بعد 7 أكتوبر.. خطأ إستراتيجي “تعلمته إسرائيل” ووقعت فيه إيران

كان تحييد منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية هدفا مركزيا في المراحل الأولى
وصفت قناة عبرية الحرب الإسرائيلية على إيران بأنها "مدروسة ومتعددة الأبعاد"، مؤكدة أنها "شكّلت ذروة سنوات من بناء القوة الإستراتيجية والاستعدادات الاستخباراتية، والتحذيرات التي لم تَجِد صدى".
غير أن هناك متغيرا أسهم في توقيت توجيه ضربة إسرائيل إلى إيران، والتي بدأت في 13 يونيو/ حزيران 2025، مستهدفة عبرها مواقع نووية وقادة عسكريين وعلماء نوويين.
إذ تحدث موقع القناة الـ 12 العبرية عن "تغير جذري -لم تدركه إيران- في العقل الإستراتيجي الإسرائيلي بعد هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس.

تقديرات خاطئة
وفسر أسباب اختيار إسرائيل تنفيذ العملية في هذا الوقت تحديدا، قائلا: "لا بدّ من الإقرار بالإلحاح المتزايد للتقييمات الإسرائيلية خلال عام 2024".
"فقد رأت القيادة الإسرائيلية أن إيران سرعت من برنامج تخصيب اليورانيوم، ودفعت أبحاثها في تطوير الأسلحة بوتيرة مقلقة، وفي الوقت نفسه أصبحت أكثر مناعة أمام محاولات الردع". على حد قوله.
وأضاف: "تجاهلت إيران الجهود الأميركية لإظهار تهديد عسكري ذي مصداقية، وفسّرت الحذر الدولي على أنه شلل إستراتيجي". "والأكثر أهمية من ذلك، أخطأت طهران في تقدير عزيمة إسرائيل". تقول القناة العبرية.
وتابع الموقع: "فبعد هجوم السابع من أكتوبر، اليوم الذي غير بشكل جذري التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي، أصبح واضحا أن التهديدات الوجودية لم تعد تُدار بغموض".
واستطرد: "بالنسبة لإسرائيل، فإن الجمع بين تخصيب غير خاضع للرقابة لليورانيوم والمقاومة الإيرانية الصارخة لم يترك أمامها خيار سوى التحرك العسكري".
فالحرب، في هذه المرحلة، لم تكن مسألة تفضيل، بل مسألة بقاء وجودي. وفق تعبيره.
وحلل موقع القناة الهجوم الإسرائيلي قائلا: "تميزت الحملة الإسرائيلية بمبدأ عسكري حاسم واحد: المفاجأة"؛ إذ "ركزت المرحلة الأولية من العملية على تقويض قدرة إيران على الرد، فقد سعت إسرائيل إلى شل القيادة والبنية التحتية العملياتية التي قد تمكّن طهران من شن هجوم مضاد".
وكشف إيال زير كوهين المسؤول الكبير السابق في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن "أسس هذا الهجوم وُضعت قبل أشهر في 26 أكتوبر 2024، عندما فككت إسرائيل سرا أجزاء رئيسة من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية".
وأكمل الباحث الأول في معهد دراسات الأمن القومي: "هذا الهجوم الاستباقي خلق ثغرة أمنية مكّنت من شن ضربة سرية في الوقت المناسب".
وأضاف: "لم تكن ضربة ليلية عابرة، بل خطوة افتتاحية في حملة ذات أبعاد متعددة، يتطلب نجاحها مجموعة واسعة من القدرات".
وأردف: "بإضعاف شبكات الدفاع الجوي الإيرانية متعددة الطبقات، وسّعت إسرائيل نطاق حرية العمل العملياتي لسلاحها الجوي خلال الأيام الحاسمة التالية".
تهديد دائم
مع ذلك، أشار موقع القناة العبرية إلى أكبر نقاط ضعف إسرائيل، وهي جبهتها الداخلية المكتظة بالسكان.
فوفقا له، "ترسانة الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، إضافة إلى أذرعها الإقليمية، تشكل تهديدا دائما لإسرائيل".
ولهذا، كان تحييد منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية هدفا مركزيا في المراحل الأولى من الحملة.
ولفت إلى أن "التقليل من الإصابات البشرية والاضطرابات الاقتصادية اليومية لم يكن مجرد هدف إنساني، بل أمر حيوي للتماسك الوطني في حرب طويلة الأمد".
وأضاف: "تعتمد قدرة إسرائيل على الاستمرار في العمليات، قبل كل شيء، على قدرتها على حماية مواطنيها والرد بقوة".
