إيران تمارس ضغوطاً غير عسكرية على إسرائيل عبر نفوذها في أوروبا وأميركا.. ما أدواتها؟

"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري لا يكتفي بالعمليات الأمنية فقط
سلط موقع أتلانتيكو الفرنسي الضوء على ما أسماه "الرد غير العسكري" الذي تتبناه إيران في مواجهة الضربات الإسرائيلية المستمرة منذ 13 يونيو/حزيران.
وقال الموقع في حوار مع الصحفي الفرنسي-الإيراني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "إيمانويل رزافي" إن إيران تتحرك من خلال شبكات النفوذ والتأثير التي بنتها بعناية داخل أوروبا والولايات المتحدة.
وتحدث الصحفي عن امتلاك إيران شبكة واسعة من "الوكلاء المؤثرين" الذين يستخدمون في تمرير رسائل دعائية وسياسية إلى الحكومات الغربية للضغط على إسرائيل.
وذكر أن "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري لا يكتفي بالعمليات الأمنية، بل ينشط أيضا في الحرب السيبرانية وحملات النفوذ والدعاية، مستخدما سفراءه وأكاديميين وصحفيين وناشطين لإيصال رسائل تصب في مصلحة النظام.
كما روى أيضا تجربة العميل السابق "ماثيو غاديري" الذي جُند للتقرب من دوائر سياسية فرنسية، شارحا كيف تجند إيران عملاءها عبر الإقناع الأيديولوجي أو عبر المنح والدعم المالي.
ويؤكد الصحفي أن الإيرانيين يسعون إلى ترهيب الغرب من "الفوضى" إذا ما سقط النظام الإيراني، ويروجون لفكرة أن بقاءه أهون من سيناريوهات تشبه العراق وسوريا.
كما يتحدث عن تجنيد أشخاص في أوساط اليسار المتطرف لتبرير دعم حركات مثل حزب الله والجبهة الشعبية. وفي النهاية، يحذر من تنسيق محتمل بين إيران وروسيا والجزائر في عمليات النفوذ والتجنيد؟
ويؤكد أن طهران قد تلجأ إلى وسائل غير تقليدية -كالعمليات الإرهابية- لتخفيف الضغط عليها بعد الضربات الإسرائيلية، مستغلة شبكاتها في أوروبا، خاصة ضد أهداف إسرائيلية ويهودية، وفق تقديره.

شبكات النفوذ
وفي مستهل الحوار، زعم الصحفي إيمانويل رزافي أن إيران قد ترد على الضربات الإسرائيلية من خلال تفعيل شبكات نفوذها وعملائها في الولايات المتحدة وأوروبا. وحين سأله الموقع الفرنسي عن سبب مزاعمه، أجاب بأن هناك سببين.
الأول هو ما وصفه بـ "الإرهاب"، حيث ادعى أن "فيلق القدس يمتلك شبكات بمقدورها تنفيذ هجمات لا سيما ضد المصالح الإسرائيلية أو المنظمات اليهودية في عدة دول، خصوصا في أوروبا".
ولفت إلى أن "هذه الوحدة النخبوية متعددة المهام والقدرات، فهي متخصصة، من بين أمور أخرى، في الحرب غير المتكافئة والإرهاب والحرب الإلكترونية والتأثير".
وفيما يتعلق بالنفوذ والتأثير، لفت إلى أن "فيلق القدس جنّد شبكات عملاء تشمل باحثين وجامعيين وصحفيين ودبلوماسيين ومستشارين وسياسيين؛ مهمتهم نقل رسائل محددة إلى الحكومات الأوروبية، خاصة لدفعها إلى الضغط على إسرائيل وإجبارها على وقف هجماتها".
وهنا تساءل الموقع: ما الخطاب أو الفعل الذي يمكننا أن نعرف من خلاله أن هذا الشخص ممول من النظام الإيراني أو -على الأقل- مستغل من قبله؟
وأشار الصحفي الإيراني الفرنسي إلى مقابلة أجريت مع ماثيو غاديري، وهو شرطي فرنسي إيراني سابق، عمل كعميل لصالح الأجهزة الفرنسية داخل الاستخبارات الإيرانية.
وخلال المقابلة، شرح غاديري كيف أن الاستخبارات الإيرانية تختار أشخاصا لنقل بعض الرسائل إليهم.
ثم يعدون قوائم لأشخاص يمتلكون القدرة على أن يصبحوا أدوات تأثير لنقل تلك الرسائل، ثم يطلبون من السفارات الإيرانية محاولة التوصل معهم.
وأشار إلى من بين الأشخاص الذين يُجندون، قد يكون هناك باحثون وأكاديميون ومسؤولو جمعيات ومنظمات مجتمع مدني وطلاب يقبلون نقل هذه الرسائل وتبني تلك الخطابات بدافع القناعة الذاتية دون أي مقابل مادي.
ولفت إلى أن هناك أيضا من يقبل أن يُشترى، عبر العديد من المكافآت، مثل الحصول على منح دراسية.

