امتلاك إيران وثائق “نووي إسرائيل”.. هل تؤثر على المفاوضات بين طهران وواشنطن؟

نتنياهو قد يستغل هذا التطور لتأجيج جولة جديدة من التوترات مع إيران
عادت الأضواء العالمية إلى الملف النووي الإسرائيلي الغامض، بعد إعلان إيران في 7 يونيو/حزيران 2025، الحصول على عدة آلاف من الوثائق السرية والحساسة المتعلقة به.
وبحسب الإعلان الإيراني، تشمل تلك الوثائق معلومات عن البرنامج النووي الإسرائيلي والمنشآت النووية ذات الصلة، وهو أمر لطالما كان محل جدل دولي.
ويخشى محللون من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يستغل هذا التطور لتأجيج جولة جديدة من التوترات مع إيران، وفق ما يقول موقع "قناة CCTV" الصينية.
وأعلن وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل الخطيب أن العملية كانت واسعة النطاق، ومعقدة وشاملة"، وجرى التخطيط لها "بدقة عالية"،وإنها ستُستخدم في تعزيز القدرات الهجومية الإيرانية.
كما أكد أن طريقة نقلها لا تقل أهمية عن محتواها وأنها نُقلت "بأمان كامل، وأن نشرها سيتم قريبا".
وأوضح أن العملية متعددة المراحل، بدأت بـ "الاختراق، ثم استقطاب المصادر، فالوصول إلى المعلومات، وتوسيع نطاقها، قبل أن يعلن "أصبحنا اليوم أمام كنز إستراتيجي بالغ الأهمية".
بدوره، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أحمد بقائي: إن هذه الوثائق تكشف عن مشاركة دول أوروبية في بناء الأسلحة النووية لإسرائيل.

هجوم مضاد
ووصف الموقع هذا التحرك الإيراني بأنه "واحد من أكبر العمليات الاستخباراتية التي تنفذها إيران ضد إسرائيل خلال السنوات الأخيرة". كما أنه يأتي في فترة حساسة؛ حيث تجرى مفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن الملف النووي الإيراني.
ووفقا لوسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، فإن "هذه العملية جرت سرا منذ فترة، لكنها لم تُعلن حتى الآن بسبب الحجم الكبير للمعلومات وسرية عملية نقل الوثائق إلى مواقع آمنة داخل الأراضي الإيرانية".
ويرى مراسل القناة الحكومية التابعة للدولة الصينية أن "هذا التحرك الإيراني يشكل ردا مباشرا على العملية التي نفذها جهاز الموساد (الاستخبارات) الإسرائيلي عام 2018، حين نجح في سرقة أرشيف البرنامج النووي الإيراني من طهران".
وآنذاك، تقاسمت إسرائيل تلك المعلومات مع أجهزة الاستخبارات الأميركية، لتُستخدم لاحقا كأحد المبررات الرئيسة لانسحاب الإدارة السابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، حسبما أورد الموقع الصيني.
وأضاف: "واليوم، يبدو أن طهران تحاول استعادة ماء وجهها عبر هذه العملية الاستخباراتية المضادة، في محاولة منها لرد الصاع صاعين".
وعلى الرغم من عدم صدور أي رد فعل علني من جانب إسرائيل على هذه الحادثة، يتوقع بعض المحللين أن نتنياهو، المتورط في تهم فساد، قد ينتهز هذه الفرصة لـ "إشعال جولة جديدة من التوتر مع إيران، وتحويل الانتباه المحلي عن إخفاقاته، وكسب مساحة سياسية أكبر لنفسه".
وألمحت إسرائيل عدة مرات، في مايو/أيار 2025، إلى أنها قد "تتخذ إجراء أحادي الجانب"، وقد يكون الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية مرتبطا بذلك.
وهذا يعني أيضا -بحسب الموقع الصيني- أن "الحرب الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل لن تكون على الأرجح مجرد مواجهة خلف الكواليس، بل ستؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني في الشرق الأوسط بأكمله".

