رهان إسرائيلي خاسر.. لهذه الأسباب محكوم على مشروع إعادة بهلوي لإيران بالفشل

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من المحاولات الإسرائيلية الأميركية أخيرا لتغيير النظام في إيران، فإن "الوهم" بإعادة حكم الشاه "لا يملك أدنى مقومات النجاح".

ورأت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية أن تغيير النظام لم يكن سياسة مُعلنة رسميا لا في إسرائيل ولا بالولايات المتحدة، لكنها لاحت في الأفق.

وجاء ذلك على خلفية تحركات إسرائيل وتصريحاتها العلنية التي تدعو الإيرانيين إلى "الوقوف في وجه الجمهورية الإسلامية".

وعادت تلك الدعوات الفاشلة إلى الواجهة بعد استهداف إسرائيل لمنشآت نووية وقادة عسكريين وعلماء نويين في إيران، ضمن مواجهة استمرت 12 يوما (13 - 24 يونيو/حزيران). 

وذكرت المجلة أن الشرق الأوسط ليس ساحة يُعاد فيها التاريخ بحذافيره، بل يتكرر بصيغ مختلفة، يجمعها طابع عبثي وتراجيدي في آن واحد.

وهم إسرائيلي

ولا يبدو هذا التداخل بين المأساة والعبث أوضح من الحملة الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، والتي أعلن أن هدفها ضرب القدرات النووية والدفاعية لطهران، لكنها أخفت في طيّاتها طموحا أكثر غرابة.

وكان هذا الطموح يتمثل في إسقاط النظام القائم، وتنصيب سلطة صديقة بقيادة رضا بهلوي، نجل الشاه المخلوع، وربما حتى التمهيد لعودة الملكية إلى إيران.

ففي أبريل/نيسان 2023، استضافت إسرائيل بهلوي، في زيارة رسمية التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والرئيس إسحاق هرتسوغ.

وخلال زيارته المُخطط لها بعناية، صلى عند حائط البراق، متجنبا المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، ولم يبذل أي جهد للقاء القادة الفلسطينيين.

ووصفت دراسة صادرة عن "مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية" (إسرائيلي) الزيارة بأنها رسالة واضحة مفادها أن تل أبيب تعد بهلوي "الزعيم الرئيس للمعارضة الإيرانية".

شخصيات مثل وزيرة الاستخبارات السابقة في الحكومة الإسرائيلية جيلا غامليل، دعت بشكل علني إلى تغيير النظام، معلنة في العام 2024 أن "هناك فرصة سانحة لإسقاطه".

وما كان يمكن عده في السابق مجرد مناورة دبلوماسية، تحوّل في ظل الحرب الجوية الأخيرة إلى رهان إستراتيجي، يقوم على فرضية أن الضغط العسكري قد يُهيئ الظروف لتحقيق نتيجة سياسية تتوافق مع الرؤية الإسرائيلية.

وذكرت المجلة أن هناك مفارقة، مهما قلت فيها فإنك لن تكون مُبالغا، وهي أن التدخل الأجنبي هو ما مهّد أصلا لعداء اليوم.

ففي عام 1953، أطاحت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والمخابرات البريطانية بمحمد مصدق، آخر زعيم منتخب ديمقراطيا في إيران.

ورغم أن الدافع الأساسي للانقلاب كان تأميمه لشركة النفط البريطانية-الإيرانية، فقد انضمت الولايات المتحدة إلى المؤامرة بدافع من هواجس الحرب الباردة، خوفا من أن تسمح الأزمة للحزب الشيوعي الإيراني القوي بالاستيلاء على السلطة وضم البلاد إلى الاتحاد السوفيتي.

وأعاد هذا الانقلاب تنصيب الشاه الذي رسّخ حكما استبداديا تابعا للغرب، ما أسفر عن مزيج شديد التأثير من السخط المناهض للإمبريالية والحماس الديني.

وأضافت المجلة: "لقد شكّلت الثورة الإسلامية عام 1979، بطريقتها الخاصة، ردّ فعل متأخرا على انقلاب 1953، وإعلانا راديكاليا لاستعادة السيادة الوطنية من قبضة النفوذ الأجنبي".

