بعد حرب الـ 12 يوما.. العراق عالق بين فتوى السيستاني وظل خامنئي

يوسف العلي | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على ضوء حرب الـ12 يوما بين إسرائيل وإيران، جددت المرجعية الشيعية في العراق دعوتها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بالعودة لما أسمته "عهود الظلم والقهر"، في إشارة لمرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي عام 2003.

وفي 13 يونيو/ حزيران 2025، شنت إسرائيل هجمات ضد إيران أودت بحياة عشرات القادة العسكريين والعلماء النوويين، لترد طهران بهجمات صاروخية على تل أبيب، ثم استهدفت واشنطن مواقع نووية إيرانية، قبل أن تعلن وقفا شاملا للحرب بعد 12 يوما من اندلاعها.

"حفظ المكتسبات"

ومع أول موقف لها عقب إعلان وقف النار، دعت مرجعية علي السيستاني في العراق إلى "حصر السلاح بيد الدولة"، وذلك بعد سبعة أشهر على دعوة مماثلة أطلقتها، لكنها لم تجد تجاوبا من الفصائل المسلحة التي توالي معظمها نظام الولي الفقيه في إيران.

وتأتي هذه الدعوة رغم أن فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها السيستاني عام 2014، وفرت الإطار الشرعي لتشكيل الحشد الشعبي، أبرز مليشيا في العراق.

لكن لا يمتلك المرجع الشيعي اليوم السيطرة، الميدانية في أقل تقدير، على فصائل كثيرة كانت قد تأسست قبل الفتوى بسنوات انضمت لـ”الحشد”، ويقلد بعضها مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي.

وقال ممثل السيستاني في كربلاء، عبد المهدي الكربلائي، إن "العراق ليس بمنأى عن الأحداث التي تمر بها المنطقة، بعد معركة بين جبهة الحق والعدالة وجبهة الظلم والطغيان". مشيرا إلى أن "الظروف الحالية بالغة الخطورة".

وأضاف الكربلائي خلال تصريحات نقلها موقع "العتبة الكربلائية" في 26 يونيو، أن "الشعب العراقي ليس بمنأى عن تداعيات الصراع القائم في المنطقة، وعلى العراقيين التسلح بالوعي والبصيرة، وندعو إلى بناء البلد على أسس صحيحة".

وخاطب المسؤولين الحكوميين والسياسيين، قائلا: "اتقوا الله وراعوا مصلحة البلد والشعب، ويجب الحفاظ على المكتسبات بكل قوة وعدم الرجوع إلى عهود الظلم والقهر، رغم الإخفاقات والسلبيات المتراكمة".

وشدد ممثل السيستاني على ضرورة "تصحيح المسار وتدارك ما فات، ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها"، داعيا إلى "حصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد".

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دعا السيستاني خلال استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى بغداد العماني محمد الحسان، إلى "منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات".

وشدَّد المرجع الديني الشيعي في العراق، على أن هناك “مسارا طويلا كما يبدو أمام العراقيين حتى يصلوا إلى تحقيق ذلك”.

وأشار إلى "التحديات الكبيرة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر وما يعانيه شعبه على أكثر من صعيد"، وفقا لوكالة الأنباء العراقية.

ودعت الولايات المتحدة الأميركية، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024. 

الشيء نفسه أكده رئيس البرلمان محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر 2024، بالقول: إن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكد لرئيس الوزراء العراقي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة". مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".

وفي 24 أكتوبر من العام نفسه، أعلن السوداني، أن “قرار الحرب والسلم تقرره الدولة بمؤسساتها الدستورية”.

ولفت إلى أن "كل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها".

بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، دعمت إيران تشكيل عدد من الفصائل العراقية، ومن أبرزها: "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء" و"كتائب الإمام علي".

ورغم اتباع هذه الفصائل مرجعية الولي الفقيه في إيران بقيادة خامنئي، فإنها لم تحرك ساكنا بالحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة.

ويرجع عدم انخراط هذه الفصائل في الدفاع عن إيران، إلى تهديدات إسرائيلية سابقة بشن هجمات على العراق، والتي تدخلت الولايات المتحدة للحيلولة دون تنفيذها، حسبما أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين.

وقال حسين في 18 مارس/آذار 2025، إن قادة الفصائل المسلحة تعهدوا للسوداني بعدم القيام بأي تحرك قد يتسبّب في رد فعل قوي ضد العراق.

وقبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتمنع استهداف إسرائيل للفصائل العراقية، شنت الأخيرة هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة مفخخة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك مساندة للمقاومة في قطاع غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

"زوال الحكم"

وعن دلالات تحذيرات المرجعية الشيعية، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري: إن "التصريحات التي أطلقها الكربلائي تعبّر عن تخوفه من زوال حكم الشيعة، والاتعاظ مما حدث في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي ينتمي للمحور الإيراني بالمنطقة".

واستبعد المساري في حديث لـ"الاستقلال" أن "تستجيب الفصائل المسلحة للدعوة التي أطلقتها مرجعية السيستاني؛ لأنها تدين بالولاء لنظام الولي الفقيه في إيران بقيادة علي خامنئي، الذي يعدونه وحده مرجعهم الديني وقائدهم السياسي والعسكري، الواجب طاعة أوامره".

ولفت الباحث إلى أن "هذه الفصائل لن تستجيب لإجراءات أو دعوات الحكومة العراقية الحالية لأنها أضعف من أن تنزع سلاح الفصائل، بعكس الولايات المتحدة الأميركية التي لوحت بحلها بالقوة، لذلك ممكن أن تسلم سلاحها بالقهر والقوة". 

