عباس عراقجي في قصر السيسي.. هل تُفتح صفحة جديدة بين مصر وإيران؟

اللقاء بين السيسي وعراقجي جرى "وسط أجواء من العتمة والصمت ذي الدلالات"
في مشهد يلخّص عمق التوترات الرمزية بين القاهرة وطهران، قال موقع فارسي: إن اللقاء الأخير بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "جرى في الظل، حرفيا ومعنويا".
فالصورة المعتمة التي أحاطت بالمشهد لم تكن مجرّد خلفية، بل تعبيرا بصريا عن أربعة عقود من الجفاء السياسي والشكوك المتبادلة، منذ اغتيال رئيس النظام المصري الأسبق أنور السادات وترحيب طهران بمنفذ العملية.
وقال موقع "هم ميهن" الإيراني: إن "كسر هذا الجمود لا يبدأ بالاتفاقات الكبرى، بل بمبادرات رمزية صغيرة، تعكس نيات التقارب وسط تحولات إقليمية تتجه نحو براغماتية أكبر".

عقدة أمام التطبيع
والتقى عراقجي السيسي في الأول من يونيو/ حزيران 2025، في العاصمة المصرية القاهرة "في مناخ مشحون بالرمزية، حيث لم يتمثل البيان الحقيقي للقاء في التصريحات الرسمية، بل في صورة واحدة اختزلت أكثر من أربعة عقود من العلاقات الثنائية المعقدة".
وعلى حد وصف الموقع، جرى اللقاء "وسط أجواء من العتمة والصمت ذي الدلالات، مع بروز ومضات ضوء متناثرة".
وفي هذا السياق، يقول: إن "الاجتماع لم يُعقد في القاعة الرئيسة لمقر الرئاسة المصرية، بل في غرفة جانبية شبه مظلمة، تميزت بأجواء ثقيلة تحجبها ستائر سميكة، بينما كانت أشعة الشمس بالكاد تتسلل من خلالها".
وتابع: "خيم الصمت على وجوه الحاضرين، في مشهد خال من الابتسامات أو الإيماءات الودية، حيث لم تظهر أي علامات على الدفء أو الألفة".
وأردف: "تعكس هذه الصورة طبيعة العلاقات الإيرانية–المصرية التي لا تزال أسيرة للشكوك والضغوط والجراح التاريخية".
"فقد دخلت هذه العلاقات في حالة من الجمود السياسي منذ اغتيال أنور السادات عام 1981، وما تبعه من ترحيب طهران بمنفذ العملية خالد الإسلامبولي".
وجرى إطلاق اسم الإسلامبولي على أحد شوارع العاصمة الإيرانية ليتحول الأمر لاحقا إلى عقدة رمزية تعيق تطبيع العلاقات بين البلدين، وفق الموقع.
وهي عقدة "لم تُحل بعد، رغم التغيرات الإقليمية الراهنة والحاجة الملحة إلى حوارات إستراتيجية جديدة".
وفي هذا السياق، يوضح أن "كسر هذا الجمود لا يتطلب بالضرورة بدءا باتفاق سياسي كبير، بل قد يبدأ بخطوة رمزية تتمثل في تغيير اسم ذلك الشارع".
وهو تغيير "لا يعبر فقط عن احترام للذاكرة التاريخية لمصر، بل يمثل أيضا مؤشرا على استعداد إيران لفتح فصل جديد من الانفتاح والتفاعل مع القاهرة".

