لماذا تحول موقف المستشار الألماني بشكل مفاجئ تجاه إسرائيل؟

منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "أتلانتيكو" الفرنسي الضوء على ما وصفه بأنه "تحول مثير" في موقف المستشار الألماني فريدريش ميرتس تجاه إسرائيل؛ بسبب عمليات الإبادة الجماعية في غزة.

ففي الذكرى الستين للعلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل التي جرى الاحتفال بها في 12 مايو/أيار 2025، فاجأ ميرتس الأوساط السياسية والإعلامية بـ "انعطافة حادة" في موقفه تجاه تل أبيب.

فبعدما كان من أبرز المدافعين عن "أمن إسرائيل كسبب وجود للدولة الألمانية"، بدأ ميرتس يستخدم لهجة نقدية حادة تجاه تل أبيب بسبب حربها في غزة.

ذكرى 60 عاما

وخلال مؤتمر تقني في برلين نهاية مايو 2025، أبدى ميرتس استياءه من العمليات الإسرائيلية ضد غزة، معتبرا أن سقوط المدنيين "لم يعد مبررا بمحاربة الإرهاب".

ويشير الموقع إلى أن هذا التغيير يعكس انتهازية سياسية واضحة، هدفها "استرضاء" شريحة من الناخبين المناهضين لإسرائيل، في ظل صراعات داخلية ضمن الائتلاف الحاكم وسعي ميرتس للظهور بمظهر زعيم أوروبي متزن ومقبول إقليميا. وفق زعمه.

ويخلص إلى أن ميرتس، في سبيل كسب نقاط سياسية، تخلى عن مبادئه الأساسية، مما أضعف صورة ألمانيا كحليف موثوق لإسرائيل، وأربك حتى الأوساط المحافظة التي لطالما عدت العلاقة مع تل أبيب حجر زاوية في السياسة الألمانية.

ففي الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تحتفل بستة عقود من العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لاحظ الموقع أن برلين "شددت فجأة لهجتها تجاه الدولة العبرية".

ورأى مراقبون أنها بذلك "تخلت عن المبدأ المقدس في سياستها الخارجية: أمن إسرائيل كسبب وجود للدولة". 

وأفاد الموقع الفرنسي أن "ميرتس، الذي كان سابقا من أشد مؤيدي إسرائيل، بات ينتقد علنا عملياتها في غزة، مستخدما خطابا عد غير مسبوق وخطير". 

يأتي هذا التحول في وقت "تشهد فيه معاداة السامية تصاعدا غير مسبوق في ألمانيا، بينما تبدو النخب السياسية أكثر حرصا على كسب ود شريحة شابة متطرفة، بدلا من تحمل مسؤوليتها التاريخية"، وفق زعمه.

وتساءل الموقع: “أليس من المفترض أن يكون دعم ألمانيا لإسرائيل مبدأ لا يتزعزع، مستمدا من ذاكرة الهولوكوست (المحرقة اليهودية)؟” 

وزعم أن "ألمانيا عبر التخلي عن هذا الأساس، تعرّض للخطر ليس فقط علاقاتها مع إسرائيل، بل أيضا الأسس الأخلاقية لديمقراطيتها".

وادعى أن القرار الألماني بات يخضع حاليا لضغوط اللوبي المناهض لإسرائيل. 

تحول مفاجئ

وتابع: "كالعادة، ترافقت الاحتفالات الرسمية، بمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات بين الجانبين، مع تصريحات دبلوماسية تقليدية: إن مسؤولية ألمانيا عن أمن إسرائيل ومواطنيها والشعب اليهودي تظل وستبقى حجر الزاوية في سياستنا الخارجية".

واستدرك: "لكن بعد شهر فقط، تغيرت النبرة بشكل جذري؛ فبدلا من تأكيد الصداقة والدعم، اتخذت الحكومة الألمانية موقفا نقديا تجاه إسرائيل".

وقال الموقع: إن ألمانيا استخدمت "لغة شديدة اللهجة وغطرسة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". وفق تقديره.