ولم يستبعد أن تكون تصريحات الكربلائي "نابعة أيضا من تخوف عن تغيير محتمل في الساحة السياسية العراقية بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، مع قرب  الانتخابات البرلمانية المقبلة (11 نوفمبر 2025)، وذلك جرّاء تراجع نفوذ إيران المتوقع في العراق".

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، حذر الكربلائي خلال خطبة الجمعة في مدينة كربلاء، الطبقة السياسية من أن "سفك الدماء قد يؤدي إلى زوال الحكم وانتقاله إلى آخرين"، في إشارة إلى المكوّن السني في البلاد.

وقال ممثل المرجعية الدينية العليا، الشيخ الكربلائي في الخطبة التي ألقاها من داخل الصحن الحسيني الشريف، إنّه "لا يجوز للحاكم والمسؤول أن يعد الرعية فريسة والاستحواذ من خلال السلطة على مقدراتهم وأموالهم".

وأضاف أن "التظاهرات السلمية هي من الأساليب العصرية في إسماع مظلومية الشعوب وشكاواهم، ولا بد أن يفسح لهم الحاكم والمسؤول المجال عن ذلك ويسعى إلى الاستجابة لهم وفق مبادئ الحق والعدل".

وتابع: "لو تأملنا صفحات التاريخ لوجدنا أن الكثير من ثورات الشعوب وتمردها إنما هو بسبب الظلم الذي استشرى فيهم ولم يجدوا هؤلاء غير ذلك سبيلا للخلاص".

وفي مطلع أكتوبر 2019، شهد العراق احتجاجات شعبية عُدت الأكبر في تاريخه الحديث واستمرت مدة عام كامل، طالبت بمحاكمة الأحزاب الشيعية الحاكمة منذ عام 2003.

لكن هذه الاحتجاجات الشعبية، جوبهت بقمع شديد على يد قوات الأمن العراقية والفصائل المسلحة الموالية لإيران عبر غرفة عمليات كان يدريها قائد فيلق القدس السابق الإيراني، قاسم سليماني، ما أدى إلى مقتل نحو 800 متظاهر وإصابة 35 ألفا آخرين.

"المحطة الأخيرة"

وفسّر إبراهيم الصميدعي، مستشار رئيس الوزراء العراقي، خطاب المرجعية الشيعية في النجف، والذي تضمن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بأنها "بادرة على اقتراب إنهاء هذا الملف". حسبما نقلت وكالة "رووداو" العراقية في 28 يونيو 2025.

 وقال الصميدعي، إن "برنامج حصر سلاح الفصائل واندماجها في مؤسسات الدولة وضعه السوداني في المنهاج الحكومي، وكان ذلك من اشتراطات الإطار التنسيقي (الحاكم) إنهاء الوجود العسكري القتالي في العراقي".

وكشف المستشار أن "الحكومة أجرت مفاوضات شاقة مع الأميركيين لإنهاء وجودهم القتالي والاحتفاظ بوجود استشاري فقط، وكذلك إنهاء مهمة التحالف الدولي وتحويل علاقات التعاون العسكري إلى علاقات تعاون ثنائية مع الدول الصديقة المهمة في التحالف". 

بناء على ذلك "خاضت الحكومة مفاوضات حساسة وعميقة غير معلنة غالبا مع الفصائل، مدعومة بموقف سياسي ومن المرجعية الدينية، لكن أحداث طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من دخول حزب الله اللبناني في الحرب، تسبب في تأخير الموضوع". وفقا للصميدعي.

واستدرك المستشار قائلا: هذه التطورات "لم تمنع الحكومة من إدامة الحوار وحصر تدخل الفصائل العراقية في الحد الأدنى من جهة، ومتابعة وملاحقة مطلقي الطائرات المسيرة والتضييق عليهم في الحد الأقصى". 

ورأى الصميدعي، أن "هذا الحوار والقرار الحكومي الصارم نجح في عدم التدخل في سوريا عشية سقوط نظام الأسد (8 ديسمبر 2024)، وبقيت الحكومة العراقية منفردة تدير العلاقة مع سوريا والنظام الجديد منهية آخر أدوار الفصائل هناك". 

وأردف المستشار، قائلا: "في المحطة الأخيرة أثمر هذا الحوار على تفاهم على عدم تدخل الفصائل في الحرب بين إسرائيل وأميركا، بناء على المفاوضات العميقة مع الحكومة والالتزام بها، وأيضا تقديرا للمصلحة العراقية وتجنب العراق للحرب". 

ولفت الصميدعي الى أن "رئيس الوزراء وفي كل هذه الأزمات، وفي سؤالي له عن الموقف، يؤكد التزام الفصائل المسلحة المتنامي في الحوار مع الحكومة من أجل تفكيك سياسي هادئ ومرن لأزمة السلاح داخل الدولة".

وفي السياق، قال المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر: إن "ممثل المرجعية يقصد من خطابه أن العاقل من يتجنب مجيء الصراع إلى العراق"، مشيرا إلى أن "معتمد المرجع أراد التشديد على ضرورة التعلم ألا نُخدع أو تستدرج أقدامنا بهذه الأزمة".

وطيلة الحرب الإيرانية الإسرائيلية، تحولت سماء العراق إلى ممر لعبور الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى، في صورة عكست غياب الدفاعات الجوية له، بل وجود إمكانية استغلال هذا الغياب في تصفية حسابات داخلية أو إقليمية على الساحة العراقية.