تهديدات ترامب بإخلاء طهران فورا.. قرار بخوض الحرب أم ورقة ضغط؟

أصدرت الخارجية الأميركية تنبيها أمنيا عاجلا حثت فيه المواطنين الأميركيين على تجنب السفر إلى إيران
"على الجميع إخلاء العاصمة الإيرانية طهران فوراً".. تهديدا أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ظل التصعيد العسكري بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، وذلك في إشارة إلى احتمال استخدام القوة العسكرية ضدها إذا لزم الأمر، لكنه سرعان ما تراجع عنه في اليوم التالي.
الرئيس الأميركي أعرب في منشور على منصة تروث سوشيال في 16 يونيو/حزيران 2025، عن قلقه بشأن البرنامج النووي الإيراني، قائلا: "كان ينبغي على إيران توقيع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، عندما طلبت منها التوقيع.. يا لها من خسارة وإهدار للأرواح البشرية".
وانسجمت تهديدات ترامب مع إصدار قوات الاحتلال الإسرائيلي، تحذيرا بالإخلاء شمل ما يصل إلى 330 ألف شخص في جزء من منطقة وسط طهران، ويشمل هذا الجزء مقر التلفزيون الحكومي ومقر الشرطة بالإضافة إلى 3 مستشفيات كبرى، أحدها تابع للحرس الثوري.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله إن منشور ترامب يعكس إلحاحه على عودة إيران إلى المفاوضات، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي كان يتلقى إحاطات منتظمة حول إيران طوال اليوم، خلال وجوده في كندا لحضور قمة مجموعة السبع.
وبدورها، أصدرت الخارجية الأميركية تنبيها أمنيا عاجلا حثت فيه المواطنين الأميركيين على تجنب السفر إلى إيران، وإذا كانوا موجودين هناك، عليهم مغادرة البلاد على الفور، حيث تصاعدت التوترات في المنطقة بشكل حاد وأصبحت حياة وسلامة مواطنيها معرضة للخطر.
وفي اليوم التالي، تراجع الرئيس الأميركي عن تهديداته، قائلا في تصريح أدلى به للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، أثناء عودته من قمة زعماء مجموعة السبع في كندا، إنه دعا إلى إخلاء طهران لضمان سلامة مواطنيها، لأن الإسرائيليين لن يخففوا حدة هجماتهم على إيران".
وأوضح أنه سيتابع تطورات الشرق الأوسط من غرفة العمليات في البيت الأبيض، مؤكدا رغبته في "نهاية حقيقية" بخصوص الاتفاق النووي مع إيران.
وأضاف ترامب، أنه ما زال يواصل مساعي الحل الدبلوماسي للأزمة، مشيرا إلى أنه قد يرسل مبعوثه الخاص للمنطقة ستيف ويتكوف أو نائبه دي فانس، لمقابلة مسؤولين إيرانيين، وأن الأمر يعتمد على ما سيحدث عند عودته لواشنطن.
وأكد ترامب أن إيران "تدرك جيدا أهمية عدم المساس بالجيش الأميركي"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة سترد "بحزم" إذا تعرض مواطنوها للأذى.
وعد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تهديدات الرئيس الأميركي مؤشرا على قرب خسارة الكيان الإسرائيلي المعركة وبداية خروج تل أبيب عن السيطرة وانهيار الاحتلال، فيما رآها آخرون استمرارا للحماية والدعم والمساندة الأميركية للاحتلال الإسرائيلي.
وعبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ترامب، #طهران، #إسرائيل، وغيرها، قدموا قراءات وتحليلات متباينة حول تهديدات ترامب ومن ثم تراجعه عنها سواء بحذف منشوره أو بتصريحاته التي أرجع فيها تهديده لحرصه على سلامة الإيرانيين.
ورأى ناشطون أن موقف ترامب يعكس تصعيدا خطيرا يمكن أن يؤدي إلى مواجهات عسكرية غير مسبوقة وغير محسوبة العواقب، فيما رآها آخرون تستهدف الضغط السياسي والحرب النفسية أكثر من كونها نية حقيقية للانخراط في الحرب، فيما ذهب فريق لانتقادها والتقليل منها.
