خامنئي يفضل السقوط على عودة نجاد.. ما قصة الصراع الخفي بإيران؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع صيني الضوء على ما أسماه "صراع داخلي عنيف" بين أجنحة النظام الإيراني على خلفية الحرب الأخيرة بين طهران وتل أبيب (13 - 24 يونيو/حزيران 2025).

ورصد موقع "سوهو" انقسامات متصاعدة بين التيارين الرئيسين في البلاد، الإصلاحي والمتشدد، مما ينذر بمستقبل مضطرب للجمهورية الإسلامية

ففي 23 يونيو، نقلت مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية عن مصدر إيراني رفيع المستوى قوله: إن الغارات الجوية الأميركية الإسرائيلية المستمرة أحدثت انقسامات خطيرة داخل طهران، وأن بعض الإصلاحيين يروجون لأجندة عزل المرشد الأعلى علي خامنئي قانونيا عبر قنوات سرية.

في الوقت ذاته، أظهرت وثائق داخلية حصل عليها مركز أبحاث أوروبي أن الإصلاحيين يدعون إلى استخدام المادة 107 من الدستور لبدء إجراءات عزل المرشد الأعلى، مطالبين خامنئي بالتنحي بسبب "سوء تقدير إستراتيجي أدى إلى أزمة أمنية وطنية".

وكذلك إلى ترشيح "تكنوقراط موالين للغرب" لتشكيل حكومة انتقالية، في محاولة لفتح صفحة "إصلاح وانفتاح على النمط الإيراني"، والتفاوض على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة وأوروبا مقابل رفع العقوبات.

انقلاب داخلي 

وكشف الموقع الصيني أنه "رغم جولة التصعيد العنيفة، لا يزال في الداخل الإيراني العديد من الأصوات المؤيدة للتسوية التي لم تتخل عن أوهام إمكانية التوصل إلى اتفاق طويل الأمد مع الولايات المتحدة وإسرائيل".

ويقدر أن "هذه الأوهام بدأت تثير غضب جناح المتشددين، وعلى رأسهم الحرس الثوري الإيراني، ما يدفع للاعتقاد بأن صراعا داخليا خطيرا جدا قد اندلع بالفعل داخل أروقة السلطة الإيرانية".

بل وذهب الموقع إلى حد القول: "من الممكن أن يُقدم الحرس الثوري على تنفيذ انقلاب عسكري إذا استمرت الأمور في التدهور".

في هذا الصدد، يوضح أن "الحرس الثوري الإيراني لطالما مثّل الجناح المتشدد الأشد عداء للولايات المتحدة في إيران".

والحرس الثوري هو جيش مواز للجيش النظامي، يملك تشكيلات برية وجوية وبحرية، ويتمتع بنفوذ هائل داخل الدولة الإيرانية، ليس فقط كقوة عسكرية بل أيضا من خلال إمبراطورية اقتصادية تضم شركات وحقول نفط ومناجم وغيرها.

ولم يستبعد الموقع أن "يلجأ الحرس الثوري، نظرا لامتلاكه القوة العسكرية الأكثر نخبة في البلاد، إلى السيطرة الكاملة على الحكم، والإطاحة بالنخب السياسية المقربة من الغرب في حال تفاقمت الأزمات على المدى الطويل".

ويحتفظ خامنئي بعلاقة وثيقة جدا مع الحرس الثوري. لذا فإن دفع الولايات المتحدة وإسرائيل النظام الإيراني إلى حافة الهاوية، قد يؤدي إلى نتائج لا يرغب بها لا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفق "سوهو".

دولة عميلة

ونتيجة لهذا الموقف المتشدد من الحرس الثوري، كان كبار قيادته هدفا رئيسا لهجمات إسرائيلية دقيقة. 

ويعتقد الموقع أن "هدف إسرائيل من استهداف قادة الحرس الثوري هو إضعاف نفوذ المتشددين في الداخل الإيراني، وتهيئة الساحة لصعود تيار سياسي أكثر قربا من الغرب".

وهو ما يسهل على تل أبيب وواشنطن فرض أجندتهما على طهران، وربما تحويلها إلى دولة عميلة بالكامل في نهاية المطاف، في سيناريو تتطلع إليه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وبحسب الموقع فإن إيمان الولايات المتحدة وإسرائيل بهذه الخطة يرجع لأصوات رسمية من وزارة الخارجية كانت تلوّح أثناء التصعيد، باستعدادها لاستئناف الحوار مع واشنطن إذا توقفت تل أبيب عن استهداف إيران.

وصرح كاظم غريب آبادي نائب وزير الخارجية الإيراني، وممثل طهران في مفاوضات الاتفاق النووي، بأن الولايات المتحدة ليست طرفا مباشرا في الصراع الحالي، داعيا إلى عدم الخلط بين واشنطن وتل أبيب.

