حسابات باردة.. لماذا تتكاسل روسيا بمساعدة إيران في حربها مع إسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أنها تعد إيران شريكا اقتصاديا وإستراتيجيا قويا حيث اعتمدت على طائراتها المسيّرة في الحرب مع أوكرانيا، إلا أن روسيا لا تزال مترددة في مساعدة طهران عقب الحرب الإسرائيلية.

بعد موقف مائع اقتصر على إدانة الهجمات الإسرائيلية، حذرت روسيا الولايات المتحدة، من "مجرد التفكير في تقديم دعم عسكري مباشر لإسرائيل في عملياتها ضد إيران"، بحجة أن ذلك “يزعزع الاستقرار بالشرق الأوسط”.

ورغم أن التصريح ربما يحمل نوايا بدعم روسي لحليفتها إيران عسكريا ضد النفوذ الأميركي، إلا أن تقديرات خبراء عدته "بلا قيمة".

ولم يشر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الذي أطلق هذه التحذيرات في 18 يونيو/حزيران 2025، إلى أي دعم عسكري لإيران أو طبيعة رد فعل بلاده لو الرئيس دخل دونالد ترامب الحرب وضرب المفاعلات النووية الإيرانية. 

“القناة 12” العبرية نقلت عن مسؤولين عسكريين أن التقديرات في إسرائيل هي أن الولايات المتحدة ستنضم إلى الحرب، وأن المسألة ليست "هل" بل "متى"؟، ومع هذا لم يصدر رد فعل روسي قوي يشير إلى وقوفها مع إيران حال ضربتها أميركا.

أسباب التكاسل والتردد الروسي، وفق تقديرات إعلامية أميركية وأوكرانية، ترجع لعدة أسباب منها، التورط الروسي في حرب أوكرانيا، وأن خسائر حرب إيران عند روسيا تحقق لها "فوائد" اقتصادية، وفق التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" في 17 يونيو 2025.

ويقول محللون: إن رد فعل موسكو الحذر يعكس حسابات سياسية باردة منها، إعطاء الأولوية لحربها في أوكرانيا، ومحاولة ثني الولايات المتحدة عن التدخل المباشر في صراع يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام في طهران.

غير مستعدة

في يناير/كانون الثاني 2025، وقع رئيسا روسيا وإيران فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان على "معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة".

وفي 8 أبريل/نيسان 2025، صادق البرلمان الروسي على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية، والتي تتضمن أحكاما لتمكين البلدين من مواجهة التهديدات المشتركة، لكنها لا تخلق أي نوع من التحالف العسكري بين البلدين. 

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، في كلمة أمام مجلس الدوما آنذاك: إن "توقيع المعاهدة لا يعني إقامة تحالف عسكري مع إيران أو مساعدة عسكرية متبادلة".

وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية على إيران، صادق البرلمان الإيراني، في 15 يونيو، على الاتفاقية أملا في أن توفر دعما روسيا لطهران ضد إسرائيل.

لكن رغم اسمها الطموح، لا ترقى المعاهدة إلى مستوى إنشاء معاهدة دفاع مشترك، فهي لا تُلزم أيا من الطرفين بتقديم مساعدة عسكرية في حال وقوع هجوم، بل تُلزم الطرفين ببساطة بالامتناع عن مساعدة خصومهما.

وقد أعلنت روسيا بشكل صريح عبر خارجيتها في 17 يونيو 2025 أن الشراكة الإستراتيجية بينها وبين إيران لا ترقى إلى مستوى التحالف العسكري، وأن موسكو غير ملزمة بالدفاع عن إيران في حال نشوب مواجهة عسكرية. 

وأكدت الوزارة أن التعاون مع طهران يقتصر على المجالات السياسية والاقتصادية، وأن روسيا ستبذل جهودها الدبلوماسية لمنع تصعيد جديد في المنطقة.

لذا يرى مراقبون أنه من غير المرجح أن يقدم الكرملين مساعدة عسكرية لإيران في صراعها مع إسرائيل، حال هاجمتها أميركا أيضا، وفق تقديرات غربية.

ويقول الخبير المستقل في العلاقات الروسية الإيرانية، نيكيتا سماجين: "لقد أصبح من الواضح منذ فترة طويلة أن روسيا لن تدافع عن إيران عسكريا".

وأضاف "لأنها ببساطة غير مستعدة للمخاطرة بمواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة من أجل إيران"، وفق قوله لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 18 يونيو 2025.

ضربة إستراتيجية

ويشير تقرير لمركز "ساوث 24" السويسري، في 18 يونيو إلى أن انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي ومجموعة “بريكس”، التي شاركت روسيا في تأسيسها، دفع مراقبين للاعتقاد بأنها حليفة لروسيا.