صلف ورعونة
وانتقادا لوعيد الرئيس الأميركي وتأكيدا أنها تخدم الاحتلال الإسرائيلي، استنكر استاذ العلوم السياسية عبدالله الشايجي، تهديدات ترامب، قائلا: إنه بعدما دعم ونسق ووافق مع نتنياهو يتماهى ويتبنى موقفه، ووزير الخارجية الأميركي التابع الصغير يعيد تغريد تغريدة ترامب الصادمة".
وتساءل: "ما هذا الصلف والعنجهية؟"، مؤكدا أن ترامب يعتقد أن طهران 18 مليون نسمة هي قرية صغيرة.
وانتقد الكاتب وائل قنديل وعيد الرئيس الأميركي لإيران، قائلا: "البلطجي الأكبر ترامب ينذر سكان طهران بإخلائها فورًا.. بكل وساخة يهدد بقتل شعب كامل.. إن فعل سيكون ذلك بأموال السعودية والإمارات وقطر.. سجل يا تاريخ".
وحث ناصر خلف الله، دول الخليج على الضغط على ترامب ليكف عن تهديدات العنترية لإيران، محذرا من أن أميركا لو استهدفت إيران والمليشيات فليس أمام المليشيات إلا العبور للحدود، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يسعى إليه ترامب وإسرائيل.
وأشار محمد الصاوي إلى أن تصريحات ترامب تدخل واضح وصريح من أميركا لمساندة إسرائيل، لافتا إلى أن موقف إيران أصبح صعب جدًا، خصوصًا أن أميركا قوى عظمى.
وقال: إن أميركا أعلنت عن حاملة طائرات بدأت في التحرك من بحر الصين الجنوبي للشرق الأوسط، موضحا أنها حاملة مليئة بالطائرات المقاتلة المتطورة جدًا والأهم في العالم، غير الأسلحة الثقيلة، بالإضافة إلى أنباء عن تحرك عدد ضخم من الطيارات ناحية إيران.
وأكد الصاوي أن ذلك يعني أن ترامب ينوي مساعدة إسرائيل ودك إيران، مشيرا إلى أن الأخيرة على الجانب الآخر غير صامتة إذ أعلن الحرس الثوري عن موجة الهجوم التاسعة ضد إسرائيل، والتي وصفها بأنها هجوم مركب يستمر لساعات، ويستخدم فيه طائرات مسيرة وصواريخ بالستية ولأول مرة صواريخ كروز.
ورأى الصحفي محمد البرغوثي، أن الرئيس الأميركي يقرر تدمير إيران ويتدخل لإنقاذ إسرائيل من كارثة، مضيفا أن "ترامب صديق حكام الخليج يقرر منح المنطقة بكاملها للصهاينة".
وتابع: "مهما حدث، فهمنا وتأكدنا: لا وجود لإسرائيل بدون أميركا وبدون أموال دول النفط"، مؤكدا أن ترامب حقق هدفين، أولهما "ترك إسرائيل تتلقى علقة معتبرة حتى تتيقن تماما من أنها دون أدنى حماية بدون أميركا".
وأشار البرغوثي إلى أن الهدف الثاني، هو تدمير القوة العسكرية الناهضة بإيران وتمهيدها لعودة نجل شاه إيران السابق، صديق إسرائيل الذي احتفل بزواج إحدى بناته برجل أعمال يهودي ليلة الخميس الماضي، أي قبل الهجوم على إيران فجر الجمعة الماضي بساعات قليلة.
وأوضح عادل الركيب، أن إخلاء طهران معناه القضاء على إيران للأبد، متسائلا: "فهل سيقف العالم متفرجا؟ هل ستصبح مثل العراق وسوريا وليبيا".