وأكد أن إيران "قد تعود إلى طاولة المفاوضات مع أميركا إذا توقفت إسرائيل عن تخريب مسار الحوار".

ويشير هذا التصريح إلى "وجود تيار مؤيد للتسوية مع الولايات المتحدة داخل السلطة الإيرانية، رغم التصعيد العسكري الذي كان مستمرا". 

بل ويرى الموقع الصيني أن هذا الانقسام بات واضحا في أداء إيران الإستراتيجي حتى بين الأجنحة المتشددة ذاتها، وامتد إلى أروقة الحرس الثوري نفسه.

إذ أظهر رصد أجراه أحد معاهد أبحاث الأمن في الشرق الأوسط أن الحرس الثوري الإيراني، رغم إطلاقه 7 صواريخ على قاعدة العديد الأميركية في قطر، فقد تعمّد تنفيذ هجوم استعراضي، متجنبا المنشآت العسكرية الفعلية، ما أثار استياء التيار الأكثر تشددا، وفق قوله.

ورصد، على سبيل المثال، انتقادات لاذعة نشرها الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه هذا الهجوم.

اتصالات سرية 

في الوقت ذاته، استمرت محاولات التيار الإصلاحي لتخفيف حدة الصدام مع الغرب.

فقد كشف الموقع أن "لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، التي يسيطر عليها الإصلاحيون، أجرت اتصالات سرية مع فرنسا وألمانيا في محاولة للتوصل إلى اتفاق يقضي بخفض تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 3.67 بالمئة مقابل رفع التجميد عن الأرصدة المالية الإيرانية".

ويرى أحد مراكز أبحاث السياسات الآسيوية أن هذا الإجراء "يعكس احتدام الصراع بين جناح الصقور الساعي إلى الحرب، وجناح الحمائم الداعي إلى التسوية داخل أروقة السلطة الإيرانية".

ويحمّل هذا التيار الإصلاحي "حالة التراجع الإستراتيجي إلى ما يصفه بالنزعة الدينية المحافظة لخامنئي"، وفق الموقع.

وأشار إلى أن "سياسة النظام الحالية، التي تركز على مفاوضات نووية + ردود انتقامية محدودة، تختلف عن نهج أحمدي نجاد في عهده القائم على المواجهة حتى الموت دون مساومة".

وبحسب الموقع، "هذه السياسة هي ما أدت إلى تكرار الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية وتعثر المسار الدبلوماسي".

في هذا السياق، "حذّرت منظمة أوروبية مختصة بمنع الانتشار النووي من أنه في حال فشل الإصلاحيون في فرض إصلاحات لعلمنة النظام، فقد تجد إيران نفسها مضطرة إلى الاختيار بين امتلاك السلاح النووي أو الانهيار الكامل".

منقذ النظام 

وسط هذه الأجواء المتوترة، "يُطرح مجددا اسم أحمدي نجاد، كمخلص ومنقذ للنظام وإيران من هذه الفوضى"، يقول الموقع.

ويتابع: "عندما اعتلى أحمدي نجاد سدة الرئاسة عام 2005، كان يُعد التلميذ المدلل لخامنئي، ابن لحدّاد فقير، بخلفية مهندس في الحرس الثوري".

واستطرد: "رفع نجاد شعار معاداة الولايات المتحدة، وأعاد تفعيل برنامج تخصيب اليورانيوم، ووجه عائدات النفط إلى الأحياء الفقيرة، فعده أبناء الطبقات الدنيا بمثابة المنقذ".

واستدرك "سوهو": "لكن السلطة غذّت طموحه، فبعد إعادة انتخابه في عام 2009، أعلن أحمدي نجاد فجأة أن سلطة الرئيس يجب أن تكون أعلى من سلطة المؤسسات الدينية، وهي ضربة مباشرة لقلب نظام الحكم القائم على المزج بين الدين والدولة".

علاوة على ذلك، "عندما أقال وزير الاستخبارات آنذالك (غلام حسين محسني ايجائي) الذي عيّنه خامنئي، تدخل المرشد الأعلى خلال 24 ساعة لإلغاء القرار، فما كان من نجاد إلا أن دخل في إضراب عن العمل استمر 11 يوما، كاشفا عمق الشرخ بين الطرفين".

إلا أن ما حدث بعد ذلك كان القشة التي قصمت ظهر البعير، "فقد تجرأ أحمدي نجاد على انتقاد إمبراطورية الحرس الثوري الاقتصادية، واتهم هذه القوة التي تسيطر على 60 بالمئة من اقتصاد البلاد بأنهم مهربون".

وأضاف الموقع: "وجه نجاد ضرباته إلى عائلة (الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي) رفسنجاني، أحد كبار رجال الدين والنظام، مما أثار غضب النخبة الحاكمة بأكملها: فمن يقترب من خزينة المال، يهدد العرش ذاته".

