مشروع السكة الحديد بين مصر والسعودية.. لماذا يثير قلق إسرائيل؟

تُركّز الخطة على دمج السكك الحديدية في مصر مع الممرات الإقليمية الرئيسية
للوهلة الأولى، يبدو إعلان مصر عزمها التعاون مع السعودية لبناء "خط سكة حديد إفريقي آسيوي" عبر البحر الأحمر، وكأنه تعاون تقني عابر، لكن قد تنجم عن هذه الخطوة أبعاد إستراتيجية وتحولات كبرى.
وأعلن وزير النقل المصري كامل الوزير في 25 مايو/أيار 2025، عزم بلاده التعاون مع المملكة لبناء الخط، مشيرا إلى أن "مصر تستهدف ربط البلاد بشبكة للسكك الحديدية تصل بين آسيا وأوروبا". ولفت إلى انتهاء الخطط المتعلقة بإقامة جسر يربط بين البلدين وأن التنفيذ جاهز في أي وقت.
وفي هذا السياق، تشير صحيفة "سوهو" الصينية إلى أن هذا الخبر يحمل في طياته أبعادا إستراتيجية أكبر بكثير من مجرد خط نقل تقليدي؛ إذ تقدر أن "خط السكة الحديد هذا يمكن أن يغير ملامح الشرق الأوسط بأكمله".
وفقا لما نشرته وكالة رويترز البريطانية، تُركّز هذه الخطة، التي تُعدّ جزءاً من رؤية أوسع لتعزيز دور مصر في التجارة الدولية، على دمج البنية التحتية للسكك الحديدية في البلاد مع الممرات الإقليمية الرئيسة.

قلق إسرائيلي
وأشارت إلى أن هذا المشروع "يثير قلق إسرائيل"، ووصفته بأنه "يشبه غرس خنجر في قلبها".
وتابعت: "بالنظر إلى الخريطة، يمكن ملاحظة أن العالم العربي مقسم فعليا إلى قسمين بسبب موقع إسرائيل الجغرافي".
وأردفت: "ففي الشرق تقع دول الخليج مثل السعودية والكويت، وفي الغرب تقع دول شمال إفريقيا مثل مصر وليبيا، والتواصل البري بين هذه المناطق يمر حتما بإسرائيل، التي تمثل عائقا جغرافيا وسياسيا".
في الوقت الراهن، تعتمد حركة البضائع بين الدول العربية على 13 سفينة فقط تنفذ عمليات الشحن عبر البحر الأحمر.
وهي -بحسب الصحيفة- طريقة غير فعالة وتعكس حالة من التبعية وغياب المرونة.
وتحدثت عن تفاصيل المشروع المرتقب بين القاهرة والرياض بالقول إنه "يتمثل في إنشاء خط سكة حديد يمتد من شمال غرب السعودية إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، مرورا بمضيق تيران الذي يبلغ عرضه حوالي 6 كيلومترات".
وإذا ما أُنجز هذا المشروع الجيوسياسي المهم، فإنه سيعيد ربط العالم العربي بعضه ببعض بطريقة لم تحدث منذ عقود، وهو ما يبرر شعور إسرائيل الطبيعي بالقلق.