ضربة مركزة
وفي خضم توتر متزايد في الشرق الأوسط، ومع إحراز تقدم محدود في المفاوضات بين أميركا وإيران، يرى الموقع أن "كشف طهران عن تلك الوثائق لامس بدقة النقاط الحساسة لدى واشنطن وتل أبيب".
كما أنه سلط الضوء مجددا على سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالقضايا النووية.
ويُنظر إلى هذه الخطوة ليس فقط كدلالة على "قدرات إيران الاستخباراتية المتطورة"، بل أيضا كـ "محاولة متعمدة لإعادة تسليط الأضواء الدولية على ملف طالما حاولت إسرائيل إبقاءه في الظل".
وأضاف الموقع الصيني أن "هذا الإعلان الإيراني يأتي في لحظة دقيقة من تصاعد حدة النزاعات الإقليمية، وتوقف المسار التفاوضي بين طهران وواشنطن".
"وهو ما يجعل هذا الكشف بمثابة ضربة سياسية واستخباراتية مركّزة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة على خلفية ما يُوصف بازدواجية مواقفهما في التعامل مع البرامج النووية في المنطقة"، وفق تعبيره.
وحتى اللحظة، لم تكشف إيران عن تفاصيل محتوى الوثائق، كما لم يصدر أي رد رسمي من الجانب الإسرائيلي.
غير أن التطورات الأخيرة تُعزز مصداقية الرواية الإيرانية، إذ سبق أن أكدت تل أبيب اعتقال إسرائيليين بتهمة التجسس لصالح إيران.
وهذا إضافة إلى الموقف الإسرائيلي التقليدي الغامض تجاه برنامجها النووي، والذي لطالما اتسم بعدم الاعتراف الرسمي أو الإنكار الصريح، مما يمنح الرواية الإيرانية بعدا إضافيا من التأكيد والواقعية، وفق الموقع الصيني.
حسابات استراتيجية
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ترى أن "اختيار إيران هذا التوقيت بالذات للإعلان عن امتلاكها وثائق حساسة تتعلق بالبرنامج النووي الإسرائيلي، لم يكن عشوائيا".
وأوضح أنه "يعكس -بالنسبة لهم- حسابات استراتيجية دقيقة مرتبطة بالمفاوضات النووية المتعثرة مع الولايات المتحدة، والتطورات المتسارعة في المشهد الإقليمي".
إذ اعتبروا أن طهران تسعى من خلال هذا الإعلان إلى ردع تل أبيب عبر إيصال رسالة مفادها أن إيران تمتلك القدرة على اختراق المنظومة الأمنية الإسرائيلية والوصول إلى معلومات بالغة الحساسية.
وهو "ما قد يمنع تل أبيب من اتخاذ خطوات هجومية مفاجئة، أو تصعيد عسكري مباشر ضد إيران"، كما أفاد الموقع.
والهدف الثاني يكمن في سعي طهران إلى "قلب المعادلة عبر فضح ما تعده سياسة الكيل بمكيالين، في ظل الضغوط الشديدة التي تمارسها واشنطن وتل أبيب على إيران للحد من قدراتها في تخصيب اليورانيوم"؛ إذ تهدف إلى تسليط الضوء على "التواطؤ الغربي في التغاضي عن الغموض الذي يحيط بالبرنامج النووي الإسرائيلي، بما يعزز موقف إيران التفاوضي ويزيد من أوراق الضغط التي تملكها في المحادثات النووية".
وأضاف الموقع: "تهدف طهران إلى تعزيز حالة التعبئة الداخلية والإقليمية، من خلال تحريك المشاعر الشعبية المناهضة لإسرائيل والداعمة للقضية الفلسطينية، بما يعزز الاصطفاف الشعبي داخل إيران وخارجها حول خطاب المقاومة والمواجهة مع تل أبيب".

إجراءات انتقامية
وإذا ما ثبتت صحة ما أعلنته إيران وتبعته بكشف تفاصيل دقيقة عن مواقع نووية إسرائيلية أو خطط دفاعية حساسة، فإن التقديرات تُجمع على أن ذلك "سيشكل ضربة قوية للبنية الاستخباراتية الإسرائيلية، وسيتطلب من تل أبيب إعادة تقييم شاملة لمنظومتها الأمنية".
وتوقع الموقع الصيني أن "يؤدي هذا الاختراق -إذا تأكد- إلى تقويض الثقة الداخلية والخارجية في فعالية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية".
كما أنه "سيضع إسرائيل أمام أزمة دبلوماسية حادة، ويهدد بنسف استراتيجيتها القديمة في التعامل مع ملفها النووي عبر سياسة الغموض البنّاء التي تتبعها منذ عقود، والتي تقوم على الامتناع عن الاعتراف أو النفي فيما يخص امتلاكها الأسلحة النووية".
في الوقت ذاته، أشار إلى أن "هذا التطور قد يؤدي إلى مضاعفة الضغوط على الولايات المتحدة، مما يُجبرها على التعاطي بجدية أكبر مع الملف النووي الإيراني، وربما تسريع وتيرة المفاوضات من أجل منع انفلات الوضع الإقليمي من السيطرة".
وعن ردود الفعل الإسرائيلية المتوقعة، رجح الموقع أن "تتخذ إسرائيل في المرحلة المقبلة إجراءات انتقامية ردا على ما أعلنته إيران".
وأشار إلى أن إيران "قد تتحكم في وتيرة نشر التفاصيل المتعلقة بالوثائق التي حصلت عليها، لتجنب إثارة إسرائيل بشكل مفرط".
وأكَّد أن "الحرب الاستخباراتية بين الجانبين ستستمر بوتيرة متصاعدة وشراسة متزايدة، في ظل مناخ إقليمي محتقن واستقطاب متصاعد".
وبحسب رأيه، تعكس هذه التطورات بوضوح "مأزق الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط؛ حيث تتزايد مشاعر العداء وسياسات الردع المتبادل".
وذلك نتيجة سنوات من "الانحياز الأميركي الأحادي الذي حال دون تحقيق توازن عادل أو فتح مسارات حقيقية نحو السلام، وهو ما يُبقي المنطقة رهينة دوامة مستمرة من التوتر وانعدام الاستقرار"، وفق الموقع.