وأردف: "بدأ كل شيء مع الرئيس الفيدرالي فرانك فالتر شتاينماير (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، الذي دعا خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى برلين إلى "مساعدة فورية لغزة". 

"تلاه وزير الخارجية يوهان فاديفول، محذرا إسرائيل من فرض تضامن قسري على ألمانيا، ومهددا بتعليق بعض شحنات الأسلحة".

وأضاف: "لكن الضربة الأقسى جاءت من ميرتس (من الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، خلال أحد المؤتمرات، حيث وجه انتقادات علنية لإسرائيل". 

وقال ميرتس: "إلحاق الأذى بالسكان المدنيين بهذا الشكل، لم يعد مبررا تحت ذريعة محاربة إرهاب (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، وفق وصفه.

وأضاف أنه "لم يعد يفهم أهداف الجيش الإسرائيلي في غزة"، وتحدث عن "مأساة إنسانية" تشمل الأطفال. 

واتهمه الموقع بأنه "كرر -ربما دون وعي- صورا نمطية قديمة غذت معاداة السامية عبر التاريخ". بحسب زعمه.

وما يجعل هذا التبدل "صارخا" أكثر -وفق تعبير الموقع- هو أن "ميرتس، حين كان زعيما للمعارضة، قدم نفسه كمدافع شرس عن إسرائيل"؛ إذ وصف تصريح المستشار السابق أولاف شولتس حول احتمال إصدار مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "فضيحة".

وهاجم ميرتس وقتها بشدة مقترحات وقف تصدير الأسلحة مؤقتا لإسرائيل، وفي فبراير/ شباط 2025، دعا نتنياهو لزيارة برلين. 

ويقول الموقع الفرنسي: إن "هذا التحول يشكل تخليا واضحا عن الواجب الخاص الذي تعهدت به ألمانيا تجاه اليهود؛ وهو التزام صاغته آلام التاريخ".

وتابع: "إن وعد أمن إسرائيل كسبب وجود للدولة الألمانية، كما عبرت عنه (المستشارة الألمانية السابقة) أنغيلا ميركل أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلية) عام 2008، يبدو اليوم كشعار فارغ، في لحظة تحتاج فيها إسرائيل إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى". وفق قوله.

انتهازية سياسية

من زاوية أخرى، أشار "أتلانتيكو" إلى أن "الارتباط بين الخطاب السياسي والعنف في الشارع واضح للغاية"؛ إذ سجل المركز الفيدرالي للمعلومات والأبحاث حول معاداة السامية 8,627 حادثا معاديا للسامية في عام 2024، من بينها ثمانية حوادث بمحاولات قتل أو إصابات خطيرة. وفق قوله.

ويزعم الموقع أنه "من خلال ترديد الكليشيهات المعادية لإسرائيل، تمنح الحكومة شرعية للعناصر المتطرفة التي جعلت الشوارع والجامعات الألمانية بيئة معادية لليهود". 

وادعى أن "كثيرا من اليهود يعيشون الآن في حالة طوارئ دائمة". ومع ذلك، قال ميرتس لقناة فوكس نيوز: إن حكومته تفعل "كل شيء" لمحاربة معاداة السامية، بما في ذلك تلك ذات المصدر الإسلامي. 

ووصف الموقع تصريحات ميرتس حول انتقاد إسرائيل بأنها "تحول مفاجئ"، وأنه "يفتقر إلى المصداقية بشكل مؤلم".

كما أنه "يندرج ضمن سلسلة من التقلبات الانتهازية منذ بداية ولايته، مثل انقلاب موقفه المفاجئ، في فبراير/ شباط 2025، من الديون العامة، مبررا ذلك بخطاب ألقاه (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب بعد فوزه".

كما عزا تصريحاته إلى كونها "محض انتهازية سياسية"؛ حيث ادعى أن ميرتس رأى أن "استرضاء الجناح المتنامي المعادي لإسرائيل -بما في ذلك داخل تحالفه الحاكم- أكثر ربحية من الالتزام بمواقف مبدئية".