تغير المعادلة
مع ذلك، تشير الصحيفة الصينية إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة إنشاء هذا الجسر؛ إذ كانت هناك ثلاث محاولات فاشلة، وراءها صراعات خفية".
وأفادت بأن "فكرة الربط بين السعودية ومصر بجسر أو خط سكة حديد طُرحت لأول مرة عام 2006، عندما وضع العاهل السعودي (الملك عبد الله بن عبد العزيز آنذاك) حجر الأساس بنفسه، لكن الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك رفض المشروع بشكل قاطع".
وتابعت: "وفي عام 2016، خلال زيارة الملك سلمان (بن عبد العزيز) إلى مصر، عاد المشروع إلى الواجهة من جديد، وتم الحديث عن استثمارات تصل إلى 4 مليارات دولار، ومع ذلك، لم ير النور مرة أخرى".
وعزت التردد المصري السعودي في إتمام المشروع إلى "الخوف من رد الفعل الإسرائيلي"، إذ لم تكن الدول العربية حينها في وضع يسمح لها بمواجهة إسرائيل بشكل مباشر.
وأضافت: "رفض مبارك المشروع بذريعة تأثيره السلبي على السياحة في شرم الشيخ، وهي حجة واهية استخدمت للتغطية على الأسباب الحقيقية".
"لكن الوضع في عام 2025 تغير تماما، وقواعد اللعبة لم تعد كما كانت، وهذا التغيير له عدة أسباب"، وفق الصحيفة.
منها أن "النزاع القائم في غزة دفع الولايات المتحدة وإسرائيل للتفكير في ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما قوبل برفض قاطع من مصر التي أعلنت بوضوح أن شبه الجزيرة خط أحمر لا يمكن تجاوزه".
ومنها كذلك أن "دولا مثل السعودية ومصر وإيران والإمارات اكتسبت عضوية مجموعة البريكس، ما زاد من قوتها السياسية والاقتصادية وأعطاها وزنا دوليا مختلفا".
واستطردت: "أما التطور الأبرز فهو إعلان السعودية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عن بدء العمل في عام 2025 على مشروع الجسر القاري الذي يمتد على طول 1472 كيلومترا".
إذ "يهدف المشروع إلى إنشاء ممر بري يربط بين الخليج العربي (الساحل الشرقي للسعودية) والبحر الأحمر (الساحل الغربي)، مما يعزز التجارة والنقل عبر المملكة كجسر بين الخليج والمناطق الغربية".
وتوقعت "أن يرتبط هذا المشروع بخط سكة حديد آسيا-إفريقيا في نقطة تقاطع إستراتيجية".

مخطط شامل
وفي هذا الصدد، أكدت الصحيفة الصينية أن المشروعين ليسا منفصلين، بل متعلقين بـ "مخطط إقليمي شامل".
وأضافت أن "السعودية تعمل أيضا على تنفيذ مشروع سكة حديد الخليج الذي يربط دول مجلس التعاون الست بشبكة طولها 2177 كيلومترا".
وهو الأمر الذي "من شأنه تعزيز الترابط بين دول الخليج، وفتح آفاق جديدة للتكامل الاقتصادي والنقل البري".
واسترسلت: "مصر أيضا لم تقف مكتوفة الأيدي، بل بدأت في تنفيذ مشروع سكة حديد سيناء الجديدة، الذي يمتد من مدينة العريش على البحر المتوسط إلى طابا على خليج العقبة، وقد أُنجز نحو 60 بالمئة منه بالفعل".
وتعتقد الصحيفة أنه "بمجرد اكتمال هذه الخطوط، فإن شبكة النقل في الشرق الأوسط بأكملها ستُعاد صياغتها بشكل جذري".
وأكدت أن "العالم العربي سيتمكن أخيرا من تجاوز العزلة المفروضة عليه بفعل الموقع الجغرافي لإسرائيل، ليحقق ترابطا حقيقيا بين أجزائه".
وعن تأثير تلك المخططات الإقليمية على بكين، أوضحت الصحيفة أن "هذه التطورات تصب في مصلحتها".
وأردفت: "ففي مايو 2025، أصدرت الصين والجامعة العربية إعلان بكين، وتم توقيع اتفاقيات تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق مع جميع الدول العربية".
وأوضحت أن "ما يحدث الآن على ضفتي البحر الأحمر هو في الواقع تمهيد لمشاريع تعاون أكبر وأكثر طموحا".
ودعت الصحيفة لتخيل سيناريو خط تجاري "يبدأ من إقليم شينجيانغ الصيني، ويمر عبر آسيا الوسطى، ثم إيران، وصولا إلى الخليج العربي، ومن هناك ينطلق عبر مشروع "الجسر القاري" السعودي إلى البحر الأحمر، ثم يدخل إلى القارة الإفريقية عبر "سكة حديد آسيا–إفريقيا".
وإذا تحقق هذا المسار، تقول الصحيفة: "سنكون حينها أمام نسخة جديدة من طريق الحرير بتأثير عالمي واسع النطاق".
ورغم تأكيدها أن "إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التحول"، فقد شددت على أن تل أبيب تواجه هذه المرة عالما عربيا مختلفا، يمتلك ثقة أكبر في النفس وفرصا أفضل للتحرك على الساحة الدولية، وفق قولها.