بعد الاغتيالات والنووي.. لماذا تضرب إسرائيل مقار المؤسسات الحكومية في إيران؟

مصعب المجبل | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في حربها المتصاعدة على إيران، انتقلت إسرائيل سريعا من استهداف القيادات العسكرية والمنشآت النووية إلى ضرب البنى التحتية الحيوية التي تمس حياة المواطنين، وفي مقدمتها المؤسسات الحكومية.

ويُنظر إلى هذه الخطوة، بحسب مراقبين، بوصفها انتقالا إلى مرحلة أعمق من الحرب، تحمل رسائل بأن كل ركن من أركان الدولة الإيرانية بات عرضة للانهيار، وهو ما يُنذر بتصاعد حدة الاحتقان الشعبي ضد النظام.

ففي علم الحروب، يُعد استهداف المرافق الحكومية مؤشرا بالغ الدلالة على أن الدولة ككل - وليس فقط جيشها أو مشروعها النووي - باتت هدفا مباشرا ضمن إستراتيجية "تفكيك منظومة الحكم من الداخل".

مؤسسات حكومية

ومنذ فجر 13 يونيو/حزيران 2025، تشن إسرائيل هجمات جوية على مناطق مختلفة في إيران أدت لمقتل قادة في الصف الأول من هرم القيادة العسكرية والسياسية بينهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، وعدد من العلماء النوويين وعشرات المدنيين.

وشنت إسرائيل هجمات تدميرية نالت مفاصل "القيادة المدنية" والعاملين لدى الحكومة، ولكن في أدوار غير عسكرية وغير دفاعية بشكل واضح.

وشمل ذلك استهداف مبنى وزارة العدل الإيرانية بالعاصمة طهران في 15 يونيو 2025، وكذلك مبنى وزارة النفط ومقر للشرطة في العاصمة.

كذلك جرى استهدف مبنى الصناعات الإلكترونية بمدينة شيراز جنوبي إيران، علاوة على تعرض أحد مباني وزارة الخارجية الإيرانية لقصف إسرائيلي أدى لإصابة عدد من الموظفين الحكوميين والمدنيين.

وفي تطور متزامن يزيد من حدة التصعيد بين إسرائيل وإيران، أعلنت السلطات الإيرانية أن الجيش الإسرائيلي استهدف أحد خطوط شبكة مياه الشرب؛ إذ سقط أحد المقذوفات في محيط ميدان قدس في طهران، مما تسبب في تضرر أحد خطوط نقل المياه الحيوية.

وبدورها، شهدت مدينة مشهد، انفجارا عنيفا ناجما عن سقوط مقذوفات قرب مطار "هاشمي نجاد"، وفقا لما أعلنته وكالة تسنيم الإيرانية (شبه رسمية).

كما أعلنت مديرية الأزمات في أذربيجان الشرقية، بأن 3 هجمات إسرائيلية على المحافظة إحداها استهدفت خط السكك الحديدية.

واندلع حريق كبير تصاحبه سحب كثيفة من الدخان في مطار مهراباد بطهران في 14 يونيو، وهو أحد أكبر المطارات في إيران.

وكان هذا الأخير هو المطار الرسمي للرحلات الدولية والمحلية قبل بناء مطار الإمام الخميني الدولي عام 2009، ثم أصبح قاعدة جوية.

ويمثل الهجوم الإسرائيلي على مؤسسات الدولة في إيران انتقالا واضحا، من الأهداف العسكرية إلى المدنية، بما يعطل حياة الإيرانيين ويوسع البنية التدميرية في البلاد. 

قصف المدنيين 

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" في 15 يونيو 2025: إن نتيجة الحرب قد تكون تغيير النظام بإيران.

وسبق ذلك قوله في كلمة مسجلة: "الشعب الإيراني هو من سيقرر الآن ما إذا كان يريد أن يثور.. والنظام ضعيف جدا".

وأضاف "سنواصل المهمة للقضاء على التهديد الإيراني المزدوج المتمثل في برنامجها النووي وصواريخها الباليستية".

وبالتزامن، أفادت القناة 14 العبرية نقلا عن مصادر أمنية بأن إسرائيل أقرت خطة جديدة تهدف إلى تهجير سكان طهران للضغط على النظام الإيراني.

وقد دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 16 يونيو الإيرانيين إلى "إخلاء" عاصمتهم طهران “فورا”، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة.

ورصدت موجة نزوح كبيرة لسكان طهران في 15 يونيو 2025 مع اشتداد القصف الإسرائيلي الذي نال مؤسسات حكومية ومباني سكنية؛ إذ كشف التلفزيون الإيراني الرسمي في 14 يونيو أن نحو 60 شخصا بينهم 20 طفلا قتلوا في هجوم إسرائيلي على مجمع سكني في العاصمة طهران.

وقال التلفزيون: إن 20 طفلا كانوا بين قتلى الهجوم على مجمع جمران السكني في طهران.

وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء بقصف مبان سكنية في طهران ومدن أخرى.

وذكرت وكالة تسنيم، أنه جرى خفض ساعات عمل مترو طهران بعد حالة هجرة جماعية تشهدها العاصمة، في أعقاب الضربات الجوية المكثفة.

كما أعلنت إدارة العلاقات العامة بتعليم طهران، أنه لن يكون حضور العاملين التنفيذيين في المدارس بالمدينة إلزاميا حتى نهاية 28 يونيو 2025.

وتعرض مستشفى الفارابي في غرب إيران لأضرار جسيمة جراء غارة إسرائيلية، في 16 يونيو 2025 على ورشة عمل قريبة في مدينة كرمانشاه. 

