كيف يعمل نتنياهو على خلق صومال جديد في غزة؟.. صحيفة عبرية تشرح

الحكومة الإسرائيلية تتجاهل الواقع المتعلق بمستقبل غزة
في ظل الوضع الإنساني المتردّي في قطاع غزة، حذّرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقود الجيب المحاصر ليصبح "نموذجا صوماليا جديدا".
وهو وضع ترى الصحيفة أنه "قد يتسبب في ارتدادات خطيرة على الأمن القومي الإسرائيلي، وقد تضطر الحكومة حينها لمواجهة سيناريو كابوسي في غزة".

عزلة إستراتيجية
وأكدت أن "حكومة نتنياهو السادسة، وبعد أكثر من عامين ونصف العام في السلطة، لا تملك القدرة على إدارة خطاب إستراتيجي منهجي متقدم بشأن قطاع غزة، وقد بات هذا الأمر واضحا للجميع".
وذكرت أن "هذا العجز يظهر في العلاقة بين مكوّنات الحكومة ذاتها، أو بين الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، أو بين الحكومة وشركائها في العالم".
وترى الصحيفة أن "العزلة السياسية المتنامية لإسرائيل هي أيضا إستراتيجية وعميقة ولها تداعيات وخيمة على مسارح العمليات (العسكرية)، من إيران مرورا باليمن ووصولا إلى قطاع غزة".
و"هذا باستثناء لبنان؛ حيث يقود الجيش الإسرائيلي آلية عسكرية، وليست سياسية، لتنفيذ ضمان وقف إطلاق النار بالأساس، وحتى الآن، النتائج إيجابية".
وهو ما يعني -وفق الصحيفة- أن الحكومة الإسرائيلية تتجاهل الواقع المتعلق بمستقبل غزة.
فهي لا ترغب في بديل حقيقي لحكم حركة المقاومة الإسلامية حماس، "حفاظا على الرواية التي ستجعل حرب المئة عام في غزة ممكنة".
وأشارت إلى أن "إسرائيل تستهدف أي جهة مسؤولة في قطاع غزة، بما في ذلك المنظمات الدولية والجهات المحلية الفاعلة على الأرض".
كما أنها لا تتحدث أيضا عن "الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر للقطاع وهو البديل الأسوأ" في نظر الصحيفة.
وفي ظل هذه الأوضاع، تحذر من أن "مستقبل غزة عرضة للتدهور إلى حالة من الفوضى ستحوله إلى مقديشو الشرق الأوسط".
وتوقّعت أن يكون القطاع "منطقة تسودها الفوضى، تسيطر عليها فصائل مسلحة ذات آراء متطرفة، تتصارع فيما بينها على النفوذ من خلال استخدام القوة وتوزيع الغذاء ورسوم الحماية"، وفق تقديرها.

