إيران تراقب التغيرات من بعيد.. ما مستقبل علاقاتها مع سوريا الجديدة؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

أمضت طهران عقودا في دعم النظام السوري البائد برئاسة بشار الأسد والدفاع عنه، فهل يمكنها أن تجد موطئ قدم لدى من أطاحوا به؟

سؤال طرحته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية، قائلة: إنه من بين جميع القوى في الشرق الأوسط، لم تبذل أي دولة قدر ما بذلته إيران لمساعدة الأسد، على الصمود في وجه الثورة ضده.

ولذلك مثّل سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 على يد تحالف من قوى الثورة بقيادة "هيئة تحرير الشام، خسارة كبيرة ونكسة كبيرة ومهينة لطهران.

فقد كان حجم الدماء والموارد التي استثمرتها طهران في دعم حكومة الأسد هائلا، إلى درجة جعلت سقوطه “هزيمة نكراء لإيران”، بحسب تعبير القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، بهروز اثباتی.

طبيعة العلاقات

وللإجابة على التساؤل، قالت المجلة: "الآن، وبعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على حقبة ما بعد الأسد، تستأنف سوريا وإيران علاقاتهما بحذر، وإن كان بأساليب محدودة، مما يؤكد النهج البراغماتي لكل من دمشق وطهران".

وتابعت: "يحرص الرئيس السوري أحمد الشرع على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والإستراتيجية مع الغرب، مستفيدا من علاقاته المثمرة أخيرا مع الولايات المتحدة وفرنسا".

ولتحقيق هذا الهدف، من المرجح أن يتوخى حذرا بالغا في تعاملاته مع طهران، إدراكا منه أن واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية تنظر إلى إيران بريبة عميقة، وتعدها قوةً مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

لذا، سيسعى إلى تجنب أي إجراءات أو مبادرات تجاه إيران قد تُعرّض جهوده لبناء الثقة والتعاون مع القوى الغربية للخطر.

وكما ذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية في 20 مايو/أيار، أقرّ مسؤولون إيرانيون بتواصلهم "غير المباشر" مع الحكومة السورية الجديدة، بوساطة تركيا وقطر. 

ومع ذلك، أشارت طهران إلى أنها "ليست في عجلة من أمرها" لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

بدوره، أوضح المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الإيرانية للشؤون السورية، محمد رضا رؤوف شيباني، أن طهران "تراقب وتنتظر" لمعرفة كيف سيتطور الوضع في سوريا في ظل حكومة الشرع.

ووفقا لصحيفة "ذا ناشيونال"، تسعى طهران إلى إيجاد سبل للتواصل مع الحكومة السورية الحالية وإحياء الاستثمارات الإيرانية السابقة في الاقتصاد السوري.

وأوضح الدبلوماسي الإيراني أن بدء محادثات مباشرة مع حكومة الشرع يتطلب أولا توافر ظروف "مناسبة" على الصعيدين السياسي والأمني.

وأعرب عن قلقه من أن حالة عدم الاستقرار في سوريا بعد الأسد قد تؤدي إلى تصاعد "الإرهاب وتنظيم الدولة"، اللذين وصفهما شيباني بأنهما تهديد ليس لسوريا فحسب، بل للشرق الأوسط بأكمله.

ورأى أن تحقيق الاستقرار في سوريا يستوجب إشراك "جميع أطياف المشهد السياسي" في العملية السياسية.

ويتوقع باتو جوشكون، المحلل السياسي في معهد صادق (مركز أبحاث مستقل للسياسات العامة مقره طرابلس - ليبيا)، أن تُضفي إيران في نهاية المطاف طابعا رسميا على علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة ما بعد حزب البعث.

وقال: “سوريا تُحتضن من جديد في العالم العربي، والعقوبات الغربية بدأت تخفّ”.

وأضاف: "من غير المتصوَّر أن تمتنع إيران عن إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها الدبلوماسية، خاصةً في ظل تحوُّل خصومها الإقليميين -تركيا والسعودية- إلى شركاء رئيسين للشرع".

ومع ذلك أشار إلى أن إيران في هذه المرحلة، لا تزال تعتمد على القوى الفاعلة حاليا في المشهد السوري، وتحديدا تركيا ودول الخليج.

موازنة واشنطن وطهران

وأوضحت المجلة أن تغيّر موقف البيت الأبيض من سوريا بعد الأسد يُعد عاملا مهما عند تقييم نظرة دمشق للعلاقة مع طهران.

فحتى الآن، تتجه إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى مواءمة سياسة واشنطن في سوريا بشكل أوثق مع تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي.

ويتجلى ذلك في اللقاء المباشر الذي جمع ترامب بالشرع في الرياض منتصف مايو/أيار، وكذلك في قرار الإدارة الأميركية رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا.

ومع سعي الشرع إلى تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة وبقية القوى الغربية، فإنه سيكون حذرا في أي تقارب مع طهران قد يهدد جهوده لصياغة صورة إيجابية لحكومته في نظر الغرب.

وقال جوشكون: “يبدو أن الشرع يقول كل ما يرغب الأميركيون في سماعه، سواء من حيث رؤيته للعلاقات مع واشنطن، أو انسجامه مع نظرة فريق ترامب للأمن القومي في المنطقة”.

وأردف: "يمكن ربط ذلك بتصريحاته حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وسعيه لتقديم سوريا كدولة منفتحة على الاستثمارات الغربية".

وعقب سقوط الأسد تواردت العديد من التقارير التي تحدثت عن لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وعناصر في السلطة السورية الجديدة. وجاءت تلك التقارير في الفترة التي شهدت تعرض مواقع عسكرية سورية لغارات إسرائيلية.