ونشرت وكالة أنباء فارس مقطع فيديو للمستشفى يُظهر زجاجا محطما وأسقفا منهارة وأضرارا في الغرف.

وبدورها، قالت قناة "إسرائيل 24" العبرية في 16 يونيو 2025، إنه من المتوقع أن تُصدر تل أبيب "تعليمات للمواطنين من مختلف أحياء طهران بإخلاء منازلهم، ثم تُهاجم البنية التحتية والمباني الحكومية".

“تفكيك تدريجي”

وضمن هذا السياق، قال الخبير في الشأن الإيراني الدكتور علاء السعيد، لـ"الاستقلال": إن "الصواريخ الإسرائيلية لم تعد تبحث عن مخازن اليورانيوم، ولم تعد المسيّرات تطارد العلماء في الأقبية، نحن أمام لحظة مفصلية قررت فيها إسرائيل أن تضرب الدولة وليس فقط مشروعها النووي".

وأضاف أن "استهداف وزارة العدل يعني اهتزاز يد القضاء، وضرب وزارة النفط يعني تعثر الاقتصاد، واستهداف مقرات الشرطة يعني اختفاء ظل السلطة من الشارع، بينما ضرب المطارات يعني تقطيع أوصال إيران بالعالم، وكذلك فإن ضرب الصناعات الإلكترونية يعني عرقلة عيون الرقابة".

ولفت السعيد إلى أن "العدو هنا لا يوجه نيرانه نحو هدف عسكري محدود بل يرسم خريطة قصف تستهدف الأعصاب المركزية للجمهورية الإيرانية".

واستدرك أن "هذه ليست ضربة استباقية بل عملية تفكيك تدريجي مدروسة؛ إذ إن إسرائيل لا تسعى إلى وقف تخصيب اليورانيوم فقط بل إلى نزع شرعية الجمهورية من جذورها".

وأشار إلى أن “كل مبنى استهدفته إسرائيل بإيران يحمل رمزية شديدة الدقة، فمنشآت النفط كانت وقود المليشيات من بيروت إلى صنعاء، والمطارات كانت ممرات للتهريب ومنافذ السلاح والدبلوماسية المزدوجة".

ورأى السعيد أن “إسرائيل بكل وضوح لا تحاول إسقاط نظام فقط، بل تحطيم وهم الدولة المتماسكة، فهي تضرب في العمق، لتقول: هذا النظام هش ومكشوف، لا يملك القدرة على حماية مقراته، فكيف تتركون له قنبلة نووية؟”

وذكر أننا “أمام مرحلة جديدة من الصراع، تُفتح فيها صفحة عنوانها منع انهيار الخارج يبدأ بإشعال الداخل”.

ولهذا يرى أن المعادلة تغيّرت والقصف لم يعد تكتيكيا بل رمزيا إستراتيجيًا، عقابيا، وأن كل وزارة تُقصف هي ركن يُهدم من هيبة هذا النظام.

"شل قدرات الدولة"

وهذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها إسرائيل وإيران في مواجهة عسكرية مباشرة بهذه الحِدة وعلى هذا المدى الزمني.

وبدأتها تل أبيب بشكل هجوم مباغت أسفر في يومه الأول عن قتل أكثر من 20 من القادة العسكريين الإيرانيين وعلماء نوويين.

وشهدت العملة الإيرانية (الريال)، في أعقاب الضربة العسكرية الإسرائيلية، انخفاضا حادا بنسبة 15 بالمئة على الأقل في السوق غير الرسمية.

وهو ما يعكس القلق المتزايد من التصعيد وعدم الثقة في قدرة الحكومة على فرض استقرار الاقتصاد وسط التوترات الجيوسياسية.

وبينما تتصاعد وتيرة الحرب، يبدو أن الجبهة الأخطر في طهران لم تعد فقط عسكرية، بل اقتصادية بالدرجة الأولى؛ فالأزمة التي تعانيها البلاد منذ سنوات بلغت ذروتها، مع انهيار العملة، وعودة طوابير البنزين.

فإيران بلد يعد فيه التضخم الذي يتراوح بين 30 و40 بالمئة، والعجز في الميزانية بين 20 و25 بالمئة، والبطالة المزمنة، والانخفاض المستمر في قيمة العملة، من السمات المميزة لاقتصاده.

وفقد الريال الإيراني نحو 12 بالمئة من قيمته مقابل اليورو في أقل من أسبوع، فيما تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء حاجز 955 ألف ريال.

وهذا الانخفاض الحاد يضاف إلى تدهور مستمر منذ 2024؛ إذ خسر الريال أكثر من 40 بالمئة من قيمته خلال عام واحد، ليصبح من بين أضعف العملات عالميا.

وهنا يشير طاهر أبو نضال الأحوازي عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية" المناهضة للنظام الإيراني إلى أن "إسرائيل تستهدف المؤسسات الحكومية بهدف شل قدرات الدولة الإيرانية الأمنية والاقتصادية والعسكرية، وإضعاف بنيتها التحتية الحساسة للحد من تهديداتها".

وأضاف الأحوازي لـ "الاستقلال"، أن "استهداف المؤسسات الحكومية الإيرانية فيه رسالة بأن مراكز القرار في طهران مكشوفة وعرضة للضربات، وذلك ضمن هدف معلن لإسقاط النظام الإيراني الداعم للإرهاب وزعزعة أمن المنطقة"، وفق تعبيره.