"أما اليوم، فيبدو أن كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة تراهنان مجددا على أن تدخّلا خارجيا آخر قد يكون حلا لمشكلة أسهم التدخّل السابق في خلقها".

وقد تجاوزت الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة مجرد استهداف المنشآت النووية، لتنال مؤسسات الدولة ومقرّ هيئة التلفزيون الرسمي. 

وفي أكثر ضرباتها رمزية، شنّت إسرائيل غارة على "سجن إيفين"، المعقل الرئيس لاحتجاز المعارضين السياسيين.

وفي 24 يونيو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصّل إلى اتفاق بين إيران وإسرائيل لوقف القتال.

وجاء الإعلان بعد ساعات من تنفيذ إيران هجوما محدودا على قاعدة العديد الأميركية في قطر، جرى اعتراض صواريخه دون تسجيل إصابات.

إسرائيل تمهد الطريق

وبحسب المجلة، لم يُخفِ نتنياهو تصوراته عن الصراع، بل قدّمه علنا كطريق لتحرير الشعب الإيراني. حتى إن اسم العملية الجوية -"الأسد الصاعد"- يحاكي علم إيران ما قبل الثورة، في إشارة رمزية إلى إرث النظام الملكي.

وفي خطاب مصوّر وجّهه إلى الإيرانيين، قال نتنياهو: "بينما نحقق هدفنا، نحن نمهّد لكم الطريق أيضا نحو نيل حريتكم".

واستدركت المجلة: "رغم كثرة الحديث عن تغيير النظام، لا يزال الغموض يكتنف هوية البديل المحتمل".

ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون على العلن أن الشعب الإيراني هو من سيختار قادته، لكن الدعم العلني الذي يُبدونه لولي العهد المنفي رضا بهلوي يروي قصة مختلفة".

وأشارت المجلة إلى أن بهلوي أمضى عقودا في بناء صورته كزعيم ديمقراطي جاهز لتسلم الحكم، يتحدث في مقابلاته عن مستقبل تُحدّده استفتاءات شعبية، ويطرح مقترحات مفصلة، من بينها خطة انتقالية تمتد لمئة يوم.

ومما يُسعد إسرائيل، أن تقاربه مع تل أبيب لا يقتصر على الرمزية، بل يلامس جوهر تفكيرها الإستراتيجي.

فخلال زيارته إلى تل أبيب عام 2023، عبّر رضا بهلوي صراحةً عن المنطق ذاته الذي يقف خلف الهجمات الإسرائيلية الجارية ضد إيران؛ إذ وصف المفاوضات النووية بأنها "مضيعة للوقت"، وشدّد على أن "أسرع طريق للقضاء على كل التهديدات" هو الاستثمار في بديل للنظام القائم.

وهو لا يطرح فقط بديلا سياسيا -وفق المجلة- بل يتبنى رؤية مستقبلية تقوم على ما يسميه "اتفاقات قورش"، في إشارة إلى إحياء "الصداقة القديمة" بين الشعبين الفارسي واليهودي.

وهي رؤية يدعمها بمواقف رمزية قوية، من بينها زواج ابنته مؤخرا من رجل أعمال أميركي يهودي، في خطوة تعزز سرديته حول التقارب الحضاري والتحالف المستقبلي.

وأكدت المجلة أن "هذه الرؤية، مهما بدت مقنعة في الولايات المتحدة وإسرائيل، تكاد تكون منفصلة كليا عن الواقع الإيراني".

"فبالنسبة لكثير من المنتقدين، حتى من داخل المعارضة المشتتة، لا يُنظر إلى الخطاب الديمقراطي الذي يطرحه بهلوي سوى بصفته إستراتيجية مدروسة لإعادة تأهيل صورة الملكية وتقديم نفسه بوصفه الخيار الوحيد الممكن لخلافة النظام القائم".

وتُفسَّر لقاءاته الرفيعة مع زعماء أجانب -لا سيما في إسرائيل- ودعوته إلى دعم غربي، ليس على أنها تحركات من أجل بناء ديمقراطية مستقبلية، بل كمحاولة للحصول على دعم خارجي يمهّد لعودته الشخصية إلى الحكم.