وهذه الأسباب "جعلت أحمدي نجاد، الذي توعد ذات يوم بمحو إسرائيل من على الخريطة، مقصيا على الهامش بأوامر مباشرة من خامنئي".

"فقد حُرم من الترشح للرئاسة ثلاث مرات، وترددت أنباء عن وضعه تحت الإقامة الجبرية من قبل الحرس الثوري"، وفق الموقع.

واستدرك: "على الرغم من ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن نجاد حقق تقدما ملموسا في الملف النووي أثناء فترتي رئاسته عبر تسريعه من وتيرة تقدمه".

فقد صمد موقع فوردو النووي تحت الأرض أمام التهديدات الجوية (رغم قصفه من قبل أميركا خلال الحرب الأخيرة) بفضل التحصينات التي أضافها (نجاد)، كما نجحت إيران في إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 20 بالمئة".

لكن حين سأله صحفيون غربيون عن نية إيران تصنيع سلاح نووي، ابتسم بخبث وقال: "خمنوا ما شئتم"، وهو ما عده الموقع "تحويل الإستراتيجية الوطنية إلى عرض استعراضي شخصي".

ليصدر حينئذ خامنئي فتوى دينية تعلن أن "الأسلحة النووية مخالفة للإسلام"، ويوبخ أحمدي نجاد علنا على "شخصنته للسياسة النووية". "إلا أن هناك ما هو أخطر من ذلك فعله الرئيس الأسبق"، يقول الموقع.

وأكمل موضحا: "كان تحوله الدبلوماسي هو ما دمر ما تبقى من الثقة به، فالرجل الذي لطالما قدّم نفسه كمحارب ضد أميركا، تساءل عام 2025 علنا: إلى متى ستستمر إيران في عدائها للولايات المتحدة؟ بل وأعرب عن رغبته في التفاوض مع ترامب".

ووفق الموقع الصيني، "يتعارض هذا الموقف جذريا مع إستراتيجية التوجه شرقا التي يدفع بها خامنئي، وعد خيانة صارخة".

ثلاثة قيود 

وتحدث الموقع عن ثلاثة أسباب تجعل خامنئي "يفضل سقوط النظام على أن يعيد تفعيل رجله القديم".

ويزعم أن السبب الرئيس لذلك هو أن "هوس السلطة للمرشد يفوق غريزته للبقاء، فحتى مع تحليق الصواريخ الإسرائيلية فوق الرؤوس، لا يزال خامنئي حذرا من أي تهديد داخلي".

وأضاف أن "مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضوا ويهيمن عليه (خامنئي) بالكامل، رفض أهلية أحمدي نجاد للترشح ثلاث مرات متتالية".

واستطرد: "وعندما حرّض أحمدي نجاد على الاحتجاجات في الشوارع، ألقى الحرس الثوري القبض على أنصاره في الليلة نفسها، وحُكم عليهم بالسجن لستة أشهر، كرسالة واضحة: سلطة القائد لا تمس".

أما السبب الثاني فيعود إلى "خشيته من رد فعل جماعات المصالح". وأردف: "فرغم مقتل أكثر من 20 من كبار ضباط الحرس الثوري، لم يجرؤ خامنئي على الاستعانة بأحمدي نجاد، لأن جراح الماضي لم تلتئم، وتحديدا عندما فتح الأخير ملفات الفساد المالي".

إذ إن "هذه القوة التي تجني مليارات الدولارات سنويا، شكّلت منذ زمن تحالفا عضويا مع المؤسسة الدينية".

ويعود السبب الثالث إلى "شبح الرأي العام"، فلا يزال لأحمدي نجاد نفوذ شعبي واسع بين الطبقات الفقيرة. وأظهر استطلاع للرأي في عام 2021 أنه يحظى بنسبة تأييد تصل إلى 47 بالمئة.

وأضاف الموقع: حتى كتابات "أعيدوا الرجل القوي" التي ظهرت على جدران طهران، والتي تمت إزالتها سريعا، كانت بمثابة جرس إنذار لخامنئي: عودة نجاد تشعل ثورة في البلاد.

وهكذا، "بينما تحلّق المقاتلات الأميركية في أجواء الخليج، وتتصاعد حدة الصراع الداخلي بين الإصلاحيين والمتشددين في إيران؛ يصبح مستقبل هذا النظام يتجاوز البُعد الديني والسياسي ليشكل اختبارا حقيقيا لتحولات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.".

وتابع الموقع الصيني: ففي الوقت الذي يسعى فيه الإصلاحيون إلى إقالة قانونية تطيح بهيمنة السلطة الدينية، يصرّ المتشددون على شعار "حاربوا الأسلحة النووية بالردع النووي".

واختتم قائلا: "بالتالي، يبدو أن كل تلك الرهانات حول اختراق إستراتيجي لا تزال مجرد أضواء شموع متراقصة في أروقة السلطة الإيرانية".