اتفاق سلام بارد.. لماذا لم يتقبل الشعب المصري التطبيع مع إسرائيل؟

"سلام مصر مع إسرائيل كان مجرد صفقة وليس تحوّلا حقيقيا"
تساءلت صحيفة عبرية عما إذا كانت إسرائيل قد أخطأت بعقدها اتفاقية "كامب ديفيد" (عام 1978) للسلام مع مصر، وعما إذا كانت نموذجا ناجحا، ملمحة إلى أن هذه العلاقات موجودة على الورق فقط.
وفي مقال نشرته صحيفة جيروزاليم، وجّه كاتب مغربي انتقادا لركود العلاقات بين مصر وإسرائيل، مؤكدا أن أكثر من أربعين عاما من "الدبلوماسية الباردة" لم تُنتج سلاما حقيقيا بين الجانبين.

الشعب لم يوقع
وقال الزميل في منتدى الشرق الأوسط والمحلل السياسي أمين أيوب: إن القاهرة قد وقّعت اتفاقية السلام، لكن الشعب المصري لم يوقّع عليها.
وأكد إلى أن الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والدينية والثقافة الشعبية في مصر لم تواكب يوما موقف الحكومة الرسمي.
وأضاف: في مارس/آذار 1979 حين صافح الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن في حديقة البيت الأبيض، هلل العالم لذلك الحدث، فقد أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل.
وأوضح أن هذه لحظة وُصفت بالتاريخية، ونال أصحابها جائزة نوبل للسلام، وتُوّجت باتفاقية رسمية. لكن بعد أكثر من 45 عاما، تظل هناك حقيقة واحدة واضحة: لم يكن هناك تطبيع حقيقي.
وأردف أيوب أن "الصحف عنونت المشهد بالسلام، لكن ملايين المصريين رأوه خيانة، ولم يرفضوا الاتفاقية فحسب، بل بكوا بسببها، وخرجوا إلى الشوارع مرددين شعارات الغضب والتحدي، أما الإعلام العربي فوصف السادات بالخائن".
وبعد خمسة أيام فقط من توقيع الاتفاقية، جرى تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية؛ وهو ما يكشف الكثير.
فالحقيقة أن السلام كان إستراتيجيا، لا اجتماعيا، ولا ثقافيا، وبالتأكيد ليس نابعا من مشاعر شعبية، بحسب الكاتب.
"فبينما فُتحت السفارات وتبادل السفراء عبارات المجاملة، بقي وجدان المجتمع المصري على رفضه لإسرائيل، ولم تلتحق وسائل الإعلام أو الجامعات أو المؤسسات الدينية أو الثقافة الشعبية بالمسار الرسمي".
وقال أيوب: "اليوم، لم يتغير الكثير، صحيح أن مصر وإسرائيل تتعاونان في مجالات الاستخبارات والأمن وصفقات الغاز، لكن العلاقات بينهما ما زالت باردة، وجامدة، وقائمة على المصالح فحسب".

قانون عقابي
وأشار الكاتب إلى أن القانون المصري لا يزال يسمح بسحب الجنسية من الأفراد المنخرطين في الحركة الصهيونية، وتحظر النقابات المهنية التعامل مع الإسرائيليين.
وفي المدارس والجامعات، تُرى إسرائيل بعين عدائية، وفي الشوارع، خلال ثورات الربيع العربي عام 2011، كان المتظاهرون يهتفون: "هنرددها جيل ورا جيل.. بنعاديكي يا إسرائيل"، وفي عام 2023 عادت نفس الهتافات إلى القاهرة خلال حرب غزة.
وتساءل أيوب: ماذا يخبرنا ذلك؟ قائلا: "يعني هذا أن اتفاقية السلام لم تكن مبنية على المصالحة أبدا، بل كانت مجرد محاولة للبقاء".
ويرى أن "السادات كان يريد استعادة سيناء والانفتاح على الغرب، وإسرائيل كانت تسعى إلى تأمين حدودها الجنوبية. وقد حصل كلا الطرفين على ما يريد، لكنه لم يحصل على ما يحتاجه، وهو الثقة المتبادلة", وفق زعمه.
وأردف: "حتى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يعد شريكا براغماتيا لإسرائيل، كشف أخيرا عن حدود التطبيع".
ففي قمة جامعة الدول العربية هذا الشهر، أعلن أن "السلام الحقيقي لن يتحقق أبدا" ما لم تُقَم دولة فلسطينية.
بمعنى آخر يقول السيسي: سنواصل التعاون، لكن لا تتوقعوا تطبيعا حقيقيا. وهو محقّ من وجهة نظر مصر. فالمعاهدة لم تُخفف أبدا من حدة العداء المصري تجاه إسرائيل، بل جمّدته فحسب. وفق الكاتب.
وتابع: "رغم توقيع مصر على اتفاقيات اقتصادية وزراعية مع إسرائيل، فإن هذه الاتفاقيات غالبا ما جرت بعيدا عن الأنظار، أما السياحة، فكانت محدودة جدا، والتبادل الثقافي شبه غائب".
أما التنسيق العسكري في سيناء، فموجود ولكن في سِرية تامة؛ نظرا لرفض الشارع المصري القاطع لأي تقبل علني للعدو. يقول الكاتب.