لكن مجموعة “بريكس” لا تتضمن أيضا أي بند أمني، والعضوية المشتركة في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس لا تستلزم التزامات دفاعية متبادلة، لذا لا يُتوقع أن تتدخل روسيا عسكريا لدعم إيران، وفق المركز.

ويقول موقع “موسكو تايمز” في 16 يونيو 2025، إن دور روسيا في الصراع الإسرائيلي الإيراني هو "شراكة إستراتيجية، لا تحالفا عسكريا".

لذا يتوقع أن ما ستفعله روسيا لمساعدة إيران هو أن تحاول فقط التدخل من خلال الهيئات الدولية، مثل مجلس الأمن، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حسبما ترجح الخبيرة في شؤون روسيا والشرق الأوسط في مركز دراسات منع الانتشار، هانا نوت، عبر حسابها على “أكس” في 14 يونيو.

وأشارت نوت إلى أن “روسيا ستواصل على الأرجح سعيها للعب دور الوسيط في الصراع، نظرا لرغبتها في الحفاظ على دورها المؤثر في الشؤون الإقليمية والعالمية، لكن النجاح الدبلوماسي لروسيا ليس مضمونا على الإطلاق”، وفق قولها.

وقال الباحث في معهد التنمية والدبلوماسية بجامعة “أدا” في باكو،  رسلان سليمانوف، لصحيفة موسكو تايمز: "لقد تقوضت مصداقية روسيا في المنطقة عندما أظهر بوتين ضعفه بعدم دعمه لبشار الأسد في حربه ضد (المعارضة) فأوضح أنه لم يعد جديرًا بالثقة".

وقال مصدر مرتبط بوزارة الخارجية الروسية لصحيفة "الغارديان": "إذا انهار النظام الإيراني الحالي، فسيكون ذلك بمثابة ضربة إستراتيجية وسمعة لروسيا".

وأضاف المصدر "خسارة أكبر من سقوط دمشق"، في إشارة إلى تراجع نفوذ موسكو في سوريا بعد سقوط بشار الأسد، حليف الكرملين القديم الذي شكلت هزيمته في نهاية المطاف نهاية تدخل روسي مكلف استمر عقدا من الزمن .

وأكد مصدر روسي على صلة بوزارة الخارجية لصحيفة "الغارديان" أنه من غير المرجح أن يُسلح الكرملين إيران، ناهيك عن الانخراط في القتال". 

وأضاف "من الواضح أن موسكو لا تريد صراعا مع ترامب، وتبذل قصارى جهدها لحث الولايات المتحدة على العودة إلى الدبلوماسية”. 

لكن أولوية روسيا تبقى تجنب أي خطوات قد تُقوض علاقاتها المُتحسّنة مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وحتى ما يتردد عن قلق روسيا من توقف إمدادات طائرات "شاهد" بدون طيار المصممة في إيران والتي تستخدمها لمهاجمة أوكرانيا، قد يتم التغلب عليه.

فبحسب الخبيرة في السياسة النووية في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي والمتخصصة في روسيا وإيران، نيكول جرايفسكي، لصحيفة "تلغراف" البريطانية في 16 يونيو 2025، باتت موسكو قادرة حاليا على إنتاج ما يصل إلى 2700 طائرة بدون طيار شهريا دون دعم إيراني.

ماذا ستخسر؟

وتقول شبكة "سي إن إن" الأميركية في 18 يونيو، إن "روسيا لديها الكثير لتخسره" مع ذلك.

وأضافت: "هناك شعور خافت ومؤلم بالإذلال لدى الكرملين وهو يضطر إلى الوقوف مكتوف الأيدي ومشاهدة حليف رئيس آخر في الشرق الأوسط يتعرض لقصف عنيف، وهو غير قادر أو غير راغب في التدخل".

وكتب الخبير السياسي الروسي أندريه كورتونوف في صحيفة "كوميرسانت" الاقتصادية في 16 يونيو، أن "تصعيد الصراع يحمل مخاطر جدية وتكاليف محتملة بالنسبة لموسكو". 

وكانت إيران واحدة من أقوى حلفاء روسيا طوال الحرب، حيث زودتها بآلاف الطائرات بدون طيار من طراز “شاهد” والصواريخ الباليستية قصيرة المدى.

لكن الخبير في جمعية “دراسات الشرق الأوسط” الأوكرانية، سيرغي دانيلوف، قال لصحيفة "كييف إندبندنت" الأوكرانية إن الكرملين "من المرجح أن يدعم إيران في حربها مع إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا ومن خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية".

ويرى المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، مايكل سالين، أن "من أسباب عدم دعم روسيا لإيران عسكريا أنها عارضت في السابق البرنامج النووي الإيراني”.