بجانب تلك الأهداف، أوضحت أن "جوهرة التاج في هذه العملية كانت الضربات الدقيقة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية".
وذكر أنه "رغم إدراج هذه الأهداف تكتيكيا في مرحلة لاحقة من الحملة، فقد كانت على رأس قائمة الأولويات الإستراتيجية"؛ إذ "نفذت إسرائيل ضربات دقيقة على سلسلة من المنشآت التي تشكل العمود الفقري للبنية التحتية النووية الإيرانية، مستهدفة ليس فقط منشآت التخصيب، بل أيضا البنية التحتية المرتبطة بتطوير الأسلحة".

تغيير جذري
وزعم الموقع أنه "بينما قد تبدو عملية 13 يونيو 2025 وكأن إسرائيل كانت تتعطش للقتال، فإن الواقع عكس ذلك".
وقال: "استثمرت إسرائيل سنوات، لا سيما خلال إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، في محاولة منع اندلاع الحرب، من خلال عرض تهديد عسكري موثوق".
وكان الهدف واضحا: إجبار إيران على قبول اتفاق عبر التفاوض من خلال التأكيد على أن العواقب العسكرية الخطيرة لم تكن مجرد سيناريو نظري، بل واقع حقيقي.
وتابع: "عمل كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بتعاون وثيق مع واشنطن لبناء رافعة دبلوماسية"؛ إذ "أُجريت محاكاة عسكرية، وعُرضت تدريبات بشكل علني، وصيغت خطوط حمراء، وكل ذلك لإيصال رسالة واضحة مفادها: إذا فشلت الدبلوماسية فسيتبعها استخدام القوة".
واستدرك: "لكن هذه الإستراتيجية اصطدمت بجدار ثقافي، ففي التفكير الإستراتيجي في الشرق الأوسط، لا يعد التهديد موثوقا إلا إذا تُرجم إلى فعل".
"أما التحذيرات، حتى تلك التي تترافق مع استعداد عسكري علني، فتقابل بالتجاهل ما لم تقترن بعمل ميداني، وقد رأت طهران في ضبط النفس الإسرائيلي ضعفا، وفي التأخير ترددا". وفق القناة.
وخلص إلى أن "ما تعلمته القيادة الإسرائيلية، وبمرارة، هو أن في هذه المنطقة لا يُصبح تهديد القوة فعليا إلا باستخدامها".
وهكذا، وبعد استنفاد المسار الدبلوماسي وتجربة كل الخيارات باستثناء المواجهة المفتوحة، توصلت إسرائيل إلى استنتاج مفاده أن أي تأخير إضافي لن يجلب السلام، بل سيقوي إيران.
فالحرب لم تكن خيارها الأول، بل كانت الملاذ الأخير، على حد زعم موقع القناة العبرية.
خطأ قاتل
وفي هذا السياق، يشدد على أن "الشرق الأوسط لم يكن يوما رحيما بأولئك الذين يسيئون قراءة نوايا أعدائهم أو قدرتهم على التحمل".
وأشار إلى أن "إسرائيل تعلمت هذا الدرس بأقسى الطرق في السابع من أكتوبر؛ إذ كان ثمن سوء تقدير نوايا حماس وقدراتها كارثيا".
فقد "تركت هجمات ذلك اليوم إسرائيل جريحة وحزينة ومذهولة، وتساءل كثيرون عما إذا كانت ستتمكن من النهوض مجددا، فضلا عن خوض المعركة بعزيمة وروح موحدة".
وتابع: "وما كان يصعب التنبؤ به آنذاك أصبح واضحا الآن: سيرتكب أعداء إسرائيل الخطأ نفسه قريبا". وأوضح: "لقد أخطأت إيران في حساباتها، وهو خطأ فادح"؛ إذ يرى أن طهران "لم تُدرك مدى تأثير صدمة السابع من أكتوبر على إعادة تشكيل النفسية الوطنية الإسرائيلية ووضعها الإستراتيجي". وأردف: "والأكثر أهمية من ذلك، أنها قللت من تقدير مدى استعداد إسرائيل لهذه اللحظة".
واستطرد: "فمنذ السابع من أكتوبر، كانت إسرائيل تبني قوتها بهدوء وبمنهجية، لبنة فوق لبنة، لتجمع بين عناصر الاستخبارات والهجوم السيبراني والقوة الجوية والقدرات الهجومية بعيدة المدى والتنسيق الإقليمي".
"وعندما انطلقت العملية، لم تكن هذه القدرات مجمعة على عجل، بل أُطلقت كالسهم الذي ظل مشدودا لفترة طويلة، فأُفرج عنها في سلسلة من الضربات الدقيقة والمؤلمة والقاتلة، استهدفت قلب البنية الدفاعية والنووية الإيرانية". وفق تقديره.
