظ الذي تتبناه غالبية دول المنطقة، ويكشف عن رغبة الإمارات في استخدام ما يمكن وصفه بـ (السياسات التكنولوجية) كوسيلة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي".
واستدرك: "غير أن هذا المسار يواجه انتقادات متزايدة، إذ تُتهم أبوظبي بممارسة سيطرة مفرطة على المعلومات، وفرض قيود على وسائل الإعلام، إلى جانب التضييق على الحريات الرقمية".
وهو تناقض يرى الموقع أنه "قد يُضعف من مصداقيتها الدولية ويؤثر على جاذبيتها في قطاع البرمجيات على المدى الطويل".
في سياق متصل، تحدث الموقع حول "مسألة مهمة يجب معالجتها في مستقبل السياسة الخارجية للإمارات، ألا وهي استدامة هذه السياسة في مواجهة الصدمات المحلية والعالمية".
وتابع موضحا مقصده: "فاعتماد أبوظبي على الهياكل السياسية المركزية، وصنع القرار الفردي، والاستثمارات ذات المخاطر العالية، يجعلها عرضة للتأثر بالتطورات العالمية".
حيث يعتقد أنه "رغم ما تتمتع به الإمارات من استقرار اقتصادي واجتماعي نسبي، فإن أزمات الطاقة، والحروب بالوكالة عن أميركا، وتغير المناخ، والتقلبات الجيوسياسية، جميعها عوامل قد تُخل بتوازن سياستها الخارجية".
ويقدر أنه "لكي تتمكن الإمارات من مواجهة هذه التحديات، فإن هناك حاجة ملحة إلى مأسسة سياستها الخارجية، وإشراك النخب الأكاديمية في صياغة الرؤى، فضلا عن تعزيز الشفافية في عملية صنع القرار على المستوى الدولي".
وأشار إلى أنه "رغم أن هذه الخطوات بدأت بالفعل، إلا أنها ما تزال محدودة النطاق".
في المحصلة، يرى الموقع أن "الإمارات تجري عملية إعادة تعريف جذرية لدورها في النظام الإقليمي الجديد، منتقلة من دولة محافظة ذات حضور محدود إلى فاعل متعدد الأبعاد، بل وأحيانا هجومي في مواقفه".
ومع أنه يرى أن "هذا التحول منحها فرصا إستراتيجية واسعة"، إلا أنه "في الوقت ذاته أفرز تحديات هيكلية وشرعية ومؤسسية لا يمكن تجاهلها"، حسب قوله.
"ومن ثم، فإن نجاح السياسة الخارجية الإماراتية واستدامتها يتوقف على قدرتها في تحقيق التوازن بين الطموحات الإقليمية والقدرات المحلية، مع الالتزام بمبادئ القانون الدولي وكسب ثقة المجتمع الدولي"، يقول الموقع.
وتابع: "أما في حال استمرار الفجوة بين صورتها الخارجية وواقعها الداخلي، فقد تجد نفسها أمام أزمات غير متوقعة".