معاهدة مشوهة
وأوضح أن "كثيرين في الغرب يجهلون أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل قد صُوّرت لسنوات طويلة على أنها نموذج ناجح للتقارب العربي-الإسرائيلي".
وهذا تصورٌ ساذج وخطير -وفق وصفه- فإذا كان الهدف هو التطبيع الحقيقي، الذي يوحّد الشعوب ويبني جسورا وينهي العداء، فإن تجربة مصر وإسرائيل تشكل تحذيرا وليس نموذجا يُحتذى به.
وقال: "لا تستطيع إسرائيل أن تخلط بين الصمت والتأييد، أو بين المعاهدات الرسمية والمصالحة الحقيقية، فلو لم يترسخ السلام في قلوب الشعوب، فسيفشل في نهاية المطاف في مكاتب السياسيين".
وتابع: "كانت إسرائيل محقة في سعيها للسلام، وفي حرصها على تأمين حدودها، وفي اعتمادها على الدبلوماسية، لكن الأمل في أن تتحول مصر إلى صديق حقيقي، وليس مجرد شريك، كان خاطئا".
وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، مدت إسرائيل يدها، بينما اكتفت القاهرة بالتعاون الضروري فقط، دون أن تتحول العلاقة إلى علاقة وجدانية أو ثقافية أو شعبية، وفق الكاتب.
وأكد أن "الوقت قد حان للتوقف عن التظاهر بأن ما جرى كان تطبيعا حقيقيا؛ لأنه لم يكن كذلك".
وأضاف: “رغم العداء، لم يُفقد الأمل بعد، فجيل الشباب العربي، خاصة المنفتحين على وسائل التواصل الاجتماعي والسفر والتعليم في الخارج، أقل اهتماما بالكراهية القديمة”.
وأردف: "أثبتت اتفاقيات أبراهام (التطبيع عام 2020) أنه عندما يسود السلامَ الشفافيةُ والازدهار المشترك، يصبح التطبيع الحقيقي ممكنا".
واستدرك: "لكن مصر لم تسلك هذا الطريق أبدا؛ فقد كان سلامها مع إسرائيل مجرد صفقة، وليس تحوّلا حقيقيا".
وإلى أن تواجه المجتمعات العربية عقودا من غسيل الدماغ المناهض لإسرائيل في وسائل الإعلام، والمدارس، والمؤسسات الدينية، فلن تحقق أي معاهدة تطبيعا حقيقيا. وفق زعمه.
وقال: "غالبا ما يُحتفى باتفاقية مصر وإسرائيل في العواصم الغربية، لكنها في القاهرة لا تزال مصدرا للعار، والاستياء، والإنكار، وهنا تكمن المفارقة: سلام أوقف الحروب، لكنه لم يوقف الكراهية".
وأردف: "إذا أردنا سلاما حقيقيا في الشرق الأوسط، فلا يمكن فرضه أو تزييفه أو تزويره خلف الأبواب المغلقة، بل يجب بناؤه ببطء وصدق، وبشجاعة لتحدي الخطابات التي تُبقي على الكراهية حية".
وختم قائلا: "وحتى ذلك الحين، سيبقى التطبيع بين إسرائيل ومصر كما كان دائما، سلاما باردا متسترا بقناع الدبلوماسية".