ويقدر أن "الخطأ الأكبر لإيران هو عجزها عن إدراك مدى عمق الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي، فمستوى الوصول ودقة المعلومات والقدرات العملياتية التي حققتها إسرائيل استعدادا لهذه الحملة تجاوزت بكثير ما كان بوسع طهران أن تتخيله".
وخلص إلى أنه "في الشرق الأوسط، الخطأ في التقدير غالبا ما يكون قاتلا، وقد علّم السابع من أكتوبر إسرائيل هذا الدرس، وسيتكفل الثالث عشر من يونيو بتلقينه لإيران".

قرار مستقل
من جانب آخر، يشدد موقع القناة العبرية على أن "قرار مهاجمة إيران كان إسرائيليا خالصا، رغم وجود دعم أميركي حيوي، سواء على المستوى العسكري أو توفير الغطاء السياسي على الساحة الدولية".
ولكن لم تكتف واشنطن بالمساندة، بل شنت ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، في تصعيد مباشر بعد تقديمها دعما عسكريا واستخباريا ولوجستيا للهجوم الإسرائيلي على إيران، ما دفع الأخيرة لقصف قاعدة العديد الأميركية في قطر.
ويتابع موقع القناة العبرية أن هذا يبرز مبدأ أساسيا في عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي؛ أنه "على الرغم من الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة والدعم الحاسم الذي تتلقاه منها، تعتمد إسرائيل في نهاية المطاف على قدراتها الذاتية لحماية نفسها".
وأوضح أن "القرار النهائي اتخذ في إسرائيل على يد رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو)، وليس في واشنطن، وهذه التفرقة لها أهمية كبيرة"؛ إذ يعتقد أنها "تبرز مكانة إسرائيل كفاعل سيادي ومستقل، مستعد وقادر على حماية مصالحه القومية بشكل أحادي عند الحاجة".
ووفق تصوره "يعزز ذلك مصداقية الردع واستقلالية القرار الإسرائيلي، في أعين الحلفاء والخصوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
في الوقت ذاته، تؤكد القناة أن “الهدف النهائي لإسرائيل ليس حربا لا نهاية لها، بل استثمار نجاحها العسكري للوصول إلى تسوية دائمة قابلة للتنفيذ من منظور إسرائيلي، تُنهي قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وتجبرها على تقديم تنازلات سياسية، وإغلاق برنامجها الصاروخي الباليستي”.
وأعلن دونالد ترامب، منتصف ليل 24 يونيو التوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، دخل حيز التنفيذ صباح نفس اليوم.
واستطرد الموقع العبري: "المهمة التي أمامنا أكثر إلحاحا وضيقا: حرمان إيران من القدرة على إنتاج أسلحة نووية على المدى الطويل".
ركيزة محورية
على الصعيد الإقليمي، يتوقع أن “توفر النجاحات العملياتية الإسرائيلية أرضية لتوسيع التعاون الإقليمي مع الشركاء العرب السنة المعتدلين، وتوسيع اتفاقات أبراهام، ودفع مسارات التكامل السياسي والاقتصادي في المنطقة”. وفق تعبيره.
وهكذا، يمكن القول: إن هذه العملية "سترسخ مكانة إسرائيل كركيزة محورية في بنية أمنية إقليمية بقيادة أميركية".
واستكمل الموقع عرض التداعيات الإستراتيجية على العملية العسكرية؛ حيث أكد أن “الهجوم الإسرائيلي على إيران لم يكن مجرد عمل عسكري”، بل كان إعلان نوايا يوجه رسالة واضحة مفادها: رغم أن الدبلوماسية والردع هما الخيار المفضل دائما، فإن إسرائيل لن تترك أمنها بأيدي الآخرين، خاصة حين تواجه تهديدات وجودية، وفق وصفها.
ورأى أن العملية "أبرزت أهمية عنصر المفاجأة والصبر الإستراتيجي وتدرج الحملة، وأثبتت أنه في بيئة التهديدات المعقدة اليوم، لا يصبح الردع فعالا إلا إذا كان مدعوما بعمل واضح وحازم".
واختتم قائلا: "الدرس واضح: تجاهل التهديدات المباشرة والفورية قد يؤخر اندلاع الحرب، لكنه سيجعل المواجهة المستقبلية أكثر تكلفة".
وأردف: "لقد اختارت إسرائيل أن تتحرك، لا لأنها رغبت في الحرب، بل لأن البديل كان أسوأ بكثير"، وفق زعمه.