وتابع الموقع: "لقد جعل من تماسك حكومته أولوية قصوى، معتبرا أن الانقسامات السياسية تؤدي إلى تآكل السلطة". 

وأضاف: "كما أنه يسعى إلى كسب الناخبين الشباب، خصوصا من الطبقة المتوسطة الحضرية المتأثرة بخطاب اليسار، وفي الوقت نفسه يسعى لإبعاد الناخبين المتعاطفين مع حزب -البديل من أجل ألمانيا- اليميني المتطرف".

طموحات أوروبية

من جهة أخرى، أشار الموقع إلى أن "طموحاته الأوروبية" قد تكشف الكثير عن سر "تحوله المفاجئ"؛ فقد لقّبته صحيفة "تاز" التقدمية ساخرة بـ "المستشار وزير الخارجية"، مبرزة رغبته في تجسيد قيادة أوروبية على غرار أنغيلا ميركل. 

ويعقب الموقع الفرنسي: "ولهذا الغرض، ينحني للمواقف المعادية لإسرائيل التي اتخذها أخيرا نظراؤه في إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، الذين فرضوا عقوبات على إسرائيل".

وتابع: "لكن هذا اللعب على وتر التضامن الأوروبي له ثمن مدمر، فهو يهدد العلاقة الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل، التي بُنيت بصبر عبر عقود. وفي سياق تصاعد معاداة السامية والنشاط الإسلامي، فإن العواقب قد تكون كارثية". وفق قوله.

وأردف: "من خلال تفضيل ميرتس من يهوّنون من إرهاب حماس على المدافعين عن الديمقراطية الإسرائيلية، يتخذ المستشار الألماني خيارا ثقيل العواقب". بحسب تعبيره.

وزعم أن "هذا الانعطاف يثير البلبلة حتى في صفوف المحافظين"؛ حيث انتقده البعض بدعوى "صمته بشأن الرهائن الإسرائيليين (الأسرى في غزة) وهجمات حماس". 

ورأوا أنه "إذا قرر المستشار الألماني وقف تسليم الأسلحة لإسرائيل بسبب خلافات إستراتيجية مع الجيش الإسرائيلي، فإن ذلك يعد انهيارا لخط سياسي وأخلاقي بأكمله".

ويعقب: "بدأت هذه الإستراتيجية تنقلب عليه بالفعل: فبدلا من تهدئة تحالفه، شجعت خطواته الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على رفع سقف مطالبه، مطالبا بوقف كامل لتصدير الأسلحة".

وبين الموقع أن "الأصوات المناهضة لإسرائيل أصبحت أكثر جرأة". ودلل على ذلك بما حدث عندما صرح وزير الداخلية ألكسندر دوبرينت، وهو من نفس التيار السياسي لميرتس، علنا عن الشراكة الإستراتيجية مع تل أبيب بجانب نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر؛ إذ "تعرض على الفور لهجوم عبر رسائل مفتوحة واحتجاجات، لا سيما من القطاع الثقافي الممول من الدولة".

ويؤكد أنه "إذا قرر ميرتس أن يتخلى عن إسرائيل من أجل حسابات انتخابية قصيرة الأمد، فإنه لا يخون حليفا محوريا فحسب، بل يخون بلده ذاته، والأسس الأخلاقية للجمهورية الاتحادية".

وشدد الموقع الفرنسي على أن "هذه ليست مجرد هزيمة دبلوماسية، بل انهيارا أخلاقيا". وفق زعمه.

واختتم بالقول: “السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت ألمانيا قادرة على الاستمرار في دعم إسرائيل، بل: هل تستطيع أن تتحمل التخلي عن الأساس الأخلاقي لهويتها ما بعد الهولوكوست؟”

وأردف: "إذا كانت إجابة ميرتس نعم، فإن ألمانيا ستشجع الإسلاموية، وتغذي معاداة السامية، وتفتح ثغرة خطيرة أمام أوروبا بأسرها". وفق زعمه.