الحرب النفسية
وفي قراءة وتحليل لتهديدات ترامب ومن ثم تراجعه، أكد الكاتب السياسي وحيد الطوالبة، أن تهديد ترامب وطلبه إخلاء طهران فورا مجرد تصريح أرعن وقد تراجع عنه فورا لأنه تلقى طلب توضيحات حول ذلك من روسيا والصين وغيرهما، لهذا هو يمارس الضغط النفسي، مؤكدا أن القيادة الإيرانية أكثر من يدير الحرب النفسية ولديها خبرة لا مثيل لها.
ورأى الأكاديمي محمد بسيوني، أن تصريح ترامب بضرورة إخلاء طهران، ثم تراجعه السريع عنه، يكشف حجم العبث والخطورة في إدارة القرار لدى دولة بحجم أميركا، فإما أنه يجهل تبعات كلماته، وإما أنه يتعمد إطلاق تهديدات مروعة ثم يتنصل منها تحت الضغط، أو أنه مجرد واجهة ينفذ تعليمات تُدار من خلف الستار.
وقال المحلل السياسي ياسر اليافعي: "لا ترامب صدق لما قال للإيرانيين "غادروا طهران فوراً"، ولا إيران صدقت لما وعدت بـ"أكبر ضربة في تاريخها ضد إسرائيل"!
كله طلع "مطر زنج".
وأضاف: "سهرونا للصبح، وفي النهاية إسرائيل هي اللي كسبت باغتيال قائد الجيش الإيراني الجديد!".
فيما قال الباحث في الشؤون الدولية طارق عبود: "عندما يتدخل دونالد ترامب ويهدد أهالي طهران، وعندما ينفي أنه يريد للحرب أن تتوقف، حتى لو تخلى الإيرانيون عن الطموحات النووية، وعندما لا يخاف الناس في إيران من تهديدات نتنياهو، يعني ذلك أنّ إسرائيل ليست في وضع مريح، وهي تعاني الألم، وأنّ حسمها للمعركة كما كانوا يتخيلون بعيد المدى".
وأضاف: "من هنا يأتي تدخل ترامب بهذه الوقاحة وتحريك حاملات الطائرات والأصول الأميركية نحو المنطقة"، مختتما بجملة واحدة: "إسرائيل تعاني وليست على ما يرام ".
وعد الكاتب يحيى بن عبيد تهديدات ترامب واحدة من اثنين، إما أنه ينوي قصف إيران وهذا الأرجح، أو أنها ورقة ضغط وتخويف لقبول التفاوض والتوقيع.
وأكد محمد حسن قاسم، أن تفسير تحذير ترامب ليس بالأمر السهل، خصوصًا أنه يُبدّل مواقفه باستمرار، و99٪ من تصريحاته مجرد تهديدات فارغة، مشيرا إلى أن أحد التفسيرات المحتملة لهذا التحذير قد يكون التهديد باستخدام قنبلة خارقة للتحصينات بغرض اغتيال آية الله خامنئي.
وعد محمد العدوفي، تهديدات ترامب بإخلاء طهران ومغادرته لاجتماع مجموعة السبع ودعوته لمجلس الأمن القومي الأميركي للاجتماع ومطالبته بإعادة الإيرانيين للحوار دليل واضح وجلي بأن العدو الصهيوني يتوجع بشدة.
وأكد حسام الخرباش، أن تهديدات ترامب تدل على أن إسرائيل تخسر الحرب ولا تستطيع مواصلتها، وأن إسرائيل ستكون خاسرة أمام الإيرانيين في أي حرب طويلة.
وأرجع ذلك إلى أن إيران تمتلك مخزوناً هائلًا، بينما لدى إسرائيل سقفٌ معين في مسألة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى التي تُطلق من الطائرات، رغم أن إيران حتى الآن لم تظهر أفضل ما لديها ولم تمد يدها بقوة.
وجزم الخرباش، بأن التهديدات ليست معيارًا لما سيحدث في المستقبل، والتدخل الأميركي يعتمد على مستوى التصعيد، مضيفا: "لن تترك أميركا إسرائيل تتعرض لضربٍ مبرحٍ جدًا، ومستوى التصعيد الحالي لا يزال ليس خطيرًا، رغم أن إسرائيل تعرضت لأكبر إذلال في تاريخها".