"وربما تكون أيضا خائفة من دعم طهران، لأن ذلك قد يؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة"، كما قال لصحيفة "كييف إندبندنت".

ويشير تقرير مركز "ساوث 24" السويسري في 18 يونيو 2025، إلى إن “تغيير النظام بعد هزيمة إيران المحتملة سيؤثر سلبا على المصالح الإستراتيجية الروسية بعيدة المدى”. 

ومع ذلك، لن تُخاطر روسيا بإشعال حرب عالمية ثالثة مع الولايات المتحدة بسبب إيران، تماما كما لن تُخاطر بذلك بسبب أوكرانيا.

لذا، سيُصاب الإيرانيون وحلفاؤهم، الذين يعلقون آمالهم على تدخل روسيا الحاسم لدعم طهران إذا تدخلت واشنطن لدعم إسرائيل، بخيبة أمل شديدة، فهو أمر مستبعد للغاية، حسبما يقول المحلل السياسي الأميبركي المقيم في موسكو، أندرو كوريبكو.

وأقصى ما يمكن لروسيا فعله لمساعدة إيران، هو تقديم مساعدات عسكرية طارئة، وربما دعم استخباراتي، ومثل هذه الإجراءات لن تُغير الديناميكيات العسكرية الإستراتيجية للصراع. 

وتعد صحيفة "الغارديان" في 18 يونيو، أن "انهيار النظام الإيراني سيكون ضربة قوية لروسيا"، معتبرة أن "الكرملين يخاطر بخسارة شريك إستراتيجي رئيسي".

وأفادت بأن “موسكو تشعر بقلق متزايد بشأن مصير إيران، في حين تعترف ضمنا بقدرتها المحدودة على التأثير على الأحداث الجارية”.

ارتفاع النفط

من المفارقات الغربية، أن روسيا هي المستفيد الأول من الحرب بين إسرائيل وإيران، لذا ربما ليست لها مصلحة في إخمادها، والسبب هو ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة بفعل الحرب، ما جلب أرباحا كبيرة لها وزاد الاحتياطي النقدي.

وأوضحت شبكة “سي إن إن” في 18 يونيو 2025، أن “هذا الصراع بين إسرائيل وإيران يُصب في مصلحة الكرملين اقتصاديا”.

وشرحت كيف أن موسكو تجني مكاسب مالية، بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام، لذا فالصراع بين إيران وإسرائيل "يفتح أيضا صنابير الفرص الاقتصادية بخلاف الدبلوماسية للكرملين الذي واجه سنوات من العزلة الدولية بسبب حربه في أوكرانيا".

وقالت الشبكة الأميركية إن “روسيا تميل إلى الاستفادة عندما تسوء الأمور في المنطقة الغنية بالطاقة وتصاب الأسواق بالفزع، وهذا هو بالضبط ما يحدث الآن، حيث يراقب الكرملين حليفه الإيراني وهو يضعف بشكل كبير بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، في حين يجني الفوائد!”.

وتقول صحيفة “كييف إندبندنت” في 13 يونيو 2025 إن الحرب بين إسرائيل وإيران "ستوفر دفعة اقتصادية تحتاجها روسيا لمواصلة القتال ضد أوكرانيا".

وأكدت أنه “بالنسبة لروسيا، قد تكون هذه هي جرعة الأدرينالين اللازمة لاستعادة أسعار خام الأورال الهزيلة، والتي انخفضت بنسبة 14 بالمئة على أساس سنوي من يناير إلى مايو”.

وقفزت أسعار خام برنت، وهو المعيار العالمي، من 69.36 دولارا إلى 74.5 دولارا إلى 75 دولارا للبرميل - وهي مستويات لم نشهدها منذ فبراير - مع تحذير بعض خبراء النفط من أن الأسعار قد ترتفع إلى 80 دولارا للبرميل.

وخسرت أكثر من 150 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنها لم تُوجه ضربة قاصمة بعد وسينعش قطاع النفط اقتصادها بفعل الحرب الإسرائيلية الإيرانية.

أيضا أكد تقرير لـ"مركز تحليل السياسات الأوروبية" في 17 يونيو 2025، أن "الكرملين سيحصل على بعض الاستفادة غير المتوقعة من القتال في الشرق الأوسط، في صورة زيادة عوائد النفط وتعزيز الاحتياطي النقدي.

ويشير تقرير لوكالة “بلومبيرغ” في 16 يونيو 2025، إلى أن روسيا استفادت بقوة من الحرب وارتفعت أسعار النفط المصدر لأوروبا من 45 إلى 60 دولارا (بلغت 75 لاحقا).

وفور اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل ارتفعت أسعار النفط عالميا، وشكل ذلك مكسبا للإيرادات الروسية، وزادت حصيلة النقد الأجنبي.