هدم الصورة الرمزية
وفي هذا الإطار، يبرز أن "المنطقة تمر بمرحلة تتطلب ضرورة ملحة للحوار، ليس فقط من أجل خفض مستويات التوتر، بل سعيا للوصول إلى لغة تفاهم مشتركة في ظل نظام دولي يتسم بالاضطراب وعدم الاستقرار".
ومع ذلك، ينوه الموقع إلى أن "استمرار العلاقات بين الدول ضمن أطر رمزية تعكس جمودا يجعل من الصعب الحديث عن سلام فعلي دافئ ومستدام".
وبالإشارة إلى "الواقع الذي يفيد بأن الزمن قد تغير، وكذلك معادلات الفاعلين في المشهد الإقليمي والدولي"، يلفت الموقع إلى "أننا نشهد مرحلة غير مسبوقة من التحولات، وصلت إلى حد قيام بعض الكيانات السياسية والحركية الكبرى بحل نفسها طواعية".
وفي هذا الصدد، يقول الموقع: "من كان يتوقع أن حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) سيقرر إنهاء وجوده التنظيمي بإرادته". ويضيف أنه "رغم صعوبة تصديق هذا التحول، فقد بات حقيقة واقعة".
وفي إطار هذا المشهد، يعتقد أن "الاستنتاج العام يشير إلى ضرورة التخلي عن أدوات الماضي والانفتاح على التغيير".
فلا بد من "طي المظلات" و"السير تحت المطر"، في إشارة إلى الاستعداد للتجديد والمخاطرة من أجل مستقبل أكثر استقرارا.
ويوضح الموقع أنه "إذا كان ثمة رغبة حقيقية في تدفق النور مجددا داخل عتمة اللقاءات الرمزية، فإن الخطوة الأولى تكمن في اتخاذ مبادرات رمزية ملموسة، مثل إعادة تسمية الشارع في العاصمة الإيرانية".
وهنا، يختتم تقريره بالإشارة إلى أن التساؤل يبقى مفتوحا: “هل تمتلك دوائر صنع القرار في إيران الإرادة الفعلية لإحداث هذا النوع من التغيير؟”

قطيعة واتصال
وبالعودة إلى التاريخ الحديث للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين فإنها قطعت تماما عام 1978 بعد أن أطاحت الثورة الإيرانية بحكم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي لجأ إلى القاهرة واستقبلته في ظل حكم السادات.
حينها قرر زعيم الثورة آية الله الخميني، قطع العلاقات مع مصر، وأغلقت السفارة الإيرانية في القاهرة، ولم تفتح إلى يومنا هذا.
وزادت حدة التوتر بإطلاق نظام الملالي على أحد شوارع العاصمة طهران اسم خالد الإسلامبولي.
بعد ذلك حدثت محاولات متعددة للتقارب خلال العقود الماضية، أبرزها في منتصف التسعينيات في حكم الرئيس الإيراني الأسبق هاشم أكبر رفسنجاني، ونظيره المصري وقتها محمد حسني مبارك.
ثم اللقاءات التي جرت بين وزيري خارجية البلدين آنذاك علي أكبر ولايتي من الجانب الإيراني، وعمرو موسى من الجانب المصري.
أما أقرب نقطة اتصال فحدثت خلال عهد رئيس مصر الراحل محمد مرسي، عندما زار طهران لأول مرة عام 2012. ووقتها رد الزيارة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، عندما زار القاهرة عام 2013.
وفي 17 مايو 2023، نفى وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري ما تردد عن وجود مسار مصري إيراني. وقال خلال حوار تلفزيوني: "إن هذه الأخبار تكهنات لا أساس لها من الصحة".
وأضاف: "علاقتنا مستمرة مع إيران على ما هي عليه، وعندما يكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائمًا لتحقيق المصلحة".
وأشار إلى أن عدم الثبات في السياسة شيء طبيعي، لأن الهدف منها تحقيق المصلحة. وتابع أن: "المتغير يتطلب تقييما للعوائد المستفادة منها، وما هو المستقبل من تطوير تلك العلاقات".
ومع ذلك التحفظ من قبل شكري في إبداء معلومات، وعدم استباق الأحداث، فإن القاهرة أقدمت على التقارب في الفترة الأخيرة مع عواصم كانت تمتلك معها خلافات مفصلية، وكان على رأسها تركيا وقطر، مما قد يشير إلى إمكانية اتخاذ مثل هذه الخطوة.