تجنيد العملاء
ويروي غاديري كيف طلبت منه الاستخبارات الإيرانية في الثمانينيات الاقتراب من مؤسسة كبيرة مقربة من الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، وكذلك مسؤولون اشتراكيون كبار، في محاولة لإيجاد عملاء ونافذين بينهم.
وأفاد بأن ذلك كان إبان حرب العراق، وكانت إيران بحاجة إلى إيصال رسائلها، مؤكدا أن "هذه العمليات مستمرة حتى اليوم".
ويوضح غاديري كذلك أن "إيران لا تزال في الوقت الراهن تجند عملاء يعملون لصالحها، شريطة أن يكونوا مناهضين لإسرائيل".
لكنه أكد أن عددا قليلا فقط ممن تتعرف عليهم الاستخبارات تختاره للعمل معها.
وأشار إلى أن "مهمة هؤلاء النافذين والمؤثرين قد تكون مثلا تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وإثارة الرأي العام لدعم وكلاء الجمهورية الإسلامية كحزب الله و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وفق زعمه.
وفيما يخص الرسائل الإعلامية، أكد الصحفي إيمانويل رزافي أن الاستخبارات الإيرانية حاولت، خلال السنوات الأخيرة، تمرير فكرة مفادها أنه "إذا سقط نظام الجمهورية الإسلامية، فستشهد إيران نفس سيناريو العراق أو سوريا؛ أي الفوضى".
وأوضح أن الهدف من نشر هذه الفكرة، التي تقارن إيران بدول الربيع العربي، هو "بث الخوف في أوساط الرأي العام والدبلوماسيات الغربية".
وأضاف أن إيران تريد إيصال رسالة مفادها أن "النظام الإسلامي أفضل من الفوضى"، مشيرا إلى وجود أشخاص، وصفهم بـ "الطابور الخامس"، يكررون هذه الرسالة يوميا على شاشات التلفاز في أوروبا.
وشرح كذلك كيف أن الاستخبارات الإيرانية تستطيع التسلل بسهولة إلى من وصفهم بـ "الأوساط اليسارية المتطرفة"، معللا ذلك بالقول: "فبالنسبة لهم، من السهل أيديولوجيا وصف الحركات الفلسطينية بأنها مقاومة".
كما تحدث رزافي عن لقاء جمعه باثنين من الخبراء الأميركيين في الشأن الإيراني، أحدهم كان عميلا سابقا، وأخبره: "على الأراضي الأميركية فقط، يوجد عدة آلاف من الأشخاص الذين يروجون للجمهورية الإسلامية الإيرانية ووكلائها، وبعضهم يفعل ذلك بدافع أيديولوجي فقط دون أي مقابل".

تنفيذ هجمات
وتساءل الموقع عن احتمالية تخطيط الحرس الثوري لـ "هجمات إرهابية" للضغط على الدول الأوروبية لتضغط بدورها على إسرائيل.
وقال الصحفي رزافي: إن "لدى الأجهزة الإيرانية قوائم أهداف محتملة، ويجب أن يؤخذ التهديد على محمل الجد".
وبدعوى أن "الجمهورية الإسلامية أُضعفت بشدة"، وبزعم أن "خياراتها محدودة على الصعيد العسكري"، يحذر من أنها "قد تستخدم كل الوسائل غير التقليدية المتاحة لزيادة الضغط وضرب الغرب".
وحذر من أن "التهديد بوقوع هجمات إرهابية إيرانية في أوروبا حقيقي، خصوصا ضد أهداف يهودية ومصالح إسرائيلية"، وفق وصفه.
وتساءلت الصحيفة إن كان بإمكان إيران أن تعتمد في عمليات توسيع نفوذها وزعزعة الاستقرار بمناطق مختلفة على قوى أجنبية أخرى مثل روسيا والجزائر.
أجاب الصحفي: "ذلك ممكن بلا شك"، مذكرا بأن روسيا تدرب كوادر الاستخبارات الإيرانية وأن أجهزة البلدين تنفذ أحيانا عمليات مشتركة لتجنيد عملاء ووكلاء.
وأضاف: "كما يمكنهم تنفيذ عمليات تأثير منسقة باستخدام عملاء يعملون لحسابهما".
وزعم كذلك أن "الاستخبارات الإيرانية على تواصل مع المخابرات الجزائرية"، وأنها "تطلب منها أحيانا بعض الخدمات".
وأشار إلى أن "لإيران اتفاقات مع الجزائر في مجالات عدة. وكلا البلدين لديهما علاقات مع حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الله".
وادعى أن "طهران تود، في الوقت الراهن تحديدا، أن تعتمد على شبكات النفوذ الجزائرية في فرنسا لبث الفوضى".
وفي الختام، سأل موقع "أتلانتيكو" عن كيفية إدارة نظام الملالي الرأي العام الداخلي في إيران، في مواجهة الضربات المستمرة للقوات الإسرائيلية، وعما إن كان يتوقع حدوث زلزال سياسي في طهران.
وأجاب الخبير في الشأن الإيراني بالقول: إن "النظام لم يعد يعرف كيف يدير خطابه الداخلي إلا من خلال تنظيم مظاهرات موجهة، والتي نلاحظ فيها وجود عدد أقل من الإيرانيين وعدد أكبر من العناصر الموالية القادمة من دول أخرى، مثل الأفغان".
وبخصوص السؤال الثاني، قال: "لقد حدث الزلزال بالفعل". وتابع: "فإسرائيل ضربت عشرات الأهداف النووية والعسكرية، خاصة التابعة للحرس الثوري وسلاح الجو، وقادة الجيش والحرس الثوري قتلوا مع ضباطهم".
وادعى أن "هناك من يفرح في طهران بهذه الغارات الإسرائيلية، رغم أن الخوف حاضر بالطبع"، بحسب تقديره.