وأوضحت المجلة أن "اسم بهلوي لا يزال ملطخا لدى الكثيرين بذكريات غرف التعذيب في السافاك (جهاز استخبارات شاه إيران)، والفساد المُسرف، والاعتماد على القوى الأجنبية لضمان بقائه".

ورغم أن الغضب من الجمهورية الإسلامية متفشٍّ، فإن شعارات احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت عام 2022 إثر مقتل الشابة مهسا أميني بسبب الحجاب الإجباري، أظهرت رفضا عميقا لكلا النظامين الاستبداديين، بهتافات من قبيل: "الموت للطغاة.. المرشد أو الشاه".

وأضافت المجلة أن "الملكية التي تلمّح إسرائيل إلى إحيائها لم تُطوَ فقط عام 1979 (مع قدوم الثورة الإسلامية) بل رُفضت رفضا شعبيا واسعا من قِبل تحالف قوي ضمّ الإسلاميين واليساريين والقوميين، توحّدوا ضد قمع الشاه".

"وهذا الإرث من الرفض الشعبي لا يزال يُقيد بشدة قدرة بهلوي على استقطاب التأييد داخل إيران اليوم".

مغامرة خطيرة

ورغم أن مقالات الرأي في الإعلام الإسرائيلي تصوّر المسألة وكأن الإيرانيين أمام خيارين لا ثالث لهما: الفوضى أو عودة الملكية، فإن بهلوي لا يتمتع بأي دعم ملموس داخل بلد ينظر كثير من أبنائه إلى حركته باعتبارها "انتهازية" و"منفصلة عن الشعب الإيراني"، بحسب المجلة.

وقالت: "أن تتخيّل إسرائيل مآلا مختلفا للوضع في إيران هو تجاهل لأقسى حقائق المنطقة".

فمن المجازر الطائفية في عراق ما بعد نظام صدام حسين، إلى الفوضى التي تحكمها المليشيات في ليبيا واليمن، علّمت العقودُ الماضية درسا مريرا، مفاده أن تغيير الأنظمة بالقوة الخارجية لا يفرز حلفاء طيعين، بل يفتح فراغا تملؤه الجماعات المتطرفة، والحروب بالوكالة، وكوارث إنسانية متتالية.

وهذا الدرس، الذي دُفع ثمنه غاليا، أجبر دول الخليج العربي إلى التحول نحو الدبلوماسية مع خصوم سابقين مثل إيران.

أما الرهان الإسرائيلي على أن الضربات الجوية والاغتيالات "تهيّئ الظروف" لانتفاضة شعبية في إيران، كما صرّح نتنياهو، فهو ليس فقط افتقارا للفهم التاريخي، بل مغامرة خطيرة أيضا، بحسب المجلة.

وتابعت: "حتى في أوساط المعارضة الإيرانية، ثمة شكوك عميقة بشأن التدخل الأجنبي، وكما صرّح ناشطون منفيون لوسائل الإعلام الغربية، فإن الإيرانيين يريدون إسقاط قادتهم بأنفسهم، ولا يريدون دولة وهمية أو نظاما جديدا مفروضا من الخارج".

"وفوق ذلك، فإن الوهم القائل بأن النظام الذي سيخلف الجمهورية الإسلامية سيكون بطبيعته حليفا لإسرائيل، يتجاهل مشاعر الريبة المتجذرة التي تراكمت عبر عقود من الصراع والدعاية والعداء، والتي تتعزز اليوم بفعل التدخل الخارجي الصريح".

"بل حتى لو فُرض رضا بهلوي بأي شكل على رأس السلطة، فسيجد نفسه تحت ضغط هائل للتنصل من صورة رجل إسرائيل في إيران"، بحسب وصف المجلة.

وأكدت أن "حملة إسرائيل قد تُضعف الجمهورية الإسلامية، لكنها لا تستطيع استحضار إيران جديدة صديقة من الرماد، لا سيما من خلال دعم خليفة من سلالة ساقطة رفضها الإيرانيون منذ زمن طويل".

وختمت المجلة بالقول: "في النهاية، فإن مستقبل إيران لا يُرسم في إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل يُقرره الإيرانيون أنفسهم، وفق شروطهم، وفي توقيتهم".