كما كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز البريطانية عن عقد إسرائيل وسوريا خلال الأسابيع الماضية لقاءات مباشرة وجهاً لوجه، في محاولة لخفض التوترات ومنع اندلاع صراع في المنطقة الحدودية بين البلدين.

وبدوره، نقل الكاتب ورجل الأعمال الأميركي جوناثان باس عن الشرع تأكيده ضرورة إنهاء عصر القصف المتبادل بين سوريا وإسرائيل.

وفي نهاية مايو 2025، نشر باس مقتطفات من لقائه مع الرئيس السوري على صحيفة "جويش جورنال"، قال فيها إن لدى سوريا وإسرائيل أعداءً مشتركين، وإنه يمكن للبلدين لعب دور رئيس في الأمن الإقليمي.

وأضاف جوشكون: "من المرجح أن يبقى الشرع على مسافة واضحة من طهران، إذ إن هدف سوريا الجديدة في تعزيز العلاقات مع الغرب بات يتقدَّم على أي حاجة إلى التقارب العاجل مع طهران".

من جهتها، قالت الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بجامعة لايدن الهولندية، مارينا كالكولي: "إيران وسوريا يختبران حدود العلاقة، ويتجهان نحو علاقة غير رسمية وبراغماتية في وقت يسوده غموض شديد، بسبب إستراتيجية الولايات المتحدة غير المتوقعة في المنطقة".

وأضافت: "بشكل عام، ترى طهران أن الحكومة السورية خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة، وبالتالي غير قادرة على إقامة علاقات خارجية خاصة بها".

ومع ذلك، من المرجح أن يتوخى الشرع الحذر من تحويل إيران إلى خصم مباشر، وفق المجلة.

فرغم أن إيران ومحور المقاومة أضعف اليوم نتيجةً لحرب 2023-2024 بين إسرائيل و"حزب الله" وسقوط نظام الأسد، لا تزال طهران تحتفظ بنفوذ ملموس في العراق ولبنان، وهما بلدان مجاوران يسعى الشرع لبناء علاقات إيجابية معهما.

وأوضحت كالكولي أن "العراق مهم جدا لسوريا من حيث التجارة والمياه والطاقة، وهذه الاتفاقيات لا يمكن أن تتم دون ضوء أخضر من القوى السياسية العراقية الموالية لإيران".

وتابعت: "قد يرى الشرع أنه من غير الواقعي على المدى الطويل معاداة إيران، بل وقد يكون ذلك خيارا غير حكيم حتى على المدى القصير، لا سيما في وقت تسعى فيه إيران إلى التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة".

الجسور التركية والقطرية

وبحسب المجلة الأميركية، تسعى تركيا وقطر إلى تحقيق نوع من "التوازن" في سوريا، وهو ما يدفع أنقرة والدوحة للعب دور الجسر الدبلوماسي بين دمشق وطهران.

إذ تسعى أنقرة والدوحة إلى منع سوريا من أن تصبح "منطقة نفوذ إيراني"، بحسب جواد حيران نيا، مدير مجموعة دراسات الخليج، في "مركز الأبحاث العلمية والدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط" في إيران (مركز مستقل تموله الحكومة الإيرانية جزئيا).

لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن لدى تركيا وقطر مصلحة في دفع إيران إلى الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة "لضمان عدم تهميش طهران بالكامل عن المشهد السياسي في سوريا".

وأضاف "حيران نيا" أن مصالح إيران وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تتقاطع في بعض الجوانب في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد.

وأشار إلى أن "تفكك سوريا وعودة الجماعات الإرهابية إلى الواجهة من جديد يمثلان مصدر قلق مشترك لإيران ودول المنطقة، بما في ذلك تركيا وقطر".

"فباستثناء إسرائيل، لا تستفيد أي دولة في المنطقة من تفكك سوريا، ومن ثم، فإن النفوذ الإسرائيلي في سوريا واحتلال أجزاء منها يشكلان أيضا مصدر قلق مشترك لإيران وتركيا والدول العربية في الخليج"، وفق الباحث الإيراني.

وذكرت المجلة أن تركيا وقطر في موقفٍ واحدٍ تقريبا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لسوريا ما بعد الأسد، فقد كانتا من أبرز المستفيدين من تغيير النظام في دمشق. 

وبصفتهما قناتين رئيستين للدول الأخرى التي تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها مع قوى الثورة الذين تحولوا إلى حكام في دمشق، لعبت أنقرة والدوحة دورا محوريا في تسهيل إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي.

وكانت هذه الجهود التركية والقطرية حاسمة في تأمين الجولة الأخيرة من تخفيف العقوبات، وفق المجلة الأميركية.

وفي المقابل، يعكس الغياب الإيراني اللافت عن هذه التطورات تحولا أوسع في موازين القوى الإقليمية. 

إذ تراجعت مكانة طهران نسبيا أمام صعود نفوذ أنقرة والدوحة، اللتين تسعيان إلى التأثير في نظرة الشرع إلى الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك إيران، وكيفية تفاعل دمشق معهم.

وفي نهاية المطاف، يُعد التحول في علاقات سوريا الخارجية منذ سقوط نظام البعث قبل نحو ستة أشهر تحولا لافتا، بحسب وصف المجلة.

فالدول التي كانت أشد خصوم الأسد الإقليميين عقب انتفاضة عام 2011 -تركيا وقطر والسعودية- باتت اليوم تبدو أقرب الشركاء إلى "سوريا الجديدة".

وفي مفارقة حادة، تجد إيران نفسها -التي كانت الحليف الإقليمي الأوفى للأسد- مضطرة للاعتماد على هذه القوى السنية كوسطاء لمجرد الحفاظ على قنوات الحوار مع القيادة السورية بعد التغيير.