عملية صوملة
وشدّدت الصحيفة على أن ذلك “ليس سيناريو كابوسيا بعيد المنال، بل واقع محتمل يتشكل الآن”، مشيرة إلى أن "هذه الفوضى لن تأخذ بالضرورة شكل منظمة إرهابية مؤسسية، ولكنها قد تنمو من حشد عنيف لا يمكن السيطرة عليه".
وأضافت: "تتكاثر على أرض الواقع في غزة ظواهر تنذر ببدء عملية الصوملة بالفعل؛ حيث بدأت جماعات السلطة المحلية تحل محل الحكومة المركزية".
واستطردت: "في حالة غزة، تتكون هذه الجماعات أساسا من العشائر". ووصف مسؤول أمني الوضع الحالي في القطاع بأنه "جيوب من الفوضى"، أي أنه “يعترف بوجود الظاهرة، لكنه يحاول تصويرها على أنها هامشية”.
ورأت أن “هذا تفسير خطير لما يحدث بالفعل، حتى لو كان ظاهرة محلية”، موضحة أن "بعض مناطق قطاع غزة تخضع لسيطرة عشائر تمتلك السلاح، مما يعني أن لديها القدرة على السيطرة محليا على القطاع".
وتضيف أنه: "عادة ما تترجم هذه السيطرة إلى تخزين الغذاء، أو بعبارة أخرى، نهب شاحنات المساعدات".
وتتجاهل الصحيفة هنا أن جيش الاحتلال هو الجهة التي تقف وراء مليشيات محلية وتسلحها وتعمل على حمايتها وتدفع بها لسرقة المساعدات.
في سياق متصل، أفادت بأنه “حتى الآن، لم يتوصل الجيش إلى حل فعّال لتوزيع الغذاء في شمال قطاع غزة وبعض المناطق في وسطه، لذا يستمر إيصال المساعدات هناك بالطريقة القديمة: قوافل من الشاحنات” التي يجرى نهبها بالفعل عن طريق المليشيات المذكورة.
ومع ذلك، أوضحت أن "جزءا كبيرا من قوافل الشاحنات لا يصل إلى مراكز التوزيع التابعة للمنظمات الدولية؛ إذ يتعرض جزء كبير منها للنهب على طول الطريق، وعادة لا يكون ذلك على يد عناصر حماس".
وبيّنت أن أرقام الأسبوع الأخير (نهاية مايو/أيار 2025) مذهلة: فمن بين 238 شاحنة دخلت شمال قطاع غزة، نُهبت 135 منها أثناء طريقها.
في المقابل، ترى الصحيفة أن هذا الوضع يمثل "إشكالية مزدوجة لحماس". وقالت: "بعد أن انتزعت إسرائيل جزءا مهما من سلطتها، أصبح التهديد الذي تواجهه الحركة مزدوجا".
وهذا يتمثل في تهديد عسكري من إسرائيل، وتهديد مدني من سكان قطاع غزة، وفق تقديرها.
في الوقت ذاته، تحدّثت عن إشكالية أخرى لإسرائيل، وهي أنها "تعمل في مناطق واسعة تعاني منذ فترة طويلة من فراغ حكومي وغياب للسيطرة".
وفي ظل وضع كهذا، لم تستبعد أن "الأسلحة التي تُوجه إلى سائقي الشاحنات اليوم، قد يجرى تصويبها نحو جنود الجيش الإسرائيلي غدا".
بالإضافة إلى ذلك، فإن "أي كيان يسعى لاستعادة السلطة في غزة، سيضطر للتعامل مع مجموعات السلطة المحلية التي تولت بالفعل ملكية الأراضي والموارد".

تآكل السيطرة
من ناحية أخرى، ذكرت الصحيفة أن البعض يرى أن "وصول آلاف المدنيين يوميا إلى نقاط التوزيع يشير إلى كسر حاجز الخوف وتآكل سيطرة حماس على الشوارع"، لكنها حذرت من أن "هذا التآكل لا يصب بالضرورة في صالح إسرائيل".
وأنشأت إسرائيل أخيرا منطقة بين خان يونس ورفح جنوب قطاع غزة لتوزيع المساعدات لكن ثبت فشل الآلية.
ويذهب الآلاف ممن تجوعهم إسرائيل يوميا لتلقي ما يمكن أن يسدوا به رمقهم، لكنهم يعودون صفر اليدين، كما يتعرضون لإطلاق نار من قبل الاحتلال.
وترى الصحيفة أن "لتآكل قدرة حماس على السيطرة جانبا خطيرا"؛ حيث إن "إسرائيل قد تفقد عنوانَ إطلاق سراح الرهائن"، في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين بغزة (58 منهم 20 على قيد الحياة).
وتابعت: "بعبارة أخرى، حتى لو وُجد من يناقش الأمر في قطر (التي تتوسط لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى)، فليس من المؤكد أن يكون هناك من سيُنفذ أيَ اتفاق فعلي داخل قطاع غزة".
وأشارت إلى أن "المختطفين لا يزالون رصيدا في أيدي حماس، والحركة تحميهم وفقا لذلك"، وفق تعبيرها.
واستدركت: "ولكن في ظل واقع فوضوي، هناك خوف من أن يُنقل المختطفون إلى أطراف أخرى".
لذلك، خلصت إلى أنه "كما حدث في ليبيا والصومال، أدى الفراغ الحكومي المطول في قطاع غزة إلى إعادة توزيع مراكز القوة، لدرجة تفتيتها إلى شظايا تنظيمية".
واختتمت بالتحذير: "ليس من المؤكد أن هذا الوضع يخدم المصالح الإسرائيلية".