وتابع: "إذا أدركت الولايات المتحدة أن تدخلها عسكرياً سيفتح المجال للروس والصينيين للدخول إلى الحلبة، فلن تقوم بذلك، وأعتقد أن الولايات المتحدة حالياً تفضل التدخل من خلف الستار بدلاً من التدخل المباشر".
هزيمة تاريخية
وفي محاولة لطمأنة الإيرانيين وإعرابا عن التضامن معهم، خاطبهم مدير المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون عبدالرحمن الأهنومي، قائلا: "أيها الشعب الايراني العظيم لا تخيفكم تهديدات المجرم ترامب، إنما يريد إرهابكم وترهيبكم نفسيا، فلا تخافوه وردوا عليه بمعنويات عالية وبلغة أقوى وأعلى".
وأضاف: "من واقع تجربة عشناها في اليمن، في مارس من هذا العام كان ترامب يعلن العدوان علينا، ويهددنا بالإبادة والسحق وبالقوة المميتة، ومرارا وتكرارا أعاد تهديداته خلال شهري مارس وأبريل".
وقال جاسم مراد، إن نتيجة للخطأ الإستراتيجي الذي اقترفه النتنياهو والطلب من أميركا لإنقاذه وإخراجه من هذه الورطة قام ترامب بتهديد أهالي طهران وطلب منهم الخروج منها وردا علي ذلك التهديد صلية صاروخية تصل الكيان من إيران التي لا تعير تهديدات المهرج ترامب أي تقدير".
وعد عرفات الحاشدي، الانفجارات التي هزت تل أبيب ومحيطها ليلة أمس نتيجة الموجة التاسعة من عملية الوعد الصادق 3 هي أبلغ رد على تهديدات ترامب الذي وصفه بـ"الأخرق المعتوه"، مؤكدا أن إيران تقول للصهيوني وأدعيائه بالفرط صوتي هيهات منا الذلة.
وأشار الأكاديمي حمود النوفلي، إلى أن تطورات دبلوماسية حدثت بعد تهديد ترامب بإخلاء طهران، تتجه لإنهاء الحرب قبل يوم الإثنين القادم.
ولفت إلى أن إيران هددت بضربة تاريخية وقاسية على الكيان الصهيوني، وأميركا والكيان المحتل تأكدوا من مخابراتهم أن الضربة ستكون هزيمة تاريخية فقرروا القبول بالتخفيف التدريجي للهجمات حتى تنتهي بقرار أميركي بوقف الحرب بين الطرفين.
وأكد النوفلي، أن لذلك بعد تهديد إيران قلت الهجمات الصهيونية البارحة على إيران، فقابلتها طهران بعدد أقل في الصواريخ.
وقال: "كل ذلك حدث بعد تأكد الصهاينة أن أميركا رافضة وخائفة من دخول الحرب معها فوجدت نفسها في ورطة فقررت التخفيف التدريجي، إلا إذا حصل استفزاز إيراني ووجدوا إيران ما زالت مصرة على التخصيب بنسب عالية فهنا يمكن تتطور الحرب لدخول أميركي".
ووصف الباحث إبراهيم حمامي، ما كتبه ترامب على موقعه حول إخلاء طهران بأنه "غير مسبوق"، قائلا: "سكان طهران ١٧ مليون نسمة.. جنون رسمي".
وكتب باسم بازة: "هو لما ترامب يقول على الجميع إخلاء طهران فورا.. التصريح ده يضحكك "استغرابا".. لأن الوضع لا يحتمل ضحك.. مش يخوفك على فكرة.. ليه.. غزة ولمدة سنتين يا مؤمن بتقاوم ومش عارفين يخرجوا منها أقل من ٢ مليون.. طب انت عارف مساحة طهران قد ايه".
وتابع: "طب عدد سكانها كام.. سكان العاصمة يتخطى عددهم العشرة مليون مواطن.. إيران مش قطر ولا طهران الدوحة عشان يفضوها من أهلها بين العصر والعشاء.. فيه تصريحات يعول عليها وفيه تصريحات لا خاصة من البرتقالي".